31/08/2016

تبعات الدولة الايديولوجية




ذكرت في مقال الاسبوع الماضي المعايير الثلاثة المقترحة لتطبيق وصف الدولة الفاشلة او المتردية. وابرزها عجز الدولة عن فرض سلطانها على كل اراضيها ، ثم انهيار نظام الخدمات العامة ، واخيرا تردد المجتمع الدولي في الاعتراف بالحكومة كممثل قانوني وحيد لبلدها. وقد رجحت المعيار الاول مع بعض التحفظ.
المعيار الاول ، وهو موضوع هذا المقال ، ينصرف عادة الى معنى محدد ، هو امتلاك الدولة لقوة عسكرية تمنع ظهور اي قوة مماثلة خارج نطاق القانون ، سواء كانت هذه جماعة سياسية مسلحة أو منظمات اجرامية كبيرة.
سبب التحفظ على هذا المعيار هو مسار الاحداث في ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا وليبيا. قبل انفجار العنف كانت هذه الدول تخضع لحكومات قوية ، تملك منظومات أمنية شديدة الفعالية ، واسعة الانتشار ، متغلغلة في تفاصيل حياة المجتمع. لكنها فشلت جميعا في منع انزلاق المجتمع الى الانقسام وانفجار العنف الأهلي. بل ان القوات المسلحة نفسها ، فشلت في صون وحدتها ، فانقسمت وتصارعت.
هذا يستدعي اسئلة ضرورية ، مثل: هل تسبب انقسام المجتمع في انقسام القوات المسلحة ام العكس؟. وهل كانت بذور الانقسام كامنة في المجتمع او في القوات المسلحة ، حتى في ظل الدولة القوية؟.
لعل قارئا يجادل بان الانقسام ولد بعد انكسار النظام. بمعنى ان انكساره هو سبب الانقسام. وهذا الاستدلال غير صحيح. فهو قد يدل أيضا على ان الانقسام كان نشطا تحت السطح ، فلما انكسر السقف الامني ، ظهر الواقع المحتجب تحته. ولو كان انكسار الحكومة علة رئيسية ، لاستعاد المجتمع الليبي مثلا وحدته ، بعد خمس سنوات من سقوط النظام السابق.
فكرة احتكار الدولة للقوة المسلحة كدليل على نجاحها ، تنسب الى تراث ماكس فيبر ، عالم الاجتماع الالماني المعروف. لكن فيبر يشير ضمنا الى ان دور القوى المسلحة الحكومية يجب ان يفهم كقابلية لاستعمال السلاح وليس استعماله فعليا ، الا في مواجهة الجريمة او التمرد المسلح. وهو يستعمل في هذا السياق عبارة "التلويح بالقوة المسلحة".
اميل الى الاعتقاد بان تبني الدولة لخطاب ايديولوجي خاص ، هو العامل الرئيس للانقسام الاجتماعي. وهذا ما حصل في الدول الثلاث. تبنت النخبة الحاكمة في سوريا والعراق ايديولوجيا حزب البعث. وتبنى الليبيون ايديولوجيا الثورة الجماهيرية. وهي ايديولوجيات ما كانت تمثل – في احسن الاحوال - غير شريحة من المواطنين ، كبيرة او صغيرة. مالم يكن جميع الشعب مؤمنا بالايديولوجيا الرسمية ، فسوف تتحول بالضرورة الى عامل تقسيم للمجتمع ، بين اولياء الحكومة ،  المؤمنين بخطابها الايديولوجي ، واعداء الحكومة ، الرافضين لذلك الخطاب. وفي مثل العالم العربي ، فان رفض الخطاب الرسمي يتحول سريعا الى تصنيف سياسي ، يستدعي استعمال القوة العارية ضد الفريق الرافض. وبالتالي تحويل الانقسام من اختلاف في الرأي ، الى صراع نشط بين دائرة المحبين ودائرة الكارهين.
اتسمت علاقة المواطنين بالحكومة في الدول الثلاث بالارتياب المتبادل. وكان الخوف والحذر هو الطابع العام لموقف المواطنين من الدولة ، التي لم تتحفظ في استعمال قواها الامنية ضد من يختلف معها في راي او موقف سياسي او ايديولوجي.
هذا يحملنا على الظن بان مجرد احتكار الدولة للقوى المسلحة ، ليس معيارا لنجاحها كما رأى فيبر ، لانه لا يحول دون الانقسام الاجتماعي ، الذي قد يقود في لحظة ما ، الى انقسام تلك القوى المسلحة ، وعجزها عن ممارسة دورها كحارس للنظام الاجتماعي.
الشرق الاوسط 31 اغسطس 2016
http://aawsat.com/node/727171

24/08/2016

تبعات الدولة الفاشلة



في 2005 بدأت مجلة "فورين بوليسي" نشر القائمة السنوية للدول الفاشلة او المهددة بالفشل ، في اطار شراكة بحثية مع مركز الابحاث المعروف بصندوق السلام.
كان مفهوم "الدولة الفاشلة" قد لفت انظار الباحثين بعد نشر المجلة نفسها مقالا في نهاية 1992 بقلم جيرالد هيلمان وستيفن راتنر ، حول ظاهرة تفكك الدولة القومية وتصاعد الصراعات الاثنية في العالم ، سيما بعد انتهاء الحرب الباردة.
وخلال العقدين الماضيين حاول عدد من دارسي العلاقات الدولية ، وضع تعريف معياري للفشل ، يمكن احتساب عناصره بصورة موضوعية وقابلة للتطبيق في كل الحالات. لكن هذا الهدف لا زال بعيد المنال ، بسبب العلاقة الحرجة بين التعريف والمخرجات التي يصعب وصفها دون "نظرية مسبقة" ، اي – بصورة من الصور – تقرير شبه ايديولوجي يحدد كيف نرى الواقع وكيف نصفه.
لكن يمكن القول اجمالا ان الباحثين المتحفظين يميلون للحديث عن دولة "هشة" او "متردية". بمعنى انها مرشحة للفشل ، دون القطع بانها فاشلة فعليا. ويقترحون في هذا السياق 3 متغيرات معيارية ، تحدد تصنيف اي دولة بين ناجحة أو متردية:
ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة ، او تزايد الجماعات المسلحة التي تعمل خارج اطار القانون ، او تستعمل مصادر قوة الدولة بخلاف اغراضها القانونية. وبالتالي عجز مؤسسة الدولة عن حماية المواطنين.
انهيار منظومات الخدمة العامة وفشلها في تلبية الحاجات الاساسية للمواطنين ، الامر الذي يجعل وجود الدولة كادارة للمجتمع ، غير ضروري او غير مفيد ، في رأي الجمهور.
تلاشي مصداقية الدولة في الاطار الدولي. اي عدم اعتراف المجتمع الدولي بهذه الحكومة كممثل وحيد او قانوني للبلد الذي تحكمه ، او عدم التعامل معها باعتبارها تملك سيادة كاملة على اقليمها.
يصعب القطع بانطباق هذه المعايير بصورة دقيقة على اي دولة في الوقت الراهن. لكن السياسيين يميلون عموما الى التركيز على العامل الاول ، بالنظر الى واحد من أهم مخرجاته ، وهو الهجرة الجماعية للسكان. وخلال السنتين الماضيتين بالخصوص ، كانت موجات الهجرة الجماعية الضخمة عبر البحر المتوسط ، سببا في تجديد النقاش حول مسألتين بالتحديد هما: 1- الكلفة التي يتحملها المجتمع الدولي نتيجة فشل دولة ما. وهم يشيرون خصوصا الى انتشار الارهاب والهجرة غير الشرعية. و2- مسؤولية المجتمع الدولي ازاء هذه الدولة ، التي سيؤدي اهمالها الى ما اسماه توماس فريدمان بانتقال عالم الفوضى الى عالم النظام ، اي ببساطة تحول الدول الفاشلة الى مولد لعوامل انكسار في الانظمة المستقرة سياسيا واقتصاديا.
لدينا تحفظات على صدقية المعايير السابقة. لكن ثمة ما يدفع للظن بأن الاول – من دون تفاصيل – يمثل قطب الرحى في اي توصيف لفشل الدولة او ترديها. ولعل حالة البلدين العربيين سوريا وليبيا ، نموذج واضح عن الحالة التي يمكن ان يصل اليها وضع الاقليم ككل ، عندما ينكسر النظام العام في احدى دوله.
يولد العنف في دولة محددة. لكن موجات الرعب التي يطلقها ، تتحول الى محرك للانقسامات الاجتماعية والتوترات السياسية على امتداد الاقليم. انتشار الازمات عبر الحدود ، كان المبرر الرئيس وراء الدعوة التي اطلقها بطرس غالي ، الامين العام السابق للامم المتحدة ، منتصف 1992 ، للتخلي عن التشديد التقليدي على مبدأ "السيادة الوطنية" كمرجع للعلاقات بين الدول ، والاهتمام بدلا منه بمفهوم "الاعتماد المتبادل" ، الذي يعني ايضا مسؤولية الجميع عن امن الجميع.
الشرق الاوسط 24 اغسطس 2016

http://aawsat.com/node/721561

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...