13/05/2006

العواجي وغباره وحرية رايه


تعقيب على مقالة «العواجي مثير الغبار» للاستاذ منصور النقيدان
اظن ان اخي الاستاذ منصور النقيدان قد ذهب بعيدا في نقد مسيرة الدكتور محسن العواجي وتحولاته. لم التق بشخص السيد العواجي، لكني اعرف انه يعبر عن راي شريحة معتبرة من المجتمع السعودي. قد نتفق مع قليل من ارائها ونختلف مع اكثرها، لكنها في نهاية المطاف جزء من الراي العام الذي ينبغي لكل صاحب قلم وكل داعية اصلاح ان يحترمه بغض النظر عن موقفه الخاص منه.
منصور النقيدان
لم يؤخذ العواجي بجناية تعيب صاحبها، بل براي توصل اليه عقله، وعبر في لحظته عن مشاعر اراد كثير من الناس التعبير عنها، فخانهم القلم او خانتهم الشجاعة او حال بينهم وبينها ضيق المسارب وانعدام القنوات. لا اتفق مع الاستاذ النقيدان ايضا في محاولته الايحاء بان العواجي قد تجاوز «حجمه» او خرج عن حده او حاول استغلال حادثة معينة او حوادث كي يرتدي عباءة حيكت لغيره. فالبديهي ان التطلع للمكانة الاجتماعية حق ثابت وطبيعي لكل فرد. خاصة اذا استعان بكفاءته ونشاطه في الوصول الى ذلك المكان ، ولم يركب اعناق الناس ، او يستثمر جهود غيره في الانفراد بما هو مشترك بينه وبينهم.
على ان المسألة في جوهرها لا تتعلق بالعواجي شخصيا، بل بحقه في التعبير عن رأيه، وحقه في التعبير عن مشاعر تلك الشريحة من المجتمع التي يمثلها او ينتمي اليها. ربما يعيب النقيدان على الرجل اسلوبه القاسي في التعبير عن هذا الراي، او بشكل عام اسلوبه في العمل السياسي، وربما يتفق كثير من الناس معه على هذا الجانب بالخصوص. لكن لا اظن احدا يشك في ان العواجي كان شجاعا في اعلان موقفه ، وهو يعلم انه قد جاوز او اوشك ما اعتبره غيره خطوطا سوداء وحمراء وصفراء.
في الوقت الذي نتفهم الحاجة الى احترام اعراف اخذ بها مجتمعنا لوقت طويل، فان الحاجة تدعو - بنفس القدر - الى مناقشة الحدود النهائية لهذه الاعراف، ولا سيما حين تتصادم مع حرية الناس في التفكير وفي التعبير عن افكارهم. البلد ملك لجميع اهله، وكل واحد من هؤلاء صاحب حق في تقرير حاضره ومستقبله، وكلهم صاحب حق في اظهار القلق اذا رآها تسير في طريق لا تؤمن نهايته.
عبر العواجي عن قلقه بطريقة سلمية. وكان الاولى ان يجاب على ذلك بمثله. في هذه الايام لا يعتبر انتقاد سياسات الدولة جريمة تستوجب العقاب. ولا يظن احد ان نقدها ، ولو كان بمثل القسوة التي اتبعها العواجي ، سوف يؤدي الى الاضرار بالامن العام والاستقرار. على العكس، فلعل التعبيرعن مشاعر القلق بهذه الصورة السلمية هو صمام امان يحول دون تحوله الى مغذ للمنازعة ومشاعر العدوان.
كان دور الدكتور غازي القصيبي وزير العمل ، هو محور مقالة العواجي التي اخذته الى السجن. ونعرف القصيبي شاعرا واديبا قبل ان يكون وزيرا. مر بالبلاد عشرات الوزراء لا يذكر الناس اسماءهم، لكن اسم القصيبي اشهر من نار على علم، ليس لوزارته بل لادبه وفكره وشعره. ولهذا السبب بالذات فان القصيبي المفكر مدعو الى السعي بكل ما لديه من وجاهة في الدولة وفي المجتمع ، لاطلاق سراح العواجي. ان خطوة مثل هذه ستزيد من مكانة القصيبي في النفوس، وهي ستخفف من حنق الناقمين عليه ، ممن عبر العواجي عن رايهم. وفوق ذلك فهي ستعطي مثالا على التسامي فوق جراح الذات ، اذا تعلق الامر بحرية الراي وحرية الفكر وحرية التعبير.
اخيرا فاني اناشد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، الذي كانت له مواقف سابقة في الحيلولة دون قمع اصحاب الراي، اناشده ان يجعل من حرية التعبير سنة في عهده. وان يشمل بعفوه السيد العواجي مثلما فعل بغيره من قبل. فالعواجي وكل صاحب راي في هذا البلد، هم راس مالها الثقافي ، وهم اعمدة استقرارها ، مهما اختلفت اراؤهم او تعارضت مع هذه السياسة او تلك.
  - 15 / 3 / 2006م 

25/04/2006

هم البحث عن اسماء سخيفة


قارن ما فعلته دبي خلال السنوات العشرين الماضية بما فعله جيرانها . لو اتبعت حكومة دبي التقاليد السائدة في عالم العرب ، لكانت اليوم نسخة اخرى من رأس الخيمة . لكن حكامها فهموا ان عقل الانسان يتسع لما هو ابعد من الخيارات القليلة الظاهرة امامه . لم يكن لدى هذه الامارة الصغيرة ما يكفي من البترول مثل جيرانها ، لكن كان لديها عقول وعقلاء ، واذا كان لديك عقل نير فانت تستطيع الحصول على موارد لا تقل قيمة عن البترول . دبي اليوم لا تحتاج الى البترول لان جميع اصحاب البترول يحتاجون اليها ، وجميع الذين يحتاجون اموال البترول يذهبون اليها .

قارن ايضا ما فعله الاتراك والايرانيون وما فعله جيرانهم العرب خلال نفس الفترة . في العام 1980 شن صدام حسين حربا ضروسا على ايران دامت ثمان سنين ، وما خلص منها حتى مال الى حرب اخرى على جيرانه الخليجيين . في العام 1996 قال لي صديق زار بغداد ان اسواق العراق علمته ان ايران هي التي كسبت الحرب ، لانه وجدها مليئة بالبضائع الايرانية ، من البسكويت الى الثلاجة المنزلية حتى قطع غيار السيارات . 

لم ينس الايرانيون الام تلك الحرب لكنهم لم يتوقفوا عندها ولم يصرفوا جهدهم في تاليف الاشعار حولها ، بل عضوا على جراحهم وكرسوا جهدهم لاعادة بناء اقتصادهم الذي حطمته الحرب . في هذا الوقت كان البعث العراقي مشغولا بالبحث عن اسماء جديدة لجيرانه ومنافسيه مثل اسم القادسية وام المعارك وغيرها . بعد عقد ونصف من تلك الحرب ، تشير تقارير دولية الى ان ايران قد بنت خلال هذه الفترة ما يزيد على ثلاثة الاف كيلومتر من سكك الحديد الجديدة . كما اقامت ثلاثين  مصنعا جديدا للسيارات ، وانتجت في العام الماضي وحده ما يقل قليلا عن مليون سيارة مقارنة بنحو ثلاثين الف سيارة في العام 1988 ، ومعها توسعت صناعة قطع الغيار من خمسين مصنعا الى الفي مصنع . في نهاية العام الجاري سيرتفع انتاج السيارات الى نحو مليون وربع المليون مع بداية الانتاج في مشروع مشترك مع شركة رينو الفرنسية.  نعرف ايضا ان ايران تسعى بجد لتوطين صناعة الطائرات ، وهي تتعاون مع شركات اوكرانية لانتاج محركات لطائرات الهليوكبتر والطائرات الخفيفة والمتوسطة .

ركزت ايران على تطوير التعليم والبحث العلمي ، وتعزيز ثقة شبابها بانفسهم وقدراتهم . كما ربطت بين الجامعات وبين المصانع ومراكز الانتاج ، ولهذا فهي تحقق اليوم اختراقات لافتة في مجال التكنولوجيا ، لعل اخرها هو نجاح مهندسيها في تخصيب اليورانيوم الذي اثار الدنيا ولا يزال.

فعلت تركيا شيئا مماثلا ، وسبقت ايران ، وسبقت بالطبع جميع جيرانها العرب ، فهي تصنع اليوم معظم ما يحتاجه سكانها ، واذا قدر لك زيارة هذا البلد فسوف تجد ان معظم ما يستعمله الناس في حياتهم اليومية مصنوع محليا ، من مواد البناء الى السيارة الى مصعد البناية واثاث البيت وغيره . وحين انتكس اقتصادها في مطلع العقد الجاري ، لم تتردد في علاجه سياسيا ، فقد تنحت الحكومة القائمة وفتحت الباب امام صعود حزب كان يعتبر حتى وقت قريب معاديا للايديولوجيا الرسمية . لكن هذا التغيير اعاد الثقة بالنظام السياسي واعاد الثقة بالقانون ، وبالتالي اعاد قطار الاقتصاد الى سكته .

هل نحتاج الى مقارنة اخرى مع بلد اسلامي مثل ماليزيا ؟ .  خلال اقل من ثلاثة عقود تحولت ماليزيا من دولة زراعية فقيرة الى واحد من اقطاب الصناعة الجديدة في اسيا ، وهي اليوم دولة غنية تصدر من المنتجات المصنعة ما يعادل صادرات ابرز الاقطار البترولية العربية . ويقول رئيس حكومتها السابق مهاتير محمد ان السر في هذا يرجع الى تطوير التعليم وجعله محور الانفاق والتخطيط الحكومي . ونضيف اليه ان ماليزيا اختارت الطريق الديمقراطي واقامت نظاما يشعر كل مواطنيه بالمساواة في الفرص والحقوق . وتضم هذه البلاد مسلمين ومسيحيين وهندوسا كما تضم اعراقا مختلفة .

يحتاج العرب الى اخذ العبرة من جيرانهم . قد يكون عسيرا عليهم ان يقارنوا انفسهم بالولايات المتحدة واوربا التي بدات منذ زمن بعيد وسبقتهم اشواطا . لكن ليس من العسير ان نقارن انفسنا بجيراننا الذين بدأوا في وقت قريب . لا نحتاج الى اعادة اكتشاف العجلة . هذه تجارب فعلية قريبة منا ، يقوم بها اناس مثلنا وفي ظروف مثل ظروفنا .

بعض الناس مهمومون الان بالبحث عن تسميات جديدة لما يصفونه بالتهديد الايراني ، وهي تسميات سبق لحزب البعث وزعيمه صدام ان ابدع فيها ايما ابداع . مثلما اطلق صدام على حربه اسم القادسية واسمى نفسه بحارس البوابة الشرقية من الفرس المجوس ، فان عددا من الكتاب العرب ، من بينهم مثلا الدكتور عبد الله النفيسي ، يفكر في اسم من نوع "التهديد الصفوي" ، وايحاءاته لا تختلف عن تلك التي ارادها صدام .  واظن ان جوهر المشكلة يكمن في ضعفنا الذي يجعلنا على الدوام في حالة قلق من الجيران ومن الاباعد . ضعفنا هو ثمرة تخلفنا في مجال العلم ، وقد نهضت اوربا ونهض غيرها لانهم تقدموا علميا .  اذا كان كل الناس قادرين على فك هذه الاحجية وهم يفعلون ذلك اليوم وقريبا منا ، فلماذا نكون الوحيدين الذين يستبدلون العمل بالنواح ؟. من الواضح ان الاسماء التي يخترعها النفيسي مثل التي اخترعها صدام ، لن تزيدنا الا خبالا وضعفا . واظن ان ما نحتاجه اليوم ليس البحث عن تسميات سخيفة بل البحث عن علل تخلفنا وقراءة تجارب الاخرين الذين سبقونا او كادوا.
الايام 25 ابريل 2006

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...