مع استعادة حزب العدالة والتنمية
لاغلبيته البرلمانية ، يتوقع ان تلعب تركيا دورا اكثر فاعلية في التحالف الدولي ضد
داعش ، سيما في هذه الايام التي تشهد تصاعدا في الاهتمام الدولي بانهاء الازمة
السورية.
كانت تركيا تتبع سياسة حذرة جدا تجاه
داعش. بل قيل ان الاراضي التركية كانت لاتزال حتى منتصف العام الجاري على الأقل ، ممرا
شبه آمن لمعظم مؤيدي داعش الأجانب. مراقبون اوروبيون ظنوا ان الوضع السائد يومئد
ربما كان مؤاتيا لتركيا ، فالهجمات المتكررة لمسلحي داعش على القرى الكردية حول
عين العرب (كوباني) أدت فعليا الى تحجيم نشاطات المتمردين الأكراد واشغالهم
بالدفاع عن انفسهم. بل ان بعض المعادين للسياسات التركية اتهموها بلعب دور الراعي
الاقليمي لداعش. لكن هذا التقدير ليس واقعيا.
حدود تركيا الطويلة مع سوريا والعراق ،
تجعلها الخيار الوحيد تقريبا لانطلاق عمليات عسكرية واسعة لعزل مسلحي داعش في جيوب
قابلة للمحاصرة كما يفكر الامريكيون. لكن هذا بالتحديد ما يجعل الخيارات متباينة. ان
اي عمليات من هذا النوع تستوجب التعامل مع "وحدات حماية الشعب" الكردية
، كحليف استراتيجي. كانت واشنطن قد قررت ذلك بالفعل واعتبرت هذه الميليشيا رأس
الحربة في صراعها لانهاء وجود داعش في المنطقة. وخلال الاسابيع الثلاثة الماضية أنزلت
الطائرات الامريكية شحنتي اسلحة على الاقل للاكراد. كان بوسع القوات الامريكية
تنفيذ العملية عبر الحدود التركية ، لكن الواضح ان الاتراك لازالوا متحفظين على هذه
السياسة ، الامر الذي جعل الانزال الجوي خيارا وحيدا امام واشنطن.
ينطوي هذا التباين في موقف الحليفين
على مفارقة ساخرة. فواشنطن تقول بكلام شبه صريح انها لا تجد حليفا يمكن الاعتماد
عليه اكثر من "قوات حماية الشعب" الكردية ، بينما تقول أنقرة ان هذه
الميليشيا ليست سوى ذراع غير معلن لحزب العمال الكردستاني ، عدوها اللدود ، وأن
دعمها عسكريا سيقود - موضوعيا - الى تمكينها من اعلان "كردستان الغربية"
كمنطقة حكم ذاتي شبيهة تماما بكردستان العراقية. ومثل هذا التطور لن يكون ابدا في
مصلحة تركيا ، التي لم تستطع حتى الآن حل نزاعها التاريخي مع الاقلية الكردية في
الجنوب.
أمام تركيا حلول بديلة لكنها غير
ناضحة. ابرزها المجادلة بامكانية دفع عدد من الجماعات الجهادية التي لها وجود فعلي
في الميدان ، الى مواقف اكثر اعتدالا. هذا يتوقف بطبيعة الحال على تغيير في الموقف
الامريكي ، الذي يتبنى تصنيفا متشددا للمعارضة ، يضع كافة الاسلاميين في خانة
الجماعات الارهابية. يعتقد الاتراك ان داعش هي الجماعة الوحيدة التي ينطبق عليها
وصف الارهاب ، اما البقية فهم بين معتدل فعليا أو قابل للاحتواء.
في كل الأحوال يبدو ان الوقت ليس في
صالح أنقرة. الامريكان يريدون تركيز جهودهم على تفكيك الجماعات المتشددة ، حتى لو
ادى ذلك الى إطالة عمر النظام. الاوروبيون الذين فوجئوا بمئات الالاف من اللاجئين ،
يريدون حل الازمة حتى لو بقي بشار الاسد على راس النظام. والروس والايرانيون
يرسلون المزيد من القوات الى الاراضي السورية ، سعيا لاحداث تغيير جوهري في موازين
القوى على الارض.
ليس متوقعا ان يتغير الحال في سوريا
خلال الاسابيع القليلة المتبقية على نهاية العام. لكن لو تواصل الحراك بنفس
المعدلات الحالية ، فمن المؤكد ان تركيا سوف تضطر الى إعادة نظر جذرية في علاقاتها
مع الاكراد ، الذين باتوا قاب قوسين أو أدنى من إعلان كردستان الغربية اقليما شبه
مستقل ، اي بلوغ نصف الطريق نحو تحقيق حلم كردستان الكبرى ، التي يفترض ان تضم في
المستقبل الاقاليم الكردية في ايران وتركيا أيضا.
الشرق الاوسط 11/11/2015
http://aawsat.com/node/494216