لا بد ان كل مواطن قد خصص بعض ماله او تفكيره خلال هذا الشهر الكريم لضعفاء الخلق الذين ضاقت بهم الحال وقصرت ايديهم عن النوال. شهر رمضان فرصة تمينة يرغب الناس خلالها في مد يد العون الى الغير. الاساس في فكرة التكافل الاجتماعي ان لكل انسان حق على مجتمعه مثلما لمجتمعه حقوق عليه. وتتجلى هذه الحقوق المتقابلة في وقت حاجة كل طرف الى الاخر. المجتمع يحتاج الى الفرد مثلما يحتاج هذا الى ذاك.
يمكن
تصور فكرة التكافل الاجتماعي على ثلاثة مستويات : فردي يتجلى في العون المباشر من
شخص الى شخص ، ومؤسسي يتمثل في الجمعيات الخيرية العامة او المتخصصة ، ثم المستوى
الوطني الذي يتمثل في الضمان الاجتماعي الشامل. في الوقت الحاضر يتوفر الضمان
الاجتماعي لموظفي الحكومة والشركات الكبرى على شكل حقوق مالية تدفع عند يلوغ
الموظف سن التقاعد. هناك فرصة لغير الموظفين ايضا للحصول على معونات ضمن نفس
الاطار عند بلوغهم سن العجز عن العمل . لكن يبدو ان عددا ليس بالقليل من المواطنين
لا يتمتع بهذه الفرصة ولا تلك لسبب او لآخر. والفكرة التي اود طرحها هنا هي دعوة
الى تطوير نظام للتامين الاجتماعي الشامل تشمل ضمان راتب تقاعدي لكل مواطن يصل سن
التقاعد وعونا محددا في حال البطالة او العجز عن العمل او انخفاض دخله الشخصي عن
مستوى معين . واظن ان الانتعاش الاقتصادي الحالي يمثل فرصة مناسبة لدراسة مشروع من
هذا النوع من جانب مجلس الشورى او الهيئات الحكومية المختصة .
قبل
اشهر قليلة رفض وزير العمل فكرة تقديم مساعدة مالية للعاطلين عن العمل بدعوى ان
تجربة الدول التي لديها مثل هذا النظام غير مشجعة . ولم نسمع بمثل هذا التبرير ،
لكنه مقبول بالنظر الىاختلاف الحالة عندنا . فالدول التي تقدم مساعدة للعاطلين
تفرض على كل مواطن عامل مشاركة الزامية في النظام الوطني للتامين الاجتماعي
وبالتالي فان ما يحصل عليه هو حق مكتسب دفع في مقابله ، او هو ملتزم بدفعه عند
حصوله على عمل . ومثل ذلك يقال عن الضمان التقاعدي. لكن من ناحية اخرى فان ترك
المسالة دون اي تنظيم بديل سوف يؤدي الى تثبيت نسبة الفقر وجعلها مستحيلة العلاج ،
خاصة وان التشغيل الكامل لكافة المواطنين في سن العمل مستحيل او غير مرغوب . ان
نسبة معينة من البطالة تعتبر ضرورية لتثبيت معدلات التضخم ، وهذا امر معروف بين
الاقتصاديين .
على
اي حال فان موضوع الضمان الشامل لا يقتصر على شريحة العاطلين عن العمل ، بل ان
الجانب الابرز منه يتوجه الى الشريحة الواسعة من المواطنين الذين يصنفون كعاملين
مستقلين وتضم هذه الشريحة معظم الحرفيين الذين يملكون اعمالهم وجميع المزارعين
اضافة الى الاغلبية الساحقة من النساء غير المتزوجات من موظفين .
لا
تقوم هذه الفكرة على تحميل ميزانية الدولة عبئا اضافيا ، وواضح ايضا ان اضافة
موارد انفاق جديدة واسعة النطاق ربما يستتبع اثارا سلبية على الاقتصاد الوطني .
تتكون الفكرة من جانبين متلازمين : وضع نظام للتامين الاجتماعي الالزامي ، بحيث
يتوجب على كل فرد في سن العمل – مواطنا او مقيما – ان يدفع جزء معينا من دخله
الشهري كمشاركة في الضمان مثلما يفعل موظفو الدولة ، وفي المقابل يحق له الاستفادة
من المزايا التي يوفرها النظام . لجعل هذا النظام ممكنا فاننا بحاجة الى اطلاق
حملة ارشاد واسعة ومحددة الاهداف غرضها توعية الجمهور بضرورة هذا النظام وفوائده ،
ثم البدء بتطبيقه بصورة تدريجية . سيحتاج الامر بطبيعة الحال الى دراسة كافية
لمعدلات الاقتطاع الشهري المناسبة خاصة من اصحاب الحرف المتغيرة الدخل كالمزارعين
وبعض فئات العمال ، كما يحتاج الى ربط مستوى الاقتطاع والراتب التقاعدي بمعدل التضخم السنوي بحيث
يكون العائد مجزيا ومقنعا للمشاركين.
صحيح
ان اطارات المساعدة الحالية تعالج قدرا معقولا من الحاجات ، لكننا نحتاج الى جعل
الامر روتينيا وقائما على قاعدة ان الضمان الاجتماعي هو حق مكتسب لكل مواطن ، يحصل
عليه بصورة اتوماتيكية مقابل مشاركته المسبقة . التامين الالزامي يمثل من ناحية
اخرى وسيلة هامة لتوفير راس المال على المستوى الوطني ، وهو يعتبر في دول كثيرة
احد المداخل الرئيسية للاستثمار ، وتجربة صندوق التقاعد عندنا هي مثال على هذه
الفائدة ، فهذا الصندوق يعتبر اليوم احد اعمدة الاستثمار في البلاد . الاستثمار
المتجدد يعني تحفيز النمو وتحسين مستوى المعيشة.
لو نجحنا في توسيع تجربة صندوق التقاعد من الحدود الحالية التي تقتصر على
موظفي الدولة والشركات الكبرى الى كافة المواطنين في سن العمل ، فمن المرجح ان
قدرته على الاستثمار ، وبالتالي مساهمته في معالجة الفقر وتوفير فرص العمل ستكون
اكبر بعدة اضعاف.
رمضان
اذن فرصة للتفكير في التكافل بين جميع المواطنين ، واظن ان خير صور التكافل هي تلك
التي توفر للجميع حلولا اقتصادية وطويلة الامد.
(السبت - 9/9/1425هـ )
الموافق 23 / اكتوبر/ 2004 - العدد 1224
http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/10/23/Section_6.xml