24/08/2016

تبعات الدولة الفاشلة



في 2005 بدأت مجلة "فورين بوليسي" نشر القائمة السنوية للدول الفاشلة او المهددة بالفشل ، في اطار شراكة بحثية مع مركز الابحاث المعروف بصندوق السلام.
كان مفهوم "الدولة الفاشلة" قد لفت انظار الباحثين بعد نشر المجلة نفسها مقالا في نهاية 1992 بقلم جيرالد هيلمان وستيفن راتنر ، حول ظاهرة تفكك الدولة القومية وتصاعد الصراعات الاثنية في العالم ، سيما بعد انتهاء الحرب الباردة.
وخلال العقدين الماضيين حاول عدد من دارسي العلاقات الدولية ، وضع تعريف معياري للفشل ، يمكن احتساب عناصره بصورة موضوعية وقابلة للتطبيق في كل الحالات. لكن هذا الهدف لا زال بعيد المنال ، بسبب العلاقة الحرجة بين التعريف والمخرجات التي يصعب وصفها دون "نظرية مسبقة" ، اي – بصورة من الصور – تقرير شبه ايديولوجي يحدد كيف نرى الواقع وكيف نصفه.
لكن يمكن القول اجمالا ان الباحثين المتحفظين يميلون للحديث عن دولة "هشة" او "متردية". بمعنى انها مرشحة للفشل ، دون القطع بانها فاشلة فعليا. ويقترحون في هذا السياق 3 متغيرات معيارية ، تحدد تصنيف اي دولة بين ناجحة أو متردية:
ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة ، او تزايد الجماعات المسلحة التي تعمل خارج اطار القانون ، او تستعمل مصادر قوة الدولة بخلاف اغراضها القانونية. وبالتالي عجز مؤسسة الدولة عن حماية المواطنين.
انهيار منظومات الخدمة العامة وفشلها في تلبية الحاجات الاساسية للمواطنين ، الامر الذي يجعل وجود الدولة كادارة للمجتمع ، غير ضروري او غير مفيد ، في رأي الجمهور.
تلاشي مصداقية الدولة في الاطار الدولي. اي عدم اعتراف المجتمع الدولي بهذه الحكومة كممثل وحيد او قانوني للبلد الذي تحكمه ، او عدم التعامل معها باعتبارها تملك سيادة كاملة على اقليمها.
يصعب القطع بانطباق هذه المعايير بصورة دقيقة على اي دولة في الوقت الراهن. لكن السياسيين يميلون عموما الى التركيز على العامل الاول ، بالنظر الى واحد من أهم مخرجاته ، وهو الهجرة الجماعية للسكان. وخلال السنتين الماضيتين بالخصوص ، كانت موجات الهجرة الجماعية الضخمة عبر البحر المتوسط ، سببا في تجديد النقاش حول مسألتين بالتحديد هما: 1- الكلفة التي يتحملها المجتمع الدولي نتيجة فشل دولة ما. وهم يشيرون خصوصا الى انتشار الارهاب والهجرة غير الشرعية. و2- مسؤولية المجتمع الدولي ازاء هذه الدولة ، التي سيؤدي اهمالها الى ما اسماه توماس فريدمان بانتقال عالم الفوضى الى عالم النظام ، اي ببساطة تحول الدول الفاشلة الى مولد لعوامل انكسار في الانظمة المستقرة سياسيا واقتصاديا.
لدينا تحفظات على صدقية المعايير السابقة. لكن ثمة ما يدفع للظن بأن الاول – من دون تفاصيل – يمثل قطب الرحى في اي توصيف لفشل الدولة او ترديها. ولعل حالة البلدين العربيين سوريا وليبيا ، نموذج واضح عن الحالة التي يمكن ان يصل اليها وضع الاقليم ككل ، عندما ينكسر النظام العام في احدى دوله.
يولد العنف في دولة محددة. لكن موجات الرعب التي يطلقها ، تتحول الى محرك للانقسامات الاجتماعية والتوترات السياسية على امتداد الاقليم. انتشار الازمات عبر الحدود ، كان المبرر الرئيس وراء الدعوة التي اطلقها بطرس غالي ، الامين العام السابق للامم المتحدة ، منتصف 1992 ، للتخلي عن التشديد التقليدي على مبدأ "السيادة الوطنية" كمرجع للعلاقات بين الدول ، والاهتمام بدلا منه بمفهوم "الاعتماد المتبادل" ، الذي يعني ايضا مسؤولية الجميع عن امن الجميع.
الشرق الاوسط 24 اغسطس 2016

http://aawsat.com/node/721561

10/08/2016

العرب السعداء



اظن ان معظم العرب قد فرحوا بفشل الانقلاب العسكري ضد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. بعضهم فرح لانه في الاساس ضد الانقلابات. وبعضهم فرح لانه مع الديمقراطية ، بغض النظر عن موقفه الخاص من الحزب الحاكم او قادته. لكن المؤكد ان تيار الاسلام الحركي كان اسعد الناس بما جرى ، للأسباب السابقة ، ولأسباب اخرى يعرفها الجميع.
ما وجدته مهما في المسألة كلها ، هو معنى الفرح العربي بما جرى. واستذكر هنا حلقة نقاش عميق عقدت قبل عقد من الزمن ، حول سؤال: هل سيكون وصول الاسلاميين الى السلطة عاملا في تجديد الدين ، ام سببا لتلويثه بعيوب السياسة؟.
لفت نظري في تلك الحلقة حديث حماسي لاحد زعماء الاخوان الخليجيين حول خطورة ما اسماه بالاسلام الامريكي ، الذي قال ان مؤسسة "راند" البحثية المعروفة تعمل على تسويقه. وفحوى تلك الفكرة ان واشنطن وضعت خطة كلفتها نصف مليار دولار ، تستهدف فرز الجماعات الاسلامية القادرة على التكيف مع النظام الدولي من تلك المعادية له. ثم فتح أبواب السياسة امام الصنف الأول. وقال المتحدث ان المقصود في نهاية المطاف هو تصنيع تيار مائع ذي مضمون علماني او شبه علماني ، يتغطى بعباءة الاسلام. وذكر في السياق عددا من الجماعات الاسلامية التي دخلت فعليا في هذه الخطة ، من بينها حزب العدالة والتنمية ، الذي لولا تنازلاته في الجانب السياسي والعقيدي ، لما سمح له الغربيون بالفوز في الانتخابات التركية.
 بعد سنتين تقريبا من ذلك النقاش ، التقيت صدفة بالرجل ، فأخبرني انه عاد للتو من اجتماع شارك فيه نظراء له من دول عربية عديدة ، وانه نصحهم بتبني خطاب سياسي ديمقراطي ، لأن الساحة تغيرت ، وان الديمقراطية هي طريق المستقبل لمن أراد ان يؤثر في عالم اليوم.

سألته ان كان لنجاحات حزب العدالة والتنمية تاثير في تغير المزاج السياسي لاعضاء الجماعة. فقال انه التقى شخصيا بعدد من زعماء الحزب ورجال الدين الذين يدعمونه ، فاكتشف ان الخطاب الديمقراطي الذي يتبناه ، أقرب الى مرادات الدين في هذا العصر ، وان فكرة "خلافة على منهاج نبوة" ليست قابلة للتحقيق في عالم اليوم ، ولذا فالتمسك بها عبث لا طائل تحته. وذكر عددا من الأمثلة على هذا.
اميل شخصيا الى الظن بأن السعادة الغامرة للاسلاميين تأتي في سياق المقارنة بين ما جرى في تركيا وما جرى في مصر سنة 2013. وضمن هذا الاطار فهي نوع من الشعور برد الاعتبار السياسي. الا ان من المهم التأمل في اللغة المستخدمة للتعبير عن هذا الموقف. وهي لغة يغلب عليها الاقرار – ولو ضمنيا – بفضائل الديمقراطية وتمجيد الحريات المدنية وتقبيح "التغلب" كوسيلة للوصول الى السلطة.
هذا لا يرقى بطبيعة الحال الى مستوى التبني الكامل للخطاب الديمقراطي ، والنبذ النهائي للعنف والمعتقدات التي تدعم الاقصاء والاستئثار بالسلطة او النفوذ. الا انها تشير بالتأكيد الى ان التيار الديني الحركي يتخلى بالتدريج عن إرثه التاريخي العتيق.
اعتقد ان تحول الثقافة السياسية للمجتمع العربي هو أمر في غاية الأهمية ، ولو كان بطيئا. كما اعتقد ان التحول في التيار الديني يكتسب أهمية خاصة ، لأنه لعب خلال نصف القرن الماضي دور حارس التقاليد ، والمولد الرئيس لقلق الهوية.
امام العرب طريق طويل قبل اكتمال التحول في الثقافة السياسية. لكن بالنسبة لمراقبين مثلي ، فان التحولات الصغيرة المتوالية ، تشكل دليلا على ما نخاله ضوء في آخر النفق.
الشرق الاوسط 10 اغسطس 2016

http://aawsat.com/node/710731

03/08/2016

المعنى الدنيوي لتجديد الدين



معظم القراء يعرفون على الارجح الدكتور محمد يونس ، الذي فاز بجائزة نوبل في 2006. أسس يونس مجموعة مشاريع تستهدف اجتثاث الفقر في ارياف بنغلادش ، أشهرها "بنك غرامين" الذي أصبح أمثولة عالمية لمكافحة الفقر، سيما بين النساء.
د. محمد يونس

لا اعرف ان كان يونس متدينا بالمفهوم المتعارف. لكني أعلم انه بالتأكيد يقيم بعض أعظم شعائر الدين ، وهي احياء النفوس "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". احياء النفوس هو ارث الانبياء وعظماء العالم وجوهر الرسالة الدينية ، كما في الآية المباركة "يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ".
لم ينجز يونس هذا الدور عن طريق الدعوة اللفظية الى الدين ولا مصارعة الكافرين. فلسفة عمله تتلخص في عنصرين:
أ‌-        معظم الناس لا يعرفون طريق التحرر من ربقة الفقر او ربما لا يستطيعون تدبير الحاجات الاولية اللازمة لصعود الدرجة الاولى في السلم.
ب‌-    معظم الأثرياء لم يرثوا ثرواتهم بل استثمروا الفرص العظيمة التي أتاحها الاقتصاد الحديث. وهي فرص يجهلها اكثرية فقراء الريف. ولو عرفوا بوجودها فهم على الاغلب يجهلون كيفية الوصول اليها واستثمارها.
آمن يونس بأن الانقطاع الثقافي بين الريف والمدينة ، أو بين الطبقات الفقيرة ونظيرتها الثرية هو الذي جعل سكان الريف اسرى لميراث الفقر القديم. فقرر ان يبدأ مشروعه بالعنصر الثاني ، اي استغلال الفرص التي جاء بها الاقتصاد الحديث.
تضم قائمة المشروعات التي اقترحها يونس او دعمها ، مئات من الافكار البسيطة ، مثل خياطة الملابس لبيعها على بوتيكات المدن ، وتربية الاسماك لبيعها على المطاعم ، واستقبال المكالمات من ابناء القرية العاملين في الخارج .. الخ. هذه مشروعات لم يكلف اكبرها الف دولار. لكنها اقامت نموذجا عما يمكن للناس ان يفعلوه لانفسهم ، اذا حرروا أذهانهم من عزلتها ، واندمجوا في عصرهم ، واستوعبوا فرصه وحاجاته.
في الوقت الحاضر يشعر ملايين الناس في بنغلادش ، بالامتنان لجهود محمد يونس ، الذي فتح عيونهم وعقولهم على طريق للخلاص من بؤسهم واعادة بناء حياتهم من جديد.
يقول يونس في حديث تلفزيوني انه لم يوزع اي صدقة. بل قدم قروضا وتوجيهات. واكتشف ان فقراء الريف اكثر التزاما بتعهداتهم ، لأنهم اكثر خوفا من الله. تبرهن التقارير التي ينشرها بنك غرامين ان نسبة سداد القروض تفوق 90% وهي نسبة تتجاوز تلك التي تحققها البنوك التي قصرت قروضها على الاثرياء.
قبل ثمانين عاما تقريبا كتب الفيلسوف والشاعر الهندي محمد اقبال ، ان مهمة تجديد الدين الاسلامي لن تنجز على الارجح على يد الفقهاء والمفكرين ، بل على يد المجتمع. المجتمعات الحية الناهضة تنتج فكرا حيا متجددا ، بينما تعيد المجتمعات الساكنة موروثها الثقافي وتكرر حياة أسلافها.
طريقنا الى تجديد الحياة الدينية يمكن ان يبدأ باستثمار الايمان في تحسين دنيا الناس. اذا نهضنا بحياتنا فسوف نفهم ديننا على نحو متفاعل مع عصرنا ، اي مع ثقافاته وفرصه والزاماته. الخطوة الاولى في هذا الطريق هي التحرر من أوهام التاريخ وقصصه ، الانفتاح على عصرنا بكل فضائله وآثامه ، التفاعل مع تيارات التقدم والتجديد الهادرة فيه ، ثم اعادة انتاج التجربة الانسانية المعاصرة ضمن اطارنا المعرفي الخاص ، وصولا الى انتاج القوة التي تجعلنا شركاء متساوين في المدنية المعاصرة.
الشرق الاوسط 3-اغسطس – 2016

27/07/2016

مساهمة التعليم العام في تفكيك الميول العنفية



يمكن للمدرسة ان تسهم في تفكيك ظاهرة الارهاب ، من خلال تكوين أجيال منفتحة ذهنيا ومرنة روحيا ، قادرة على البحث بين البدائل ، وميالة الى المشاركة بدل المغالبة ، والتعاون مع الآخرين بدل الانعزال ، والمصالحة مع الذات والعالم بدل الارتياب فيه او الرغبة في قهره. جيل يحمل هذه الصفات سوف يكون عصيا على محاولات التغرير مهما لبست من عباءات.

طرحت الدعوة الى اصلاح مناهج التعليم بالتوازي مع اولى خطط التنمية (1971) كجزء من استراتيجية اعداد المجتمع لاستيعاب حاجات ومخرجات الاقتصاد الجديد. وخلال العقدين الماضيين ، تطورت الفكرة الى تطوير النظام التعليمي ككل ، فلسفته ومناهجة واستهدافاته. فيما يلي ثلاث من ابرز الاغراض التي تنطوي عليها هذه الدعوة:
اولا: تعزيز النشاط الذهني ، وجعل الطالب أليفا للقراءة والبحث والتفكير. ومفتاح هذا هو تحبيب البيئة المدرسية الى نفسه ، وجعله تواقا للانخراط في النشاطات العلمية. يركز هذا المحور على تحسين المباني وعلاقة الادارة والمعلمين بالطلبة ، وربط التعلم بالمتعة والمرح. ويتوقع ان يثمر عن كسر هيبة العلم وتخفيف الانفعال الشخصي بقضاياه ، وصولا الى جعله موضوعا اعتياديا من موضوعات الحياة ، التي يشعر الطالب انه مسيطر عليها متحكم فيها ، وليس العكس.
ثانيا: تعديل الهدف المحوري للتعليم الى بناء العقل النقدي بدل العقل الحافظ.  وهو جزء من اتجاه جديد يرى أن حفظ المعلومات لم يعد ضروريا ، لان الوصول اليها بات ميسرا لكل الناس. بل ان كثرة المعلومات والميل الشديد الى التخصص ، يجعل الاستفادة الكاملة من محفوظاتها مستحيلا. البديل الصحيح هو توجيه الطلاب للبحث في مصادر المعلومات ، وتمكينهم من نقدها ومجادلتها واعادة انتاجها بانفسهم. وفي نهاية المطاف تحويل الطالب من مستهلك صرف للمعلومات ، الى شريك في اعادة بنائها واغنائها بالمزيد من الاحتمالات أو التطبيقات.
يميل العقل الناقد الى التأمل في المعلومات ومجادلتها والتفكير في دليلها ، بل ويجادل ما يعتبر مسلما وبديهيا ، ويسعى وراء ما يخفيه من أسئلة واحتمالات. خلافا للمنهج القديم القائم على حفظ المتون والاحتفاء بأراء مؤلفيها وانطباعاتهم. الغرض النهائي من هذا المحور هو تخفيف الميل للأدلجة والقسر  الذهني ، واحلال التفكير العلمي الذي يهتم بالوصف والفهم والنقد والتفسير واعادة انتاج الافكار.
ثالثا: ترسيخ فكرة الشراكة في عمران العالم. تحقق مفهوم "القرية الكونية" وانفتاح العالم على بعضه اثار إشكالا عميقا ، حول علاقة كل منا مع البشر المختلفين عنا بثقافاتهم وتقنياتهم ودياناتهم. وكذلك موقعنا في العالم الجديد: هل نحن مهددون في ديننا وتراثنا ومعيشتنا ، ام شركاء مع المختلفين عنا ، في بناء العلم والتقانة وصيانة البيئة والطبيعة على المستوى الكوني. هل نعظم ثقافة التشارك مع الغير ام اعتزالهم. لاحظ الباحثون ان فلسفة التعليم في العالم العربي ككل ، تؤكد على الخصوصية والتمايز. ان تعظيم الماضي الزاهر واستسهال الحكم على الآخر المختلف بدلا من محاولة فهمه ، يؤدي غالبا الى ترسيخ الميل الانعزالي المخاصم للعالم او المرتاب فيه.
 هذا يتطلب بالضرورة اصلاحا لمناهج العلوم الانسانية ، واهتماما بالنشاطات اللاصفية التي تؤكد على قيمة العصر والعلم الجديد وتشجع على معرفة العالم.
هذه الافكار مفيدة ليس فقط في تعزيز ميول المسالمة والتفاعل الايجابي عند الشباب ، وبالتالي تحييد النزعات الصدامية والعنفية. انها تساعد – اضافة الى هذا – في تعزيز الميل للانتاج والابداع ، وصناعة جيل اكثر احتراما لذاته ووطنه وأقوى رغبة في الاسهام في بنائه.
الشرق الاوسط 27 يوليو 2016   http://aawsat.com/node/699156

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...