11/11/2015

المأزق التركي


مع استعادة حزب العدالة والتنمية لاغلبيته البرلمانية ، يتوقع ان تلعب تركيا دورا اكثر فاعلية في التحالف الدولي ضد داعش ، سيما في هذه الايام التي تشهد تصاعدا في الاهتمام الدولي بانهاء الازمة السورية.
كانت تركيا تتبع سياسة حذرة جدا تجاه داعش. بل قيل ان الاراضي التركية كانت لاتزال حتى منتصف العام الجاري على الأقل ، ممرا شبه آمن لمعظم مؤيدي داعش الأجانب. مراقبون اوروبيون ظنوا ان الوضع السائد يومئد ربما كان مؤاتيا لتركيا ، فالهجمات المتكررة لمسلحي داعش على القرى الكردية حول عين العرب (كوباني) أدت فعليا الى تحجيم نشاطات المتمردين الأكراد واشغالهم بالدفاع عن انفسهم. بل ان بعض المعادين للسياسات التركية اتهموها بلعب دور الراعي الاقليمي لداعش. لكن هذا التقدير ليس واقعيا.
حدود تركيا الطويلة مع سوريا والعراق ، تجعلها الخيار الوحيد تقريبا لانطلاق عمليات عسكرية واسعة لعزل مسلحي داعش في جيوب قابلة للمحاصرة كما يفكر الامريكيون. لكن هذا بالتحديد ما يجعل الخيارات متباينة. ان اي عمليات من هذا النوع تستوجب التعامل مع "وحدات حماية الشعب" الكردية ، كحليف استراتيجي. كانت واشنطن قد قررت ذلك بالفعل واعتبرت هذه الميليشيا رأس الحربة في صراعها لانهاء وجود داعش في المنطقة. وخلال الاسابيع الثلاثة الماضية أنزلت الطائرات الامريكية شحنتي اسلحة على الاقل للاكراد. كان بوسع القوات الامريكية تنفيذ العملية عبر الحدود التركية ، لكن الواضح ان الاتراك لازالوا متحفظين على هذه السياسة ، الامر الذي جعل الانزال الجوي خيارا وحيدا امام واشنطن.
ينطوي هذا التباين في موقف الحليفين على مفارقة ساخرة. فواشنطن تقول بكلام شبه صريح انها لا تجد حليفا يمكن الاعتماد عليه اكثر من "قوات حماية الشعب" الكردية ، بينما تقول أنقرة ان هذه الميليشيا ليست سوى ذراع غير معلن لحزب العمال الكردستاني ، عدوها اللدود ، وأن دعمها عسكريا سيقود - موضوعيا - الى تمكينها من اعلان "كردستان الغربية" كمنطقة حكم ذاتي شبيهة تماما بكردستان العراقية. ومثل هذا التطور لن يكون ابدا في مصلحة تركيا ، التي لم تستطع حتى الآن حل نزاعها التاريخي مع الاقلية الكردية في الجنوب.
أمام تركيا حلول بديلة لكنها غير ناضحة. ابرزها المجادلة بامكانية دفع عدد من الجماعات الجهادية التي لها وجود فعلي في الميدان ، الى مواقف اكثر اعتدالا. هذا يتوقف بطبيعة الحال على تغيير في الموقف الامريكي ، الذي يتبنى تصنيفا متشددا للمعارضة ، يضع كافة الاسلاميين في خانة الجماعات الارهابية. يعتقد الاتراك ان داعش هي الجماعة الوحيدة التي ينطبق عليها وصف الارهاب ، اما البقية فهم بين معتدل فعليا أو قابل للاحتواء.
في كل الأحوال يبدو ان الوقت ليس في صالح أنقرة. الامريكان يريدون تركيز جهودهم على تفكيك الجماعات المتشددة ، حتى لو ادى ذلك الى إطالة عمر النظام. الاوروبيون الذين فوجئوا بمئات الالاف من اللاجئين ، يريدون حل الازمة حتى لو بقي بشار الاسد على راس النظام. والروس والايرانيون يرسلون المزيد من القوات الى الاراضي السورية ، سعيا لاحداث تغيير جوهري في موازين القوى على الارض.
ليس متوقعا ان يتغير الحال في سوريا خلال الاسابيع القليلة المتبقية على نهاية العام. لكن لو تواصل الحراك بنفس المعدلات الحالية ، فمن المؤكد ان تركيا سوف تضطر الى إعادة نظر جذرية في علاقاتها مع الاكراد ، الذين باتوا قاب قوسين أو أدنى من إعلان كردستان الغربية اقليما شبه مستقل ، اي بلوغ نصف الطريق نحو تحقيق حلم كردستان الكبرى ، التي يفترض ان تضم في المستقبل الاقاليم الكردية في ايران وتركيا أيضا.
الشرق الاوسط  11/11/2015
http://aawsat.com/node/494216

04/11/2015

خطوة أولى لحل سلمي في سوريا


رغم الاشارات المبشرة ، الا ان الطريق طويل قبل الاتفاق على حل سياسي ينهي الحرب الأهلية في سوريا. ابرز البشائر جاءت من اجتماع فيينا الاسبوع الماضي ، وكانت مفاجئة للمتشائمين والمتفائلين على السواء. لم يتوقع كثير من المراقبين ان ينتهي ذلك الاجتماع - القصير نسبيا – الى التوافق على معظم البنود المطروحة. كان بيان الامم المتحدة التي رعت اجتماع فيينا صريحا في الاشارة الى وجود خلافات. لكن عدد البنود التي توافق عليها المجتمعون ، يمثل بداية قوية جدا لنقاشات جدية وتفصيلية خلال الاسابيع القادمة. يرجع الفضل في هذا التطور الى الدول المشاركة في الاجتماع ، التي قبلت بتأجيل خلافاتها التقليدية ، للتركيز على انهاء الأزمة. 
نص البيان الختامي على ان حل الأزمة سيكون بأيدي السوريين. واحتمل ان هذه الاشارة تستهدف فقط تبرير عدم مشاركة الأطراف السورية في الاجتماع. لكنها لا تخفي حقيقة ان المشكلة باتت دولية ، من حيث الواقع الميداني ، ومن حيث الآثار والانعكاسات. وهو أمر سيجعل الشركاء الدوليين جزء أساسيا في أي اتفاق قادم. ربما لا يريد أحد الاقرار بأن السوريين لم يستطيعوا حتى الآن التقدم خطوة واحدة في اتجاه الحل. لم ينجح أي طرف في حسم المعركة على الأرض ، ولم ينجح في اطلاق مبادرة سياسية مقنعة لبقية الأطراف. كما ان الطرفين الرئيسيين في النزاع ، أي الحكومة والمعارضة ، اخفقا تماما في تشكيل جبهة داخلية عريضة ، قادرة على التفاوض وتقديم التزامات سياسية ، على نحو يستقطب ثقة العالم ودعمه.
هذا يكشف عن سمة من سمات الحروب الاهلية ، تتلخص في صعوبة الاتكال على الأطراف المحلية في التوصل الى حل نهائي. صحيح ان بعض النماذج تؤكد هذه الامكانية. ونذكر هنا مثال ايرلندا الشمالية التي انتهت الحرب فيها من خلال الحوار بين الحكومة البريطانية والجيش الجمهوري الايرلندي ، ومثال سيريلانكا التي توصلت حكومتها الى اتفاق مرحلي مع نمور التاميل. الا ان معظم النزاعات المماثلة تشهد على محورية الدور الخارجي. ثمة أمثلة عديدة على هذا المنحى ، من الحرب الاهلية في لبنان ، الى نظيرتها في أفغانستان والصومال ، ثم في يوغسلافيا السابقة والسودان وتيمور الشرقية وليبيريا وبوروندي.. الخ.
هذه الامثلة تؤكد على الاهمية القصوى لمعالجة متوازية لعنصرين مؤثرين في الظرف السوري القائم. العنصر الاول هو حاجة السوريين للشعور بأنهم شركاء في صناعة مستقبلهم وتقرير الكيفية التي ستدار بها أمورهم ، وانهم ليسوا مجرد أدوات لقوى خارجية. اما  العنصر الثاني فهو عجز جميع الاطراف المحلية عن صناعة اجماع وطني ، يؤسس لحل سياسي مستقر. فهي عاجزة عن التوافق ، كما انها تفتقر الى قوة تكفي لفرض أي حل سياسي ، سواء كان توافقيا أو أحاديا ، على نحو يعيد النظام العام الى البلد ككل.
من هنا فانه يتوجب على الشركاء الدوليين الاهتمام بربط العنصرين. أي ضمان المشاركة الفاعلة للاطراف المحلية في وضع خارطة طريق ، توضح كيفية الخروج من ظرف الحرب ، والانتقال الى الصراع السلمي ، بما فيه قواعد الاشتباك وطريقة حل الخلافات سلميا. هذا سيكون خطوة أولى مهمة لاعادة بناء الاجماع الوطني. ثم العمل على حشد دعم دولي مناسب وراء هذا الاجماع كي يصبح ممكنا استبعاد الاطراف التي تميل الى عرقلة الحل.
شعور السوريين بانهم شركاء اساسيون في الحل سيجعلهم اكثر ايمانا بمسؤوليتهم عن صون هذا الحل. كما ان الدعم الدولي الواسع له سيحصر الشرعية في خيار الحل ، ويقصي الخيارات الفوضوية او المغامرة.  

الشرق الاوسط 4 نوفمبر 2015
http://aawsat.com/node/489151

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...