‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاجماع الوطني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاجماع الوطني. إظهار كافة الرسائل

03/04/2025

من الفوضى الى الدولة المطلقة

 

سوريا ، السودان ، ليبيا ، واليمن ، اربع دول عربية تعيش مخاض الدولة المطلقة.

بيان ذلك: ان أي بلد لا يستطيع العيش في أمان واستقرار ، من دون حكومة قوية ، سواء كانت عادلة او جائرة. صحيح ان العدل هو مطلب الناس وغايتهم ، لكنه لا يتحقق الا بوجود حكومة قوية مستقرة. من هنا قال علماء السياسة بأن الخطوة الأولى لاستقرار السياسة العادلة ، هو وجود دولة قوية مطاعة. فاذا وجدت ، حان وقت الانتقال للمرحلة الثانية ، أي تنظيم إدارة الدولة على أساس المشاركة العامة للمجتمع في الحقوق والتكاليف.

يبدو لي ان معظم الدول النامية ، وقعت أسيرة الخلط بين المرحلتين ، فبعضها تجمد عند الأولى ، وبعضها انخرط في جدل مبكر حول المرحلة الثانية ، بحيث بدا للمواطنين واطراف المشهد السياسي ، ان الاتفاق على الخطوة الأولى ، مشروط باتفاق مسبق على تفاصيل الثانية. دعنا نأخذ مثلا من ليبيا ، حيث اتفقت القوى السياسية مرات عديدة ، على عقد انتخابات عامة لاختيار رئيس الدولة ، مع انهم لم يقيموا الحكومة الواحدة التي تبسط سلطانها على أرض البلاد أقصاها وأدناها.

ربما ظن الوسطاء الذين سعوا لحل الازمة الليبية ، ان انتخاب الرئيس سيوفر فرصة للاجماع على التمثيل السياسي للبلد. وهو ظن في غير محله. ولو حصل فسوف يكون الرئيس مجرد وسيط وطني ، يضاف الى الوسطاء الدوليين ، ولن يكون حاكما بالمعنى الذي نعرفه عن رئيس الدولة. السبب ببساطة هو ان مصادر قوة الدولة ، ولا سيما الأموال والقوات المسلحة ، في يد اطراف سياسية متنازعة ، لان الدولة المركزية غير موجودة في الأصل. على أي حال فحتى هذه الخطوة الرمزية لم يكتب لها النجاح ، فلم تعقد الانتخابات ولا انتخب الرئيس. وبقيت البلاد ، كما كانت منذ 2014 ، مقسومة بين حكومتين ، تسيطر احداهما على بعض الشرق ، والأخرى على بعض الغرب.

قيام الدولة الواحدة القوية ضروري للتطور السياسي. ومن دونه ستعود البلاد الى فوضى ما قبل الدولة ، كالذي نشهده اليوم في البلدان المذكورة.

حسنا. لماذا لا تبادر الأطراف السياسية للاتفاق على معالم المرحلة الثانية ، وتضعها كمسودة اعلان دستوري ،  ثم تتفق على إقامة السلطة الواحدة القوية؟.

الجواب معلوم: كل طرف لا يطمئن للآخر ، بل يخاف ان يقع في قبضته فيخسر حقوقه ، او يخسر فرصته في أن يكون حاكما او شريكا في الحكم.

لعلكم الان تقولون: ان هذه هي أيضا مشكلة السودان واليمن وسوريا. لماذا انفصل جنوب السودان عن شماله في 2011؟. لأن الرئيس السابق عمر البشير أبى ان ينتقل بالنظام السياسي من حكم الفرد الى المشاركة السياسية الفاعلة ، فضحى بوحدة البلد ، كي لا يخسر سلطانه. وحدث الامر نفسه في اليمن عام 1994 ، وحدث شيء قريب من هذا في سوريا خلال السنوات العشر الماضية ، حين ابى الرئيس السابق ان يشرك معارضيه في السلطة ، فقاد البلد الى ازمتها الحالية ، وكان في وسعه ان يبرز كمصلح تاريخي ، كما تأمل كثير من الناس.

في ظني أن جذر المشكلة ، في كل هذه البلدان ، هو ان الذين بيدهم مصادر القوة ، وخاصة أصحاب السلطة والسلاح ، لا يؤمنون بأن كافة المواطنين شركاء في سياسة بلدهم ، شراكة جذرها امتلاكهم لتراب الوطن ، وان هذه الشراكة مصدر لحق المواطنين في شراكة مماثلة في الشأن العام. بعبارة أخرى فهم لا يؤمنون بتساوي كافة أهل البلد في الحقوق والواجبات ، بناء على كونهم ملاكا لوطنهم ، وانهم – لهذا السبب أيضا – مكلفون بحمايته وتنميته وتطوير إنجازاته. وفي السياق نفسه فان الغالبية الساحقة من المواطنين ، لا يرون أنفسهم معنيين بالشأن العام ، أو ما يسمى في الثقافة العربية الدارجة "التدخل في السياسة".

الشراكة المتساوية بين المواطنين ، هي القاعدة الأولى لما يعرف في علم السياسة بالاجماع الوطني. والايمان بها هو الأساس لكل مجتمع سياسي حديث. ولنا عودة الى الموضوع في قادم الأيام.

الخميس - 05 شوّال 1446 هـ - 3 أبريل 2025 م  https://aawsat.news/vbvnp

مقالات ذات علاقة

 

20/03/2025

التطرف والانقسام

 في سبتمبر  2017 صوت غالبية الأكراد العراقيين (92%) لصالح استقلال إقليم كردستان ، بعد حوالي عقدين من الحكم الذاتي الموسع. هذا يشبه الى حد كبير مشهد جنوب السودان في يناير 2011 حين صوت 99% من سكانه على الانفصال عن الشمال.

بوسعنا ان نمر أيضا على الحرب الاهلية في جنوب اليمن عام 1994 ، والتمرد الذي أدى لانفصال باكستان الشرقية ، عن اختها الغربية ، وظهور دولة بنغلادش في 1971 ، او الحرب التي أدت الى تفكك يوغوسلافيا ، وقيام جمهورية البوسنة وكرواتيا والجبل الأسود في 1992 ثم انفصال كوسوفو عن صربيا في 2008.

هذه امثلة ، أحسب ان غالبية القراء الأعزاء يذكرونها ، وهي حوادث أدت أو كادت ان تؤدي الى تفكك دول ، ظن كثيرون انها راسخة الجذور عصية على التفكيك.

المؤكد ان كلا منا قد علم بتجربة واحدة على الأقل ، تتضمن حالات انفصال ، بين أزواج او اعضاء في عائلة واحدة أو شركاء في عمل تجاري ، يعرف كل العقلاء انه يؤدي الى خسائر كبيرة. مع ذلك ، فان الناس يقدمون عليه ، افرادا – كما في الأمثلة الأخيرة – او شعوبا كاملة  كما في الأمثلة السابقة.

السؤال الذي لا بد ان يواجهه اخوتنا في سوريا: ما هو الظرف الذي تبلورت فيه إرادة الانفصال وتفكيك البلد ، في التجارب التي ذكرناها ، وفي عشرات التجارب المماثلة على امتداد تاريخ العالم الحديث ، وما هي العوامل المماثلة التي قد تكون متوفرة فعليا في سوريا اليوم. التأمل في هذا السؤال ، سيأخذنا الى الجزء الثاني الأكثر أهمية: كيف نحول دون تفاقم العوامل الدافعة لانكسار الوحدة الوطنية ، وكيف نعزز إرادة العيش المشترك والسلم الأهلي؟.

ان سمحتم لي بالجواب ، فاني أرى أن ظرف انكسار الوحدة الروحية ، أي إرادة التعايش ، يتبلور عندما تشيع الميول المتطرفة وتنكمش الميول المعتدلة ، عند شريحة واسعة من السكان. التطرف يعني ان الفرد مطلع على الخسائر التي ستحصل جراء الانفصال ، لكنه مع ذلك يراه اقل سوء من أي ضرر يترتب عليه ، او لنقل انه يرى الوضع القائم اسوأ كثيرا من أي ظرف سيأتي بعد الانفصال. انه أشبه بالذي يقدم على الانتحار ، او يخوض مغامرة ، يعلم سلفا ان احتمالات السلامة فيها ، اقل من احتمال الهلاك. هذا تصور متطرف بلا شك ، واذا حمله الفرد فانه يعتبر متطرفا.

خلال السنوات العشر التي مضت من عمر الثورة السورية ، لم نسمع أحدا يتحدث عن تقسيم البلاد. حتى في المناطق الكرية التي انفصلت فعليا عن حكومة دمشق ، كان أقصى المطالب هو الحكم الذاتي ، على النحو القائم في كردستان العراق. اما اليوم فنرى خرائط عن ثلاث دول او اربع ، ونسمع أشخاصا يقولون دون اكتراث: اذا أرادوا ان ينفصلوا ، فليذهبوا الى الجحيم ، نحن أيضا لا نريد العيش معهم. وحين ينشر هذا الكلام على منصات التواصل الاجتماعي يتفاعل معه آلاف الناس ، مرحبين او رافضين.

أعلم ان من يقول هذا متطرف أو جاهل ، وان من يتفاعل معه مثله. لكن ما الذي جرى حتى بات الناس يائسين من الشراكة الوطنية ، غير مكترثين بانكسارها. يتحدثون عن تقسيم بلدهم ، كما لو كان وليمة يتنافس عليها البعض ويزهد فيها آخرون.

اني أتمنى من كل قلبي ان لا يصغي السياسيون الى من يدعوهم لارسال الدبابات والمدافع لقتل المتمردين. أتمنى ان لا يصغوا لمن يقول ان للاكثرية ان تقرر وان على الأقلية ان تسمع وتطيع. هذه الدعوات تنبيء عن ذهنية متطرفة ، وهي تؤدي الى اشعال جمرة التطرف عند الطرف المقابل. لو كان هذا مثمرا لكان بشار الأسد قد نجح في انهاء الثورة الشعبية طوال عقد كامل. ما يحتاجه السوريون هو احتواء الخائفين والغاضبين والمتشككين ، وليس قمعهم او اقصاءهم. هذا هو طريق السلامة ان اردنا العبور بسوريا الى بر الأمان.

الشرق الأوسط الخميس - 21 رَمضان 1446 هـ - 20 مارس 2025 م

https://aawsat.com/node/5123814

 مقالات ذات صلة

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

انهيار الاجماع القديم

بدايات تحول في الازمة السورية
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
درس الكارثة: نظام عربي للاستحابة العاجلة
سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية
سوريا في مشهد جديد
سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

صورتان عن الانسان والقانون

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغول

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القانون للصالحين من عباد الله

مجتمع العبيد

مجتمع العقلاء

مصير المقاتلين الامميين
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

الواعظ السياسي

وجهات "الخطر" وقهر العامة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

لماذا نجح الغربيون وفشلنا؟

13/03/2025

لماذا نجح الغربيون وفشلنا؟

 النزاع الذي اندلعت نيرانه فجأة في اطراف سوريا ، بعد أسابيع قليلة من انتصار الثورة الشعبية ، تعيد تذكيرنا بأن خطوط الانكسار في البنية الاجتماعية العربية ، لا زالت فعالة ، وان ترسيخ السلم الأهلي مشروط بتصحيح عيوب تلك البنية ، ولاسيما جعل "مبدأ المواطنة" مضمونا وحيدا للعلاقة بين اعضاء المجتمع السياسي ، على المستوى القاعدي ، وبين المجتمع والدولة ، على مستوى السياسة والقانون.
التعدد الديني والعرقي هو الوضع الطبيعي للحياة في عالم اليوم. ويجب ان نكيف فهمنا للسياسة على نحو يستوعب هذه الحقيقة ، كي نتفادى الصراعات الداخلية. القبول المتزايد لهذه الحقيقة ، دليل على نضج البشرية واتساع وعيها بحقائق الكون وضروراته. التنوع قدر لا خيار لنا فيه ، هكذا خلقنا الله وهكذا نصير اليه.

من المؤلم القول ان المجتمعات الغربية تجاوزتنا بمسافة طويلة ، في الاقرار بالتنوع قانونيا وسياسيا وعمليا ، بينما لانزال نتحرك بسرعة السلحفاة. وهو أمر أسبابه معروفة لمن تأمل في البنية الثقافية-الاجتماعية ، ولم يكتف بالوقوف عند التبريرات اللفظية.

السؤال المثير للدهشة حقا هو : لماذا نجح الغربيون – ولو نسبيا – في تجاوز حدود الطوائف والاعراق والثقافات ، فما عاد أحدهم يخشى ان ينقض عليه الآخر أو ان يتآمر. نقول هذا مع علمنا بأن تلك المجتمعات قامت على أرضية تعاقد مادي ومصلحي. في المقابل فان مجتمعاتنا التي تتحدث كثيرا جدا عن التعاون والتكافل والتراحم ومحبة الآخر والايثار ، تبدو وكأنها تعيش على الدوام في مجتمع ما قبل الدولة ، حيث الجميع في حالة حرب مع الجميع ، على النحو الذي صوره توماس هوبز.

 غالبية الدول الإسلامية تعاني مما يمكن وصفه بأزمة هوية ، ليس عند الأقليات فقط ، بل وبنفس القدر عند الاكثريات أيضا. الأقليات تظن ان الأكثرية تظلمها حقها ، والأكثرية تظن ان الأقلية تخونها. وثمة لدى هذا الطرف عشرات من الأدلة التي تدعم دعواه ، ولدى الطرف الاخر أدلة مثلها. لكن السؤال الذي يبقى حائرا: لماذا تعاملت الأكثرية مع "افراد" الأقلية باعتبارهم جمعا واحدا؟ ولماذا فعلت الأقلية الشيء نفسه بالنسبة الى "افراد" الأكثرية.. أي بدل ان تؤاخذ المذنب ، وضعت كل من يشاركه الانتماء في قالب واحد ، وعاملتهم جميعا كمذنبين.

ثم دعنا نفكر في السؤال التالي: لماذا يناصر "افراد" كل طرف دعاوى فريقه من دون نقد او مساءلة؟. ولماذا لا يسمح هذا الجمع بمساءلة مواقفه ونقدها من داخل الجماعة ومن خارجها.

ان اردتم معرفة الطريقة التي يتشكل من خلالها الفارق البنيوي بين المسلمين وغيرهم ، انظر لسلوك الإسرائيليين خلال الحرب المشتعلة منذ أكتوبر 2023 في مقابل سلوك العرب: يخرج السياسيون والمواطنون والمحللون الإسرائيليون في الشوارع وعلى شاشات التلفزيون والصحف ، يوجهون اشد النقد للحكومة ورئيسها وللجيش وقادته ، وفي المساء يذهبون الى بيوتهم آمنين. اما على الجانب الفلسطيني والعربي ، فان الذي يوجه نقدا ولو بسيطا ، يتهم بالخيانة والعمالة والتصهين.. الخ. بعد حرب 1973 شكلت إسرائيل لجنة عالية المستوى لتحديد أخطاء القيادة ، وقد نشر التحقيق ، وترجم الى العربية باسم "التقصير". وهو يحوي نقدا شديدا للحكومة والجيش وأجهزة الأمن. فهل علمتم عن أي دولة عربية قامت بتحقيق مماثل ونشرته على الملأ؟.

سوف اتفاءل اذا سمعت ان اللجنة التي شكلتها الحكومة السورية للتحقيق في حوادث القتل التي جرت في الشمال الغربي ، تضم فعلا فريقا مستقلا غير منحاز ، او على الأقل ممثلين لمختلف الأطراف ، واعتمدت المعايير الدولية في التحقيق ، ثم نشرت في وقت قريب شهادات الذين استمعت اليهم ، وحددت المسؤولية عن الأفعال الشنيعة التي جرت منذ سقوط النظام السابق.

اصلاح البنية الاجتماعية المتأزمة يستدعي معالجة التأزم المزمن في الهوية عند الأكثرية والأقلية معا. وهذا لا يتم اذا اكتفينا باعلانات سياسية او حتى دستورية ، بل يحتاج أيضا لمبادرات سريعة عملية ، تعزز الاطمئنان وترسل رسائل لجميع من يهمه الأمر ، بان لدى الحكومة عزم أكيد على احتضان الجميع والتعامل معهم كمواطنين ، يحاسبون على فعلهم وليس على انتمائهم.

الشرق الأوسط الخميس - 14 رَمضان 1446 هـ - 13 مارس 2025 م https://aawsat.com/node/5121368

مقالات ذات علاقة

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

انهيار الاجماع القديم

بدايات تحول في الازمة السورية
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
درس الكارثة: نظام عربي للاستحابة العاجلة
سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية
سوريا في مشهد جديد
سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

صورتان عن الانسان والقانون

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغول

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القانون للصالحين من عباد الله

مجتمع العبيد

مجتمع العقلاء

مصير المقاتلين الامميين

من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

الواعظ السياسي

وجهات "الخطر" وقهر العامة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

 

 

06/06/2024

فكرة حاكمة وافكار محكومة

 "لكن فكرة الاجماع الوطني ، واختها الهوية الوطنية الجامعة ، ليستا منزهتين عن التاسيس الايديولوجي". هذه خلاصة اعتراض على مقالة الاسبوع الماضي ، الذي ختمته بالزعم انه لا ينبغي للدولة ان تتبنى خطابا ايديولوجيا متمايزا ، وان واجبها هو تعزيز الاجماع والهوية الجامعة.

ديفيد هيوم

في رايي ان هذا اعتراض غير وارد. فما يقال في المجال العام ، لا ينبغي ان يؤخذ حرفيا ، بل ضمن السياق العرفي للفكرة او بيئة التطبيق. فاذا ذكرت الأيديولوجيا في سياق النقد ، فالمقصود هو الوظيفة الابرز للايديولوجيا وهي حجب الحقيقة ، وليس انكارها كليا ، أو اعتبارها باطلا مطلقا. لقد قلت سابقا انه لا يوجد شخص واحد في العالم ، متحرر تماما من قيود الأيديولوجيا او تاثيرها. الأيديولوجيا أداة للتواصل مع الطبيعة وجمالياتها ، ومع البشر في مشاعرهم العميقة. وهذه وتلك ليست من الأشياء التي يمكن للعلم وصفه او تفسيره ، على نحو يستغرق تمام ما يظهر منها وما يختفي تحت سطحها الخارجي. هذه وظيفة تشبه وظيفة الفن ، حيث استعان الانسان بأنواع التعبير الفني ، كي يقتنص الجوانب التي لا يمكن التعبير عنها بالكلام المباشر. ولو تأملنا ما يقوله الشعراء وما يرسمه الفنانون والموسيقيون ، لوجدنا افضله هو المكرس لتصوير مشهد لايمكن شرحه او وصفه من دون التخييل الفني. عمل الفنان هو تصوير الفكرة التي لا يمكن اثباتها بالدليل المنطقي او التجريبي ، تصويرها للسامع او المشاهد حتى كأنه يراها ، فاذا رأى ما يظنه مشهد الفكرة ، فما الحاجة للتدليل عليها؟.

ولو سألت: لماذا نحتاج الى تصوير الافكار والتخيلات التي لا برهان علميا عليها ، لأجبتك بأن الافكار نوعان ، نوع يريده الانسان بما هو ، وبالكيفية التي يجده عليها ، ونوع يسعى لتفكيكه واعادة تركيبه. والأول اعمق أثرا ، حتى لو كان أضعف تاسيسا ، لأنه مرتبط بنظرة الانسان الى الحياة ، وهو سابق للممارسة الحياتية. اما الثاني فيواجه الانسان في سياق حياته اليومية ، في المهنة او المدرسة او في تعامله مع الناس. ولأن النوع الاول من الافكار سابق للممارسة ، وان الانسان يتبناه بارادته (التي قد تكون عقلانية – علمية او لا تكون) فانه سيكون – بالضرورة – حاكما على الثاني. بمعنى انه يحدد زاوية النظر الى الاشياء ، فيحدد – تبعا لهذا – طريقة فهمها والتعامل معها ، أو ربما يتعايش مع الافكار التي يحصل عليها الانسان في  تجربته الحياتية اليومية ، حتى لو تناقض الاثنان. وقد ذكرت في مقال قديم قصة جمع من اهل بلدنا يتعالجون في مستشفى اوروبي ، فصلوا الجمعة بامامة واحد منهم ، فدعا بأن يهلك الله اليهود والنصارى صغيرهم وكبيرهم ، فقام اليه احدهم قائلا: توقف يارجل .. فلو استجاب الله دعاءك الآن ، فمن يكمل علاجنا ومن يعيدنا الى بلادنا؟. وكانت هذه اشارة الى الفاعلية المتوازية لنوعي الثقافة: النوع الذي يدعوه للعلاج عند من يظنه عدوا ، والنوع الذي يدعوه للسعي في فنائه.

هذه الثقافة التي تتحكم في رؤية الانسان للحياة والاشياء ، هي – في غالب الاحيان – قناعات موروثة او مكتسبة ، لا يسندها دليل قطعي لا يقبل الشك والجدل. وهي تكوين ايديولوجي ، نريده وان دل الدليل على غيره. ان فكرة الهوية الوطنية الجامعة ، مثل اختها فكرة الاجماع الوطني ، من هذا النوع من الافكار التي لا يسهل اثباتها بأدلة لا تقبل الشك او النقض. لكننا نعرف مئات الشواهد على منافعها ، وما يترتب عليها من صلاح لعامة الناس ، ومئات الشواهد على المفاسد التي نتجت عن ضعفها او ضياعها ، في زماننا هذا ، في بلدان قريبة منا. ربما نذهب مع الفيلسوف المعاصر ديفيد هيوم في ان اقتران شيئين لايعني ان احدهما علة للثاني ، لكن الا يحكم عامة العقلاء بان الاقتران المتكرر مدعاة للاعتقاد بان بروز الأول سيأتي – غالبا – بالثاني؟.

الخميس - 30 ذو القِعدة 1445 هـ - 6 يونيو 2024 م  https://aawsat.com/node/5028103

30/05/2024

اصلحوا دنيانا ودعوا لنا الآخرة


في خطاب الى وزراء الاعلام العرب ، حدد الدكتور محمد الرميحي اربع مهمات ، ينبغي انجازها للنهوض بقطاع الاعلام. استطيع اختصار  هذه المهمات في: اعتماد استراتيجية واضحة متناسبة مع الرؤية المستقبلية للبلد ، التدريب العلمي والفني الذي يلبي التحديات الجديدة في قطاع الصحافة ، المحافظة على المصداقية وتجنب المعلومات المشكوكة او الكاذبة ، واخيرا اعتماد مبدأ حرية التعبير وتدفق المعلومات ، التي تجعل الاعلام مرآة للحياة الواقعية ومعبرا عن جميع المشارب والتوجهات الاجتماعية. (جريدة النهار 28 مايو 2024 ).

لا أظن احدا يجادل في اهمية النقاط الاربع ، وهي – بالتأكيد - اكثر اهمية للنشاطات ذات الطبيعة الثقافية ، كقطاعي الاعلام والتعليم. لكن ربما يجادل بعض الناس في تطبيقات الفكرة على واقعنا القائم. قد يرون مثلا ان لدينا سياسة اعلامية تحدد الاهداف الكبرى ، وهي استراتيجية مناسبة لظروف مجتمعنا وحاجاته. او قد يخشون ان توسيع حرية التعبير طريق الى الفوضى. واعتاد القائلون بهذا الرأي على ضرب المثل بما شهده لبنان من حريات صحفية واسعة ، يزعمون انها قادت الى الحرب الاهلية (لانهم لا يعرفون مثالا آخر). اما نقطة المعلومات الكاذبة او المنقوصة ، فالحق معهم ، فما دمت لا تسمح الا بالقليل من المعلومات ، فلابد ان الكذب فيه قليل جدا.

هذه اذن نقاط لا يعارضها احد من حيث المبدأ ، وان جادلوا في تطبيقاتها. والمجادلة الفرعية تؤكد الفكرة اكثر من دلالتها على المعارضة.

حسنا ، ماذا يعني ان تكون لدينا استراتيجية اعلامية؟

كان الرميحي قد أشار الى ممارسات للاعلام تتعارض مع التصور العام للدولة الحديثة. منها مثلا ترويج الثقافة الاسطورية وربما الخرافية ، من خلال اشخاص او برامج ترتدي لباس التوجيه والارشاد ، وهذا يتعارض مع تشديد الحكومة على تعزيز العقلانية واعتماد العلم في الحياة العامة والخاصة. كيف ندعو في مدارسنا للنقاش النقدي والعقل الناقد ، بينما يروج اعلامنا لمن يقول صراحة انه لا يصح الرجوع لاحكام العقل في هذا الحقل الحياتي او ذاك. وفي الوقت نفسه لا يفسح المجال للرد على تلك الاقاويل ، لأننا سلمنا بأن تلك الاشياء اللاعقلانية تنطوي على شيئ من القداسة.

واريد الانطلاق من هذه الفكرة ، اي ضرورة عدم التناقض في الخطاب الرسمي في المضمون وفي الصورة ، لوضع السؤال التالي:

هل ينبغي للدولة ان تتبنى خطابا ثقافيا او ايديولوجيا خاصا ، ثم تستعمل الاملاك العامة (الاعلام وجهاز التعليم مثلا) في الترويج لذلك الخطاب؟.

يبدو لي ان جواب السؤال هو احد نقاط التباين الكبرى بين الشرق والغرب. فالنخب الشرقية عموما تقول انه يحق للدولة ان تتبنى خطابا ايديولوجيا او ثقافيا ، وتدعو الناس الى اتباعه. بينما يذهب الرأي السائد في الغرب الى ان تبني اي خطاب ايديولوجي يؤدي – بالضرورة – الى اقصاء كل رأي مختلف او مخالف للخطاب الرسمي. وهم يقولون – على سبيل التمثيل فحسب – ان الدولة مسؤولة عن دنيا الناس. اما الاخرة فهي مسؤوليتهم الشخصية ، او في ادنى التقادير مسؤولية جهات اخرى لا تملك مصادر القوة الجبرية ، مثل الكنيسة والهيئات الدينية التي يقيمها الاهالي.

انني ممن يذهب الى هذا الرأي فيما يخص الدين ، اذ لا ارى مصلحة للدين او للدولة في فرض دينها على الناس.  لكني – بموازة هذا – اعتقد بعمق ان على الدولة واجبا حيويا ومحوريا ، هو تجديد وتعزيز الاجماع الوطني ، والدفاع عن الهوية الوطنية التي تجمع في ظلها الهويات الصغرى ، في مواجهة الساعين لهيمنة الهويات الصغرى على المشهد العام او المجتمع الوطني. ان اقوى وسيلة لتحقيق هاتين المهمتين هما الاعلام والتعليم. في ظني انه يتوجب على اصحاب المعالي وزراء الاعلام والتعليم العرب ، ان يضعوا امامهم في كل صباح سؤالا يوجهونه الى العاملين في هذين القطاعين: ما الذي فعلتم لتعزيز الاجماع الوطني والوحدة الوطنية الجامعة؟.

الخميس - 23 ذو القِعدة 1445 هـ - 30 مايو 2024 م  https://aawsat.news/bn6yz  

 مقالات ذات علاقة

انهيار الاجماع القديم

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

شراكة التراب وجدل المذاهب

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

 من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

وطن الكتب القديمة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

حول الاجماع الوطني

الخلاص من الطائفية السياسية: إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة

 

04/08/2021

المساومة والتنازل والانتصار


لا أبالغ لو قلت ان معظم بلدان العالم ، قد واجه سؤال "الاجماع الوطني" ، لاسيما في الثلاثين عاما الاخيرة. ان تحديد هذا التاريخ يرجع لظاهرة "انفجار الهوية" التي شهدها العالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991. لقد قيل الكثير حول اسباب هذه الظاهرة. لكن لو اغفلنا – مؤقتا – مسار تشكلها ، وركزنا على اجزاء وتفاصيل الظاهرة بذاتها ، فلربما نجد ما يكفي من المبررات التي تخبرنا عن التحولات التالية ، والتي لازال بعضها نشطا في بعض البلدان ، حتى اليوم.

برز عناصر الظاهرة المذكورة هو نهوض الهويات الصغرى او الفرعية ، ومزاحمتها في حالات عديدة للهوية الوطنية الجامعة. نعلم ان هذا التحول قد ادى الى استقلال معظم القوميات ، التي كانت منضوية في اطار "اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية". ثم تمدد في بلدان عديدة ، من آسيا الى اوربا وأفريقيا. ومن بين الأمثلة الحديثة عليها ، التمرد في اقليم التيغراي - اثيوبيا ، وقبله بفترة وجيزة ، التظاهرات المطالبة باحترام حياة السود في الولايات المتحدة الامريكية ، والتي كانت عاملا هاما في هزيمة الرئيس السابق دونالد ترمب.

ونستطيع القول (بكلام مجمل) ان هذه الظاهرة اتخذت مسارا لينا نسبيا في القارة الاوربية ، بينما اتسمت في المجتمعات الافريقية والآسيوية بطابع خشن ، وفي بعض الاحيان شديد العنف. واحتمل ان هذا يرجع لسببين ، اولهما سياسي يتمثل في تلبس الهويات الفرعية ببعضها ، وتحولها من تعارض احادي (عرقي على سبيل المثال) الى ثنائي او متعدد الابعاد ، تتداخل فيه العوامل المعيشية والدينية والطبقية والعرقية وربما غيرها (وهذا ما حصل لشعب الاويغور شمال غرب الصين ، وشعب الروهينغيا في غرب ميانمار).

اما السبب الثاني فهو بنيوي ، يتمثل في عجز اطراف المجتمع الوطني عن التفاوض والمساومة ، التي لاتنجح – كما نعلم – دون استعداد مسبق لتقديم تنازلات. اني اعتبر هذا العجز بنيويا ، لأنه مرتبط بالتراث الثقافي والمنظومة القيمية والاخلاقية ، التي ترجح الصراع حتى لو ادى الى الخسارة الكلية ، على المساومة ، ولو أدت الى المعادلة المعروفة رابح-رابح ، اي المعادلة التي لا تنتهي بالسقوط التام للطرف المقابل.

اعتقد ان الثقافة السائدة في عالمنا العربي (وغالب البلدان الاسلامية التي نعرفها) تنحو هذا المنحى. فهي تعلي من شأن الحرب والصراع العنيف وتدمير العدو ، وتقلل من قيمة التفاوض والمهادنة ، التي تنتهي باقتسام المكاسب مع العدو او تقليل الخسائر المنتظرة.

لدينا تجربة مزدوجة من بلدين افريقيين ، توضح الفرق بين المنهجين ، المساومة والتشدد. ان تجربة جمهورية جنوب افريقيا ملهمة بحق ، في مقابل التجربة المحزنة لجمهورية زمبابوي. في 1980 انتصرت جبهة تحرير زمبابوي بقيادة الرئيس موغابي ، فكان اول قراراته تفكيك قوة البيض الذين احتكروا حكم البلاد قبله ، فانتهى الامر بهذه البلاد الى الجوع والخوف والاضطراب ، وهرب الاف السكان الى دول الجوار بحثا عن لقمة العيش. اما في جنوب افريقيا ، فقد قرر زعيم السود نيلسون مانديلا اقتسام السلطة والثروة مع البيض ، بعدما انتصر عليهم في 1994. ان هذه الدولة هي اقوى الدول الافريقية اليوم ، واكثرها ثراء واحتراما على المستوى الدولي. وتظهر المقارنة بين التجربتين المتجاورتين ان نصف انتصار هؤلاء ، اعظم من الانتصار الكامل لاولئك ، واكثر انسانية ونفعا لكافة الاطراف.

هذه التجارب وامثالها تخبرنا ان الخطوة الأولى لترسيخ الاجماع الوطني هي بناء الثقة ، من خلال التاكيد على قيمة التراضي والتنازل والمساومة ، حتى لو كنت تملك الحق كله ، وحتى لو كنت تملك القوة كلها.

الأربعاء - 25 ذو الحجة 1442 هـ - 04 أغسطس 2021 مـ رقم العدد [15590]

https://aawsat.com/node/3113951

 

مقالات ذات صلة

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الاقليات والهوية : كيف تتحول عوامل التنوع الى خطوط انقسام في المجتمع الوطني

أمين معلوف... الهويات القاتلة

بين هويتين

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

حزب الطائفة وحزب القبيلة

حول الانقسام الاجتماعي

الخيار الحرج بين الهوية والتقدم

عن الهوية والمجتمع

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

من باريس الى التغراي .. العالم يواجه ازمة هوية

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

الهوية المتأزمة

 

لماذا ينبغي ان نطمئن الى تطور الذكاء الصناعي؟

  اطلعت هذه الأيام على مقالة للاديبة العراقية المعروفة لطفية الدليمي ، تقترح خطا مختلفا للنقاش الدائر حول الذكاء الصناعي ، وما ينطوي عليه ...