11/04/2007

عيوب المركزية الادارية كما تظهر في الطرق



أيام القمة العربية كانت فرصة لسكان الرياض كي يكتشفوا واحدا من عيوب المركزية الادارية. لاربعة ايام كان الجو شديد الهدوء والهواء نظيفا. وتحول معظم السائقين فجأة الى اناس مسالمين لا يسابقون ولا يغضبون ولا يطلقون زمامير سياراتهم على اعنتها، ولا يواصلون كبس الضوء العالي كي يجبروا من امامهم على اخلاء الطريق الممتلئ اصلا. وكان في وسع الناس ان يصلوا الى مقاصدهم في دقائق، مقابل ساعة او نحوها في الايام السابقة.

 في هذه الايام نفسها اكتشف سكان المنطقة الشرقية واحدا من فضائل اللامركزية، فكثير من سكان الرياض الذين حصلوا على اجازة خلال ايام القمة جاؤوا الى الشرقية كي يتبضعوا او يستمتعوا بربيعها الجميل، فشهدت المطاعم والفنادق والاسواق ازدهارا استثنائيا، واستمتع الناس باوقات سعيدة مع عائلاتهم واطفالهم. لا يمكن بطبيعة الحال عقد قمة عربية كل اسبوع كي يواصل الناس استمتاعهم بما يحصل على حاشيتها.
لكن المؤكد ان كثيرا من سكان الرياض ومثلهم من سكان الشرقية قد تساءلوا: اليس من الافضل توزيع الثقل السكاني بين مناطق المملكة بدل تركيزه في المدن الكبرى؟. قبل قرون كتب عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته المشهورة ان العمران يتطلب زيادة السكان وكلما زاد سكان بلد زادت الصنائع فيه وتوفرت اسباب المعيشة. وهذا ما يسمى في ادبيات التنمية اليوم بالتحضير حيث يعتبر نمط المعيشة المديني ضرورة لقيام اقتصاد حديث.

 في هذا السياق فان ابرز الفوارق بين المدينة والقرية هو الحجم السكاني الذي تجعل اقامة الخدمات العامة والنشاط الاقتصادي بشكل عام مجديا وجذابا، وهو ما لا يتوفر في القرى قليلة السكان. ولو قدر لابن خلدون ان يرى حال المدن المزدحمة اليوم فلربما غير رأيه، او وضع – على اقل التقادير- حدا اعلى لزيادة السكان في المدن كما فعل اقتصاديون وعلماء اجتماع معاصرون. لا شك ان ضآلة عدد سكان القرية تجعل اقتصادها هشا ومحدودا، كما ان ضخامة مجتمع المدينة يجعل اقتصادها نشطا ومتنوعا.

 لكن ثمة معادلة حرجة هي اشبه بمسار ينتهي عند نقطة محددة. قبل هذه النقطة يكون الحجم السكاني الكبير مثاليا للاقتصاد، ولكنه يتحول من بعدها الى عقبة ومصدر لانواع من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والامنية وغيرها. ربما لا يحسب كثير من الناس القيمة المادية وغير المادية للوقت الذي ينفقونه في الطريق الى اعمالهم. اذا كنت من سكان الرياض او جدة فالمقدر انك تضيع ساعة ونصف الساعة يوميا تقريبا بسبب الزحام.

هذا الوقت الذي يبدو قصيرا، يعادل عشرة بالمائة من الوقت المفيد للعمل (16 ساعة في اليوم). وتقاس الخسارة الاجمالية بضرب مجموع عدد الاشخاص الذي يحصدون هذه الخسارة في متوسط قيمة ساعة العمل. واظن ان حسابا من هذا النوع سيكشف عن خسائر سنويا بمئات الملايين. لكن هذه ليست الخسارة الوحيدة، اذ يضاف اليه استهلاك السيارة نفسها واستهلاك الوقود، وهي نفقات غير مرئية لكنها حقيقية.

ويضاف اليه ايضا التدمير المنتظم للبيئة بسبب الكميات الهائلة من الكربون والملوثات التي تقذفها محركات السيارات في الهواء. كما يضاف اليه الخسائر على المستوى الشخصي، فالشوارع المزدحمة هي الاماكن الطبيعية للتوتر النفسي والقلق الذي يؤدي مع التكرار الى تدهور في الصحة البدنية والجسمية. اذا تركنا الطرق وازدحامها، ونظرنا الى المسألة من زاوية التخطيط الحضري، فان التزايد العشوائي للسكان يثمر عن ضغط شديد على الخدمات العامة كالتعليم والصحة والخدمات البلدية وغيرها، وهذا يؤدي بالتأكيد الى انخفاض كفاءتها او انخفاض مستوى الخدمة المقدمة.

 في الحقيقة فان هذه المشكلة جعلت مؤسسات الخدمة العامة في كثير من البلدان عاجزة عن القيام بواجباتها، وكان الحل الوحيد هو ترك الناس يدبرون انفسهم. من يريد العيش في مدينة كبيرة فعليه ان يتحمل نفقات علاجه وتعليم ابنائه واحيانا تفريغ برميل الزبالة امام بيته وهكذا. صحيح ان زيادة السكان تؤدي الى نشاط اقتصادي اضافي، لكنها - اذا تجاوزت حدا معينا - فسوف تعود الى استلاب الفوائد من خلال المسارات التي اشرنا اليها.

 المدينة المزدحمة اشبه برجل يسرف في الاكل كي يستمتع بماله، لكنه يعود فينفق جزءاً اكبر على معالجة الامراض الناتجة عن التخمة والاسراف. الحل الوحيد لهذه المشكلة يكمن في تطبيق اللامركزية الادارية. معظم الازدحام ناشئ عن تمركز اوعية التوظيف الاساسية (الدوائر الحكومية والشركات الكبرى) في العاصمة، من دون ضرورة سوى ان العادة قد جرت على هذا النحو. اللامركزية تعني نقل الكثير من الادارات من العاصمة، واهم من ذلك تهيئة السبل القانونية كي يستغني الناس عن الذهاب الى العاصمة لانجاز كل عمل صغيرا كان او كبيرا.

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070411/Con20070411102590.htm

04/04/2007

المال كوسيلة لتبريد التوترات المحلية



بين جميع النقاشات التي شهدتها القمة العربية، لفت انتباهي فقرة في النقاش حول مشكلة اقليم دارفور السوداني، تؤكد على مساهمة العالم العربي في اعمار الاقليم كجزء من الحل الشامل للصراع العرقي فيه. ولا اريد المبالغة في الظن بان الاموال ستنهال على هذه المنطقة الفقيرة فور انتهاء القمة. لكن تبني مبدأ «الدعم الحياتي كجزء من الحل السياسي» هو من غير شك لب المسألة وهو الطريق الصحيح لمعالجة التوترات العرقية والاجتماعية.

عرف العالم العربي الحلول الامنية والعسكرية مرارا وتكرارا ولم يفلح في أي منها. وجرب الحلول السياسية والاقتصادية في بعض الاحوال وقد نجحت جميعا. ابتلي السودان نفسه بحرب طاحنة في الجنوب طالت ثلاثين عاما، ولم تنته الا بعد تنازل الخرطوم وقبولها بمشاركة الجنوبيين في السلطة والثروة. وفر هذا الحل أرواح الآلاف من الناس كما وفر 400 مليون دولار كان ينفقها الجيش السوداني سنويا على الحرب في الجنوب.

 ومثل ذلك تجربة الصراع بين الاكراد والحكومة العراقية التي استمرت منذ 1936 حتى 2003، ولم تنته رغم ان الحكومة جربت اقسى وسائل الحرب، أي الابادة الجماعية حين دمرت قرى بكاملها وقصفت اخرى بالقنابل الكيماوية. استهلك هذا الصراع ارواح مئات الالاف من العراقيين والمليارات من الموارد وضيع الكثير من فرص النمو، لكنه لم يجد حلا الا حين اعترف العراقيون جميعا بحق الاكراد في حكم ذاتي ضمن نظام فيدرالي  موسع يقوم على الديمقراطية والتعددية والتوزيع المتكافئ للموارد الوطنية.

ولهذا فليس لدينا اليوم مشكلة اسمها المشكلة الكردية، كما كان الحال طوال العقود السبعة الماضية. بدأت مشكلة دارفور بصراع بين القبائل على مراعي الابل ومصادر الماء الشحيحة في الاقليم. وتطورت الى نزاع على حقوق الملكية، ثم تفاقمت حين دخل فيها العامل القومي والعنصري، وبلغت ذروتها حين اصبحت جزءاً من النزاع الدولي حول السودان ونظامه. 

والمؤسف ان حكومة الخرطوم قد ارتكبت خطأ فادحا بانسياقها الى النهج الخطير الشائع في السياسة العربية الذي يميل الى اختراق المجتمع المحلي وتقسيمه الى حلفاء واعداء، وهو منهج يؤدي بالضرورة الى استعداء فريق والانحياز الى آخر والدخول طرفا في النزاع بدل الحياد بين المتنازعين ولجم الاندفاع نحو الازمة.

وقد ادى هذا المنهج كما يحدث دائما الى تشديد الكراهية بين القبائل الافريقية من جهة وبين الحكومة وحلفائها من جهة اخرى، وتحولت ازمة دارفور الصغيرة الى مشكلة دولية تهدد استقرار السودان واستقلاله. لو بادرت الخرطوم ومعها العالم العربي الى العلاج الاقتصادي قبل ظهور المشكلة، او على الاقل قبل تفاقمها، لما كان لدينا اليوم مشكلة اسمها دارفور. بدأ الصراع بسبب ندرة الموارد، ولهذا فان الحل يبدأ هو الاخر بتوفير موارد اضافية لحل مشكلة الندرة.

صحيح ان السودان فقير، لكنه كان قادرا على حل هذه المشكلة بنفسه او بالتعاون مع اشقائه العرب. تنفق الحكومة على قواتها العسكرية في دارفور اضعاف ما كان ضروريا لاطلاق تنمية تحل مشاكل الاقليم وتبرد التوتر بين سكانه. بعبارة اخرى فان الانزلاق الى فكرة الحل العسكري السريع قد فاقم المشكلة وضاعف كلفة الحل البديل، وهذا ما يحدث دائما. اقرار القمة العربية بالحاجة الى اعمار دارفور كجزء من سلة الحل هو مجرد بداية.

وينبغي للحكومة السودانية ان تعمل على تفعيله في أسرع وقت ممكن. بكلمة اخرى فان الخرطوم بحاجة الى حل ذي ثلاثة ابعاد: اولها ادماج ممثلي السكان المحليين في الادارة الحكومية، وثانيها اطلاق حملة اعمار تركز على تأمين مصادرالعيش الكريم للسكان، وثالثها القبول بقوات عربية او افريقية مساندة للقوات السودانية كنوع من الضمان المؤقت للسكان المحليين الذين فقدوا الثقة في حكومتهم حتى يستعيدوا الثقة فيها. طالما كان السودان فقيرا ومتكلا على غيره، لكن ارتفاع اسعار البترول يوفر الان فرصة نادرة لهذا البلد كي يغير صورته القديمة.

ولهذا يتوجب عليه استثمار كل قرش يحصل عليه من مبيعات البترول في الاعمار والتنمية بدل تضييعها في حروب متنقلة بين اقاليمه. يمكن للمال ان يحل مشكلات كثيرة، لكنه في كل الاحوال يحتاج الى ارادة والى استعداد لتقديم تنازلات. لا يعيب أي حكومة ان تتنازل لشعبها، بل يعيبها قتلهم او تركهم يقتلون على ايدي بعضهم البعض، ويعيبها بالتاكيد تركهم يعانون الفاقة وشظف العيش بينما يتغنى الاعلام الحكومي بالوطن والسلام.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070404/Con20070404100694.htm
 الأربعاء 16/03/1428هـ ) 04/ أبريل/2007  العدد : 2117

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...