06/11/2004

الخروج من عصر المماليك

|| رغم اصوات القنابل التي تصم الآذان واخبار القتل اليومي ، بعض اخبار العراق تبعث الامل بانه يسعى لحلول طويلة الامد لمشكلاته المزمنة||


منذ قيام الدولة العراقية بعيد الحرب العالمية الاولى ، ابتلي هذا البلد بمشكلة التمرد المتكرر على السلطة المركزية . جوهر المشكلة يكمن في شعور بعض شرائح المجتمع العراقي بالغبن ازاء تمثيلها في السلطة الوطنية وما يترتب عليه بالضرورة من حرمان من التمتع بسهم منصف من ثروة البلد وحرمان من الفرص التي يفترض ان تتاح للجميع . في نهاية المطاف فان هذا المسار يؤدي الى قيام سلطة اقلية تقهر الاكثرية او سلطة اكثرية تقهر الاقليات.
دخول المجتمع المدني كلاعب مؤثر في الحياة السياسية هو الضمان الاقوى لمستقبل البلد
مشكلة النظام السياسي في بلد كالعراق انه ولد ناقصا مثل الاطفال الذين يولدون قبل الاوان ثم لا تتاح لهم الظروف المناسبة لتعويض ما فاتهم من نمو طبيعي . مسار النمو السياسي لاي نظام جديد يتكون من اربع مراحل : الاولى هي بناء الدولة وجوهرها قيام منظومة عليا تحتكر القرار والقوة. المرحلة الثانية هي بناء الامة وجوهرها توليد اجماع وطني بين مختلف شرائح المجتمع على المفاهيم الاساسية للنظام السياسي : اهدافه ، مصادر شرعيته ، وطرق حل الخلافات بصورة سلمية . المرحلة الثالثة : اشتراك جميع الشرائح الوطنية في صناعة السياسة. اما المرحلة الرابعة فجوهرها هو التوزيع العادل للمكاسب المادية والسياسية المتوفرة على كافة الشرائح .
اعتبر النظام السياسي في معظم الدول النامية ناقص النمو لانه توقف في كثير من الحالات عند اقامة السلطة القاهرة. وخلال الستينات الميلادية ساد اعتقاد بين نخب العالم الثالث بانها قادرة بمفردها على اعادة تصنيع مجتمعاتها . وفي العراق مثلا ، كان يقال ان (العراقي الجيد هو البعثي الجيد) . ومعناه ان من لم يكن بعثيا فان انتماءه الى العراق موضع شك. المشكلة في هذا المفهوم ان الانتماء لحزب البعث يتطلب بالضرورة تحولا ايديولوجيا قد لايطيقه معظم الناس.
نعرف اليوم ان الدولة ليست مسؤولة عن صناعة هوية المجتمع ، بل ولا يجوز لها ان تفرض على المجتمع هوية غير خياره الطبيعي . مسؤولية الدولة هي تمثيل هوية المجتمع العليا ، اي مجموع الهويات الصغرى القابلة للانضمام في اطار جامع يمثله مفهوم الوطن . ان اهمال هذا المفهوم قد ادى فعليا الى تكوين نخب سياسية منفصلة عن مجتمعاتها ، بل – في بعض الاحيان – معادية لمجتمعاتها. هذا التطور دعا المؤرخ الامريكي المعروف ريتشارد بوليت الى وصف هذه النخب بالمماليك الجدد ، مقارنة بمماليك القرن الثامن الهجري الذين اعتمدوا بصورة كلية على القوة العسكرية للحفاظ على سلطانهم .

 النخبة الحاكمة الجديدة في العراق ، يعيبها انها وصلت الى السلطة بدعم مباشر من قوة اجنبية . لكن ربما يشفع لها محاولتها الجادة – كما يظهر حتى الان – في وضع علاج طويل الامد لمشكلات هذا البلد . فهي تتجه الى المرحلة الثانية من بناء النظام السياسي التي ادى اهمالها طوال العقود الماضية الى تمزيق النسيج الوطني. الخطوة الاساسية التي نأمل ان ينجح فيها العراقيون هي توسيع النخبة الحاكمة كي تتمثل فيها كل الشرائح الاجتماعية ، الكبيرة منها والصغيرة . ثم اتفاق هذه النخبة على القواعد الكبرى للنظام السياسي الجديد ، ولا سيما ضمان تمثيل دائم ومنصف للجميع في الحياة السياسية ، واعتبار صناديق الانتخاب هي المرجع لحل الخلافات بين اهل السلطة.
الخطوة التي تثير الامل – رغم انها لم تحظ باهتمام يذكر من جانب وسائل الاعلام ، هي اتفاق النخبة على اقامة الانتخابات البرلمانية المقررة في موعدها المحدد في اول يناير القادم ، والدخول فيها بقائمة موحدة تمثل مختلف الاطياف السياسية العراقية . سيؤدي هذا على الاغلب الى معالجة قلق الضعفاء وتحجيم الرغبة في الاستفراد عند الاقوياء . في ظل اتفاق من هذا النوع سوف تتمكن الشرائح الضعيفة من ضمان موقع مناسب في النظام السياسي ، وسوف يجد الاقوياء – في الوقت نفسه – ان الطريق الاسهل للحصول على المكان المناسب هو الاتفاق مع الاخرين .

نوفمبر 2004

23/10/2004

التامين الاجتماعي الشامل



لا بد ان كل مواطن قد خصص بعض ماله او تفكيره خلال هذا الشهر الكريم لضعفاء الخلق الذين ضاقت بهم الحال وقصرت ايديهم عن النوال. شهر رمضان فرصة تمينة يرغب الناس خلالها في مد يد العون الى الغير. الاساس في فكرة التكافل الاجتماعي ان لكل انسان حق على مجتمعه مثلما لمجتمعه حقوق عليه. وتتجلى هذه الحقوق المتقابلة في وقت حاجة كل طرف الى الاخر. المجتمع يحتاج الى الفرد مثلما يحتاج هذا الى ذاك.

يمكن تصور فكرة التكافل الاجتماعي على ثلاثة مستويات : فردي يتجلى في العون المباشر من شخص الى شخص ، ومؤسسي يتمثل في الجمعيات الخيرية العامة او المتخصصة ، ثم المستوى الوطني الذي يتمثل في الضمان الاجتماعي الشامل. في الوقت الحاضر يتوفر الضمان الاجتماعي لموظفي الحكومة والشركات الكبرى على شكل حقوق مالية تدفع عند يلوغ الموظف سن التقاعد. هناك فرصة لغير الموظفين ايضا للحصول على معونات ضمن نفس الاطار عند بلوغهم سن العجز عن العمل . لكن يبدو ان عددا ليس بالقليل من المواطنين لا يتمتع بهذه الفرصة ولا تلك لسبب او لآخر. والفكرة التي اود طرحها هنا هي دعوة الى تطوير نظام للتامين الاجتماعي الشامل تشمل ضمان راتب تقاعدي لكل مواطن يصل سن التقاعد وعونا محددا في حال البطالة او العجز عن العمل او انخفاض دخله الشخصي عن مستوى معين . واظن ان الانتعاش الاقتصادي الحالي يمثل فرصة مناسبة لدراسة مشروع من هذا النوع من جانب مجلس الشورى او الهيئات الحكومية المختصة .

قبل اشهر قليلة رفض وزير العمل فكرة تقديم مساعدة مالية للعاطلين عن العمل بدعوى ان تجربة الدول التي لديها مثل هذا النظام غير مشجعة . ولم نسمع بمثل هذا التبرير ، لكنه مقبول بالنظر الىاختلاف الحالة عندنا . فالدول التي تقدم مساعدة للعاطلين تفرض على كل مواطن عامل مشاركة الزامية في النظام الوطني للتامين الاجتماعي وبالتالي فان ما يحصل عليه هو حق مكتسب دفع في مقابله ، او هو ملتزم بدفعه عند حصوله على عمل . ومثل ذلك يقال عن الضمان التقاعدي. لكن من ناحية اخرى فان ترك المسالة دون اي تنظيم بديل سوف يؤدي الى تثبيت نسبة الفقر وجعلها مستحيلة العلاج ، خاصة وان التشغيل الكامل لكافة المواطنين في سن العمل مستحيل او غير مرغوب . ان نسبة معينة من البطالة تعتبر ضرورية لتثبيت معدلات التضخم ، وهذا امر معروف بين الاقتصاديين .
على اي حال فان موضوع الضمان الشامل لا يقتصر على شريحة العاطلين عن العمل ، بل ان الجانب الابرز منه يتوجه الى الشريحة الواسعة من المواطنين الذين يصنفون كعاملين مستقلين وتضم هذه الشريحة معظم الحرفيين الذين يملكون اعمالهم وجميع المزارعين اضافة الى الاغلبية الساحقة من النساء غير المتزوجات من موظفين .

لا تقوم هذه الفكرة على تحميل ميزانية الدولة عبئا اضافيا ، وواضح ايضا ان اضافة موارد انفاق جديدة واسعة النطاق ربما يستتبع اثارا سلبية على الاقتصاد الوطني . تتكون الفكرة من جانبين متلازمين : وضع نظام للتامين الاجتماعي الالزامي ، بحيث يتوجب على كل فرد في سن العمل – مواطنا او مقيما – ان يدفع جزء معينا من دخله الشهري كمشاركة في الضمان مثلما يفعل موظفو الدولة ، وفي المقابل يحق له الاستفادة من المزايا التي يوفرها النظام . لجعل هذا النظام ممكنا فاننا بحاجة الى اطلاق حملة ارشاد واسعة ومحددة الاهداف غرضها توعية الجمهور بضرورة هذا النظام وفوائده ، ثم البدء بتطبيقه بصورة تدريجية . سيحتاج الامر بطبيعة الحال الى دراسة كافية لمعدلات الاقتطاع الشهري المناسبة خاصة من اصحاب الحرف المتغيرة الدخل كالمزارعين وبعض فئات العمال ، كما يحتاج الى ربط مستوى الاقتطاع  والراتب التقاعدي بمعدل التضخم السنوي بحيث يكون العائد مجزيا ومقنعا للمشاركين.

صحيح ان اطارات المساعدة الحالية تعالج قدرا معقولا من الحاجات ، لكننا نحتاج الى جعل الامر روتينيا وقائما على قاعدة ان الضمان الاجتماعي هو حق مكتسب لكل مواطن ، يحصل عليه بصورة اتوماتيكية مقابل مشاركته المسبقة . التامين الالزامي يمثل من ناحية اخرى وسيلة هامة لتوفير راس المال على المستوى الوطني ، وهو يعتبر في دول كثيرة احد المداخل الرئيسية للاستثمار ، وتجربة صندوق التقاعد عندنا هي مثال على هذه الفائدة ، فهذا الصندوق يعتبر اليوم احد اعمدة الاستثمار في البلاد . الاستثمار المتجدد يعني تحفيز النمو وتحسين مستوى المعيشة.  لو نجحنا في توسيع تجربة صندوق التقاعد من الحدود الحالية التي تقتصر على موظفي الدولة والشركات الكبرى الى كافة المواطنين في سن العمل ، فمن المرجح ان قدرته على الاستثمار ، وبالتالي مساهمته في معالجة الفقر وتوفير فرص العمل ستكون اكبر بعدة اضعاف.

رمضان اذن فرصة للتفكير في التكافل بين جميع المواطنين ، واظن ان خير صور التكافل هي تلك التي توفر للجميع حلولا اقتصادية وطويلة الامد.
  (السبت - 9/9/1425هـ ) الموافق  23 / اكتوبر/ 2004  - العدد   1224
http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/10/23/Section_6.xml

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...