‏إظهار الرسائل ذات التسميات شراكة التراب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شراكة التراب. إظهار كافة الرسائل

03/04/2025

من الفوضى الى الدولة المطلقة

 

سوريا ، السودان ، ليبيا ، واليمن ، اربع دول عربية تعيش مخاض الدولة المطلقة.

بيان ذلك: ان أي بلد لا يستطيع العيش في أمان واستقرار ، من دون حكومة قوية ، سواء كانت عادلة او جائرة. صحيح ان العدل هو مطلب الناس وغايتهم ، لكنه لا يتحقق الا بوجود حكومة قوية مستقرة. من هنا قال علماء السياسة بأن الخطوة الأولى لاستقرار السياسة العادلة ، هو وجود دولة قوية مطاعة. فاذا وجدت ، حان وقت الانتقال للمرحلة الثانية ، أي تنظيم إدارة الدولة على أساس المشاركة العامة للمجتمع في الحقوق والتكاليف.

يبدو لي ان معظم الدول النامية ، وقعت أسيرة الخلط بين المرحلتين ، فبعضها تجمد عند الأولى ، وبعضها انخرط في جدل مبكر حول المرحلة الثانية ، بحيث بدا للمواطنين واطراف المشهد السياسي ، ان الاتفاق على الخطوة الأولى ، مشروط باتفاق مسبق على تفاصيل الثانية. دعنا نأخذ مثلا من ليبيا ، حيث اتفقت القوى السياسية مرات عديدة ، على عقد انتخابات عامة لاختيار رئيس الدولة ، مع انهم لم يقيموا الحكومة الواحدة التي تبسط سلطانها على أرض البلاد أقصاها وأدناها.

ربما ظن الوسطاء الذين سعوا لحل الازمة الليبية ، ان انتخاب الرئيس سيوفر فرصة للاجماع على التمثيل السياسي للبلد. وهو ظن في غير محله. ولو حصل فسوف يكون الرئيس مجرد وسيط وطني ، يضاف الى الوسطاء الدوليين ، ولن يكون حاكما بالمعنى الذي نعرفه عن رئيس الدولة. السبب ببساطة هو ان مصادر قوة الدولة ، ولا سيما الأموال والقوات المسلحة ، في يد اطراف سياسية متنازعة ، لان الدولة المركزية غير موجودة في الأصل. على أي حال فحتى هذه الخطوة الرمزية لم يكتب لها النجاح ، فلم تعقد الانتخابات ولا انتخب الرئيس. وبقيت البلاد ، كما كانت منذ 2014 ، مقسومة بين حكومتين ، تسيطر احداهما على بعض الشرق ، والأخرى على بعض الغرب.

قيام الدولة الواحدة القوية ضروري للتطور السياسي. ومن دونه ستعود البلاد الى فوضى ما قبل الدولة ، كالذي نشهده اليوم في البلدان المذكورة.

حسنا. لماذا لا تبادر الأطراف السياسية للاتفاق على معالم المرحلة الثانية ، وتضعها كمسودة اعلان دستوري ،  ثم تتفق على إقامة السلطة الواحدة القوية؟.

الجواب معلوم: كل طرف لا يطمئن للآخر ، بل يخاف ان يقع في قبضته فيخسر حقوقه ، او يخسر فرصته في أن يكون حاكما او شريكا في الحكم.

لعلكم الان تقولون: ان هذه هي أيضا مشكلة السودان واليمن وسوريا. لماذا انفصل جنوب السودان عن شماله في 2011؟. لأن الرئيس السابق عمر البشير أبى ان ينتقل بالنظام السياسي من حكم الفرد الى المشاركة السياسية الفاعلة ، فضحى بوحدة البلد ، كي لا يخسر سلطانه. وحدث الامر نفسه في اليمن عام 1994 ، وحدث شيء قريب من هذا في سوريا خلال السنوات العشر الماضية ، حين ابى الرئيس السابق ان يشرك معارضيه في السلطة ، فقاد البلد الى ازمتها الحالية ، وكان في وسعه ان يبرز كمصلح تاريخي ، كما تأمل كثير من الناس.

في ظني أن جذر المشكلة ، في كل هذه البلدان ، هو ان الذين بيدهم مصادر القوة ، وخاصة أصحاب السلطة والسلاح ، لا يؤمنون بأن كافة المواطنين شركاء في سياسة بلدهم ، شراكة جذرها امتلاكهم لتراب الوطن ، وان هذه الشراكة مصدر لحق المواطنين في شراكة مماثلة في الشأن العام. بعبارة أخرى فهم لا يؤمنون بتساوي كافة أهل البلد في الحقوق والواجبات ، بناء على كونهم ملاكا لوطنهم ، وانهم – لهذا السبب أيضا – مكلفون بحمايته وتنميته وتطوير إنجازاته. وفي السياق نفسه فان الغالبية الساحقة من المواطنين ، لا يرون أنفسهم معنيين بالشأن العام ، أو ما يسمى في الثقافة العربية الدارجة "التدخل في السياسة".

الشراكة المتساوية بين المواطنين ، هي القاعدة الأولى لما يعرف في علم السياسة بالاجماع الوطني. والايمان بها هو الأساس لكل مجتمع سياسي حديث. ولنا عودة الى الموضوع في قادم الأيام.

الخميس - 05 شوّال 1446 هـ - 3 أبريل 2025 م  https://aawsat.news/vbvnp

مقالات ذات علاقة

 

20/03/2025

التطرف والانقسام

 في سبتمبر  2017 صوت غالبية الأكراد العراقيين (92%) لصالح استقلال إقليم كردستان ، بعد حوالي عقدين من الحكم الذاتي الموسع. هذا يشبه الى حد كبير مشهد جنوب السودان في يناير 2011 حين صوت 99% من سكانه على الانفصال عن الشمال.

بوسعنا ان نمر أيضا على الحرب الاهلية في جنوب اليمن عام 1994 ، والتمرد الذي أدى لانفصال باكستان الشرقية ، عن اختها الغربية ، وظهور دولة بنغلادش في 1971 ، او الحرب التي أدت الى تفكك يوغوسلافيا ، وقيام جمهورية البوسنة وكرواتيا والجبل الأسود في 1992 ثم انفصال كوسوفو عن صربيا في 2008.

هذه امثلة ، أحسب ان غالبية القراء الأعزاء يذكرونها ، وهي حوادث أدت أو كادت ان تؤدي الى تفكك دول ، ظن كثيرون انها راسخة الجذور عصية على التفكيك.

المؤكد ان كلا منا قد علم بتجربة واحدة على الأقل ، تتضمن حالات انفصال ، بين أزواج او اعضاء في عائلة واحدة أو شركاء في عمل تجاري ، يعرف كل العقلاء انه يؤدي الى خسائر كبيرة. مع ذلك ، فان الناس يقدمون عليه ، افرادا – كما في الأمثلة الأخيرة – او شعوبا كاملة  كما في الأمثلة السابقة.

السؤال الذي لا بد ان يواجهه اخوتنا في سوريا: ما هو الظرف الذي تبلورت فيه إرادة الانفصال وتفكيك البلد ، في التجارب التي ذكرناها ، وفي عشرات التجارب المماثلة على امتداد تاريخ العالم الحديث ، وما هي العوامل المماثلة التي قد تكون متوفرة فعليا في سوريا اليوم. التأمل في هذا السؤال ، سيأخذنا الى الجزء الثاني الأكثر أهمية: كيف نحول دون تفاقم العوامل الدافعة لانكسار الوحدة الوطنية ، وكيف نعزز إرادة العيش المشترك والسلم الأهلي؟.

ان سمحتم لي بالجواب ، فاني أرى أن ظرف انكسار الوحدة الروحية ، أي إرادة التعايش ، يتبلور عندما تشيع الميول المتطرفة وتنكمش الميول المعتدلة ، عند شريحة واسعة من السكان. التطرف يعني ان الفرد مطلع على الخسائر التي ستحصل جراء الانفصال ، لكنه مع ذلك يراه اقل سوء من أي ضرر يترتب عليه ، او لنقل انه يرى الوضع القائم اسوأ كثيرا من أي ظرف سيأتي بعد الانفصال. انه أشبه بالذي يقدم على الانتحار ، او يخوض مغامرة ، يعلم سلفا ان احتمالات السلامة فيها ، اقل من احتمال الهلاك. هذا تصور متطرف بلا شك ، واذا حمله الفرد فانه يعتبر متطرفا.

خلال السنوات العشر التي مضت من عمر الثورة السورية ، لم نسمع أحدا يتحدث عن تقسيم البلاد. حتى في المناطق الكرية التي انفصلت فعليا عن حكومة دمشق ، كان أقصى المطالب هو الحكم الذاتي ، على النحو القائم في كردستان العراق. اما اليوم فنرى خرائط عن ثلاث دول او اربع ، ونسمع أشخاصا يقولون دون اكتراث: اذا أرادوا ان ينفصلوا ، فليذهبوا الى الجحيم ، نحن أيضا لا نريد العيش معهم. وحين ينشر هذا الكلام على منصات التواصل الاجتماعي يتفاعل معه آلاف الناس ، مرحبين او رافضين.

أعلم ان من يقول هذا متطرف أو جاهل ، وان من يتفاعل معه مثله. لكن ما الذي جرى حتى بات الناس يائسين من الشراكة الوطنية ، غير مكترثين بانكسارها. يتحدثون عن تقسيم بلدهم ، كما لو كان وليمة يتنافس عليها البعض ويزهد فيها آخرون.

اني أتمنى من كل قلبي ان لا يصغي السياسيون الى من يدعوهم لارسال الدبابات والمدافع لقتل المتمردين. أتمنى ان لا يصغوا لمن يقول ان للاكثرية ان تقرر وان على الأقلية ان تسمع وتطيع. هذه الدعوات تنبيء عن ذهنية متطرفة ، وهي تؤدي الى اشعال جمرة التطرف عند الطرف المقابل. لو كان هذا مثمرا لكان بشار الأسد قد نجح في انهاء الثورة الشعبية طوال عقد كامل. ما يحتاجه السوريون هو احتواء الخائفين والغاضبين والمتشككين ، وليس قمعهم او اقصاءهم. هذا هو طريق السلامة ان اردنا العبور بسوريا الى بر الأمان.

الشرق الأوسط الخميس - 21 رَمضان 1446 هـ - 20 مارس 2025 م

https://aawsat.com/node/5123814

 مقالات ذات صلة

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

انهيار الاجماع القديم

بدايات تحول في الازمة السورية
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
درس الكارثة: نظام عربي للاستحابة العاجلة
سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية
سوريا في مشهد جديد
سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

صورتان عن الانسان والقانون

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغول

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القانون للصالحين من عباد الله

مجتمع العبيد

مجتمع العقلاء

مصير المقاتلين الامميين
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

الواعظ السياسي

وجهات "الخطر" وقهر العامة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

لماذا نجح الغربيون وفشلنا؟

13/03/2025

لماذا نجح الغربيون وفشلنا؟

 النزاع الذي اندلعت نيرانه فجأة في اطراف سوريا ، بعد أسابيع قليلة من انتصار الثورة الشعبية ، تعيد تذكيرنا بأن خطوط الانكسار في البنية الاجتماعية العربية ، لا زالت فعالة ، وان ترسيخ السلم الأهلي مشروط بتصحيح عيوب تلك البنية ، ولاسيما جعل "مبدأ المواطنة" مضمونا وحيدا للعلاقة بين اعضاء المجتمع السياسي ، على المستوى القاعدي ، وبين المجتمع والدولة ، على مستوى السياسة والقانون.
التعدد الديني والعرقي هو الوضع الطبيعي للحياة في عالم اليوم. ويجب ان نكيف فهمنا للسياسة على نحو يستوعب هذه الحقيقة ، كي نتفادى الصراعات الداخلية. القبول المتزايد لهذه الحقيقة ، دليل على نضج البشرية واتساع وعيها بحقائق الكون وضروراته. التنوع قدر لا خيار لنا فيه ، هكذا خلقنا الله وهكذا نصير اليه.

من المؤلم القول ان المجتمعات الغربية تجاوزتنا بمسافة طويلة ، في الاقرار بالتنوع قانونيا وسياسيا وعمليا ، بينما لانزال نتحرك بسرعة السلحفاة. وهو أمر أسبابه معروفة لمن تأمل في البنية الثقافية-الاجتماعية ، ولم يكتف بالوقوف عند التبريرات اللفظية.

السؤال المثير للدهشة حقا هو : لماذا نجح الغربيون – ولو نسبيا – في تجاوز حدود الطوائف والاعراق والثقافات ، فما عاد أحدهم يخشى ان ينقض عليه الآخر أو ان يتآمر. نقول هذا مع علمنا بأن تلك المجتمعات قامت على أرضية تعاقد مادي ومصلحي. في المقابل فان مجتمعاتنا التي تتحدث كثيرا جدا عن التعاون والتكافل والتراحم ومحبة الآخر والايثار ، تبدو وكأنها تعيش على الدوام في مجتمع ما قبل الدولة ، حيث الجميع في حالة حرب مع الجميع ، على النحو الذي صوره توماس هوبز.

 غالبية الدول الإسلامية تعاني مما يمكن وصفه بأزمة هوية ، ليس عند الأقليات فقط ، بل وبنفس القدر عند الاكثريات أيضا. الأقليات تظن ان الأكثرية تظلمها حقها ، والأكثرية تظن ان الأقلية تخونها. وثمة لدى هذا الطرف عشرات من الأدلة التي تدعم دعواه ، ولدى الطرف الاخر أدلة مثلها. لكن السؤال الذي يبقى حائرا: لماذا تعاملت الأكثرية مع "افراد" الأقلية باعتبارهم جمعا واحدا؟ ولماذا فعلت الأقلية الشيء نفسه بالنسبة الى "افراد" الأكثرية.. أي بدل ان تؤاخذ المذنب ، وضعت كل من يشاركه الانتماء في قالب واحد ، وعاملتهم جميعا كمذنبين.

ثم دعنا نفكر في السؤال التالي: لماذا يناصر "افراد" كل طرف دعاوى فريقه من دون نقد او مساءلة؟. ولماذا لا يسمح هذا الجمع بمساءلة مواقفه ونقدها من داخل الجماعة ومن خارجها.

ان اردتم معرفة الطريقة التي يتشكل من خلالها الفارق البنيوي بين المسلمين وغيرهم ، انظر لسلوك الإسرائيليين خلال الحرب المشتعلة منذ أكتوبر 2023 في مقابل سلوك العرب: يخرج السياسيون والمواطنون والمحللون الإسرائيليون في الشوارع وعلى شاشات التلفزيون والصحف ، يوجهون اشد النقد للحكومة ورئيسها وللجيش وقادته ، وفي المساء يذهبون الى بيوتهم آمنين. اما على الجانب الفلسطيني والعربي ، فان الذي يوجه نقدا ولو بسيطا ، يتهم بالخيانة والعمالة والتصهين.. الخ. بعد حرب 1973 شكلت إسرائيل لجنة عالية المستوى لتحديد أخطاء القيادة ، وقد نشر التحقيق ، وترجم الى العربية باسم "التقصير". وهو يحوي نقدا شديدا للحكومة والجيش وأجهزة الأمن. فهل علمتم عن أي دولة عربية قامت بتحقيق مماثل ونشرته على الملأ؟.

سوف اتفاءل اذا سمعت ان اللجنة التي شكلتها الحكومة السورية للتحقيق في حوادث القتل التي جرت في الشمال الغربي ، تضم فعلا فريقا مستقلا غير منحاز ، او على الأقل ممثلين لمختلف الأطراف ، واعتمدت المعايير الدولية في التحقيق ، ثم نشرت في وقت قريب شهادات الذين استمعت اليهم ، وحددت المسؤولية عن الأفعال الشنيعة التي جرت منذ سقوط النظام السابق.

اصلاح البنية الاجتماعية المتأزمة يستدعي معالجة التأزم المزمن في الهوية عند الأكثرية والأقلية معا. وهذا لا يتم اذا اكتفينا باعلانات سياسية او حتى دستورية ، بل يحتاج أيضا لمبادرات سريعة عملية ، تعزز الاطمئنان وترسل رسائل لجميع من يهمه الأمر ، بان لدى الحكومة عزم أكيد على احتضان الجميع والتعامل معهم كمواطنين ، يحاسبون على فعلهم وليس على انتمائهم.

الشرق الأوسط الخميس - 14 رَمضان 1446 هـ - 13 مارس 2025 م https://aawsat.com/node/5121368

مقالات ذات علاقة

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

انهيار الاجماع القديم

بدايات تحول في الازمة السورية
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
درس الكارثة: نظام عربي للاستحابة العاجلة
سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية
سوريا في مشهد جديد
سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

صورتان عن الانسان والقانون

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغول

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القانون للصالحين من عباد الله

مجتمع العبيد

مجتمع العقلاء

مصير المقاتلين الامميين

من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

الواعظ السياسي

وجهات "الخطر" وقهر العامة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

 

 

09/11/2022

دور الراي العام في التشريع


تحدثت في الاسبوع الماضي عن اشكال يحيط بمفهوم الجماعة ، فحواه أنها مبجلة – نوعا ما – في الشرع والقانون ، لكنها في الوقت نفسه موضع جدل ، منشؤه الفكرة السائدة حول سلوك الحشود/القطيع.

أردت من ذلك الحديث تمهيد الطريق لطرح الفكرة التي خلاصتها ، ان عرف الجماعة وتوافقاتها وتشخيصها للمصالح ، يمكن ان يشكل مصدرا مناسبا للقانون والاحكام الشرعية.

لو طرحت هذه الفكرة في مجتمع أوروبي ، فلن تثير جدلا ، فهي بديهية في ثقافتهم الحديثة. أما في المجتمعات المسلمة فالامر بالعكس.

ولعل معظمنا قد سمع يوما ، من يستنكر اعتماد الراي العام كأساس للتشريع او تفويض السلطة (عبر الانتخابات مثلا). مفهوم ان الناس لا يقولون هذا صراحة ، سيما في النقاشات العامة ، بل يضعونه في قالب المقارنة بين رأي العالم ورأي الجاهل ، فيقولون مثلا: الانتخابات طريقة سيئة ، لأنها تساوي بين راي العالم الكبير والعامل البسيط. فهل يصح ان نعطي لكلا الرأيين نفس الوزن ، ونغفل فارق المعرفة بينهما؟.

ورأيت في هذه الأيام تعبيرا آخر عن الفكرة ، حين تبرم بعض الناس بالنقد الموجه لعلماء الدين او الإنتاج العلمي للهيئات الشرعية. يقولون مثلا: ان طالب العلم يثني ركبتيه عشرات السنين عند شيوخه ، قبل ان يفتي في مسألة ، ثم يأتي شخص "قرأ كتابين" ، فيدعي الاهلية للرد على تلك الفتوى. فهل هذا سائغ او معقول؟.

يسهل على الناس تقبل هذا القول ، بل واعتباره محاكيا للحقيقة ، لأنه ينطلق من مفهوم مستقر في الثقافة العامة ، فحواه تقديم اهل العلم على غيرهم ، ثم تقديم حملة العلم الديني ، في مختلف مستوياتهم ، على كل أحد ، حتى العلماء في المجالات الأخرى.

احتمل ان القاريء العزيز قد توصل الآن الى حقيقة ان النقاش حول الراي العام والعرف والجماعة ، يشوبه خلط كثير ، أدى في أحيان كثيرة ، الى انحراف النقاش نحو نقاط لا علاقة لها بالموضوع أصلا. ان تفكيك هذا الاختلاط يستدعي التأمل في كل من عناصر الموضوع بمفرده ، ثم البحث عن الرابط الصحيح بينها.

المسالة الأولى التي يجب الانتباه اليها ، هي اطار النقاش: اذا كنا في المجال العلمي البحت ، فان راي الأكثرية وراي الفرد الواحد سواء. والمقدم هو ما يبنى على دليل مقنع. اما في حل الاختلافات العملية ، او في تعيين ممثلي الجماعة ، او تفويض السلطة ، فان رأي الأكثرية هو المقدم.

بعبارة أخرى ، فان جميع الآراء محترمة على مستوى العلم ، بما فيها الآراء في الدين. مع ان العقلاء سيأخذون بالرأي المستند الى دليل متين ، حتى لو كان صاحبه ممن "قرأ كتابين" كما يقال احيانا. لهذا فقوة الدليل هي المعيار. ويبقى لكل فرد حق تام في اختيار ما يراه ، طالما لم يفرضه على غيره.

الاخذ برأي الأكثرية في القضايا العامة ضروري ، لان الناس يختلفون في تشخيص المصالح ، فلا بد من طريقة للتوصل الى حل يتجاوز الاختلاف. لكن ثمة – إضافة الى هذا - مبرر آخر ، وهو اجتماع العقول. فالمؤكد ان دعوة الناس للتعبير عن آرائهم والمشاركة في القرار ، سوف توفر لنا رؤية واسعة ، تستند الى مئات العقول ، من تخصصات ومشارب مختلفة ، وهذا يسمح بالتعمق في فهم خلفيات القرار ونتائجه المحتملة قبل إصداره. وقد ورد في الأثر "اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله".

عقلانية الاخذ بالراي العام ثابتة في الأمور العامة ككل ، ومن بينها – في رايي - الاحكام الشرعية التي تفرض بواسطة هيئات الدولة على عموم الناس.

الأربعاء - 15 شهر ربيع الثاني 1444 هـ - 09 نوفمبر 2022 مـ رقم العدد [16052]

https://aawsat.com/node/3976421/

 

مقالات ذات صلة

جبر العامة

الحركة الاسلامية ، الجمهور والسياسة

مكانة "العامة" في التفكير الديني

طريق الحزب الى السلطة

الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الرابع

حول جاهزية المجتمع للمشاركة السياسية

الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الثاني

اقامة الشريعة بالاختيار

 

21/09/2022

في يوم الوطن.. تأمل في الخطوة التالية


نحتفل هذا الأسبوع باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية ، ذكرى مرور 90 عاما على توحيد البلاد ، التي كانت بقاعا مشتتة وامارات متنازعة ، فانعم الله على أهلها بالسلام والأمان والألفة. في مناسبة كهذه يستذكر الناس محاسن بلادهم ، كما يتأملون الطريق الى مستقبلهم. ولحسن الحظ فان بلادنا حزمت أمرها – بعد مكابدة طويلة - فانضمت الى ركب الحداثة. ورأينا ثمار هذه  الشجرة الطيبة ، ونأمل مزيدا منها في قادم الايام.

نعلم ان التحولات الكبرى تحمل في طياتها تحديات جديدة ، كما تكشف عيوبا مستورة. وقد شهدنا بعضها ، خلال السنوات القليلة الماضية. لكن الانصاف يقتضي القول انها مرت بسلام ، حتى ليظن الناظر من بعد أن الأمور  كانت هكذا على الدوام.

يهمنا ونحن نحتفي بالحاضر ، ان نلقي نظرة على المرحلة التالية والطريق اليها ، وما تقتضيه من مهمات ، أبرزها في رأيي الحريات الشخصية والمدنية وضمانها بالقانون. بديهي ان هذه لا ترتبط بالمناسبة لذاتها. لكنها جديرة بان تطرح في كل وقت ، وفي هذه المناسبة خصوصا ، لان إقرار الحريات العامة هو الجزء الجوهري في عملية التحديث. ان اختيارنا للحداثة يعني أن المجتمع والدولة يريدان الالتحاق بصف الدول الحديثة ، التي ابرز سماتها انها دولة الامة. دولة الأمة تعني ببساطة ان الإدارة الحكومية وما يتبعها من مؤسسات ، أي كل ما يندرج تحت مسمى "القطاع العام" قائم لخدمة المواطنين وليس للسيطرة عليهم.

في الدولة الحديثة ، الشعب هو محور عمل الدولة وهو غايتها وهو أداتها أيضا. المواطن في الدولة الحديثة شريك في ملكية تراب الوطن ، ولذا فهو مسؤول عن هذا التراب ، مكلف بعمرانه وكف الأذى عنه وعن ساكنيه. ملكية التراب الوطني هي مصدر الحقوق الثابتة للمواطن. ونعلم بطبيعة الحال ان كل حق يترتب عليه واجب. لا توجد حقوق لا تقابلها واجبات وتكاليف. لكن يجب التأكيد على ان الحقوق سابقة للواجبات في عالم السياسة والقانون.

نفهم ان إقرار الحريات المدنية والفردية ، قد يثير تعارضات في المجتمع. لاننا عشنا سنوات طويلة ضمن نسق ثقافي/مجتمعي لا يرى الفرد الا تابعا للجماعة وامتدادا لقناعاتها ، ولا يفهم الجماعة الا كامتداد لسلفها ، وتأكيد على حضورهم الثقافي والرمزي في كل العصور. ولهذا وجدنا المجتمع قلقا من كل جديد ، في الاقتصاد وفي العلم والتكنولوجيا والتعليم ، بل في كل جانب. وهو قلق ينصرف دائما الى تقييد الحريات الفردية. ربما يذكر القراء الأعزاء المعلم الذي يحمل المقص ، ويفحص "طول شعر" الطلاب في طابور المدرسة  الصباحي ، لقمع موضات الشعر الطويل في تلك الأيام. لم يعد "مقص المعلم" حاضرا هذه الأيام ، لكن الضيق بالمختلف والمبتدع والمتمرد على التقاليد ، لازال حاضرا بصور وأشكال متنوعة ، كلها تقود – موضوعيا - الى نتيجة واحدة ، هي التدخل الاعتباطي في حياة الأفراد والتضييق على حرياتهم.

اعلم ان الخلاص من التدخل الاعتباطي في حياة الناس ، يحتاج الى علاج ثقافي في المقام الأول. لاننا لا نستطيع الدعوة الى قمع المجتمع ، بينما ندافع عن الحريات الفردية. وليس من المناسب تكميم افواه شريحة من الناس ، كي تتمتع الشريحة الأخرى بحريتها. مفهوم أيضا ان العلاج الثقافي يحتاج الى زمن. لكن الخطوة الأولى قانونية وسياسية ، خلاصتها تبني الدولة لقواعد قانونية تقر صراحة بالحرية الفردية والمدنية لكل مواطن ، وحقه في الاستمتاع بحياته على النحو الذي يريد.

اعتقد ان اعظم انجاز لأي مجتمع سياسي ، سيكون في تعظيم مكانة الفرد ، أي حماية حقه في اختيار نمط الحياة الذي يريد.

الشرق الأوسط الأربعاء - 25 صفر 1444 هـ - 21 سبتمبر 2022 مـ رقم العدد [16003]

https://aawsat.com/node/3885876

18/02/2015

عباءة السلطان

زبدة القول ان الاستقرار السياسي رهن بواحد من ثلاثة نماذج في ادارة المجتمع: أ) القمع العشوائي الذي يكسر نفوس الناس وأحلامهم. ب) توافق جمعي على تصور واحد عن المستقبل. ج) سعة الخيارات المتاحة في المجال العام ، كي يحقق الناس ذواتهم وتطلعاتهم بانفسهم.

علاقة المجتمع بالدولة قد تكون علاقة تغلب مطلق ، تعتمد استعمال مصادر القوة العامة في إخضاع الناس لمشيئة النخبة الحاكمة دون مساءلة او حساب. او تكون علاقة مغالبة بين المجتمع والدولة وهو ظرف اختلال توازن القوى بين الطرفين وانعدام التراضي بينهما. وهذا هو الحال الذي يغذي عوامل الاضطراب السياسي. او تكون علاقة مبنية على نموذج توافقي للحياة العامة وعمل الدولة.

لا توجد حكومة في العالم كله تتبنى علنا النموذج الاول. ولا يوجد مجتمع في العالم كله يرضى بهذا النموذج. لأنه ببساطة لا يليق بانسانية الانسان. لكنه قد يوجد كمضمون واقعي للعلاقة ، مغطى بعباءات مختلفة ، من أهمها ربما "وهم" الهدف المشترك الذي تدعي الدولة انها تحققه للناس.

تتضح حقيقة هذا الوهم من مقارنة النموذج السوفيتي قبل انهيار الاتحاد في 1991 بنموذج اقتصاد السوق الشائع في الدول الصناعية. معظم مواطني الاتحاد السوفيتي كانوا يشعرون بالامان المعيشي ، نظرا لالتزام الدولة بتوفير حاجاتهم الاساسية ، وابرزها التعليم والصحة والسكن والعمل.

لكن هؤلاء المواطنين انفسهم قرروا التخلي عن النموذج السوفيتي. وفي الانتخابات التالية ، لم يحقق الشيوعيون نجاحات تذكر رغم تركيزهم على الصعوبات الحياتية التي واجهها الروس بعد تخلي الدولة عن نظام التخطيط المركزي. فقد صوت غالبية الناخبين لصالح الاحزاب التي تعد بنموذج اكثر ليبرالية او تتبني تحرير الاقتصاد. ويبدو ان هذا هو الاتجاه العام في العالم كله هذه الايام.

السبب بساطة هو ايمان الناس بقدرتهم على صناعة حياتهم بأنفسهم ، ورغبتهم في ان تتركهم الدولة وشأنهم ، بدل ان تجعل نفسها رقيبا عليهم وأبا وأما لهم. لا يريد الناس العيش في ثياب آبائهم ولا يريدون البقاء في أحضان أمهاتهم ، بل يريدون تحقيق ذواتهم وتطلعاتهم بأنفسهم.

نحن إذن نتحدث عن نموذج للحكم يتيح خيارات واسعة ومتنوعة للناس ، مع تقليص التدخل الحكومي الى ادنى الحدود الممكنة.

ليس هذا سهلا في المجتمعات الشرقية ، التي تقدس العيش في عباءة السلطان او تحت ظلاله. لكنه يبدو الخيار الاسلم في مثل هذه الأوقات. لا يمكن لأي دولة ان تلبي حاجات الناس جميعا ، ولا يمكن لأي دولة ان تقمع الناس جميعا. ولدى العالم العربي ما يكفي من التجارب في هذين السياقين.

تجربتنا وتجربة العالم تؤكد انه كلما زاد تدخل الدولة في حياة الناس درجة ، انتج بالضرورة عامل احتكاك جديد بينهم وبينها. ومع تزايد هذه العوامل تتحول العلاقة الى مغالبة وتتحرك عوامل الانشقاق السياسي والاضطراب. والبديل عن هذا البؤس لا يستدعي زيادة في البيان.

الشرق الاوسط  18 فبراير 2015

http://aawsat.com/node/292156

لماذا ينبغي ان نطمئن الى تطور الذكاء الصناعي؟

  اطلعت هذه الأيام على مقالة للاديبة العراقية المعروفة لطفية الدليمي ، تقترح خطا مختلفا للنقاش الدائر حول الذكاء الصناعي ، وما ينطوي عليه ...