‏إظهار الرسائل ذات التسميات الذكاء الصناعي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الذكاء الصناعي. إظهار كافة الرسائل

25/04/2024

الطريق السريع الى الثروة

 يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية حول العالم 1,114.22 مليار دولار ، ويتوقع ان تصل في 2030 الى 2,554.76 مليار دولار ، بمتوسط 5.8% سنويا). واذا صحت هذه الفرضية ، فيمكن الاستنتاج بأن هذا القطاع سيكون مصنع الثروات في السنين القليلة القادمة.

هذه فكرة متداولة يعرفها معظم الناس على الارجح. لكني أتساءل دائما: كيف نحول الأفكار الى مصدر للثروة. دعني أضرب مثالا بجان كوم ، وهو مهاجر اوكراني شارك زميله برايان اكتون في تطوير برنامج التراسل الشهير "واتس اب" عام 2009. وفي 2014 دفعت شركة فيسبوك 19 مليار دولار للاستحواذ عليه. لا أتوقع – بطبيعة الحال – ان أرى مثل هذه التجربة كل يوم. لكني استطيع القول دون تحفظ ان الجزء الاعظم من الثروة القومية للولايات المتحدة الامريكية يأتي من هذا المصدر ، اي تحويل الافكار الى أموال.

محمد الشارخ  (1942-2024)

في السنوات الماضية كان يقال ان تجارة الاراضي هي الطريق السريع والآمن لصناعة الثروات. لكننا نعلم انه طريق لعدد محدود جدا من الناس ، لانه يحتاج الى رساميل ضخمة. كما انه يبقى عملا فرديا في الغالب ولا يعود بثمرات مهمة على الاقتصاد الوطني.

أما اليوم فاني ادعي ان اقتصاد المعرفة ، ولاسيما قطاع المعلوماتية والبيانات بكل تفرعاته ، هو الطريق الحقيقي للثروة ، ليس على المستوى الفردي فحسب ، بل على المستوى الوطني أيضا. ثمة ميزات في هذا القطاع تجعل المجتمعات العربية قادرة على  المنافسة على المستوى العالمي ، اذا حولت اهتمامها بصناعة المعلوماتية ، وخصوصا البرامج ، من الاستهلاك او المتاجرة البسيطة ، الى الابتكار والصناعة في كافة المجالات ، بدءا بالعاب الاطفال حتى ادارة المدن الكبرى.

سأركز هنا على ميزتين أراهما واضحتين لكل قاريء:

الأولى: أن هذا الحقل الاقتصادي لا يعمل الا ضمن شبكات. لا يربح الفرد الا اذا ربح كثيرون آخرون. وهذه حقيقة اكتشفها مبكرا عالم الاجتماع الامريكي – الاسباني مانويل كاستلز ، وكتب عنها بالتفصيل في ثلاثيته المسماة "عصر المعلومات - 1996". ومن هنا فان ثمرات العمل لا تنحصر في شخص او عدد محدود ، بل تتسع للمئات والآلاف من الناس. ان برنامج الكمبيوتر يشبه الفكرة التي يبدعها شخص ، ثم يطورها شخص آخر ، ويستثمرها ثالث في استنباط فكرة مختلفة ، وهكذا تتواصل وتتعدد استعمالاتها وعدد المستفيدين منها ، في الانتاج والاستعمال.  تخيل الآن عدد الناس الذي يستعملون واتس اب في اعمالهم ، حجم الارزاق والمعايش التي تمر عبره ، والفوائد المالية التي يجنيها ملايين المستعملين في اصقاع العالم ، والعوائد التي تجنيها الولايات المتحدة الامريكية بسببهم.

الميزة الثانية: لقد تأخرنا في دخول حقل الصناعة ، لا سيما في مستوى  التقنيات العالية. وقد بدأت المجتمعات الاخرى منذ قرن او أكثر ، فاللحاق بهم يتطلب مضاعفة السرعة في التعلم والتطبيق والاستثمار لاختصار الطريق. أما حقل المعلوماتية ، فالعالم كله حديث عهد به. خذ مثلا الصين التي انضمت الى هذا المجال في مطلع القرن الجديد ، وباتت اليوم تنافس الدول الاكثر تقدما في مختلف جوانبه. ومن هنا فان المسافة الزمنية بيننا وبين الاكثر تقدما ، تعد ببضع سنوات وليس اكثر. ما نحتاج اليه في الحقيقة هو الثقة بالذات اضافة الى الاجراءات العملية البعيدة المدى.

يهمني جدا التأكيد على "الثقة بالذات" لأني اشعر ان العرب يفتقرون اليها. ولعل هذا سر تفاخرهم الكثير باشخاصهم وانسابهم. وابسط دليل على افتقارنا لهذا ، هو ان تطوير الحوسبة باللغة العربية جرى في كندا واسرائيل وليس في اي بلد عربي ، خاصة بعد اخفاق التجربة الكويتية الرائدة التي تزعمها المرحوم محمد الشارخ ، صاحب مشروع "صخر" الكمبيوتر العربي الرائد.

اود اختتام هذه الكتابة بالتأكيد على ان اقامة بيئة حاضنة ومحفزة لصناعة المعلوماتية على المستوى الوطني ، في كل بلد عربي ، يحتاج الى مقدمات ، تبدأ من ادراج البرمجة في الصفوف الابتدائية ، ثم جعلها منهجا الزاميا في المرحلة المتوسطة. هذا سينتج جيلا كاملا من رواد الصناعة. وهناك عوامل اخرى ربما نعود اليها في كتابة لاحقة.

الشرق الاوسط الخميس - 16 شوّال 1445 هـ - 25 أبريل 2024 م https://aawsat.news/47t9h

مقالات ذات علاقة

 اول العلم قصة خرافية

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

تطوير التعليم من الشعار إلى المشروع

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

حول البيئة المحفزة للابتكار

صناعة الشخصية الملتبسة

المدرسة وصناعة العقل

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

يوكل علم ؟ ... يعني مايفيد !

 

10/05/2023

غدا نتحرر من الخوف

||الحل السليم للقلق من تأثيرات الذكاء الصناعي ، هو نشر المعرفة به||

القلق من تأثير الذكاء الصناعي لا يختلف كثيرا عن القلق من تأثير الانترنت. الأسباب التي تبرره ، تشابه ما  قيل في الماضي عن عواقب انتشار الانترنت. سوف اعرض لبعض هذه المبررات بعد قليل. لكن يهمني أولا تطمين المتوجسين بأن كثيرا من أسباب القلق القديم ، قد تم احتواؤها فعليا ولم تعد قائمة ، او - على الأقل - لم تعد قوية او جدية مثلما كانت يوم تعرفنا على الانترنت ، قبل عقدين من الزمن.

بيان ذلك: ان معظم القلق ناتج – في المقام الأول - عن غموض المستقبل وانعدام اليقين ، أي شعور الانسان بأنه لا يتحكم في أقداره. اعرف أشخاصا كانوا يعملون في مجال التصوير ، وفقدوا وظائفهم بعد انتشار التصوير الرقمي. واعرف ان اكبر شركتين في هذا القطاع ، قد اعلنتا افلاسهما: الألمانية آجفا (2005) والأمريكية كوداك (2012).

والعجيب في الأمر ان انهيار هذه الصناعة ليس سببه هجر الناس لهواية التصوير ، بل العكس تماما: لانها باتت هواية يمارسها كافة الناس ، كلما تحدثوا أو نظروا في الهواتف الذكية ، التي يحملونها في جيوبهم. لقد تسبب التصوير الرقمي وشبكات الانترنت في اطلاق تدفق هائل للصور ، فتحول عامة الناس الى منتجين ومستهلكين في آن واحد ، ولم يعد بوسع المحترفين السيطرة على المساحة التي تقوم فيها صناعة التصوير ، في أي بعد من ابعادها. الشبكات الغت الجغرافيا/المكان الذي يمكن التحكم فيه ، فتولد منطق جديد للتبادل ، مختلف تماما عن منطق المنتج/المستهلك في السوق القديم ، سوق ما قبل الانترنت.

هذا المصير نفسه واجه الشركات التي كانت تصنع أجهزة التسجيل والراديو والآلات الكاتبة والصحف الورقية ، والمئات من الصناعات والتجارات والوظائف الأخرى التي يصعب عدها وحصرها. وتحدثت قبل زمن مع خطيب ذي شعبية عريضة ، فوجدته ضجرا من تناقص ملموس في عدد الأشخاص الذين يحضرون خطبه. لان مستمعيه المعتادين يبحثون الآن عن مصادر للمعرفة تتجاوز المصادر التقليدية.

لا بد ان كثيرا منا قد سمع بواحد او اكثر من هذه الأشياء ، التي حدثت منذ عقد او عقدين. لكنك نادرا ما تسمع أمثالها في هذه الأيام.

- لماذا؟

لأن غالبية الناس ، بمن فيه القلقون ، تعلموا استخدام أجهزة الانترنت ، واكتشفوا المساحات الرحبة التي تقودهم اليها هذه الأجهزة الصغيرة ، أي الكمبيوتر والهاتف الذكي. ولعل بعضهم قد تأكد من ان مخاوفه لم تكن بلا أساس. لكن منطق الأمور يقول بان القلق من المجهول طبيعة في الانسان ، وان علاجه الوحيد هو تمزيق حجاب الجهل. حين يتعرف الانسان على شيء ، فسوف يسعى لاكتشاف مفاتيح التحكم فيه ، او على اقل التقادير سيتعرف على حدود تأثيره. وعندها سيتحول التعامل مع مصادر القلق الى جزء من الروتين اليومي المعتاد.

من هنا فاني أود التأكيد على ان الحل السليم لما يبدو من قلق إزاء الذكاء الصناعي ، هو نشر المعرفة به. بإمكاننا التعرف على الذكاء الصناعي ، مثلما تعرفنا سابقا على الكمبيوتر والانترنت ، ومن قبله على الراديو والتلفزيون والبث الفضائي. وقبل ذلك على وسائل الاتصال والمواصلات على اختلافها.  انظر كيف صار بوسع الانسان ان يركب حديدا يطير في الهواء ، دون ان يراوده أدنى قلق... اليس لأن هذه الوسيلة معروفة تماما ، له ولغيره ، وان المعرفة تولد الاطمئنان؟. السبيل الوحيد لتحييد القلق المتولد عن التقنيات الجديدة ، هو استثمارها واستعمالها ، وأول خطوة في هذا الطريق هو التعرف عليها.

اريد دعوة كل قاريء لتخصيص بعض وقته للتعرف على الذكاء الصناعي ، ثم استعماله ، فهذا هو السبيل الوحيد لتحييد اضراره ان كان ثمة ضرر.

الشرق الاوسط الأربعاء - 20 شوّال 1444 هـ - 10 مايو 2023 م

https://aawsat.com/node/4319851

مقالات ذات صلة

استمعوا لصوت التغيير

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

تجربة تستحق التكرار

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

حول البيئة المحفزة للابتكار

الذكاء الصناعي وعالمه المجهول

عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي

على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة

العولمة فرصة ام فخ ؟

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

هل تعرف "تصفير العداد"؟

03/05/2023

هل يمثل الذكاء الصناعي تهديدا للهوية؟

 

واجهت هذا السؤال في سياق النقاش المتعلق بكتاباتي الأخيرة. واكتشفت لاحقا انه مطروح على نطاق واسع في الولايات المتحدة وأوروبا ، وثمة مهنيون يجاهرون بالقلق على مكانتهم ووظائفهم ، مع تزايد الاعتماد على الأنظمة الذكية (انظر على سبيل المثال البحث الذي نشرته مجلة البحوث الطبية JMIR حول الميل لمقاومة الذكاء الصناعي بين الأطباء وطلبة كليات الطب).

بالمثل فان النقاش حول الموضوع قد بدأ بالفعل في مثل مجتمعنا. لكن يبدو لي انه يلامس جوانب أكثر حساسية ، تتعلق خصوصا بالهوية الموروثة ، الدينية والاثنية. ولعله سيزداد سخونة في الأشهر القادمة ، بعد تبلور التأثيرات الفعلية للوافد الجديد في السوق والمجتمع.

لابد من القول ابتداء ان هناك من لا يرى في الذكاء الصناعي خطرا داهما ، فهوية المجتمع لم تتأثر جديا بتوسع الانترنت ومن قبلها البث التلفزيوني الفضائي. وفقا لهذه الرؤية فان الهوية الموروثة قوية بما يكفي لاحتواء التحدي التقني أيا كان ، كما أن الذكاء الصناعي ليس من نوع التحولات العميقة ، التي تلامس جوهر تفكير الانسان او رؤيته لذاته والعالم ، أي ما نسميه هويته. هذا بالطبع جواب سهل ولا يثير القلق. غير ان مبرراته لا تبدو قوية او مقنعة.

لكن لو أردنا النظر للتهديد المذكور كاحتمال قائم ، بغض  النظر عن مستوى تأثيره النهائي ، فلعلنا نذهب الى سؤال آخر تحليلي ، يتناول المسارات المحتملة لتأثير الذكاء الصناعي على الهوية ، أي  كيف يؤثر وأين يظهر تأثيره؟.

استطيع الإشارة بايجاز الى ثلاث دوائر يتجلى فيها ذلك التأثير ، واترك التفصيل لمناسبات أخرى في المستقبل. في كل من هذه الدوائر سنرى انكماشا لقنوات التواصل بين الأجيال. وهي – كما نعرف – الأداة الرئيسية التي يستعملها المجتمع لتمرير هويته وثقافته الى الأجيال الجديدة.

الأولى: الذكاء الصناعي مرحلة ثقافية/تاريخية لها متطلبات تقنية ، تتجاوز المتطلبات الخاصة بتصفح الانترنت او الاتصالات الشبكية التي اعتدناها حتى الآن. ولهذا فان المستفيد الأول من أدوات الذكاء الصناعي ، هو جيل الشباب وعدد قليل من المحترفين الأكبر سنا. اما الغالبية العظمى ممن تجاوز سن الشباب ، فلن تستفيد منه ، لأنها لا تطيق تعلم فن جديد ، خاصة ان لم تكن في حاجة ماسة اليه. لقد رأينا حالة شبيهة في مطلع القرن الجاري ، حينما دخل العالم عصر الانترنت ، وبات معظم المعاملات الرسمية والاقتصادية رقميا. يومذاك وقف آلاف من كبار السن موقف الحائر ، ثم قرر غالبيتهم الانسحاب الى الهامش تاركا للشباب هذا العالم الجديد. ان شباب ذلك اليوم هم كهول اليوم ، ومن المرجح ان ينقسموا بين راغب في عالم الذكاء الصناعي وبين زاهد فيه.

الثانية: سوف تزداد قدرة الجيل الجديد على الوصول الى مصادر المعلومات. وبالتالي سوف ينكمش دور العوامل الداخلية في تشكيل الهوية. كما ان أهمية المكان سوف تنكمش جديا ، فلا يعود له تأثير حاسم على الوظيفة والمكانة ، ولا على الالتزامات ذات الطبيعة الثقافية.

الثالثة: الذكاء الصناعي يؤذن بظهور اقتصاد جديد ، لم يسبق ان جرى تعريفه ضمن الثقافة ومنظومات القيم الخاصة بالمجتمع. وبالتالي فهو لا ينضوي تحت المنظومة الأخلاقية والعرفية القائمة. في هذه الحالة ستكون اخلاقيات وتقاليد الاقتصاد الجديد متأثرة بالمجتمع الجديد ، مجتمع الشبكة حسب التصوير الذي اقترحه مانويل كاستلز ، والذي يتألف من كافة الأشخاص الذين نتواصل معه على نحو شخصي او ثقافي او اقتصادي ، بواسطة الشبكة وباستعمال منطقها وادواتها. نحن اذن بصدد مفاهيم جديدة لتعريف الذات واخلاقيات التعامل ومعنى الاختلاف بينك وبين الاخرين ، أي معنى الاخرية.

يشير كل من هذه المواقع الثلاثة الى نقطة اشتباك بين مكونات الهوية الموروثة ومؤثرات/تحديات العالم الجديد ، في مرحلة تواصل مكثف يقودها الذكاء الصناعي. لازلنا بحاجة الى دراسة اعمق لهذه المسالة. ولعلنا نعود لمراجعتها مرة أخرى في المستقبل القريب.

الشرق الاوسط الاربعاء - 11 شوّال 1444 هـ - 3 مايو 2023 م

    https://aawsat.com/node/4307296/

مقالات ذات صلة

عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي

على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة

العولمة فرصة ام فخ ؟

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

الذكاء الصناعي وعالمه المجهول

استمعوا لصوت التغيير

تجربة تستحق التكرار

غدا نتحرر من الخوف

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

 

26/04/2023

الذكاء الصناعي وعالمه المجهول



في حديث لبرنامج 60 دقيقة على قناة CBS قال ساندر بيشاي، رئيس شركة غوغل الشهيرة ، ان انتشار الذكاء الصناعي ينذر بتحديات جديدة ، تستدعي حلولا أخلاقية واجتماعية ، ولهذا السبب فهو يدعو الفلاسفة لأخذ دورهم في هذا المجال ، وعدم القاء المسؤولية على رجال الأعمال او  المهندسين وحدهم.

يثير اهتمامي ان عددا متزايدا من العلماء والباحثين ، يوجه اهتمامه الى الانعكاسات الثقافية للذكاء الصناعي. كنت قد قرأت في أول الأمر عن اهتمام وزير الخارجية الامريكي السابق هنري كيسنجر بالموضوع. وكيسنجر مفكر قبل ان يكون سياسيا وقد بلغ الآن 99 عاما (مواليد 1923م) ، وقد اصدر في أواخر 2021 كتاب "عصر الذكاء الصناعي ومستقبل البشرية The Age of AI and Our Human Future  " بالتعاون مع إريك شميت ، الرئيس السابق لشركة غوغل ، والبروفسور دانييل هتنلوكر ، الاستاذ بمعهد ماساشوستس للتقنية MIT ، والكتاب مكرس للموضوع المذكور أعلاه ، وعنوانه يكفي للدلالة على محتواه.

نعوم شومسكي

وفي الشهر الماضي كتب المفكر المعروف نعوم شومسكي مقالا خصصه للحديث عن إطلاق منصة "تشات جي بي تي" وهي  محرك بحث يعتمد أدوات الذكاء الصناعي. وكان اطلاقها قد اثار ضجة كبيرة في شرق العالم وغربه ، حيث قدمت نموذجا أوليا عما يمكن ان يؤول اليه الذكاء الصناعي ، ومدى ما يمكن ان يحدثه من انعكاسات.

قبل هذا وذاك ، كان المفكر الامريكي-الاسباني مانويل كاستلز قد كتب بالتفصيل عن التحول المنتظر في القيم والعلاقات الاجتماعية والثقافة ، بعد قيام ما اسماه مجتمع الشبكة ، اي نظم العلاقات والتواصل المعتمدة تماما على الانترنت ، ونبه يومها الى عالم جديد يوشك على النهوض.

نحن ندرك الآن التحول الهائل الذي أثمر عنه توسع الانترنت ، في الثقافة والاعمال وانماط المعيشة والتعليم والهوية ، وفي كل جانب آخر من جوانب الحياة ، وصولا الى الحرب. ان عالم ما بعد الانترنت لا يشبه ما عرفناه في القرن الماضي الا قليلا.

لا يعتقد شومسكي ان الذكاء الصناعي سيحتل مكانة الانسان او يستعبده ، كما يقول الخائفون. لن يمكن للآلة ان تسبق الانسان في صناعة الفكرة ، حتى لو سبقته في معالجة المعطيات. التفكير ليس فقط تقديم إجابات معروفة سلفا ، او قابلة للاكتشاف بناء على المعطيات المتوفرة ، وهذا ما تفعله الآلة. التفكير يبدأ من إعادة تركيب السؤال وإعادة تحديد المشكلة التي يطرحها ، وقد يتضمن خلق احتمالات لم تكن موجودة قبل ذلك. وهذا ما يتجاوز قدرات الآلة. وبالتالي فان الخوف من الغاء العقل الإنساني لا مبرر له.

لكن كيسنجر وزملاءه يلفتون انظارنا الى مشكلة مختلفة نوعا ما ، هي ذاتها التي يشير اليها مدير شركة غوغل ، وهي التي تحدث عنها أيضا كاستلز: الذكاء الصناعي سيأتي بعالم مختلف في أسواقه ، في مدارسه ومناهج تعليمه ، وعلاقات الافراد الذي يعيشون فيه. إذا اردت مقارنة شبيهة ، فارجع خمسين عاما الى الوراء ، أي 1973 ، قارن وضع العالم والحياة يومئذ بنظيره في 2023. هكذا ستكون المقارنة بين يومنا واليوم التالي لهيمنة الذكاء الصناعي.

هذا التحول سيخرج ملايين من البشر من دائرة النشاط الاقتصادي ، كما سيغير بعمق في العلاقات الاجتماعية وفي منظومات القيم الحاكمة. نتحدث اذن عن تحول في المفاهيم والثقافة وسبل العيش ، وليس فقط في التطبيقات. وهذا ما دعا ساندر بيشاي ، مدير شركة غوغل لالقاء الكرة في ملعب الفلاسفة وعلماء الانسانيات: ان صياغة العهد الجديد ليس مهمة المهندسين ورجال الاعمال وحدهم ، وليست - بالطبع - مهمة السياسيين وحدهم.  

الشرق الاوسط 26 ابريل 2023   https://aawsat.com/node/4294296/

مقالات ذات صلة

استمعوا لصوت التغيير

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

تجربة تستحق التكرار

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

حول البيئة المحفزة للابتكار

عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي

على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة

العولمة فرصة ام فخ ؟

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

هل تعرف "تصفير العداد"؟

31/03/2021

قصة السفينة كموضوع للتعليم

 


لفتت نظري هذا الأسبوع قصة صغيرة ، احتمل ان كثيرا من القراء قد مروا بها أيضا. فحوى هذه القصة ان (سي. ان. ان). قناة الاخبار الأمريكية الشهيرة ، استغلت اهتمام العالم بالسفينة ايفرغيفن Evergiven التي جنحت وأغلقت قناة السويس في الأسبوع الماضي ، فاجرت تحقيقا على شكل أسئلة وجهتها للأطفال ، حول كيفية انقاذ السفينة. احتمل ان غرض القناة كان ترفيهيا في المقام الأول. لكنه اثار في ذهني سؤالا جديا ، فحواه: هل يمكن لتحد كهذا ان يساعد في توجيه الأطفال الى نوعية الاهتمامات التي نريد ان يهتموا بها في مستقبل أيامهم؟.

دعني أوضح نقطة ضرورية هنا: اني لست من أنصار الرؤية القائلة ، بأن علينا تلقين الأطفال ما هو صحيح وما هو خطأ. لكني أيضا لا أؤيد ترك الطفل من دون توجيه. الصحيح في رأيي هو الخط الواقع بين الرؤيتين: دورنا ليس تحويل أبنائنا الى نسخ مكررة من اشخاصنا او عقولنا ، بل نكتفي بمساعدتهم على تكوين نقطة انطلاق لحياتهم. ان الغفلة عن توجيههم الى نقطة بداية سليمة ، قد تؤدي  الى ضياعهم ، او ضياع سنوات من عمرهم ، قبل العثور على الجادة الأفضل.

بعد هذا الاستطراد اعود لموضوع السفينة. فهو يشكل مثالا على هذا النوع من المواضيع ، الذي تتداخل فيه حقول معرفية عديدة interdisciplinary فوق انه ينطوي على نقاط اثارة وامتاع. ومن هنا فمن الممكن استثماره كموضوع تعليمي ، مع التركيز على المساءلة والبحث. نحن نعلم بانه أثار اهتمام مئات الالاف من الناس ، من واقع عدد قراءات الاخبار ومشاهدات الفيديوهات الخاصة بالحدث على شبكة الانترنت. اما كونه موضوعا تعليميا ذا حقول متداخلة ، فلأنه يستدعي الحديث (ومعه التفكير) في التجارة العالمية ، وتكريسها لمفهوم الاعتماد المتبادل بين المصدر (الصين) والمستورد (اوربا) والطريق (مصر) وكذلك بين أنواع الصناعة والخدمات. كما يستدعي الحديث عن صناعة السفن ، والعلاقة بين قوانين الفيزياء  والميكانيكا ، وعن الشحن البحري وتاثير الطقس. ولا بد أيضا من المرور على تاريخ قناة السويس ، التي عبرتها ملايين السفن منذ افتتاحها في 1869 ، ومنها الى تاريخ مصر وتحولاتها ، وحصة القناة في الاقتصاد المصري.. الخ.

الغرض من هذا العرض ، هو تقديم مثال على نوع التعليم ذي الحقول المتداخلة ، الذي اعتقد انه يمثل مادة خصبة للتفكير واثارة الاذهان. ومن هنا فهو يوفر دائرة واسعة نسبيا ، من القضايا والموضوعات التي تساعد الجيل الجديد ، على استشراف مستقبلهم ، وتكوين اهتمامات علمية تنمو معهم وتتعمق مع تقدمهم في العمر. ان تكوين اهتمامات علمية في وقت مبكر ، سوف يجعل الميل الى احد العلوم نوعا من الهواية ، واذا اجتمعت الهواية مع الدراسة العلمية في المستقبل ، فسوف يتعاضدان في دعم القابلية للابداع عند الشاب. وقد رأينا ان الشباب الذين اجتذبهم الكمبيوتر في مقتبل العمر (حتى على مستوى الألعاب) تحولوا لاحقا الى مطورين لامعين وخبراء متقدمين في حقل المعلوماتية. واحتمل ان معظمنا قد سمع عن شخص او اكثر من هذا النوع.

نفس التجربة قابلة للتكرار في علوم أخرى. وقد حاولت في هذه المقالة اصطياد مثال عن "نقطة بداية" ممكنة. وأعلم اننا نمر بين حين وآخر بالعديد من نقاط البداية المماثلة ، التي يمكن استثمارها في توجيه الجيل الجديد نحو مستقبل مليء بالفرص والتحديات التي تمد حبلا قويا بين الاذهان والواقع ، بين الهواية والاحتراف.

الشرق الاوسط الأربعاء - 17 شعبان 1442 هـ - 31 مارس 2021 مـ رقم العدد [15464]

https://aawsat.com/node/2890951

مقالات ذات صلة

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

حول البيئة المحفزة للابتكار

التمكين من خلال التعليم

صناعة الشخصية الملتبسة

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

 ما هي الأغراض الكبرى للتعليم الوطني

24/03/2021

ما هي الأغراض الكبرى للتعليم الوطني


بلدنا واحد من بلدان قليلة في العالم تشهد حديثا متكررا عن عدم مواءمة مخرجات التعليم لسوق العمل. وخلاصة هذا الحديث ، ان الالاف من طلبة الثانويات والجامعات الذين ينهون دراساتهم كل عام ، لا يحصلون على وظائف ، لأنهم غير أكفاء للقيام بالمهن والاعمال المطلوبة.

قد تكون هذه الدعوى صحيحة وقد تكون خاطئة. ما يثير الغبطة هو دلالتها على اهتمام الناس بنظام التعليم ورغبتهم في تطويره. وهو اهتمام يضع المسؤولين عن هذا النظام أمام تحد يومي. إنه لأمر طيب ان يواصل الناس مطالبتهم بتحسين الخدمات العامة ، سيما من هذا النوع الذي له دور حاسم في تحديد مستقبل البلد. ومن هنا فاني استطيع القول من دون تردد ، ان نظامنا التعليمي الآن افضل بمراحل مما كان عليه قبل عشرين عاما او ثلاثين عاما.

الربط بين التعليم وسوق العمل ، هو العامل المحرك لقيام التعليم  الرسمي واستمراره. ولولا ان المدارس توفر قوة عمل مناسبة (وهذه بدورها توفر المداخيل للحكومات) لما انفقت الدول الأموال على بناء المدارس ، وتوظيف المعلمين وتوفير التعليم المجاني. لولا حاجة سوق العمل لقوة عمل مدربة ، لبقي التعليم – كما كان في القرون الغابرة – امتيازا لشريحة صغيرة من الناس فحسب.

يهمني أيضا الإشارة الى نقطة وجدتها جديرة بان تقال ، وخلاصتها ان دعوى المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل ، لا تقتصر على بلد بعينه. خلال السنوات الثلاث الماضية قرأت تقارير عن سبع دول صناعية على الأقل (بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وكوريا الجنوبية) تتحدث عن "قلق" بين كبار المسؤولين والمخططين ، من عجز النظام التعليمي عن الاستجابة للتحولات السريعة التي تشهدها أسواق العالم. واذكر على سبيل المثال ان مسؤولا رفيعا في بريطانيا استشهد بتقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2015) يكشف عن تفوق طلبة سنغافورة وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية في الرياضيات على كافة نظرائهم الأوروبيين. وقال المسؤول (ولعله وزير الدولة المكلف بالجامعات) ان هذا لا يمثل خطرا فوريا ، لكنه يشير الى المخاطر المحتملة في العشرين عاما القادمة ، حين يتحول قطار الاختراع والابداع الى البلدان الأكثر تقدما في الرياضيات والعلوم والحوسبة.

ارجو ان يلتفت القاريء العزيز الى فحوى كلام الوزير البريطاني ، والفارق بينه وبين الحديث المكرر عندنا. فنحن نتحدث عن وظائف لابنائنا اليوم ، بينما يتحدث هو عن الابداع والاختراع غدا. دعني اعبر عن هذه الفكرة في تطبيق مختلف:

ان معظم الآباء يريدون إعداد أبنائهم كي يحصلوا على وظائف ذات أجور مجزية ، بحسب المعطيات والمعايير التي يرونها امامهم اليوم. وهم ينظرون للمسالة من زاوية شخصية ، فحواها ان ضمان المستقبل يكمن في وظيفة مريحة باجر جيد (أي ان هناك شخصا آخر سيتحمل مسؤولية توفير الراتب لابنائهم).

اما الوزير فيتحدث عن سياق مختلف ، هو ما اسميناه في مقال الأسبوع الماضي "صناعة السوق". بعبارة أخرى فاننا امام خيارين: أولهما ان نعد ابناءنا لشغل الوظائف التي تعتبر جيدة في هذا اليوم. الثاني ان نعد ابناءنا كي يكونوا صناعا ومبدعين ورجال اعمال يقررون اتجاه السوق وحاجاتها. في الخيار الأول السوق القائم هو الذي يحدد اتجاهات التعليم. في الخيار الثاني نظام التعليم هو الذي يحدد اتجاهات السوق وحاجاته بعد عشر سنين او عشرين سنة.

اظن ان ما ينبغي ان نسعى اليه على المستوى الوطني قد بات واضحا الآن. المهم ان نختار ونقرر بانفسنا لأنفسنا ، بدل ان ننساق في خيارات يقررها آخرون.

الشرق الاوسط الأربعاء - 10 شعبان 1442 هـ - 24 مارس 2021 مـ رقم العدد [15457]

https://aawsat.com/node/2877751

مقالات ذات صلة

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

حول البيئة المحفزة للابتكار

التمكين من خلال التعليم

صناعة الشخصية الملتبسة

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

   

17/03/2021

هل تختار مدرسة اجنبية؟

دعنا نفترض ان لديك ثلاث مدارس ، احداها تقدم دروسها باللغة العربية فقط ، والثانية باللغة الانكليزية فقط ، والثالثة تقدم العلوم بالانكليزية والاداب بالعربية. ثم سألت 100 من الآباء كي يختاروا لابنائهم المدرسة التي يرونها مناسبة. فما الذي تتوقع؟

اعلم ان الجواب حاضر لديك. وهو على الشكل التالي: 45 بالمائة سيختارون المدرسة التي تستخدم اللغة الانكليزية فقط ، و 35 بالمائة سيختارون المدرسة التي تستخدم اللغتين ، أما المدرسة التي تقتصر على اللغة العربية ، فالمرجح ان يختارها 10 في المائة او أقل.

اصحاب الخيار الاول (الانكليزية فقط) يرون ان التعليم باللغة الانكليزية سيضمن لابنائهم وظائف ممتازة. لكن بعضهم سيقول ايضا ان الانكليزية هي لغة العلم الحديث. آخرون سيقولون انها لغة التواصل مع العالم. فمن اراد العلم أو اراد التواصل مع العالم ، فلا بد ان يتقن الانكليزية.

اما اصحاب الخيار الثاني (المختلط) فهم في الغالب من المحافظين ، الذين يخشون انقطاع ابنائهم عن التراث الاسلامي ومصادره الثقافية. لكنهم في الوقت نفسه يعتقدون ان الانكليزية ضرورية لضمان الارتقاء الوظيفي او النجاح في الحقل العلمي.

اصحاب الخيار الثالث ، هم في الغالب ممن يخشى تبعات دينية او سلوكية للانفتاح على العالم.  سوف اضيف الى اصحاب الخيار الثاني شريحة صغيرة نسبيا لكنها مؤثرة ، اعني بها هؤلاء الذين يركزون على حاجة البلد ككل للارتقاء في مجالات العلوم والتقنية ، التي تتطلب – حسب اعتقادهم – ان يكون كافة الشباب قادرين على متابعة ما يشهده العالم من تطورات علمية او تقنية.

دعنا الآن نطرق الموضوع من زاوية ثانية: لو قسمت طلاب الثانوية او الجامعة الى قسمين ، الأول يدرس مادة علمية في الطب او الهندسة او الفيزياء باللغة الإنكليزية فقط ، والثاني يدرس نفس المادة باللغة العربية فقط. فاي القسمين سيكون افضل استيعابا للمادة العلمية؟

اعلم أيضا ان الجواب حاضر لديك. وهو ان القسم الثاني ، أي الدارسين بالعربية هم الأكثر استيعابا. الحقيقة ان هذا القول تدعمه أيضا دراسات عديدة ، اذكر منها دراسة البروفسورة ريما الجرف ، ودراسة البروفسور يعقوب نامق ، وكلاهما استند الى بحوث ميدانية حديثة.

لكن بعض القراء قد يعتبر هذا مخادعة. لأن المشكلة ليست في القاء الدرس (أي مدرس جيد سيقدم المادة بصورة جيدة ، سواء تحدث بالعربية او الإنكليزية). المشكلة كما يقول هذا الزميل ان الطالب محتاج للمراجع العلمية والأبحاث الجديدة ، وهذه كلها تتوفر بالانكليزية فقط. ولهذا فمن الأفضل ان يبدأ بها ، كي لا يواجه صعوبة في الطريق.

وهناك مشكلة أخرى: دعنا نفترض ان الطلبة درسوا الهندسة باللغة العربية ، واتقنوها كل الاتقان. لكنهم بعد ذلك انضموا لشركة اجنبية. فكيف سيتفاهمون مع المهندسين والموظفين الأجانب ، كيف سيفهمون مصطلحاتهم واساليبهم؟.

هذه اذن مشكلة تتعلق بالوظيفة ، وليس بالتعليم نفسه. لانه يمكن للطالب ان يتعلم الإنكليزية كلغة ثانية ، هذا لا يتطلب ان يدرس بها.

الحقيقة انه لا ينبغي ان نبدأ هذا النقاش بسؤال: أي من اللغتين افضل في مجال التعليم. السؤال الصحيح هو: ما هي الأغراض الكبرى للتعليم الوطني؟. مثلا: ما هي طبيعة سوق العمل الذي نريد اعداد الشباب له ، بل كيف نجعل التعليم صانعا لسوق العمل ، بدل ان يكون منفعلا به. ومنها أيضا: هل نريد توطين العلم وانتاجه وتشبيكه في نسيجنا الثقافي؟. ومنها: هل نريد استخدام التعليم في توحيد الثقافة الوطنية والهوية الوطنية التي تنبثق منها؟. مناقشة هذه الأسئلة ستساعدنا في تحديد الخيار الأنسب للبلد ولمستقبلها ككل. ولو بدأنا بها فلعل النقاش ياخذنا لمسار آخر.

الشرق الأوسط الأربعاء - 3 شعبان 1442 هـ - 17 مارس 2021 مـ رقم العدد [15450]

https://aawsat.com/home/article/2864626/

مقالات ذات صلة

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

حول البيئة المحفزة للابتكار

التمكين من خلال التعليم

صناعة الشخصية الملتبسة

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

 ما هي الأغراض الكبرى للتعليم الوطني

قصة السفينة كموضوع للتعليم

 

 

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...