‏إظهار الرسائل ذات التسميات التلفزيون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التلفزيون. إظهار كافة الرسائل

10/04/1999

الحل الحاسم للمسألة التلفزيونية



وجدت عددا من كتاب الصحافة المحلية ـ ومنهم كتاب في عكاظ ـ مهتما الاسبوع الماضي بالغزو الثقافي الذي يأتينا عبر برامج التلفزيون ، والالحاد والفساد الذي تمطره القنوات الفضائية ، ببرامجها التي تسيل ـ عادة ـ الكثير من الحبر والدهشة ، ويقول السادة الكتاب اننا نواجه فتنة عظيمة ، بل بلاء مبرما ، ولعل بعضهم وجد مناسبة بين ما يقال عن العولمة التي وصفها استاذنا السريحي بالامركة ، وبين مضمون البرامج التي تعرضها قنوات التلفزيون العربية والاجنبية ، التي سهل التقاطها مع انتشار وسائل الاستقبال المتقدمة.
وظننت لبعض الوقت ان هذه التحذيرات تمثل أساسا قويا للبحث في الطرق العلمية المناسبة لدفع البلاء ، فقلت في نفسي ان الحل الافضل هو إصدار أمر يمنع استقبال برامج التلفزيون ، او ربما التشويش عليها كي تصبح عسيرة الفهم ، او ربما منع استيراد اجهزة التلفزيون كليا كي نغلق باب الفتنة ، تأسيسا على القاعدة التي يجسدها المثل الشعبي السائر (الباب الذي ياتي بالريح .. أسدّه وأستريح) ، وهي قاعدة يأخذ بها عقلاء قومنا ، ولا يستنكرها أحد .

ولا يظنن أحد ان هذا الاقتراحات بدع من جيبي ، فقد سبق لكثير من الناس ان قالها ، وقام بعض أخوتنا في بلادهم بالغاء التلفزيون كليا ومصادرة ما يملكه الناس من أجهزة ، بعد ان منعوا استيراد جديدها بطبيعة الحال ، لكني بعد ان فكرت في هذا الحلول ، وجدت تطبيقها عسيرا بعض الشيء ، فلو أمر أحدهم بمنع مشاهدة التلفزيون ، فربما التزم رب العائلة وعقلاؤها بالامر ، لكن من يلزم الاطفال والجهال ، فلعلهم ينتظرون فرصة خروج العاقل للدراسة او العمل فيطالعون ما يبغون سرا ، فقلت لنفسي ان التشويش هو الحل الاحسن ، وهو حل مجرب في بعض الاحيان ، لكن المشكلة ان هناك من يرغب في مطالعة التلفزيون ولا يخشى عليه ، وهو يستطيع ـ عادة ـ تبرير استمتاعه بهذه الفرصة .

ثم ان كتاب الصحف سوف يعارضون التشويش ، لانه يحرمهم فرصة الاستمتاع بالمشاهدة ثم الكتابة عن سيئاتها ، أي الجمع بين المرغوبين ، وهكذا تفوت الفرصة أيضا على الصحيفة لنشر موضوع جذاب ، فقلت لنفسي ان التشويش ليس حلا طيبا ، فلا يوجد اذن حل افضل من الحل الجذري أي الغاء التلفزيون ، ومصادرة اجهزته ومنع استيراده ، بعد استثناء الموثوقين ، فهو يغلق الباب كليا فيسد ذريعة للفساد ، لكني وجدت ـ بعد التفكير العميق طبعا ـ  ان هذا أسوأ الحلول ، لأنه يحرم المساكين الذين يتحملون مشقة استيراد الاجهزة و بيعها ، من ثمرات كدهم ، ويحرم البائعين من فرصة للربح ، ولهذا فهو قد يفتح ابوابا أخرى للفساد .

وقد حيرني التلفزيون ، وحيرني البحث عن وسيلة لاستئصال شروره ، حتى لقد فكرت مرة في ان الحل الامثل هو اقناع شركة الكهرباء بقطع التيار حين يبث برنامج فاسد ، لكني تذكرت ان شركة الكهرباء تعاني خسائر منذ تأسيسها ، فهل نزيد خسائرها بقطع التيار ؟ .

وأخيرا توصلت إلى الحل الامثل ، الا وهو اقناع شركات التلفزيون بكتابة سطر تحذير ، من هذا النوع الذي تضعه مصانع السجائر على علبها ، يقول مثلا (برامج الفضائيات مضرة بالصحة .. ننصحك بعدم مشاهدتها) ولدي الان حجة قوية على جدوى هذا النوع من الحلول ، لأن الذين توصلوا إلى هذا الحل في المسألة الدخانية ، فكروا كثيرا ، ربما أكثر مما فكرت ، فاهتدوا أخيرا إلى هذا الحل السطري (نسبة إلى سطر التحذير) فيستطيع الانسان ان يطالع البرنامج الممتع ، ويقرأ سطر التحذير في الوقت نفسه ، مثلما يدخن ويقرأ السطر الدخاني في ذات الوقت ، وهكذا ينحل الاشكال العويص.

فلما وصلت إلى هذا الحل الحاسم ، قلت في نفسي ان هذا برهان واضح على مغالاة الكتاب الذين يتحدثون في المشاكل ، فما دام الحل الحاسم لمشكلة الفضائيات قد توفر بهذه السهولة ، فلماذا لا نفكر في حل مشاكلنا الكبرى بنفس الطريقة ؟.

لكني تذكرت لاحقا ان المشكلات هي عمل يدفعون عليه مالا ، ويحصل الانسان من ورائه على التقدير ، فاذا حللنا جميع المشاكل فماذا نعمل ، وكيف نعرض انفسنا ، فقررت السكوت عن هذا الامر ، لكي يكون في وسعنا الحديث عن المشاكل ، من العولمة إلى الغزو الثقافي إلى تحليل العقل العربي ، الخ .. خاصة وان إكثار الحديث عن المشكلات يغني ـ حسب القاعدة الجارية ـ عن حلها ، ويغني عن كشف حجمها وحقيقتها ، ويريح الناس من حمل عبء المسؤولية عنها ، فما دام الانسان يتحدث عن وجودها ، فهو يبريء نفسه منها ومن التحقيق العميق في تفاصيلها ، ومن علاجها ، وهذه أيضا قاعدة جارية ، ونحن ممن يحب القواعد ولزوم القواعد .
ارسل في 10 ابريل 1999

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...