07/03/2018

العدالة الاجتماعية كهدف للتنمية




يعد جون رولز واحدا من اعظم فلاسفة القرن العشرين. وقد ساهمت اعماله في تغيير وجهة البحث في العدالة وتطبيقاتها بشكل جذري. هذا ما قاله امارتيا سن ، الفيلسوف والمفكر الهندي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد. قد تكون عبارات مثل "أهم" و "اعظم" انطباعية ، سيما اذا صدرت عن أشخاص تأثروا فعليا باعمال رولز. لكن ثمة ما يدلنا على انه كان بالفعل مفكرا استثنائيا ، يندر اغفاله في اي دراسة جادة حول العدالة او التنمية البشرية في العالم المعاصر. طبقا لتقارير غوغل الاكاديمية ، فان اسمه يظهر كمرجع لدراسات عامة واكاديمية بما يزيد عن 160 الف مرة ، من بينها 110 الاف مرة خلال السنوات الخمس الماضية فحسب. وهذا رقم يتجاوز عدد الارجاعات المسجلة لأي مفكر آخر في العالم.
السر الذي جعل اعمال رولز واسعة التأثير ، هو نجاحها في البرهنة على ان التزام السياسات العامة بقيمة العدالة ، طريق لتسريع النهوض الاقتصادي والاجتماعي ، وتعزيز الاستقرار الذي تنشده كافة الحكومات ، خلافا لانطباع عام بين السياسيين والاقتصاديين ، فحواه ان النمو الاقتصادي قد يتطلب تأجيل حقوق الانسان الاساسية. في هذه النقطة بالذات ، تتمايز رؤية رولز عن الليبرالية الكلاسيكية التي افترضت امكانية التضحية بالمساواة أو على الاقل تأجيلها ، في سبيل النهوض بالاقتصاد والمعيشة وتعزيز الحريات الفردية.  كما تمايزت عن الرؤية الماركسية التي نادت بتأجيل الحريات الفردية والمدنية ، حتى إقرار المساواة الكاملة بين جميع المواطنين.


يصر رولز على ان نظريته "العدالةكانصاف" نظرية سياسية ، بمعنى انها قابلة للتطبيق في إطار سياسات وبرامج عملية ، غايتها اعادة تشكيل البنية الاساسية للنظام الاجتماعي ، بما فيها القانون والسياسات الرسمية وبرامج العمل ، وصولا الى اقامة نظام اجتماعي عادل.
نعرف ان هذا التقدير لم يكن مجرد تأمل فلسفي. لقد ثبت فعليا ان رؤية رولز – رغم ما يظهر عليها من نزوع مثالي – قابلة للتحول الى برامج عمل. في العام 1990 تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة جدول مؤشرات لقياس النمو الاقتصادي/ الاجتماعي الذي تحققه اقطار العالم في كل عام. وضع الجدل على يد محبوب الحق ، احد اشهر منظري التنمية المعاصرين ، بمساعدة امارتيا سن ، والسياسي الاسكوتلندي تام داليل. يشكل مجموع تلك المؤشرات دليلا للمخططين في كل بلد ، نحو تحقيق الهدف الأعلى للتنمية ، اي تعزيز العدالة الاجتماعية ، من خلال توسيع خيارات الافراد وتمكينهم من ادارة حياتهم ، على النحو الذي يترجم تصورهم الخاص للسعادة.
وفقا لرؤية رولز فانه يمكن للعدالة ان تتحول من تطلع مثالي الى قيمة متحركة في واقع الحياة ، اذا صيغ مفهومها في سياق نقاشات مفتوحة بين مواطنين عقلاء أحرار. ان نقاشا حرا بين الناس ، سيفضي الى إبراز مفهوم للعدالة ، واقعي وقادر على توحيد الاطياف الاجتماعية المختلفة. وهو يقرر  في كتابه "الليبرالية السياسية" أن النظم الليبرالية تواجه تحديا جديا ، يتمثل في قابليتها لانشاء فضاء واحد يوفر العدالة لجميع المواطنين ، مهما اختلفت مشاربهم ومتبنياتهم الدينية والايديولوجية ومستوى معيشتهم.
عقلانية الانسان تتجلى – حسب رولز – في قدرته على ادراك حقيقة العدل وتمييز ما هو خير لنفسه وللآخرين. وبهذا فهو يؤكد على قيمة محورية غالبا ما تناساها السياسيون ، وهي ان سعي الانسان لصالحه الخاص ، لا يغير من حقيقة ان ذاته وفطرته خيرة ، وانه قادر على تدبير حياته دون عدوان على حقوق غيره. 

الشرق الاوسط الأربعاء - 19 جمادى الآخرة 1439 هـ - 07 مارس 2018 مـ رقم العدد [14344]

21/02/2018

حول الميل للتيسير والتشدد

سألني زميل لي هذا الاسبوع عن سر ما يراه من ميل غالب للتشدد في الرأي والفتوى عند بعض الفقهاء ، وميل معاكس نحو اللين والتيسير عند آخرين. وهذا يظهر أحيانا في الموقف من مسألة واحدة. وكنت قد تحدثت يوما حول هذي المسألة مع استاذ لي ، فأخبرني انه يؤيد التشدد في بعض الاحكام ، كي يبتعد الناس عن حدود الحرام ، حتى لو كان في المسألة فسحة للتيسير. وذكرني بقول متداول ، ولعله من المأثورات "من حام حول الحمى يوشك ان يقع". كما شرح لي فكرة الاحتياط النظري والاحتياط العملي. وزبدة ما أراد بيانه ان كثيرا من احكام الشريعة ، تشير الى مجال التكليف ودائرته او حدوده ، فالراغب في الاحسان يأخذ بالحد الأعلى ، والمقتصد يأخذ بالحد الأدنى.
وبدا لي ان في الناس من يشعر بالحيرة ازاء اختلاف الفقهاء في المسألة الواحدة ، بين ميسر ومعسر ، مع وضوح موضوع المسألة ، وتوفر الأدلة لكلا الفريقين.
من نافل القول ان اليسر أصل في الشريعة ، وان اتباع الحد الأدنى من التكليف ، او الأخذ بحده الأعلى ، خيار شخصي للمكلف. وقد ورد في الأثر "إن قوما شددوا على أنفسهم ، فشدد الله عليهم". لكن هذا ليس جوهر الموضوع. جوهر الموضوع هو موقع الدين في حياة الفرد والجماعة.
نستطيع تخيل ثلاث فرضيات ، تشرح العلاقة بين الدين وحياة اتباعه:
 الفرضية الاولى: ان التشريع الديني منظومة مسبقة التصميم والتشكيل ، تخاطب الفرد من فوق ، وتوجب عليه التزام تعاليمها دون مناقشة او تعديل. 
الفرضية الثانية تشير لعلاقة معاكسة ، حيث يكون التشريع أشبه بمائدة متعددة الخيارات ، ياخذ المكلف منها ما تشتهي نفسه ، من دون التزام بأية أولويات. 
الفرضية الثالثة: ان العلاقة بين الشريعة وحياة الفرد تفاعلية ، تتبع فلسفة عامة للدين أو الحياة ، فقد تتغير الاحكام او تتغير اولويات التطبيق ، بحسب الزامات الظرف الحياتي او الروحي للفرد او متطلبات محيطه.
الفرضية الأولى تتعامل مع الدين كقيد على حياة الفرد أو على سلوكه ، مثلما يقيد نظام المرور مثلا حركة السيارات في مسارات محددة. الفرضية الثانية تتعامل مع الدين كاضافة لحياة الفرد ، لا كجزء من جوهرها. اما الثالثة فهي تتعامل مع الدين والشريعة كدليل للحياة وأداة ارتباط بين الانسان وعالمه.
تبدو الفرضية الثالثة اقرب للمفهوم القائل بان التحول هو المضمون الاساس لعلاقة الانسان بعالمه ، وان عناصر هذه العلاقة في حال سيولة دائمة. كلما اتسعت مدارك الانسان وامكاناته الذهنية او المادية ، تغير عالمه وتغيرت علاقته بهذا العالم. وفي هذه النقطة بالتحديد ، تكمن أهمية الايمان ، ويتجلى دوره المحوري كعامل ربط ايجابي بين الانسان والطبيعة. ونضرب مثلا على هذا ، بالتوترات السلبية المتولدة عن اتساع امكانات الفرد ، مثل الحالة التي نسميها بالغرور او الطغيان. يتولى الايمان هنا موازنة تطلعات الفرد وتوجيهها نحو الاحسان والعمران بدل الهدم والطغيان.
لو فكرنا في الشريعة من هذه الزاوية ، فقد نجد ان الاحكام التي تثير الجدل ، ليست سوى توجيهات للسلوك في مرحلة تاريخية محددة ، او ظرف اجتماعي او شخصي معين ، وليست من نوع القيم العابرة للزمان والمكان. لو قبلنا بهذا التحليل ، فربما لا يعود لجدل التيسير والتشدد مكان ، لأننا حينها سننظر للاحكام كترتيبات مرحلية ، لا كتعاليم ناجزة مفروضة من خارج حياة الانسان او منفصلة عنها.

الشرق الاوسط الأربعاء - 5 جمادى الآخرة 1439 هـ - 21 فبراير 2018 مـ رقم العدد [14330]
http://aawsat.com/node/1182141


المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...