25/04/2018

"بسطة الكتب"

|| كافة النشاطات الثقافية تستهدف 3 أغراض رئيسية هي توسيع الافق الذهني ، ثم عقلنة التفكير ، واخيرا تعميق الارتباط بالعالم الواقعي من خلال مواكبة المعارف المتجددة ||

كل حديث عن الثقافة في مجتمعنا ، يستدعي ديباجة ثابتة ، من نوع ان العرب لا يقرأون ، وأمثالها مما يشير عادة الى تقصيرنا في هذا المجال. ابدأ بهذا كي اتحاشى استدعاء ذات الانطباع الذي لا فائدة فيه. صحيح ان الاقرار بالعيوب تمهيد لازم لعلاجها. لكن هذا مشروط بأن يأتي في سياق العلاج ، وليس لمجرد جلد الذات او تبرير الهروب من المشكلة.

يهمني أيضا تلافي الادعاء القائل ، بأن الحواسب والهواتف المحمولة التي وصلت شباب اليوم بالعالم ، قد ساهمت في قتل عادة القراءة ، من خلال ما تعرضه من العاب وقنوات ترفيه غير ذات علاقة بالثقافة. ان الولايات المتحدة الامريكية ، هي البلد الذي يتوفر فيه القدر الاعظم من هذه المواد. ومع ذلك فان معدلات القراءة لم تتأثر كثيرا خلال العقد الجاري.
 وفقا لبحث  أجراه مركز بيو ، وهو مركز متخصص في ابحاث السلوك الجمعي ، فان 74بالمئة من سكان الولايات المتحدة الامريكية، قرأوا كتابا واحدا على الأقل خلال سنة2017. يشير التقرير أيضا الى ان كلا من هؤلاء يقرأ في المتوسط اربعة كتب سنويا. نعلم بطبيعة الحال ان الروايات والقصص الخرافية ، تشكل ثلاثة ارباع هذه القراءات. وهي أيضا تتصدر قائمة مبيعات الكتب في كل عام.

ويثير الاهتمام في التقرير ايضا ، ان النسب المذكورة لم تتغير بشكل ملحوظ منذ سنة 2011 ، سيما بالنسبة للشباب ، برغم التوسع الهائل في مصادر المعلومات والترفيه الرقمية. بعبارة اخرى فان الافلام والالعاب المتوفرة في جيب كل شاب ، لم تؤثر سلبيا على عادة القراءة. وهذا بذاته جدير بالتأمل.
بالعودة الى عالمنا العربي فان النقاش لا ينبغي ان ينصب على عدد الكتب التي يقرأها الناس او نوعية ما يقرأون ، بل على الأغراض التي نريد تحقيقها من وراء النشاطات الثقافية ، سواء قراءة الكتب او غيرها. التحقق من هذه الأغراض ربما يدلنا على الوسائل التي تتناسب مع الواقع القائم في مجتمعاتنا ، بكل ما يحويه من معطيات سلبية وايجابية. وسأعرض هنا فكرتين:
الاولى: ان جميع النشاطات الثقافية الموجهة للجمهور ، تبتغي الوصول الى ثلاثة أغراض رئيسية ، يشكل كل منها عنوانا عريضا لشريحة من الاغراض الفرعية. وأبرز تلك الاغراض هو توسيع الافق الذهني ، ثم عقلنة التفكير ، واخيرا تعميق الارتباط بالعالم الواقعي من خلال مواكبة المعارف المتجددة.
الثانية: اننا بحاجة للتفكير في وسائل غير تقليدية ، لجعل الثقافة جزءا من النشاط اليومي للشباب. وأذكر هنا مبادرة الاستاذ حسن حمادة ، وهو من هذا النوع الذي يسعى لتجاوز التوجع على عدم القراءة الى معالجتها. منذ بضعة اشهر يقيم حسن "بسطة الكتب" عصر كل سبت على كورنيش القطيف ، ويعرض فيها نحو مئة كتاب للقراءة المجانية. وهو يقول ان عشرات من الشبان قد اصبحوا زبائن ثابتين ، وأن قراءه يزيدون عن المئة في كل اسبوع. هذا نموذج من المعالجات التي تتمحور حول أخذ الكتاب الى الناس بدل انتظار مجيئهم.
لا بد ان هناك – اضافة الى هذا المثال - وسائل اخرى غير القراءة بالمعنى التقليدي. واظننا بحاجة الى التفكير مليا ودعوة أصحاب التجارب لطرح تجاربهم. ما هو مهم في المسألة كلها هو ان تنشيط الثقافة الجماهيرية ليس نافلة اضافية ، بل ضرورة للخروج من مأزق التخلف والعنف والانقسام الذي يؤرقنا جميعا.
الشرق الاوسط. الأربعاء - 9 شعبان 1439 هـ - 25 أبريل 2018 مـ رقم العدد [14393]
http://aawsat.com/node/1248096
 


18/04/2018

خطباء وعلماء وحدادون

|| الهوية والتنمية مثل فرس جموح وعربة ثقيلة. ان ربطا على التوالي، ستصل عربة التنمية الى نهاية الطريق. وان وضعا متعاكسين، سيكسر احدهما الاخر. ولن نحظى بسوى الخراب ||

في نهاية عمله سفيرا لباكستان في طوكيو ، سجل نجم الثاقب خان تأملاته في التجربة اليابانية ، مركزا على موضوع العلاقة المتبادلة بين الهوية الوطنية والنهوض الاجتماعي. نشر الكتاب في 1993 باسم "التجربة اليابانية والبناء الوطني في جنوب غرب آسيا". وبعد عامين نشر في العربية باسم "دروس من اليابان للشرق الأوسط".
لهذه التأملات قيمة استثنائية. فكاتبها جمع تخصصه العلمي في الاقتصاد الى خبرة طويلة في سياسات التنمية والعلاقات الدولية ، كما اهتم بمحركات التحول الاجتماعي في الدول النامية.
كان معظم دارسي التنمية الغربيين قد اختاروا منهجا يعتبر التدين حالة سيكولوجية ستاتيكية نوعا ما ، مشروطة بالظرف الاقتصادي/السياسي. ومن هنا ، افترضوا أن الدين معيق للتنمية. لكن تاثيره سينكمش  كلما تعمقت قيم الحداثة في الحياة العامة. قليل من هؤلاء اهتم جديا باحتمال التفاعل الايجابي بين التدين والتحديث.
حين نشر الكتاب باللغة العربية ، كان العالم العربي يخوض الجزء الثاني مما سمي بمرحلة الصحوة الدينية. يومئذ كانت مسألة الهوية محور اهتمام الدعاة والحركيين ، الذين اعتمدوا منهجا يصور الانتماء الديني كنقيض لكل انتماء آخر ، ويصنف الحداثة  كحصان طروادة لمخططات غربية تستهدف تدمير الاسلام.
لاحظ نجم الثاقب ان اليابان مرت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بنفس المشكلة. ثم تجاوزتها عبر مصالحة تاريخية ، أثمرت عن صون الهوية التاريخية للشعب الياباني ، والانفتاح – في الوقت نفسه – على تيارات الفكر والعلم التي يموج بها العالم الغربي.
يعظم اليابانيون تراثهم الى حد الهوس. وكانوا فيما مضى يرون انفسهم اعلى أمم الأرض قيمة. لكنهم - مع ذلك - كانوا صادقين مع انفسهم ، حين ادركوا المسافة الشاسعة بينهم وبين الامم الغربية ، واكتشفوا ان قطار التقدم قد فاتهم او كاد.
ويذكر في هذا السياق ان اليابان شهدت في بواكير نهضتها الحديثة ، جدالات شبيهة تماما بما عرفه العالم العربي ، حول فائدة العلاقة مع الغرب والتحذير من مؤامراته ، وميله الطبيعي لاستغلال الامم الضعيفة ، واستحالة الفصل بين العلاقة به والخضوع لهيمنته ..الخ. لكنهم في نهاية المطاف أدركوا ان تمجيد الذات لن يحمي جزرهم من غزوات الطامعين ، الذين قد يأتون من اوربا او الصين ، او غيرها. ان قابلية البلاد للخضوع او مقاومتها للغزو ، رهن بأهليتها لانتاج عناصر القوة الذهنية والمادية.
الطريق الذي اتبعته اليابان هو التعلم من الاوروبيين الاكثر علما وخبرة. ولم يكن هذا بالقرار السهل. فقد تطلب اعادة موضعة لتراث راسخ ، مشحون بامتداح الذات والتهوين من قيمة الآخرين. تم تقليد مناهج التعليم الاوروبية والتقنيات الاوروبية. بل ان مؤرخين ذكروا ان رجال الاعمال اليابانيين الذين زاروا اوربا يومئذ ، اهتموا بتسجيل كل شيء ، من وصف المصانع والورش حتى الطرق والمباني وملابس الناس. لقد بدأوا بتقليد المتقدم ، ثم اعادوا انتاج تقنياته ، ثم تقدموا عليه ، كما هو الحال الآن.
يقدم نجم الثاقب خلاصة هذه التأملات في تصوير بسيط: الهوية والتنمية مثل فرس جموح وعربة ثقيلة. اذا ربطا على التوالي ، ستصل عربة التنمية الى نهاية الطريق. واذا وضعا متعاكسين ، سيكسر واحد منهما الاخر. ولن نحظى بسوى الخراب. بالنسبة لنا كمسلمين ، فان الاعتزاز بالهوية ينبغي ان يقودنا لاكتساب مصادر القوة ، وأبرزها العلم والتقنية ، حيثما وجدت. المجادلات الخاصة بكون هويتنا أعلى او أحق ، لن تحملنا على قطار التقدم. هذا القطار يحتاج سكة يصنعها علماء وحدادون لا خطباء.
الشرق الاوسط الأربعاء - 2 شعبان 1439 هـ - 18 أبريل 2018 مـ رقم العدد [14386]
http://aawsat.com/node/1240976

المواطن "الممتاز" والمواطن "العادي"

سألتني السيدة ميره ، وهي مثقفة من دولة الامارات الشقيقة ، عن علاقة المواطنين ببعضهم وعلاقتهم بوطنهم: هل نكتفي بمضمونها القانوني ، ام نحتا...