بيان النوايا الذي اصدره وزير العمل غازي القصيبي ضرب على اوتار حساسة انفقت فيها الصحافة المحلية اطنانا من الحبر والورق ، لكنه ابعد ما يكون عن خطة عمل لحل مشكلة البطالة . ولا يختلف اثنان في كفاءة القصيبي وشخصيته الحاسمة .
لكن في التحليل النهائي ، فان هذا البيان لا يقدم رؤية عن مشكلة البطالة في المملكة ، ولا يقدم خطة متكاملة للتعامل معها على المدى البعيد . فهو يتضمن اشارات الى جوانب ثقافية ، وجوانب اقتصادية وجوانب تنفيذية. لكنه يثير الدهشة لاهتمامه بما قيل عن هروب رأس المال المحلي بسبب تبعات السعودة مع ان المعلومات المتوفرة تؤكد على ضآلة هذه المشكلة. و ربما كان السبب في اثارتها هو اعلان عدد من تجار الذهب اخيرا عن الانتقال الى دبي . والواضح ان الامر يتعلق بعدد يعد على الاصابع ولا يمثل مشكلة تستحق الاهتمام . وفي المقابل فهناك ادلة ملموسة على نمو هائل لحجم الاستثمار المحلي خلال الاشهر القليلة الماضية انعكس بوضوح على السوق المالية ، وهو امر معروف للجميع .
الاستثمارات
الجديدة هي الحل الامثل والطويل الامد لمشكلة البطالة ، ويظهر من التجربة الفعلية
ان القطاع الخاص السعودي يتمتع بقدرة هائلة – وبرغبة ايضا – على الاستثمار المحلي
. المشكلة اذن في الاوعية الاستثمارية المتاحة . ان الجزء الاعظم من هذه الاموال
قد تركز في المضاربة على العقارات اضافة الى اسهم الشركات القليلة المدرجة في
البورصة .
بديهي
ان المضاربة في العقار لا تولد فرص عمل ولا فائض قيمة اقتصاديا – في منظور
الاقتصاد الانتاجي - ، وبالتالي فهي لا
تزيد من قوة الاقتصاد الوطني وقدرته على استيعاب التحديات. وهذا يقودنا الى النقطة الجوهرية في الموضوع ،
اي المخطط البعيد المدى للاقتصاد الوطني . اننا بحاجة الى تصور محدد لما ينبغي ان
يكون عليه الاقتصاد السعودي بعد عشرين عاما ، والخطط المفصلية التي يفترض ان تقود
الى تكامل تلك الصورة .
كان
القصيبي قد قاد خلال توليه وزارة الصناعة تجربة جديرة بالاهتمام ، لعل ابرز
شواهدها هو تنظيم قطاع الكهرباء وانشاء شركة الصناعات الاساسية التي اصبحت اليوم
قطب الصناعة السعودية . وقد وفرت هذه الشركة الاف الوظائف فضلا عن كونها اضافة
كبيرة للاقتصاد الوطني . وكان مقدرا للشركة ان تلعب دور الدينامو لعشرات من
الصناعات التكميلية المتوسطة والصغيرة . ولو تحقق هذا التقدير ، فلربما كانت مشكلة
البطالة التي نتحدث عنها اليوم ضئيلة الى درجة لا تستحق معها انشاء وزارة خاصة
للعمل .
لكن
المشروع لم يتواصل ، وهذا هو جوهر المشكلة . حينما كانت الحكومة هي الممول الرئيس
كان بالامكان اقامة مشروعات من نوع سابك ، وحينما توقف التمويل الحكومي بدأنا
نواجه مشكلات مثل البطالة .
ترى
ما هو السبب في عزوف القطاع الخاص عن الاقدام على مشروعات مثل سابك ، او حتى مثل
الصناعات التكميلية والاستهلاكية التي كان مقدرا لها ان تقوم على حاشيتها ؟.
امامنا تجربة تقول ان مثل هذه التجربة توفر حلولا جديرة بالاهتمام ، فهي تولد
وظائف وتولد ارباحا كبيرة ، وهي تعزز من متانة الاقتصاد الوطني ، اي انها تمثل حلا
طويل الامد يحقق اهداف الافراد والمجتمع معا.
اسباب
مشكلة البطالة التي يعرضها – تلويحا - بيان الوزير ، هي تجليات لمشكلة اعمق ، سبق
ان عالجها بنفسها وقدم لها حلولا ، تجلت في توجيه المال المتوفر للاستثمار الصناعي
. لازالت هذه الفرصة امامنا ، وامامنا ايضا الفرص التي يتيحها قطاع السياحة الذي
طرح حديثا . ولهذا فان ما تحتاجه البلاد هو المواجهة الصريحة والشجاعة للاسباب
التي تحول بين المستثمرين الصغار والمتوسطين وبين المشاركة في هذا النوع من الحلول
. وهنا يجدر الاشادة بشجاعة رئيس الهيئة العليا للسياحة الذي لم يجد حرجا في
الحديث عن المعوقات الكثيرة ، القانونية والتنفيذية والاقتصادية التي تثبط جهود
المستثمرين.
ان
برنامجا وطنيا يشترك المستثمرون بشكل مباشر في تنفيذه يتوقف على الشفافية الكاملة
وتوفير المعلومات وحماية المنافسة . نحن نسمع اليوم عن خطة لترخيص شركة خاصة للنقل
الجوي ، وعن منح تراخيص لشركات تقدم خدمات الاتصالات . ونتساءل عن حجم الجهد الذي
بذل لاستقطاب الاستثمارات المتوسطة والصغيرة الى مثل هذه المشروعات . مشكلة البطالة ليست في عدد الشغالات او عمال
التنظيف ، بل في استيعاب الطاقة التمويلية المتوفرة في استثمارات مفيدة ومولدة
للوظائف.
السبت - 5/3/1425هـ الموافق 24 / ابريل/ 2004 - العدد
1042
http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/4/24/Art_97872.XML