20/03/2012

على مدير الجامعة ان يستقيل


اراقت صحافتنا انهارا من الحبر مطالبة بتنحي مدير جامعة الملك خالد. لكن الرجل لم يكلف نفسه حتى عناء الخروج الى الناس وبيان موقفه. لم يتحدث الرجل ابدا للصحافة التي تقصفه منذ اسبوع ، ولم يتحدث لطلابه الذين فاض بهم الكيل ، فقالوا فيه ما يصح  وما لا يصح. ذكرني هذا بموقف مديري الاقتصاد الوطني حين انهارت سوق الاسهم قبل بضع سنوات. يومذاك انتظر مئات الالاف ممن خسر بعض او كل راسماله ، انتظروا توضيحا او تفسيرا او تطمينا من مؤسسة النقد او وزارة المالية او هيئة سوق المال . لكنهم لم ينعموا حتى بكلمة تطييب خاطر ، فضلا عن توضيح لكارثة اصابت الصغير والكبير.
هل هو مجرد اهمال ، ام عجز عن التعامل مع الموقف ، ام اعتقاد يسود بين الاداريين بانهم ليسهم مسؤولين تجاه المجتمع، ام هو انتظار متعمد حتى "تنكسر الموجة" وينشغل الناس بامور اخرى فينسون الجرة المكسورة؟.

 اشعر – مثل كثير من الناس – بالعجز عن استنباط تفسير لهذا الصمت الغريب. لكنني اعلم – مثل سائر الناس ايضا – ان ترحيل التازمات او التقليل من اهميتها لا يأتي بحل ، بل ربما حول المشكلة الى معضلة. اني اخشى حقا من شعور الشباب بان همومهم لا تثير اهتمام احد ولا تحرك ساكنا. يقولون في علم النفس ان علاقة الانسان بالمحيط تتطور في سياق تجاذب بين جانبين في نفسه: ميل للتكيف وميل مضاد للمنازعة. يشتد الميل للتكيف اذا حظي الفرد باستجابة البيئة الاجتماعية لمطالبه وهمومه ، ويشتد الميل للمنازعة اذا ووجه بالاغفال او الصد. المنازعة ليست مجرد سلوك فردي ، فهي روحية تبدا بواحد ثم تنتقل بين الاقران المتماثلين في العمر او الثقافة او الهموم. مجتمع الطلبة هو اكثر البيئات انفتاحا على التغيير ، لانه بطبعه ، وبالنظر للعوامل المذكورة ميال للتمرد على المعتاد والمالوف.

هذا الطبع يستثمر ايجابيا حين يتمرد الطلاب على الاجوبة المألوفة ، فينظرون لما وراء العرف المالوف، فياتون بابتكارات وكشوف علمية تثير الاعجاب. ولكنه قد يذهب في منحى التمرد على النظام الاجتماعي ومنظوماته القيمية واعرافه ، فيؤدي الى خلخلة البناء العلائقي والقيمي ونظام المصالح السائد.
يقول لي بعض الاصدقاء ان استقالة مدير الجامعة سوف تشجع الطلبة على المزيد من المطالبات. وقد تثير حماسة طلاب الجامعات الاخرى لخوض التجربة التي سبقهم اليها زملاؤهم في ابها. لكن الصحيح ان الاستجابة السريعة والجذرية ستكون اخف عبئا واهون كلفة من مكابرة قد تأتي بما هو ادهى.

نخشى ان يؤدي اهمال مطالب الطلبة الى شعورهم بالمهانة . هذا لن تكون عاقبته تناسي ما حصل. بل تشديد الميل للمنازعة في نفوسهم. الميل للمنازعة هو روح تسري بين الاقران وقد تنتشر نارها الى المجتمع الطلابي باكمله. أعلى ثمن يدفع اليوم هو استقالة مدير جامعة او اكثر. لكن هل ندري بالثمن الذي سوف يكون كافيا غدا؟. هل نغامر بتاخير الحل؟. نحن نرى حولنا مصير الذين تاخروا طمعا في تقليل الثمن ، لكنهم اليوم يعرضون اعلى الاثمان فلا يلتفت اليهم احد.
على مدير جامعة الملك خالد ان يعفي نفسه من مسؤولية ما قد يحدث غدا. عليه ببساطة ان يستقيل اليوم قبل الغد.

تعقيب: " في 30 يونيو 2012 امر الملك عبد الله باقالة مدير جامعة الملك خالد د. عبدالله الراشد"

الاقتصادية 20 مارس 2012  http://www.aleqt.com/2012/03/20/article_638435.html
*نسخة المقال الاصلية 

13/03/2012

سيادة القانون ورضا العامة

باستثناء الجيش، فإن جميع المنظمات، الإدارية منها والخدمية والتجارية، تتراجع كفاءتها وقدرتها على الإنجاز في ظروف الأزمة. ثمة أزمات سياسية وأزمات اقتصادية وأزمات اجتماعية، وهكذا.. القاسم المشترك بين الأزمات جميعا، أنها تبدأ عندما يشعر طرف من أطراف النظام الاجتماعي ، بعدم الرضا عن طرف أو أطراف أخرى.
''قانون نابليون'' الذي وضع في 1800 يعد إحدى العلامات البارزة في التاريخ السياسي، فمنه انطلق المبدأ المعروف اليوم بسيادة القانون. سيادة القانون تعني أن تعامل الدولة جميع مواطنيها ، وفق مبادئ وقواعد متماثلة ، بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية أو موقعهم الطبقي.
حكم القانون هو المقابل النظري والموضوعي لحكم الشخص. يتولد الغضب الشعبي، أي عدم الرضا الذي يقود إلى الأزمة، عندما يشعر بعض الناس بأن الإدارة الرسمية أو بعض رجالها ، لا يطبقون قانونا واحدا على الجميع. معظم الشكاوى التي نشرت في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ، حول التأزم الذي شهدته جامعة الملك خالد في أبها ، تتهم إداريين في الجامعة بتحكيم ميولهم الشخصية ، في معاملة الأساتذة والطلبة. عدد معتبر من الأساتذة تركوا الجامعة، وعدد من الطلبة يشكون من حرمانهم من فرص حجزت لأقارب وأصدقاء مسؤولين في الجامعة.
قد تكون بعض هذه الشكاوى صحيحة وقد لا تكون. لكن في كلتا الحالتين، فإن التأزم واضح في العلاقة بين إدارة الجامعة ومنسوبيها وطلبتها.
أمامنا طريقان لتطبيق القانون وإحقاق العدالة: الأول إخضاع مدير الجامعة ومساعديه لتحقيق علني. وهذا يتطلب تجميد صلاحياتهم لكيلا يؤثروا في سير التحقيق. والآخر هو إعفاء المدير ومساعديه ونقلهم إلى مواقع أخرى.
الفارق بين الطريقتين، أن الأولى ستؤدي - قطعا - إلى تفاقم الجدل وظهور قضايا مسكوت عنها، وفي نهاية المطاف الإضرار بسمعة من خضعوا للتحقيق. أما الأخرى فهي تنطوي على إعلان بتحميل المسؤولية عن الأخطاء المزعومة على بعض الأشخاص، الأمر الذي يمكّن من معالجة لاحقة للشكاوى المزعومة في إطار القوانين السارية.
حكم القانون يعني أحيانا التضحية بالأشخاص، حتى لو ثبت عدم مسؤوليتهم المباشرة عن المشكلة، لأن غرض القانون هو تنظيم العلاقة بين أعضاء المجتمع وإزالة أسباب التأزم. كي تؤدي الجامعة دورها بكفاءة، فإنها تحتاج إلى أجواء هادئة، وإلى علاقة تعزز الرضا في الوسط التعليمي وتسمح بالتعاون بين أطرافه.
نحن لا نضحي بمدير من أجل مدير آخر، بل نضحي بمنصبه من أجل المصلحة العامة للمنظمة التي يرأسها. وإذا كان مخلصا لها وفيا لأهدافها فلا شك أنه سيتقبل التضحية بروح رياضية.
سواء كان الحق مع الطلبة أو مع الإدارة، فليس عيبا أن تقول الإدارة السياسية للناس ، إنها تستمع إليهم وإنها تستجيب لمطالبهم وإنها مستعدة للتضحية ببعض الإداريين ، من أجل رضاهم. تحتاج الإدارة إلى رضا الناس كي تتفادى الأزمة، وكي تواصل عملها بفاعلية وكفاءة، وكي يشعر الجميع بأن القانون - روحه ونصوصه - يطبق على الجميع أيا كانت أسماؤهم.
 الاقتصادية 13 مارس 2012

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...