‏إظهار الرسائل ذات التسميات علي بن ابي طالب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات علي بن ابي طالب. إظهار كافة الرسائل

24/04/2025

وسخ الدنيا.. بين صاحب المال والساعي إليه

للتوسع في موضوع المقالة ، ربما ترغب في الاطلاع على البحث المنشور هنا ايضا :

|ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه|

 الداعي لتدوين هذه السطور ، نقاش جرى مع زميل من اهل العلم ، حول ما ظننته فهما متناقضا للمال والملكية الفردية ، كامنا في تكويننا الثقافي ، على نحو يجعلنا نستقتل في طلب المال ، لكننا – في ذات الوقت – نتهم من يفعل هذا ، غيرنا طبعا ، بعبادة المال والطمع في الدنيا وزخرفها.

وتحفل الادبيات التراثية بذم الدنيا ، التي يجري تجسيدها دائما أو غالبا في تملك المال. والحق ان أدبيات السلف لا تخلو من تقبيح الفقر وتبجيل الغني ، إلا ان هذا من قبيل الاستثناء. أما القاعدة العامة فهي تميل للنظر السلبي الى المال والدنيا في  الجملة.

حين توفر الذاكرة التاريخية/الثقافية قيمتين متعارضتين ، يمكن لهما ان تعملا في نفس الواقعة والزمان ، فان عقل الانسان سيختار القيمة التي تلائم التوقعات السائدة في المحيط في تلك اللحظة. وهذا يظهر واضحا في تقييم صاحب المال والساعي اليه. فواحد يمدحه لان المحيط راغب فيه ، وآخر يشكك في نزاهته ، لأن المستمعين كارهون له. وقد يكون الظرف العام في زمن او مكان بعينه ، محفزا للقدح او العكس. لكن نستطيع القول بصورة عامة ، ان عامة الناس لا يخفون رغبتهم في الاقتراب من اصحاب الاموال وكسب رضاهم ، وفي الوقت نفسه كراهيتهم والارتياب في مصادر اموالهم ، بل النزوع الى اعتبارهم سارقين ، ما لم يتأكد العكس. وتشيع روايات تدعم هذا الاتجاه مثل القول المنسوب للامام علي بن ابي طالب "ما جاع فقير الا بما متع به غني".

ويبدو لي ان الجذر العميق لهذي الازدواجية ، متصل بالمبدأ الذي يدعي ان الفساد هو الطبع الاولي للإنسان ، بمعنى انه لو ترك من غير قياد ولا رقابة ، فسيعمد للافساد وارتكاب المنكرات. ولهذا فان مناهج التربية والتعليم ، فضلا عن ثقافة الوعظ الديني والإرشاد الأخلاقي ، ركزت جميعا على تقبيح الأدوات التي ربما تعزز قدرة الافساد في الانسان ، وأبرزها المال. ونعرف ان الصورة الذهنية الموروثة ، تنظر للمال بصفته "وسخ دنيا" ، بدل اعتباره ضرورة للعمران والارتقاء المادي والمعنوي. وثمة عشرات من النصوص التي تؤكد ذلك المعنى بصور مختلفة ، مثل وصفه كعرض دنيوي ، هو النقيض الطبيعي للآخرة ، ومثل الربط بين امتلاك الثروة ، وبين الاستئثار والتكبر ، والتمرد على أمر الله.

ومما يثير العجب ان كثيرا مما ورد في القرآن في ذم المال ، مربوط بالدنيا عموما وبالبنين خصوصا ، نظير قوله "إنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ - التغابن: 15". لكن لسبب ما ، ركزت الثقافة الموروثة على سلب قيمة المال ، بينما اتخذت اتجاها معاكسا حين يتعلق الامر بالابناء ، الذين اصبحوا مصدر اعتزاز وتفاخر. وتبعا لهذا جرى ابراز الروايات التي تدعو لاكثار النسل.

احتمل ان هذا التوجيه ، مع ما ينطوي عليه من ظلال دينية ، تمنع تقييده بظرف زماني او مكاني او عرف محلي ، قد ساهم في تشكيل  موقف مرتاب من المال ، في الذهنية العميقة للجمهور العربي والمسلم ، تنعكس بشكل فوري تقريبا على من يتمثل فيه ، أي الأثرياء والساعين للثروة وكذلك المؤسسات العاملة في حقل المال ، مثل البنوك ، بل أي رمز للمال. ولعلي لا أبالغ لو قلت ان حوادث مصادرة الاموال التي تكررت في تاريخ العرب الحديث ، لاسيما في القرن المنصرم ، ربما تشير الى التأثير القوي لتلك الذهنية ، وان تلبست مبررات وصورا مختلفة.

كان عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر قد عرض صورة شبيهة لهذا ، شائعة في الادبيات الكاثوليكية خصوصا. فهو يقول ان النص الديني هناك يركز كثيرا على تذكير الانسان بخطاياه ، وشحنه بالقلق على مصيره الاخروي. وحين يسائل نفسه أو يسأل مفسري التراث عن السبب الذي ربما يودي به الى الهلاك ، يخبره التراث المقدس بانه الاغترار بالمال وزينة الدنيا.

الخميس - 26 شوّال 1446 هـ - 24 أبريل 2025 م   https://aawsat.com/node/5135713

مقالات ذات صلة

22/03/2023

رمضان كريم


 يحل علينا هذا الأسبوع شهر رمضان المبارك ، الذي اعتاد أهل بلدنا ان يتخذوه فرصة للتواصي بمكارم الاخلاق ، لا سيما الاحسان الى ضعفاء الخلق ، وكذلك التواضع وفعل الخير ، وترك الإساءة بالقول والفعل ، حتى لمن أساء الينا ، وأمثال هذا من الآداب والمحاسن.  

وقد سمعت أحيانا من يعارض هذا الكلام بمثل القول انه اذا تكبر عليك احدهم فتكبر عليه ، واذا ضربك احدهم فرد الضربة بضربة ، واذا كان سيئا فكن سيئا معه ، ولعله يستشهد بقول عمرو بن كلثوم "الا لا يجهلن احد علينا .. فنجهل فوق جهل الجاهلينا".

ولست في وارد الجدل مع أصحاب هذا الرأي. لكني وجدت حاجة لوضع قاعدة ، تكون معيارا نرجع اليه في الاخذ بهذا الرأي او نقيضه. هذه القاعدة هي فكرة الامر المطلق او القانون الكوني التي اقترحها ايمانويل كانط ، الفيلسوف الألماني الشهير.

يبدأ كانط بالنظر في داخل النفس الإنسانية ، فيراها منجذبة بطبيعتها للاستكثار من المنافع المادية ، حتى لو أدى للاستئثار بها دون الآخرين او على حسابهم. هنا يتوقف كانط ، داعيا للبحث عن مصدر  هذا الميل الأناني: هل هو غريزة التملك التي نولد وهي جزء من تكويننا العقلي ، ام هو صادر عن قناعات امتصها الانسان من محيطه ، مثل استنقاص الآخرين ، لسبب ديني او عرقي او طبقي او غيره.

يدعونا كانط للنظر الى أحكامنا وقراراتنا وافعالنا كما لو انها ستصبح قانونا كونيا يطبق على غيرنا أولا ، لكنه بعد ذلك سيطبق علينا وعلى أبنائنا واهلنا أيضا. بعبارة أخرى ، فان القانون الكوني يعني انني سأكون عرضة لنفس الحكم الذي أصدرته على غيري. فاذا حرمته من شيء ، فسيكون من حق الآخرين ان يعاملوني بنفس الطريقة ، واذا كذبت عليهم ، فقد اعطيتهم المبرر كي يكذبوا علي ، واذا استأثرت أنا وأهلي بشيء دونهم ، فقد منحتهم اذنا إن أرادوا ان يستأثروا بما شاؤوا ويحرموني من كل ما اظنه حق مشترك لي ولهم.

القانون الكوني اذن هو ما ينطبق على الجميع بنفس القدر والدرجة. فاذا أعطيت لنفسي الحق في فعل شيء يؤذي الغير ، فقد اقمت قاعدة جديدة تسمح لهم بفعل ما يؤذيني ، فاذا عارضتهم ، فلهم ان يقولوا : لقد سبقتنا ووضعت قانونا ، وقد جرى في الامثال قول بعض السلف "كما تدين تدان".

أريد الإشارة الى ان هذه الفكرة ليست جديدة تماما ، وليست من مبتكرات كانط ، فقد ورد مثلها في العديد من النصوص القديمة ، الفلسفية والأخلاقية. ولعل من أقربها الى مألوفنا ، وصية الامام علي بن ابي طالب لولده ، التي يقول فيها "يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك".

يستطيع الانسان معرفة الدافع العميق لحكمه على الاخرين او تصرفه تجاههم. فهو قد يترفع عليهم ، لانه يرى نفسه صاحبا للدين الحق ، او منحدرا من عرق اصفى أو ارقى ، او منتميا الى طبقة ارفع شأنا. بل ان الانسان يسعى لاستنباط مبررات (كاذبة في بعض الأحيان) تربط ربطا اعتباطيا بين الميول الانانية وبين هذه الانتماءات. أقول ان الانسان يستطيع اكتشاف هذه الحقيقة لو تأمل بعمق في دواخل نفسه.

أتمنى لكم شهرا حافلا بالمسرات ، كما أتمنى ان تتاح لكل منا الفرصة كي يهذب ما استطاع من نوازع النفس ، كي نعود في ختامه أقرب الى حقيقة الإنسانية الصافية ، التي هي تجل من تجليات الفيض الرباني. كل عام وانتم بخير.

 الشرق الاوسط  الأربعاء - 29 شعبان 1444 هـ - 22 مارس 2023 مـ رقم العدد [16185]

https://aawsat.com/node/4226336

03/07/2019

هكذا انتهى زمن الفضائل



ورد في بعض المصادر ان علي بن ابي طالب أمر القائم على بيت المال ، بتسجيل نصراني على قوائم العطاء ، بعدما عجز عن العمل وبات في حاجة للعون. فسئل في ذلك فقال "استعملتموه فلما عجز اسلمتموه؟". ونقل ايضا ان عمر بن عبد العزيز أمر بنثر الحبوب على رؤوس الجبال ، كي لا تموت الطير من الجوع ، بسبب الشتاء القارس وقلة الارزاق. ولم أعثر على مصدر قديم لهذه القصة ، لكنها منتشرة من دون اسناد.

ثمة في التراث قصص كثيرة مثل هاتين. وهي تنقل في سياق التذكير بفضائل أصحابها ، او في سياق الاشادة بفضائل الاسلام واخلاقياته بشكل عام. ولا شك ان في الاسلام وأحكامه مثل هذا وفوقه. كما ان أشخاصا مثل علي وعمر ، ممن يشار اليهم بالبنان حين يجري الحديث عن مكارم الاخلاق.

دعنا نقارن مضمون هذه القصص بنظائرها في المجتمعات المعاصرة. نعرف ان جميع الدول تقريبا لديها نظام للضمان الاجتماعي للافراد ، في حال العجز او التعطل او المرض. وهي انظمة يستفيد منها كافة الناس ، دون حاجة لاستئذان المدير او الوزير او الخليفة ، او حتى علمه بالحالة.
كما ان لدى المجتمعات المعاصرة انظمة لحماية عناصر النظام البيئي كلها ، من حيوان ونبات وطير ومسطحات مائية وغيرها. وترصد الدولة ميزانيات سنوية وتقيم ادارات متخصصة لتنفيذ هذه المهمة ، ومن ضمنها التحقق من توفر الماء والغذاء في المسارات التي تسلكها الطيور المهاجرة.  اما في الدول الصناعية فهناك جماعات أهلية ضخمة مثل منظمات السلام الاخضر=Green Peace ، التي تقوم بحملات واسعة جدا ، لاجبار الحكومات والشركات على احترام التنوع البيئي ، والمحافظة على الحيوانات والطيور ، حتى في قلب المحيطات والغابات والصحارى.
مرادي من العرض السابق ليس التهوين من قيمة القصص المذكورة ، بل إيضاح بعض وجوه التحول في ثقافة البشر ، وتوقعاتهم وعلاقتهم مع حكامهم. تخيل لو ان الضمان الاجتماعي او صيانة النظام البيئي بقي مشروطا بموافقة رئيس الدولة شخصيا ، فكيف سيكون رد فعل الناس؟ هل سيعتبرونه من فضائل الاسلام وفضائل الحاكم ، ام يعتبرونه اجراء سخيفا ومضيعة للوقت؟.
الذي تغير هو .. أ) ان الناس ما عادوا يعتبرون تلك الاعمال فضائل للدين أو الحكومة ، بل واجبات على المجتمع ككل. ب) لم يعد مقبولا ايكال القضايا العامة الى الارادات الشخصية للرئيس ، بل بات مطلوبا ان تدار في إطار قانوني-مؤسسي ، بحيث تجري كل يوم ، ضمن منظور طويل المدى.
يعتقد ديفيد ميلر ، عالم السياسة البريطاني المعاصر ، ان هذا الاختلاف يشير الى تحول في معنى الاخلاق والفضيلة بذاتها. اي ان كثيرا مما كان بالامس فضيلة يمتدح القائم بها ، تحول اليوم الى واجب يلام الحاكم لو اغفله او قصر فيه. وهو يضرب مثالا بآداب النخبة في اوائل القرن التاسع عشر ، كما صورتها الروائية الشهيرة جين اوستن. قدمت اوستن صورة جميلة للنبلاء الذين تواضعوا قليلا ، وتعاملوا باحسان مع فلاحيهم وخدمهم ، وهو خلاف المتوقع في ذلك الزمان. لكنا نعلم ان تواضع الوجيه وحسن تعامله مع خدمه والعاملين عنده ، لم يعد – في  هذا الزمان - فضلا منه يستوجب الاشادة ، بل واجبا يلام او ربما يعاقب لو تركه.
ينعكس هذا التحول على العلاقات داخل المجتمع ككل. وعلى القانون والتشريع ، فضلا عن الاعراف والتقاليد. وهو حديث نعود اليه في وقت لاحق. 
الشرق الاوسط الأربعاء - 29 شوال 1440 هـ - 03 يوليو 2019 مـ رقم العدد [14827]
https://aawsat.com/node/1794951

مقالات ذات صلة
فكرة المساواة: برنارد وليامز
المساواة والعدالة : ديفيد ميلر
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي


لماذا ينبغي ان نطمئن الى تطور الذكاء الصناعي؟

  اطلعت هذه الأيام على مقالة للاديبة العراقية المعروفة لطفية الدليمي ، تقترح خطا مختلفا للنقاش الدائر حول الذكاء الصناعي ، وما ينطوي عليه ...