27/11/2012

"عيش الحسين"


الحت على ذهني صورة المرحوم د. غازي القصيبي وانا اعبر الطريق امام صف من القدور الضخمة، وعشرات من الناس يطبخون الرز صباح الجمعة المنصرم. قال لي رحمه الله يوما : لم اشارك في العزاء ، لكن "اللي يعزي واللي ما يعزي ياكل عيش الحسين ، وقد اكلته في كل عام من اعوام الشباب".
اعداد عيش الحسين في قرية المالكية-البحرين
ظهيرة هذا اليوم ، كان ثمة صف طويل في انتظار الدخول الى وحدة التبرع بالدم. صف طويل في مكان آخر على موقع يوزع "عيش الحسين". صف ثالث على بوابة تفضي الى شبه مسرح اقيم كيفما اتفق، لعرض مشاهد متخيلة عما حدث في كربلاء. مئات من الشباب ارتدوا ما يشبه ازياء الكشافة ينظمون عبور الناس والسيارات التي  تتزاحم امام مجلس تعزية. 

الغائب الوحيد في عاشوراء القطيف هو السوق.  السوق معطلة تماما. رغم ان مراسم عاشوراء هي بذاتها ، سوق من نوع آخر ، منتجاتها مختلفة ، شروط البيع والشراء فيها مختلفة، لكن زبائنها ، هم انفسهم زبائن السوق الاعتيادية.

شكليا ، لا تختلف عاشوراء القطيف عن مثيلاتها في اي بلد. لكن ثمة لمسة يصعب وصف تفاصيلها. لسنوات طويلة حاولت فهم روح هذه المدينة من خلال حراكها الاجتماعي الذي يبلغ ذروته بين السابع والعاشر من محرم. اللون الاسود يتحول الى رداء عام للمدينة في هذه الايام. لكن هذه الايام بالتحديد تشهد ما اظنه اوسع حراك تشكيلي ، عشرات الفنانين المتمرسين والهواة والناشئين يستثمرون المناسبة لعرض اعمالهم الجديدة. هواة المسرح والفنون الصوتية ، والشعراء ومتذوقي الشعر ، يعيدون في هذا الموسم اكتشاف جمهورهم ، او يعرفون الناس بانفسهم.

الناشطون في مجال العمل الخيري ، المرافق الاجتماعية الاهلية ، صناديق رعاية الايتام والفقراء ، تستعد كلها لهذه الايام. يقول لي عضو في لجنة اهلية تقيم مسجدا جديدا انهم جمعوا في عاشوراء الماضي ثلث تكاليف البناء، وهم يتوقعون اكمال الباقي خلال هذا الموسم.

عاشوراء في جانبها التقليدي مجرد تذكير بتاريخ مضى ومات اهله. اما في جانبها الاجتماعي فهي مناسبة لبعث الحياة في مجتمع مدني يؤكد عامة الناس من خلاله بانهم قادرون على تجديد حياتهم وحل مشكلاتهم اذا تواصلوا واستثمروا روح الجماعة.

الفولكلور الذي يطغى على فعاليات الموسم ليس عملا احترافيا يمارسه اناس بعينهم. هو اقرب الى حركة عامة يشارك فيها جميع الناس او معظمهم ، يرددون نفس ابيات الشعر ، يلبسون ذات الزي الاسود ، يتبادلون التحية الخاصة بالموسم بنفس الطريقة : " عظم الله اجوركم" ، "مأجورين" ، "طيب الله انفاسكم" ، "طيب الله اسماعكم".

حضرت موسم عاشوراء في مدن كثيرة ، لكني لا زلت اظن ان عاشوراء القطيف شيء مختلف.

الاقتصادية الثلاثاء 13 محرم 1434 هـ. الموافق 27 نوفمبر 2012 العدد 6987
http://www.aleqt.com/2012/11/27/article_712723.html 

20/11/2012

خيار الصفر



اظن أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ارتكب خطأ العمر يوم قرر استعمال غزة ورقة في حملته الانتخابية. منذ 2008 شن الطيران الإسرائيلي هجمات عديدة ولم يواجه سوى رد فعل متواضع، لهذا فإن الرد العنيف للمقاومة الفلسطينية كان مفاجئا للإسرائيليين مثلما فاجأ معظم المراقبين.

يعرف الجميع أن خيارات الفلسطينيين محدودة، بسبب الحصار والانقسام، ولهذا تحول ما يسمى بالتهدئة إلى عنوان لكل كلام ذي علاقة بقطاع غزة. ''التهدئة'' ليست اتفاق هدنة بين طرفين، بل تعبير ملطف عن التزام أحادي الجانب بعدم استفزاز العدو. في ظل التهدئة واصلت إسرائيل تتبع قادة المقاومة وقتلهم في فلسطين وخارجها. الأزمة الأخيرة مثلا اندلعت بعد اغتيال قائد عسكري في ''حماس''. وكان الرد المتوقع بضعة صواريخ ثم مساع حميدة تقوم بها القاهرة أو غيرها لإعادة ''حماس'' إلى موقف التهدئة.

لكن شيئا قد فاتنا بالتأكيد مثلما فات الجميع، اندلاع الثورة في مصر وانفراط حبل الأمن في شمال سيناء، أتاحا فرصة نادرة لتهريب كميات من القذائف الصاروخية ومكوناتها عبر الصحراء إلى غزة. هذه القذائف هي التي صنعت الفارق بين رد فعل الفلسطينيين اليوم وردودهم في السنوات الماضية.

لا يتعلق الأمر بعدد الصواريخ أو قدراتها التدميرية، المسألة تتعلق أولا وأخيرا بالروحية الجديدة التي أطلقتها تلك الصواريخ في الشارع الفلسطيني، وبالمعادلات المختلفة التي ستقوم نتيجة لذلك.

حتى وقت قريب كان الإحباط سمة مشتركة بين الشباب الفلسطيني، حديثهم عن خذلان العرب وانحياز العالم وانقسام السياسيين وتدهور المعيشة، هو تعبير موارب عن الإحباط والشعور بعدم الجدوى. مشروع الدولة الذي بشر به المرحوم عرفات انهار، ومفاوضات السلام مجمدة، وفرص الضغط العسكري على إسرائيل غير جدية واهتمام العرب بقضيتهم وصل إلى نهاياته، وسط معمعة الإحباطات هذه، ضاع ''العامل'' الفلسطيني، أو جرى تعطيله.

الـ 300 صاروخ التي أطلقتها غزة لا تقاس أهميتها بحجم الدمار الذي أحدثته، بل بحجم ما أعادته من حماسة وثقة بالذات، من شأنها أن تعيد الحياة إلى ''العامل'' الفلسطيني. عودة هذا العامل تجعلنا نتوقع ردودا أوضح وأكثر شدة على المغامرات الإسرائيلية. صحيح أن ظرف الحصار يفرض حدودا ضيقة للفعل، لكن روحية المقاومة التي أيقظها أزيز الصواريخ ستغير بعض المعادلات الرئيسة. آلاف الشباب سيعودون إلى التفكير في أنفسهم كفاعلين في الصراع، لا كأرقام ضائعة على هامشه. سنرى حراكا دبلوماسيا عربيا ودوليا أكثر حيوية وأكثر استعدادا للاستماع لمظلومية الشعب الفلسطيني وتطلعاته.

إسرائيل من جانبها ستضطر إلى إعادة حساباتها عشرات المرات، قبل أن ترسل طائرة تغتال قائدا أو تدمر مبنى. القوة الإسرائيلية ليست بسيطة، لكنها أيضا ليست عصية على الاختراق. خيار الصفر يعني جاهزية الضعيف للموت دفاعا عن كرامته حين تنعدم الحلول الأخرى. الجاهزية للفداء هي التي تفرض حدودا لقوة الأقوياء. هناك دائما حدود للقوة مهما عظمت أو تغولت. يحسب الأقوياء حجم خسارتهم قبل الإقدام على مغامرة، أما من يعد نفسه للفناء فلا مفهوم للخسارة في حسابه.

الاقتصادية 20 نوفمبر 2012
http://www.aleqt.com/2012/11/20/article_711021.html

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...