01/12/2008

المؤتمر الاهلي الموازي لقمة الكويت الخليجية


يسعى عدد من الناشطين في المنطقة لعقد مؤتمر شعبي مواز للقمة الخليجية التي ستلتئم في الكويت منتصف الشهر الجاري. تستهدف الفكرة توجيه رسالة لحكومات المنطقة تتضمن المطالب الرئيسية للاهالي ، وهي مطالب لا تبتعد عن الوعود التي اطلقتها مؤتمرات سابقة لزعماء الخليج. وتدور بشكل رئيسي حول محورين :

تعزيز مشاركة المواطنين في الحياة السياسية وتسريع الخطوات الوحدوية بين الدول. جربت فكرة المؤتمر الاهلي الموازي لمؤتمرات القمة الرسمية في اوربا ، كوسيلة لاظهار قوة المجتمع المدني وحضوره على المستوى القاري . لا يزال المجتمع المدني في الخليج ضعيف التاثير على المستوى السياسي لكونه تجربة جديدة ولان الميدان السياسي ضيق ومحتكر من جانب النخب العليا. الانفتاح السياسي وضمان الحريات العامة هي شروط ضرورية لتحول المجتمع الاهلي الى قوة مؤثرة في الحياة العامة ، وهو ما نفتقر اليه في الخليج ، رغم التفاوت بين البلدان في مستوى الانفتاح ومؤدياته.

ليس سرا ان مجلس التعاون الخليجي قد خسر الكثير من بريقه وشعبيته في السنوات الاخيرة. بعيد تاسيسه في 1981 اعتقد اهالي الخليج ان المجلس قد ارسى اساسا قويا لتجربة وحدوية جديدة في العالم العربي . ورغم معرفة الجميع بالطبيعة المحافظة لحكومات المنطقة ، ورغم شكوك المتشائمين ، الا ان مجموع ما قيل في البيانات الرسمية وعلى هامش اجتماعات المجلس قد اوقد امالا بان وحدة الخليج اصبحت على الطريق. معظم هذه الامال تبخر الان ، ولم يعد الخليجيون يحتفلون بالقمم السنوية للمجلس كما كان الامر في البداية .

 ليس فقط لان الامر اصبح مكررا ومعتادا كما يقول بعض المراقبين ، بل لان السنوات العشر الماضية كشفت عن ميول معاكسة. نعرف على سبيل المثال ان موعد اطلاق العملة الخليجية قد تأجل فعلا ولم يبق سوى الاعلان الرسمي عن تاجيله ، بعدما كان مقررا ان يبدأ العمل الفعلي بها في اول الشهر القادم. ونعرف ايضا ان انتقال الرساميل بين دول الخليج ما زال مقيدا . كان المفترض ان يستطيع اي مواطن خليجي او شركة مسجلة في دولة خليجية العمل في الدول الاخرى كما لو كانت شركة محلية. لكن هذا الامر لا زال بعيد المنال ، اي ان فكرة السوق الخليجية الموحدة لم تتحقق رغم الاعلان الرسمي عن قيامها في يناير 2008.

اذا مررت باي منفذ حدودي بين دول الخليج فستواجهك المئات من الشاحنات التي تنتظر اياما قبل انهاء المعاملات الجمركية المعقدة بين بلدين يفترض – نظريا – ان لا حواجز جمركية بينهما. على مستوى تنقل الاشخاص لم تحدث تطورات مهمة فتنقل المواطنين بالبطاقة الشخصية لم يطبق بالكامل ، ولازال المواطن مضطرا للانتظار في كل منفذ ، خلافا للنموذج الاوربي الذي كان مأخوذا بعين الاعتبار ، حيث يتنقل المواطن والاجنبي المقيم من دون تفتيش او توقف بين الدول الاعضاء في الاتحاد الاوربي.

على مستوى الاصلاح السياسي ثمة تفاوت ملحوظ ، يشبه تماما ما كان عليه الحال قبل قيام المجلس . في قمم سابقة تحدث كل من الملك عبد الله وامير الكويت السابق الشيخ جابر الاحمد وامير قطر  الشيخ حمد بن خليفة عن ضرورة توسيع المشاركة الشعبية في العمل السياسي ، وكان ثمة اتجاه الى تشكيل ما يشبه البرلمان الاهلي في اطار المجلس ، لكن هذه الدعوات لم تقترن بوضع التزامات محددة او برنامج زمني . من المفهوم ان مثل هذا الموضوع يدخل في الاطار المحلي الذي لا يناقش في مؤتمرات القمة ، لكن كان الامل ان تسهم تلك الدعوات ، ولا سيما بسبب صدورها في اجتماعات القمة في اطلاق روحية جديدة  تؤدي الى نوع من الالتزام الادبي تجاه شعوب المنطقة.

هذه التراجعات احبطت الامال القديمة ، فهل يستطيع المؤتمر الموازي اعادة تدوير العجلة ؟.

اشرت الى ان المجتمع الاهلي ليس قويا بما يكفي لتوليد ضغط يتناسب مع حجم المهمة المطروحة ، لكن المبادرة بذاتها تستحق التقدير . انه في اقل الاحوال تحرك يستهدف اثبات وجود المجتمع الاهلي واعلان تطلعاته . واذا لم يستطع المبادرون تحقيق اهدافهم المعلنة اليوم ، فان لكل شيء بداية ، وقد تكون هذه المحاولة هي البداية المنتظرة لشيء اكبر ياتي في قادم الايام . من المهم على اي حال ان يقوم الاهالي بما يستطيعون ولو اقتصر على اعلان موقف او توجيه رسالة .
ديسمبر 2008

12/11/2008

حول قدرة المجتمعات على التحكم في حياتها


 انتخاب باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة الامريكية هو دليل آخرعلى قابلية الليبرالية السياسية لتجديد نفسها وتصحيح عيوبها. تتدخل في عملية الانتخاب عوامل كثيرة سياسية وثقافية ، تشكل بمجموعها ما نسميه بالظرف التاريخي. النجاح او الفشل في كسب اصوات الناخبين هو في اغلب الاحوال نتاج ذلك الظرف الذي قد يكون مساعدا او العكس.

يتكون الظرف التاريخي نتيجة لنوعين من العوامل ، اولها العوامل االثقافية او البنيوية ، وهي في العادة طويلة الامد من حيث التكوين ومن حيث التاثير . وقد نستطيع تسميتها بالعوامل الثابتة . اما النوع الثاني فهو العوامل السياسية التي تظهر في حالات محددة وتختفي بزوالها. يمكن التمثيل على النوع الاول بموقف الاكثرية من الاقلية . العرف الجاري في جميع الانظمة السياسية يقضي بان ينتمي رئيس الدولة الى الاكثرية. اما مثال النوع الثاني فهو تاثير التطورات الاقتصادية او السياسية في تغيير موقف الجمهور من بعض المرشحين .

 ما يهمنا في هذا المجال هو سلوك المجتمعات المختلفة من حيث نسبة انفعالها بالعوامل الثابتة قياسا الى مجموع العوامل ومن حيث قابليتها لاعادة النظر في هذه العوامل بتاثير العوامل المتغيرة. ثمة مجتمعات تلعب عواملها الثابتة الدور الحاسم في معظم مواقفها من القضايا المطروحة .

مثال ذلك موقف الولايات المتحدة وايران من التفاوض المباشر بينهما ، فمنذ قيام الثورة قبل ثلاثين عاما لم تستطع الدولتان تجاوز العوامل المانعة للتفاوض المباشر ، الامر الذي حول النزاع بينهما من خلاف سياسي الى معضلة ايديولوجية وتقليد ثابت يعجز كلاهما عن تجاوزه. ما نراه اليوم من كلام كثير حول البرنامج النووي هو مجرد وعاء للعلة الجوهرية اي العجز عن اختراق العائق التاريخي . قبل المسالة النووية تمحور الكلام حول دعم الارهاب وقبله عن اعاقة السلام في الشرق الاوسط وقبله عن تهديد امن الخليج وقبله عن تصدير الثورة. وهكذا فاننا نشهد في كل حقبة مبررا جديدا لكن المحصلة النهائية هي التاكيد على العائق التاريخي اي العجز عن التفاوض المباشر.

معظم من ناقش احتمالات فوز باراك اوباما مالوا الى التشكيك في قدرته على تجاوز العائق التاريخي او مجموع عوامل التاثير الثابتة مثل رفض الاكثرية البيضاء تولية رئيس اسود ، او رفض قطاع الاعمال المؤثر على الاعلام والراي العام تولية مرشح مصنف على يسار الحزب الديمقراطي او رفض اللوبي اليهودي دعم مرشح ذي جذور اسلامية الخ..

لا نستطيع الان لومهم على التسرع في اصدار ذلك الحكم ، لانهم قراوا التناسب بين تاثير العوامل الثابتة والمتغيرة . ولم يكن بين المتغيرات ما هو قوي الى درجة زحزحة العوامل الثابتة. لكن الذين ايدوا اختيار باراك اوباما كواحد من المرشحين الاوائل للحزب الديمقراطي ، ثم اختاروه واحدا من اثنين في التصفيات قبل النهائية ، ثم دعموه كمرشح وحيد في مقابل هيلاري كلينتون ، كل هؤلاء كانوا واثقين من قابلية المجتمع الامريكي لتجاوز العوامل الثابتة التي اصبحت عرفا عاما او تقليدا راسخا . لقد حدث هذا قبل تفاقم ازمة سوق المال في اغسطس الماضي ، اي قبل ان تبدأ العوامل المتغيرة في الاشتغال. اولئك الناس لم يكونوا قلة ، ولم يكن غالبيتهم من السود الذين ربما يشك في انحيازهم . كل ما في الامر انهم كانوا واثقين في قدرة النظام الاجتماعي الليبرالي على تجاوز تقاليده واعرافه مهما كانت عميقة الجذور.

المجتمعات المسكونة بالتاريخ ، وتلك الخاضعة لتاثير الايدولوجيا ، وكذلك المبتلاة بعلة الارتياب ، هي اقل المجتمعات قدرة على تجديد نفسها ، لانها اقل جرأة على تحدي اعرافها وتقاليدها ، واقل رغبة في الانتصار على نفسها وثوابتها ، اي في نهاية المطاف مملوكة لتجربتها الماضية وعاجزة عن التحكم في حياتها . وعلى العكس من ذلك تبدو المجتمعات الاميل الى الليبرالية اقدر على التحكم في مسارات حياتها وتغيير هذه المسارات حيثما وجدت حاجة . حينما يعجز المجتمع عن التحكم في تقاليده وذاكرته التاريخية ، فسوف يبقى سجينا لها ، يكرر صورة الماضي في الحاضر ويعيش زمنه منفصلا عن حقيقة هذا الزمن . وحينما يتحرر المجتمع من قيود اعرافه وقيود تجربته التاريخية ، يصبح الحاضر والماضي ملكا له فيعيد صياغة حاضره كما يعيد صياغة ذاته فيولد من جديد .

15-11-2008

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...