وفاة عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكنج ، احيت جدلا
مزمنا ، محوره سؤال: هل يصح لنا ان نعتمد على عقولنا كمصدر للقيم واخلاقيات
التعامل مع الناس ، المشابهين لنا والمختلفين عنا؟. سبب هذا السؤال هو اصرار بعض
الناس ، على ان هوكنج وأمثاله من العلماء الذين أغنوا حياة البشر ، ليسوا مسلمين فلا
يستحقون الرحمة.
لحسن الحظ فان غالبية المسلمين اليوم ، يعتبرون هذا الرأي
افراطا بلا ضرورة. لأننا لا نعلم ماذا سيفعل الله بأمثالنا وأمثال ستيفن هوكنج.
وذكرني هذا السجال بقصة شهدتها أيام دراستي الاولى ، خلاصتها ان زميلا لي جادل
استاذنا حول المصير الاخروي لمن نعتبرهم كفارا. بدأت القصة حين اثنى الاستاذ على
علم الفيلسوف اليوناني سقراط وفضائله. فقال التلميذ مازحا: "في نهاية
المطاف.. سنتفرج عليه وهو يحترق في نار جهنم" فاجابه الاستاذ بلهجة حازمة: "اذا
حظينا بعفو الله فقد نجد سقراط وتلاميذه قدامنا في الجنة". ثم شرح مسألة
الحسن والقبح العقليين ، التي كانت في الماضي موردا للجدل بين علماء الكلام وأصول
الفقه.
الرئيس الامريكي باراك اوباما يقلد ستيفن هوكنج
وسام الحرية الرئاسي في 12-8-2009 |
منذ زمن قديم انقسم علماء المسلمين الى فريقين ، فريق
اعتبر النص الوارد عن الله والرسول مصدرا وحيدا للتشريع والقيم الاخلاقية. وفريق قال
ان العالم يتغير فتستجد قضايا ما كانت منظورة في زمن النص. فلا محيص من اعتماد
العقل كمصدر للشرائع. صور هذه الاشكالية الفقيه الشافعي ابو الفتح الشهرستاني بقوله
ان النصوص محدودة والحوادث لا متناهية ، ونعلم قطعا انه لم يرد في كل حادثة نص ، ولا
يمكن للمحدود ان يستوعب اللامحدود.
كلا الفريقين لازال حاضرا في ساحة الفقه والدعوة. ولديه
مبررات تدعم موقفه. ولعل اقوى حجج الاخباريين هي قولهم بان النص معصوم والعقل خطاء
، فالالتزام بمنطوق النص اقرب للسلامة ، لأن طاعة الله احرى ان لا تبنى على
الظنون.
يعرض الفريق الآخر حجة لا تقل قوة ، وخلاصتها ان الله
خلق العقل وأمر عباده بالاعتماد عليه في كل جوانب حياتهم ، واعتبره شرطا للتكليف ،
فغير العاقل لا يسأل عن شيء ولا تكليف عليه. العقل اذن محور علاقة الناس بربهم.
فاذا كان غير قادر على تمييز القبح والحسن المنطوي في أفعال البشر ، غير قادر على
تمييز ما يستحق الثناء وما يستحق العقاب ، فكيف يكون قاعدة الحياة الدينية ومحور
علاقة الانسان بربه؟.
وقالوا أيضا ان التفكر والاختيار العقلي المحض ، هو مبدأ
معرفة الله والايمان به ، فليس في التوحيد تقليد. وهذا أصل الايمان ، وهو سابق لكل
الشرائع. فكيف يكون العقل مبدأ في الاصول ، ولا يكون معتبرا في الفروع؟.
جوهر
المسألة إذن يدور حول سؤالين ، اولهما: هل يمكن وصف فعل ما بانه حسن أو قبيح
اعتمادا على حكم العقل ، ام ان جميع الافعال محايدة ، حتى يأتينا نص شرعي يخبرنا
عن كونها حسنة او قبيحة. والثاني: اذا حكم العقل على فعل ما بانه حسن او قبيح ،
فهل لهذا الحكم اعتبار في الشرع ، ام لا.
لو
اردنا تطبيق المسألة على حدث اليوم ، فستكون على النحو التالي: هل نعتبر انجازات العلماء
امثال ستيفن هوكنج ، ذات قيمة واحترام عند الدين ام لا. وبناء على الجواب ، هل
يستحق هؤلاء العلماء الاجلاء التبجيل والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة ام لا.
اظن
ان اي انسان يقدر عقله قد توصل الى الجواب الان.
الشرق
الاوسط الأربعاء - 4 رجب 1439 هـ - 21 مارس 2018 مـ رقم العدد [14358]
http://aawsat.com/node/1211376