‏إظهار الرسائل ذات التسميات فهمي هويدي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فهمي هويدي. إظهار كافة الرسائل

15/03/2001

ابعد من تماثيل بوذا



عدا عن تماثيل بوذا ، التي دمرها مقاتلو حركة طالبان الافغانية (مارس 2001) ومن قبلها الكثير من المعالم الحضارية في افغانستان ، التي دمرتها طالبان وغير طالبان ، فان ما يستوجب التوقف هو السياق الثقافي والسياسي الذي اوصل إلى تلك النتائج ، وهو سياق لا زال فاعلا ومؤثرا ، وقد ياتي في الغد بما يفوق هذا الحدث اثارة ومرارة .

فهمي هويدي
ربما يصح وصف الظرف القائم في افغانستان اليوم بانه ظرف العزلة المطلقة ، فهي بلد محاصر اقتصاديا ، ومعزول سياسيا ، وما يزيد الطين بلة ، ان الحزب الحاكم قد عالج انعدام الاجماع الوطني حوله ، بالمبالغة في حصر القوة السياسية والمادية في اطاره الخاص ، مما ادى الى تغير موقع الحزب من مدير للدولة إلى مالك للدولة .
وفي ظني ان ظرف العزلة المطلقة هو محصلة لثلاثة سياقات متفاعلة ومترابطة ، اولها النسق الثقافي الخاص للحزب الحاكم ، وثانيها ندرة مصادر العيش وتدهور مستوى المعيشة ، وثالثها الحصار السياسي الذي قطع التواصل بين الحكومة والعالم .
طبقا لراي الاستاذ فهمي هويدي فان العيب الجوهري في تفكير زعماء طالبان يعود إلى التصور القروي للدولة ، وقد توصل هويدي إلى هذا الرأي بعد مقابلته عددا من زعماء الحركة وملاحظات ميدانية عندما زار افغانستان في اواخر 1998 ، ومن بين الملاحظات المهمة التي سجلها ، ان كثيرا من قادة طالبان لم يكونوا قد رأوا العاصمة كابل ، إلا بعد ان اصبحوا حكاما ، وهم لم يذهبوا إلى أي بقعة من افغانستان خارج مدنهم ، فضلا عن زيارة دول العالم الأخرى ، ولهذا فان صورة الدولة التي كانت في اذهانهم ، لم تكن غير تمديد لصورة القرية التي يحكمها شيخ قرية ، وهذا يفسر انشغالهم الشديد بالامور الصغيرة ، مثل الملابس والهيئة الشخصية للمواطن ، ويفسر موقفهم من التعليم والاعلام والمرأة والعالم .
تتميز الثقافة القروية بالميل إلى التبسيط والتعميم والتشدد في التقاليد ، اضافة إلى طغيان الطابع الشخصي بدلا من المعياري في التعامل مع المتغيرات .
أما  الفقر وندرة موارد العيش ، فهو يزيد من شعور الانسان بالارتياب والمرارة ، كما يدفعه إلى الاستهانة بالمخاطر ، فهو في لحظة من اللحظات يجد ان ليس لديه ما يخسر أو يوجب الاسف ، وبالتالي فان الشعور بالمسؤولية عن حقوق الغير يتضاءل في نفسه ، تبعا لشعوره بالحرمان من حقوقه أو من فرص الحياة المتكافئة ، ويذكر في هذا المجال ان كثيرا من الافغانيين العاديين قاموا خلال السنوات الماضية بزراعة الافيون وبيعه ، وسرق آخرون الآثار وباعوها للاجانب ، وتاجر غيرهم في عظام الموتى من اجل تامين لقمة العيش ، وهو ما يذكر بالقول المأثور (كاد الفقر ان يكون كفرا) .
والمؤسف ان الفقر يتفاقم في افغانستان مع اشتداد العقوبات الدولية ، ويموت الناس جوعا وبردا ومرضا ، وهذه الحال لا يتوقع ان تنتج غير شخصية قلقة ، متطرفة ، وقليلة الاكتراث بعواقب المغامرة .
أما  الحصار السياسي فهو ثالثة الاثافي ، فرغم ان غرضه الاصلي كان الضغط على طالبان كي تلين ، إلا ان الواضح انه ادى إلى عكس النتيجة ، فهو قد زادها تشددا ، وتفسير ذلك ان الاتصال مع العالم ، ولا سيما الاشقاء والاصدقاء يعزز روحية المهادنة والمساومة ، بينما القطيعة تعزز روحية العدوان والكراهية ، كما انها تحجب فوائد المشاركة مع الغير ، فالانسان الاكثر اتصالا مع الاقران ، هو الاقدر على التوصل إلى اتفاقات ، وهو الاكثر استعدادا لتقديم التنازلات ، بخلاف المنعزل ، العاجز عن التوافق ، والمتشدد في التمسك بارائه ومواقفه .
وفي رايي ان مشكلة افغانستان لا تكمن في طالبان وحدها ، كما ان حل هذه المشكلة لا يكمن في سياسة الحصار والعزل ، بالعكس من ذلك فاني اجد ان الحرب الاهلية هي المشكلة الحقيقية ، وهذه ستبقى مع طالبان ومع غيرها ، كما ان سياسة العزل سوف تزيد ميل طالبان إلى التشدد .
واعتقد ان على الدول الاسلامية ان تبادر إلى حوار نقدي مع طالبان ، حوار يكشف فوائد اللين واضرار التشدد ، حوار مدعوم بحملة لاغاثة الشعب الذي يموت ببطء ، فلعل هذا يرسي اساسا مناسبا لوقف مسار التدهور ، حتى لو كنا عاجزين عن معالجة الاسباب الجوهرية للمشكلة ، في المدى المنظور على الاقل. 
15 مارس 2001
مقالات ذات علاقة


الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...