04/11/2015

خطوة أولى لحل سلمي في سوريا


رغم الاشارات المبشرة ، الا ان الطريق طويل قبل الاتفاق على حل سياسي ينهي الحرب الأهلية في سوريا. ابرز البشائر جاءت من اجتماع فيينا الاسبوع الماضي ، وكانت مفاجئة للمتشائمين والمتفائلين على السواء. لم يتوقع كثير من المراقبين ان ينتهي ذلك الاجتماع - القصير نسبيا – الى التوافق على معظم البنود المطروحة. كان بيان الامم المتحدة التي رعت اجتماع فيينا صريحا في الاشارة الى وجود خلافات. لكن عدد البنود التي توافق عليها المجتمعون ، يمثل بداية قوية جدا لنقاشات جدية وتفصيلية خلال الاسابيع القادمة. يرجع الفضل في هذا التطور الى الدول المشاركة في الاجتماع ، التي قبلت بتأجيل خلافاتها التقليدية ، للتركيز على انهاء الأزمة. 
نص البيان الختامي على ان حل الأزمة سيكون بأيدي السوريين. واحتمل ان هذه الاشارة تستهدف فقط تبرير عدم مشاركة الأطراف السورية في الاجتماع. لكنها لا تخفي حقيقة ان المشكلة باتت دولية ، من حيث الواقع الميداني ، ومن حيث الآثار والانعكاسات. وهو أمر سيجعل الشركاء الدوليين جزء أساسيا في أي اتفاق قادم. ربما لا يريد أحد الاقرار بأن السوريين لم يستطيعوا حتى الآن التقدم خطوة واحدة في اتجاه الحل. لم ينجح أي طرف في حسم المعركة على الأرض ، ولم ينجح في اطلاق مبادرة سياسية مقنعة لبقية الأطراف. كما ان الطرفين الرئيسيين في النزاع ، أي الحكومة والمعارضة ، اخفقا تماما في تشكيل جبهة داخلية عريضة ، قادرة على التفاوض وتقديم التزامات سياسية ، على نحو يستقطب ثقة العالم ودعمه.
هذا يكشف عن سمة من سمات الحروب الاهلية ، تتلخص في صعوبة الاتكال على الأطراف المحلية في التوصل الى حل نهائي. صحيح ان بعض النماذج تؤكد هذه الامكانية. ونذكر هنا مثال ايرلندا الشمالية التي انتهت الحرب فيها من خلال الحوار بين الحكومة البريطانية والجيش الجمهوري الايرلندي ، ومثال سيريلانكا التي توصلت حكومتها الى اتفاق مرحلي مع نمور التاميل. الا ان معظم النزاعات المماثلة تشهد على محورية الدور الخارجي. ثمة أمثلة عديدة على هذا المنحى ، من الحرب الاهلية في لبنان ، الى نظيرتها في أفغانستان والصومال ، ثم في يوغسلافيا السابقة والسودان وتيمور الشرقية وليبيريا وبوروندي.. الخ.
هذه الامثلة تؤكد على الاهمية القصوى لمعالجة متوازية لعنصرين مؤثرين في الظرف السوري القائم. العنصر الاول هو حاجة السوريين للشعور بأنهم شركاء في صناعة مستقبلهم وتقرير الكيفية التي ستدار بها أمورهم ، وانهم ليسوا مجرد أدوات لقوى خارجية. اما  العنصر الثاني فهو عجز جميع الاطراف المحلية عن صناعة اجماع وطني ، يؤسس لحل سياسي مستقر. فهي عاجزة عن التوافق ، كما انها تفتقر الى قوة تكفي لفرض أي حل سياسي ، سواء كان توافقيا أو أحاديا ، على نحو يعيد النظام العام الى البلد ككل.
من هنا فانه يتوجب على الشركاء الدوليين الاهتمام بربط العنصرين. أي ضمان المشاركة الفاعلة للاطراف المحلية في وضع خارطة طريق ، توضح كيفية الخروج من ظرف الحرب ، والانتقال الى الصراع السلمي ، بما فيه قواعد الاشتباك وطريقة حل الخلافات سلميا. هذا سيكون خطوة أولى مهمة لاعادة بناء الاجماع الوطني. ثم العمل على حشد دعم دولي مناسب وراء هذا الاجماع كي يصبح ممكنا استبعاد الاطراف التي تميل الى عرقلة الحل.
شعور السوريين بانهم شركاء اساسيون في الحل سيجعلهم اكثر ايمانا بمسؤوليتهم عن صون هذا الحل. كما ان الدعم الدولي الواسع له سيحصر الشرعية في خيار الحل ، ويقصي الخيارات الفوضوية او المغامرة.  

الشرق الاوسط 4 نوفمبر 2015
http://aawsat.com/node/489151

28/10/2015

مدينة الفضائل

زميلنا الاستاذ مرزوق العتيبي كتب قبل اسبوعين ناقدا التفكير المثالي ، الذي يتخيل مدينة تخلو من الآثام والنواقص. ليس باعتباره مستحيل التحقق ، بل لأنه يرسي أرضية للاستبداد والاحادية ، التي تحول المجتمع الطبيعي الى ما يشبه السجن الكبير.
لعل كتاب "الجمهورية" الذي وضعه الفيلسوف اليوناني افلاطون هو أشهر النماذج التي وصلت الينا عن فكرة "المدينة الفاضلة". لكني احتمل انه لم يكن بصدد الدعوة الى مدينة واقعية يقيمها الناس. فقد صب جل اهتمامه على التعريف باراء استاذه سقراط ، وما أدخله من تعديلات عليها. انه في ظني مثال للمقارنة الفلسفية ، وليس برنامج عمل يمكن تطبيقه. لكنه مع ذلك ، شكل مدخلا لمنهج في العمل السياسي والاجتماعي اصبح له فيما بعد رواد وأنصار كثيرون.
انطلق افلاطون من مقدمة بسيطة ، اعتبرها بديهية ، خلاصتها ان البشر عاجزون فطريا عن الاجتماع السليم. لو وجدوا صدفة في مكان واحد فالمرجح انهم سيكونون أميل الى التنازع والعدوان. ولذا فهم يحتاجون دائما الى رئيس يقسرهم على التسالم.
تبنى هذا الفكرة الفيلسوف المسلم ابو نصر الفاربي وشرحها بالتفصيل في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" ، ويبدو انها صادفت هوى في المجال الثقافي الاسلامي عموما ، حيث تجد ظلالها في غالبية البحوث الفقهية ، سيما ما يتعلق منها بالولايات والحسبة. وتبناها القديس توما الاكويني الذي اضاف اليها لمسة دينية ، حولتها الى تعبير معياري عن المفهوم الكاثوليكي للدولة.
وفي أيامنا هذه نجد ظلال الفكرة عند شريحة كبيرة من العاملين في حقل الدعوة الدينية. وهي تتضح في جانبين: في الكلام الكثير عن الالتزام بالدين كحل وحيد ونهائي لكافة المشكلات ، وفي تحبيذ القسر والاجبار كوسيلة لالزام الناس بالفضائل.
تعرضت فكرة "المدينة الفاضلة" لكثير من النقد. بل ان الفيلسوف المعاصر كارل بوبر اعتبرها من أسوأ ما فكر فيه الفلاسفة عبر التاريخ. وكرس جانبا كبيرا من كتابه "المجتمع المفتوح واعداؤه" لنقد هذه الفكرة في شخص افلاطون. كما وجه نقدا شديدا الى الماركسية ، واعتبرها نموذجا للايديولوجيات الشمولية التي تريد – في نهاية المطاف – اعادة سجن البشر في أقفاص جميلة الالوان ، بدل تمكينهم من التحرر واختيار نمط الحياة التي يريدها كل منهم.  
ويشير بوبر في طيات كتابه الى خطورة الفكرة لانها – حسب تعبيره – من ذلك النوع من الافكار التي تلامس نزوعا مثاليا عند كافة البشر، فيتناسون انها مجرد تخيل غير قابل للتحقيق ، ويسلمون قيادهم لبعض المغامرين الذين يستعملون الفكرة كمركب لصناعة النفوذ السياسي ، أو لأنهم وقعوا مثل أولئك أسرى لهذا الوهم.
ويعرض في مفتتح الكتاب نموذجا مما كتبه افلاطون حول استحالة الحياة الفاضلة من دون قائد:
" المبدأ الاعظم هو ان اي شخص ، ذكرا كان او انثى ، لا ينبغي ان يعيش بلا قائد..... لا ينبغي لعقل اي شخص ان يعوده على فعل اي شيء على الاطلاق بمبادرته الخاصة.... حتى في اصغر المسائل شأنا ، عليه ان يمتثل للقائد... عليه ان يروض نفسه طويلا على ان لا يأتي بفعل مستقل ، وان لا يصبح قادرا عليه بأي معنى.."
 اختار بوبر هذا النموذج لانه يجسد جوهر التفكير الشمولي/المثالي ، الذي يتجلى في الغاء الفرد ككائن عاقل مستقل وقادر على الاختيار. القائد او المرشد او المعلم عند افلاطون ليس جسرا يحمل المتعلمين الى الجانب الاخر من النهر ، ثم يطلقهم كي يواصلوا الطريق بمفردهم ، بل هو أشبه بالراعي الذي يأخذ ماشيته الى المرعى ، كي ترى العالم ، ثم يعيدها في اخر النهار الى الحظيرة.  
الشرق الاوسط 28-10-2015

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...