‏إظهار الرسائل ذات التسميات الذكاء الصناعي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الذكاء الصناعي. إظهار كافة الرسائل

10/03/2021

تجربة تستحق التكرار

انا واحد من ملايين الناس الذين لم يسمعوا بمفهوم "الذكاء الصناعي" الا متأخرا ، ربما قبل عشرين عاما او أقل قليلا أو اكثر قليلا. وللحق فاني لم استوعب مفهومه على نحو معقول ، الا في السنوات الأخيرة.

حسنا هذا ليس إقرارا بالذنب ، بل هو من نوع المواساة لغالبية سكان الأرض: أناس مثلي لم يتعرفوا على الذكاء الصناعي الا حديثا (احتمل ان نسبة كبيرة من القراء سيقبلون هذا الرأي ، استنادا الى تجربتهم الشخصية على الأقل).

جون كارثي مع واحد من النماذج الاولى للكمبيوتر

هذا على أي حال ليس شيئا عظيم الأهمية. المهم حقا هو ما سمعته وصعب علي تصديقه ، وخلاصته ان الصين تعرفت على أبحاث الذكاء الصناعي بعد اطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي لعام 1980. ومع ذلك فهي اليوم توشك ان تنتزع ريادة هذا الحقل من الولايات المتحدة الامريكية.

يقال ان عالم الرياضيات الأمريكي جون مكارثي (1927-2011) هو الذي صاغ اسم ومفهوم "الذكاء الصناعي" سنة 1955. لكن الانطلاق الفعلي للبحث الاكاديمي في هذا الحقل يرجع الى "مؤتمر دارتموث" في العام التالي. فقد اكتشف الحاضرون الإمكانات الهائلة التي ينطوي عليها الموضوع. وفي وقت لاحق اصبح المشاركون في هذا المؤتمر ، رواد بحوث الذكاء الصناعي حتى نهاية القرن العشرين. ونذكر منهم الين نويل ، مارفن مينسكاي ، وهربرت سيمون ، إضافة بالطبع الى جون مكارثي.

تعرف العلماء الروس على هذا الحقل في وقت مقارب. لكنهم اخفقوا في المنافسة. لانهم - كما قيل - احتفظوا بنتائج الأبحاث ضمن نطاق ضيق جدا من الأشخاص. كما ان قلة الانفاق الحكومي حفزت الباحثين للتركيز على حقول أخرى.

سنعود الى الصين ، ففي تجربتها عبرة لنا ولغيرنا. قلنا ان اهتمام الصينيين بابحاث الذكاء الصناعي ، يعود الى ثمانينات القرن العشرين. لكنها الان تنافس الولايات المتحدة. لقد عبر عن هذا التحول تقرير قدم للكونغرس الأمريكي ، وساهمت فيه مجموعة باهرة من صناع "اقتصاد المعرفة" ، أي رؤساء شركات التقنية الكبرى ، شخصيات أكاديمية ، إضافة الى باحثين في وزارة الدفاع. ودعا التقرير لتفهم اعمق بين النخبة السياسية للتحولات الحياتية والاقتصادية التي ستنجم عن نضج أدوات الذكاء الصناعي ، وأهمية ان تحافظ الولايات المتحدة على مقعد القيادة في هذا المجال. ان سبق الصين يهدد بنهاية العصر الذي شهد انفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم.

ان تقدم الصين في هذا المجال امر عجيب. عدا عن بدايتها المتأخرة ، فهي تنفق على ابحاث الذكاء الصناعي أقل من ربع الأموال التي تنفقها الولايات المتحدة.

دعني أغامر بالقول ان العامل الذي عوض الفارق الزمني والمالي بين الصين وغيرها ، هو الاتساع النسبي لتداول العلم في المجتمع الصيني. ان انتاج العلم وتسخيره في الاقتصاد ، يمثل سمة رئيسية في نهضة الصين الحاضرة. "العمالة الرخيصة" لم تعد الميزة النسبية للاقتصاد الصيني ، كما كان الامر في الماضي ، بل العمالة السريعة الاستيعاب للتقنيات الجديدة والمعقدة.

هل تعلم من اين جاءت هذه الميزة؟

انها ثمرة لاستراتيجية نشر العلم في المجتمع ، من خلال تبسيطه وتوطينه. توطين العلم يعني اغناء اللغة الوطنية بالمحتوى العلمي ، ترجمة الاف الكتب العلمية الصادرة في شتى بلاد العالم ، تشجيع الأساتذة والباحثين على كتابة المقالات التي تخاطب القراء من مختلف المستويات ، تشجيع الشباب على انشاء مجموعات البحث العلمي وتداول العلم ونوادي التقنية ، فضلا عن التأكيد على الصلات بين الاكاديميا والسوق.

هذا ببساطة هو الدرس الذي يستحق ان نتأمل فيه ، لأننا – مثل كل الآخرين – نستطيع تكرار التجربة ، ولازال الوقت في صالحنا ان بدانا سريعا.

الشرق الأوسط الأربعاء - 26 رجب 1442 هـ - 10 مارس 2021 مـ رقم العدد [15443]

https://aawsat.com/node/2850761

مقالات ذات صلة

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

حول البيئة المحفزة للابتكار

التمكين من خلال التعليم

صناعة الشخصية الملتبسة

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

 

10/02/2021

حكم التكنوقراط


اعتقد ان معظم الذين شاهدوا سلسلة افلام "الماتريكس" سيتخذون موقفا معارضا لفكرة التنظيم الدقيق الذي يروج له أحيانا دعاة الادارة التكنوقراطية. والسلسلة من اخراج الاختين لانا وليلي واشوفوسكي.

لا اعراف سر اهتمام السيدتين بانتاج هذه السلسلة. لكني استطيع القول انهما قدمتا صورة مرعبة ، عن عالم افتراضي يعمل مثل الساعة ، تسيطر عليه آلات ذكية ، ويعيش البشر فيه حياة مستعارة ، لا يقررون فيها اي شيئ لانفسهم (لأن هناك من يفكر نيابة عنهم ، وهو - لسوء الحظ - اكفأ منهم واكثر انضباطا).

لعل الدافع وراء مبادرة الاختين واشوفوسكي  ، هو قناعتهما وقناعة الجمهور أيضا ، بأن الفكرة ليست خيالية 100%. انا وانت وغيرنا ، نعرف أناسا ، ربما أقلية صغيرة ، ولعلهم من الاذكياء اللامعين ، يتطلعون الى نظام اداري يسير مثل الآلة ، فيحقق المعادلة المستحيلة: عمل كامل بأقل كلفة.

ظهر مصطلح "التكنوقراطية" للمرة الاولى ، في مقالة لوليام هنري سميث عام 1919. لكن الفكرة نفسها قديمة ، وفحواها ان النظام الاداري (وحتى السياسي) الأمثل ، هو ذلك الذي يديره العلماء والخبراء. وخلال التطبيقات القليلة لهذا المفهوم ، ظهر انه شديد الخطورة ، فهو يتعامل مع البشر كأدوات انتاج ، ويحدد قيمتهم بناء على حجم ونوعية انتاجهم.

حين تكون القيمة السوقية لمنتجات الانسان ، معيارا وحيدا لقيمته ، فسوف تكون الآلة أعلى منه قدرا. وفي نهاية المطاف ، قد يجد البشر انفسهم عبيدا لآلات حقيقية أو آلات بشرية ، اي بشرا يشبهون الآلات او يفكرون مثل الآلات.

حصلت فكرة "التكنوقراطية" على رواج قصير الأمد في منتصف القرن العشرين. لكنها نبذت لاحقا ، بعدما حاول جنرالات من اوروبا وامريكا اللاتينية تبنيها كاطار فكري للتنمية السريعة ، وكانوا مستعدين للتضحية بآلاف البشر او باحلامهم ، في سبيل انجاح التجربة.

اما الداعي لهذا الحديث اليوم ، فهو ما لاحظته من انبعاث مستجد للفكرة ، أي "حكومة الآلات" مع تقدم الذكاء الصناعي وانترنت الأشياء. وكنت قد كتبت في العام الماضي ، عن مخاطر التساهل في استخدام التقنية المتقدمة ، في مراقبة الناس والتحكم في حياتهم. وهي فكرة يجري تبريرها بالحاجة للانضباط كوسيلة لمكافحة انتشار وباء كورونا.   

وخلال الاسبوع المنصرم قرأت خبرا عن اعلان لهيئة رسمية (لا اريد ذكرها كي لا ننشغل بالمثال عن الفكرة) انها ستلزم  كافة التجار  (أي نحو 1.3 مليون تاجر) باستعمال نظام الكتروني لتسجيل مبيعاتهم ، مع ربطه بغرفة مركزية تمكن موطفي الهيئة من المراقبة الدائمة لعمليات التجار. وقد قيل ان غرض هذا النظام هو منع التستر والتهرب وغش العملاء .. الخ. ولا بد ان بعض المحللين سيمتدح الخطوة لنفس الاسباب المذكورة ، وربما يذكرنا آخرون بالمثل الشائع (لاتبوق ولا تخاف).

وقد رايت في الاعوام الثلاثة الماضية مبادرات مماثلة ، استطيع القول ان كلفتها المادية والاقتصادية والانسانية ، كانت عالية ، ولم يكن لها من ناتج سوى شعور بالسعادة عند بعض مبرمجي الكمبيوتر وبعض الموظفين الاذكياء ، نتيجة اقتناعهم بانهم يملكون فعليا ادوات الضبط والتحكم في حياة الاف الناس.

أرى ان هذا التوجه خطر جدا على الامن النفسي للمجتمع ، وعلى الانتاجية والابداع في مجال الاقتصاد. فوق ان عائده ضئيل واقعيا ، وان بدا على الورق كبيرا ومدهشا. آمل ان لا يترك الامر للتكنوقراط ، لأن حكومة الآلات ليست قابلة للحياة حتى لو بدا الحديد قويا ومقاوما لعوامل الطبيعة.

الشرق الأوسط 10-فبراير-2021  aawsat.com/node/2795461

مقالات ذات علاقة

أم عمرو وحمار أم عمرو

ما بعد كورونا .. عبودية جديدة؟

سلطة المدير

عسر القانون كمدخل للفساد الإداري

 التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة

"الغول" أخطر ما يواجه البشرية بعد تلاشي الوباء

الأخ الأكبـــر

من محاسن المكيافيلية القبيحة

المدينة الفاضلة

الهندسة وسخرية الاقدار

كلمة السر: كن مثلي والا..!

 

 

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...