30/08/2017

مأساة الروهينجا.. اسئلة لاحقة



حملة التطهير العرقي البشعة التي يشنها جيش ميانمار ضد المسلمين الروهينجا ، تتحول بالتدريج الى أزمة دولية. طبقا للمعلومات المتوفرة فان حوالي نصف مليون من هؤلاء الفقراء هجروا الى بنغلاديش ، وان كثيرا منهم قضوا في الطريق بسبب الامراض او المعاناة.
الحجة التي تقدمها حكومة ميانمار (بورما سابقا) ان الروهينجا ليسوا مواطنين. لكن العالم يعرف انه لا يوجد في القانون الدولي ما يسمح بتهجير جماعي للسكان لأي مبرر. ويعتقد كثير من المسلمين ، ان الروهينجا يتعرضون للقهر لاسباب دينية ، وان جماعات بوذية متطرفة هي التي تحرك الصراع ضدهم.
هذه الحادثة ليست الأولى في تاريخ العالم الحديث ، التي يكون المسلمون الطرف الضعيف فيها.  حوادث البلقان في تسعينات القرن الماضي ، كانت نموذجا عما يواجه البشر من مآس حين يتلاشى الخوف من الله او يغيب القانون. والمؤسف اننا لا نملك شيئا لنصرة اولئك المستضعفين ، سوى دعوة العالم لاغاثتهم ونصرتهم ، اي الاستعانة بالاخلاقيات الانسانية والقانون الدولي ، الذي يحرم العدوان على الناس بسبب اختلافهم في الدين او العرق. 
http://www.trbimg.com/img-59aebcf4/turbine/la-fg-rohingya-muslim-flee-myanmar-pictures-20-010/950/950x534
هذه المأساة الانسانية تذكرنا بقضايا غائبة عن النقاش ، ومحورها مدى التزام العالم – ونحن جزء منه – باخلاقيات وشرائع تنتمي حصرا الى القيم العليا ، التي تتجاوز الاعراق والاديان والمذاهب والسياسات. لتبسيط الموضوع نقول ان مبدأ المساواة بين البشر لازال ، رغم تقدم البشرية ، موضوعا غير ناجز. وثمة من لازال يعتقد ان المخالفين له في الدين او العرق ادنى مرتبة في الانسانية ، وان هذا يبرر قهرهم والاستعلاء عليهم.
حين تتأمل في تجربة العالم التي تجري أمامك ، وتنظر في مآسيه ، تزداد يقينا بان جوهر السلام يكمن في الايمان بتساوي البشر وحقهم في الحياة كما يريدون. ثم تتساءل: ما هي حصتنا في هذا الايمان؟. بعبارة أخرى: ماذا سنقول لو ان البوذيين في ميانمار احتجوا علينا باحكام فقهنا التقليدي ، القائمة على التمييز بين المسلم وغيره ، والتي تعتبر غير المسلم مواطنا من الدرجة الثانية.
الميل الفقهي للتمييز بين الناس ، بحسب دينهم وجنسهم وحتى نسب قبيلتهم ، ليس قصرا على مذهب بعينه او فقيه دون غيره ، فهو شائع في جميع المذاهب. وقد أحصى د. محسن كديور نحو 40 موردا في الفقه الشيعي ، تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، ووجدت ان اكثرها يتعلق بمبدأ المساواة.
يستطيع رجال الفقه التقليدي الدفاع عن هذا الموقف بأدلة كثيرة. لكن دفاعهم لا يغير من واقع الحال شيئا. اعداؤك سيستعملون نفس المبدأ الذي تتبناه في محاججتك. إن قبولنا بمبدأ التمييز بين الناس على اساس الدين او العرق او الجنس او النسب – وهو قبول موثق في العديد من احكام الفقه الراسخة - يسمح للبوذيين في ميانمار باستخدام نفس المبدأ ضد المسلمين. ويسمح للصرب بتبرير  عدوانهم على مسلمي البوسنة في 1992 ، بل يبرر كل استعباد للبشر في أي مكان في العالم. والحقيقة ان تنظيم داعش قد استعمله في تبرير سبي واسترقاق النساء الايزديات في شمال العراق عام 2014.
الغرض من هذه التأملات هو الدعوة لمراجعة شريحة من المفاهيم المستقرة في الفقه الاسلامي التقليدي ، منقطعة عن تجربة الانسان المعاصر ، ومنافية لنموذج الحياة الكريمة الذي تعارف عليه البشر في عصرهم الحاضر. المبرر لهذه الدعوة هو ايماننا بان محور الدين وجوهر رسالته هو تكريم الانسان. فلا يصح ان نضحي بهذه القيمة السامية ، اكراما لقول فقيه او خشية من مراجعة افهام اكل عليها الدهر وشرب. لا تستطيع الزام الآخرين باحترام حقوقك كانسان ، بينما تنكر حقوقهم ، لأسباب دينية او غير دينية.
الشرق الاوسط الأربعاء - 8 ذو الحجة 1438 هـ - 30 أغسطس 2017 مـ رقم العدد [14155]
http://aawsat.com/node/1028986

سؤال العصر: اي دين لأي دنيا


محاضرة الدكتور زغلول النجار في جامعة فاس المغربية في ابريل الماضي ، حول الاعجاز العلمي في القرآن ، انقلبت الى هرج ومرج ، بعدما تصاعد الجدل بين الحاضرين والمحاضر. وتكرر الامر نفسه في يوليو ، اثناء ندوة عقدتها نقابة المهندسين الاردنيين ، بعدما رفضت مطالب الحاضرين بمناقشة مباشرة للدكتور النجار.
زغلول النجار
يشير كلا الحدثين الى ان حديث "الاعجاز العلمي في القرآن" فقد بريقه المعتاد في سوق الثقافة العربية. كثير ممن تبنى هذه الدعوة تخلى عنها ، لأن آلاف الذين كانوا يتابعونه بشوق ، باتوا أقل ثقة في فرضياته ودعاواه.
يرجع الفضل في اطلاق هذا الحديث الى المرحوم عبد الرزاق نوفل ، الذي اصدر 30 كتابا ، يمتليء معظمها بأقاصيص حول التطابق بين التعاليم الدينية وكشوف العلم الحديث. والحق ان نوفل لم يكن عالما متخصصا ، لكنه امتاز بجمال الاسلوب والعرض. وكانت كتاباته اشبه بالتقارير الصحفية ، التي تثير الاهتمام لكنها تفقد قيمتها في اليوم التالي.
كان المرحوم نوفل قد اكتشف مبكرا ، السؤال الذي يحاول الاجابة عليه الدكتور النجار وبقية المهتمين بالاعجاز العلمي ، أعني به سؤال: هل يعد الدين بشيء أكثر من الثواب الأخروي.
لو اردنا وضع هذا الكلام في قالب نظري ، فسوف نقول ان موقف الانسان المعاصر من الدين قد تغير جذريا. في الماضي كان الانتماء لدين بعينه ، واحدا من متطلبات النظام الاجتماعي. حين يتغير الحاكم ، يتحول الناس الى دينه او مذهبه ، دون مساءلة او اهتمام بتحديد موقف شخصي. ويكشف تاريخ المسيحية والاسلام وبقية الاديان ، ان هذا النوع من التحولات كان معتادا حتى نهاية القرون الوسطى.
أما اليوم فلا أحد يغير دينه او مذهبه ، تبعا لتغير دين الحكومة او مذهبها. كثير من البشر المعاصرين يحددون علاقتهم بالدين ، تبعا لما يوفره الدين لحياتهم الحاضرة. وحتى الذين لا زالوا ملتزمين بالنهج القديم ، فانهم يحاولون – بصورة واعية او عفوية – استكشاف المسافة بين ما يعطيه الدين لحياتهم الدنيوية ، وما يؤجله لما بعد الموت. وربما يقررون ، بناء على نتيجة هذا الاستكشاف ، معنى انتمائهم الديني ، او نسبة التزامهم بتفاصيله.
خلافا للمسيحية ، فان تعاليم الاسلام تغطي جانبا واسعا نسبيا من حياة الناس الدنيوية. وبنفس القدر ، فان المسلم المعاصر يتساءل الآن ، او سوف يتساءل في المستقبل ، عن التناسب بين التزاماته الدينية وانعكاسها الايجابي على حياته الدنيوية.
الفهم المسبق للدين يفترض ان معظم المكاسب المتوخاة من التدين ، مؤجلة الى الحياة الثانية بعد الموت. لكني افترض ان كثيرا من الناس سيسألون انفسهم: هل آمنت خوفا من جهنم ، ام لأن الدين يعطيني حياة دنيوية أفضل. وربما أخذ بعضهم المسألة الى حدود اكثر تطرفا فسأل نفسه: لو خيرت بين طريقين في الحياة ، احدهما يعدني بحياة كريمة مزدهرة في هذه الدنيا ، وآخر يدفعني لتقبل البؤس في الحياة الدنيا ، على أمل تعويضها بخير منها بعد الموت. هل سأختار الطريق الاول ام الثاني؟.
حديث الدعاة عن قوة الدين وعظمته وسبقه للعلم الحديث وماضيه الزاهي ، يلعب دورا توكيديا ، يريح انفس الملتزمين الموافقين في الاصل على تلك الدعاوى. لكنه لا يجيب على السؤال الجدي الذي أشرنا إليه ، وهو سؤال سيواجه بالتأكيد معظم الجيل الجديد من المسلمين.
الشرق الاوسط  الأربعاء - 8 ذو الحجة 1438 هـ - 30 أغسطس 2017 مـ رقم العدد [14155]
 http://aawsat.com/node/1011541

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...