15/03/2010

كتاب اخر يستحق القراءة : كارل بوبر "منطق البحث العلمي"

|| معيار التمييز بين العلمي وغير العلمي عند بوبر هو القابلية للتفنيد. ما لا يمكن دحضه او تفنيده فليس علما||
"منطق البحث العلمي" للفيلسوف البريطاني – النمساوي كارل بوبر هو كتاب اخر وجدته في معرض الرياض للكتاب ، واظنه يستحق الاقتناء والقراءة . افترض ان قراء الفلسفة قليلون ، لكني مع ذلك انصح به الكتاب والدعاة واي مثقف يرغب في عصف ذهني يجادل من خلاله ذاته ومتبنياته.
يعتبر بوبر واحدا من ابرز فلاسفة العصر . وقد خلفت بحوثه اثارا عميقة على التفكير الفلسفي والنقدي وعلى الفلسفة السياسية في العالم المعاصر. ورغم ان كثيرا من كتبه قد ترجم الى العربية ، الا اني وجدت الاهتمام به بين المثقفين العرب محدودا . ولعل مرجع ذلك هو قلة اهتمامنا بالفلسفة وتياراتها الجديدة ، رغم انها ضرورية ليس فقط للمختصين ، بل لكل باحث يريد التحول من مستهلك للمعلومات والآراء التي ينتجها الاخرون الى ناقد لتلك الآراء ثم الى منتج للفكر والعلم.
Image result for ‫تحميل كتاب كارل بوبر منطق البحث العلمي‬‎
قدم بوبر نظرية هامة في فلسفة العلم تبدأ بنقد منهج الاستقراء الذي يقوم في صورته المبسطة على ملاحظة العناصر المشتركة بين الامثلة الواقعية وصياغة قاعدة عامة وصفية بناء على تلك المشتركات . رأى بوبر ان ملاحظة الواقع ليست بسيطة : حين ترى شيئا فانك لا تستعمل عينك فقط ، العين هي مجرد اداة لنقل المشهد الخارجي الى منصة فرز وتصنيف في داخل عقلك.
هذه المنصة هي اداة فهم للاشياء تتشكل على ضوء ثقافتك السابقة وتوقعاتك وفهمك لنفسك ولمحيطك. ولهذا فان الوصف الذي تعطيه لذلك الشيء يتضمن – بصورة صريحة او ضمنية – حكما عليه. ومن هنا فان ما قرر الباحث انه عنصر اشتراك بين الاشياء هو في حقيقة الامر حكمه الخاص عليها ، وهو حكم قد يحكي الواقع وقد يجافيه.
يعتقد بوبر ان البحث العلمي في كل مراحله هو سلسلة من المشكلات الذهنية او الواقعية التي يجري تجريب الحلول عليها بشكل تدريجي . ما نسميه حلا او تفسيرا او نظرية هو في واقع الامر تجربة او مرحلة من مراحل تطور الفكرة وليس نهايتها. الباحثون في العلوم لا يختلفون في عملهم عن سائر الناس.
 اولئك مثل هؤلاء يتبعون نفس الطريق التجريبي في التعامل مع المشكلات التي يواجهونها . تبدأ العملية بتحديد المشكلة ، وهذا يقود الى بروز العديد من الحلول المحتملة ، التي تخضع للمقارنة بغرض استبعاد الاحتمالات الاضعف . ما ينتج عن هذه العملية هو احتمال اقوى وليس حلا نهائيا او حقيقة صريحة . سياتي اشخاص اخرون ويكتشفون بعض العيوب في تلك النتيجة ، ويقترحون حلا ارقى ، اي اقل عيوبا. وهكذا تستمر العملية ولا تتوقف ابدا. من هنا فان البحث العلمي لا يستهدف اثبات حقائق نهائية ، وهو على اي حال لا يستطيع بلوغ هذه المرتبة مهما حاول . هدف البحث العلمي هو تقديم حلول مؤقتة كل منها يمثل احتمالا افضل في وقته.
وضع بوبر معيارا للتمييز بين ما يعتبره علميا او غير علمي ، اثار الكثير من الجدل ، فحواه ان القابلية للتفنيد هي ما يميز العلمي عن غير العلمي. النظريات التي لا يمكن دحضها او تفنيدها ليست علمية . كلما ازدادت العناصر القابلة للتفنيد في النظرية كانت اقرب الى العلمية والعكس بالعكس. بناء على هذا المعيار قرر بوبر ان المادية التاريخية التي تعتبر من اعمدة النظرية الماركسية ليست علما لانها لا تحوي عناصر قابلة للتفنيد.
كذلك الامر بالنسبة لنظرية فرويد المشهورة في التحليل النفسي. غير العلمي يمكن ان يكون ايديولوجيا او ايمانا او ميتافيزيقا او انطباعا شخصيا ، اي – في العموم- شيء تؤمن به لأنك تريد ذلك ، بغض النظر عن قابليته للاثبات والتجربة او عدمها. هذا المعيار ، الذي يبدو غريبا بعض الشيء ، ينطلق من اعتقاد بوبر بان العلم ليس اكتشافا واحدا ، بل هو سلسلة من الكشوف التي لا تتوقف . يتوقف العلم اذا توصلنا الى الحقيقة النهائية ، لكن هذا مستحيل بالنسبة للانسان . نحن نسعى للتعلم والبحث لا ننا لا نعرف الحقيقة الكاملة والنهائية ، ولو وصلنا الى هذه الغاية لما عاد الانسان محتاجا الى العلم ، وهذا من الاحتمالات المستحيلة.

11/03/2010

تحولات التيار الديني - 2 نهايات المعارك


تحولات التيار الديني - 2
نهايات المعارك 


 قبل ثلاث سنوات اتخذ وزير العمل السعودي قرارا يمنع الرجال من العمل في بيع الملابس النسائية الداخلية . وكان غرض القرار هو توفير فرص عمل جديدة للنساء اللاتي يزيد معدل البطالة بينهن عن ضعف مثيله بين الذكور. لكن حملة مضادة تبناها تجار وناشطون في التيار الديني التقليدي افشلت البرنامج وعطلته. كانت هذه اخر المعارك الكبرى بين التيار الديني ومعارضيه. وقد نجح فيها لانه استطاع استثمار الجدل الدائر حول توجهات وزير العمل الدكتور غازي القصيبي ودوره.


لكن هذا الانتصار كان مكلفا جدا. فقد ادى الى تشديد عزلة التيار وتوسيع الجدل حول دوره السياسي واساليبه في التعبير عن مواقفه.


كما طال الجدل سلامة الاجتهادات الدينية التي يتبناها. ومنذ اوائل 2007 اصبحت "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" هدفا ثابتا لحملات صحفية تتبعت نشاطاتها وسلوكيات اعضائها وتصريحات مسؤوليها . وفي سابقة هي الاولى من نوعها اقيمت دعاوى قضائية ضد الهيئة على خلفية اتهامات باقتحام منزل وقتل صاحبه في  المدينة المنورة . كما اتهمت الهيئة في دعاوى اخرى بمطاردة اشخاص والتسبب في اضرار مادية وبدنية .



 وتعتبر  "الهيئة" حصنا منيعا للتيار الديني التقليدي واحد اهم مواقع نفوذه في المجتمع السعودي. ورغم ان القضاء قد برأ الهيئة في جميع تلك الدعاوى. الا ان صورتها كجهة دينية تعرضت لجرح عميق. وترتب على تلك الحوادث تغيير طاقمها الاداري وفرض قيود جديدة على عملها . من بين تلك القيود خصوصا نشير الى منعها من الاستعانة بمتطوعين في اعمالها . وفي الماضي كانت مجموعات المتطوعين الشباب هي الاكثر نشاطا وتشددا بين العاملين في صفوف "الهيئة". وكان هذا العمل يستخدم من جانب بعض الشيوخ كنوع من التدريب الحركي للشباب والدعاة الجدد. 

تمدد نقد الصحافة من نشاطات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى فتاوى رجال الدين المؤيدين لها . وقدم هؤلاء ما يمكن اعتباره فرصة ذهبية لناقديهم ، واعني بها تلك الفتاوى التي تثير السخط واحيانا السخرية ويصعب تبريرها او الدفاع عنها. في 2008 نشرت فتوى للشيخ اللحيدان الذي يعتبر الرجل الثاني في سلم المراتب الدينية ، تهاجم القنوات الفضائية وتنص على تكفيرهم وجواز قتلهم . كما نشر بيان للشيخ نفسه ينتقد فتح كليات علمية في جامعة الامام محمد بن سعود الدينية ويقول ان البلاد لا تحتاج الى اطباء ومهندسين بقدر حاجتها الى دعاة وعلماء دين . وبعدها بايام قليلة نشر كلام للشيخ المنجد هاجم فيه البرامج التلفزيونية الاجنبية وقال ان "ميكي ماوس" يستحق القتل. وجرى تصوير هذا الكلام في الصحافة كما لو كان فتوى بقتل ميكي ماوس. هذه الفتاوى والاراء اصبحت مادة اثيرة للاعلام المحلي. ونتيجة لذلك فقد اصبحت كفاءة رجال الدين وسلامة ارائهم موضع جدل في المجالس العامة والخاصة. ولم يسبق للمملكة ان شهدت خلال تاريخها الماضي جدلا بهذا الحجم حول المؤسسة الدينية ورجالها. بل كان ينظر اليهم في العادة كشركاء في النظام السياسي واصحاب نفوذ في الوسط الاجتماعي يستعصي على الجدل والمساءلة.

اثمر هذا الجدل عن كبح التطلعات السياسية للعديد من الحركيين ورجال الدين التقليديين. حتى سنوات قليلة كان هؤلاء يعتبرون انفسهم "شركاء طبيعيين" في السلطة السياسية. بل واستعمل بعضهم تعبيرات محددة تشير الى ان نظام البلاد مدين لجهودهم ودعمهم . اما في الوقت الحاضر فان اولئك يتجنبون الاشارة الى هذا الموضوع بعدما اصبح التصوير العام للتيار الديني ينحو الى اعتباره عبئا ثقيلا على النظام السياسي والبلاد ككل. لم يعد التيار الديني السلفي فعالا او صاحب مبادرة في السياسة كما كان في بداية العقد المنصرم ، ولم يعد شديدا وموحدا في الصراع ضد المنافسين كما كان حتى منتصف العقد الجاري. يبدو هذا التيار في الوقت الراهن مفككا ومختلفا حول نفسه وصورته وطريقة عمله واستهدافاته المباشرة والمستقبلية.

هذا الظرف الذي يبدو ملائما لاعداء التيار الديني ، ينطوي على فرص جديدة لهذا التيار ، لكنه ينطوي ايضا على تحديات ومخاطر. في الجانب الايجابي ، يبدو الظرف مناسبا جدا لمراجعة المتبنيات القديمة وتصحيح العلاقة المأزومة مع القوى الاجتماعية غير السلفية. لكنه في الجانب السلبي ينطوي على احتمال توسع حالات الاحباط ، مما يقود الى انشقاقات جديدة في داخل التيار، بعضها متشدد ايديولوجيا وبعضها انتهازي . وربما تواجه البلاد مخاطر ظهور نسخ شبيهة لحزب التحرير في حدها الادنى او "القاعدة" في حدها الاعلى. 



نشر في الايام  Thursday 11th March 2010 - NO 7640  http://alayam2.epkss.com/Issue/7640/PDF/Page20.pdf



الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...