‏إظهار الرسائل ذات التسميات شي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شي. إظهار كافة الرسائل

08/12/2021

نموذج لشرعية سياسية وسيطة

 

كان في ذهني حين كتبت مقالة الاسبوع الماضي ، ثلاث دول عربية ، افترضت انها جاهزة لاعادة تعريف مصادر الشرعية السياسية ، بالرجوع الى النموذج العقلاني - القانوني. هذه الدول هي العراق وليبيا وتونس.

د. جاسر الحربش

لكن استاذنا الدكتور جاسر الحربش ، وهو طبيب وكاتب رأي معروف في المملكة ، لفت انتباهي الى ان الصين وروسيا ، لا تزالان في حال تردد بين دائرتي الشرعية العقلانية/القانونية ونظيرتها التقليدية/الايديولوجية. تتمتع هاتان الدولتان باستقرار سياسي ونمو اقتصادي منضبط ، وبالتالي فهما اكثر استعدادا لتبني نموذج الشرعية العقلانية – القانونية الصافية. هكذا يفترض علماء السياسة. لكن واقع الحال يخبرنا ان غالبية الصينيين والروس ، صوتوا لصالح الزعماء الحاليين ، الذين يمثلون امتدادا للحقب السابقة بمحمولها الايديولوجي وتقاليدها. ويبدو ان في العالم العديد من النماذج المماثلة ، حتى في دول متقدمة أو شبه صناعية.

قد يشير هذا الى ميل عميق في التكوين الثقافي - النفسي للجماعات ، لم يخضع بقدر كاف للبحث والتحليل. سوف أسميه بالشرعية الوسيطة ، وهي مركب يجمع طرفا من المصدر التقليدي للشرعية السياسية ، مع مستوى متوسط من الانجاز الاقتصادي-السياسي.

من المفهوم ان حكومة الرئيس "شي جين بينغ" في الصين ، تتكيء على جدار متين من الانجازات الاقتصادية ، فضلا عن الاستقرار السياسي والأمني والمكانة الدولية. ومثلها حكومة الرئيس "فلاديمير بوتين" في روسيا ، الذي نجح ، الى حد ما ، في استعادة المكانة الدولية التي تمتعت بها موسكو ، قبل تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991.

هذا القدر من الانجاز ، يضاف الى عرف راسخ في الثقافات التقليدية ، يحبذ الاستمرارية والتواصل ويعرض عن التغيير ، ولاسيما التغيير الذي ينطوي على مغامرة او مفارقة صريحة للأعراف التاريخية. ان اهتمام الحكومتين بالتاريخ الوطني والرموز الثقافية ، يستهدف بشكل مباشر ومقصود ، تسليط الضوء على القيادة الحالية ، بوصفها وريثة امجاد الماضي المتخيلة ، القابضة أيضا على مكاسب العصر ومنجزاته.

 بعبارة أخرى فان النخبة السياسية في روسيا والصين ، تقدم مثالا ناجحا عن امكانية الجمع بين نموذج تقليدي محوره الاتصال بالماضي المجيد ، وانتقالي محوره الانجاز المادي الفعلي. أود أيضا اضافة المصدر القانوني الذي يتجلى في الدستور والانتخابات الدورية ، رغم ما يشوبهما من اشكالات.

اظن ان رؤية الدكتور جاسر صحيحة تماما ، في ان توليفا بين المصدرين: التقليدي والقانوني – العقلاني ، يمكن ان يشكل احتمالا مناسبا في الدول التي تمر بظرف انتقالي ، او تلك التي لا تملك ارثا ثقافيا يدعم النموذج الحديث للسلطة والسياسة.

وبالنسبة للدول العربية التي تعيش أزمات وجودية ، فان نموذجا مثل هذا او قريبا منه ، يمكن ان يشكل بديلا عن الفوضى الشاملة ، التي ربما يؤول اليها تحول ديمقراطي غير مؤسس على ثقافة عامة مساعدة ، كما هو الحال في ليبيا ،  كما انه بديل أسلم من بروز الاستبداد كمنقذ وحيد من الأزمات المستعصية والانسداد السياسي ، نظير ما نسمع عن العراق وتونس.

لقد اثبت النموذج الديمقراطي – الليبرالي نجاحا منقطع النظير ، بالقياس الى كافة التجارب التي عرفها تاريخ البشرية. لكننا نعلم ان هذا النموذج لم يهبط من المريخ ، بل كان ثمرة لبنية ثقافية تطورت بالتدريج. ولذا فقد يكون من الاجدى بالنسبة للبلدان التي تعيش أزمات ، او تلك التي خرجت للتو من أزمات ، ان تتبع النموذج الوسيط الذي طبقته روسيا والصين ، حتى تتبلور البنية الثقافية والاقتصادية الداعمة للتحول الى الحداثة السياسية الكاملة ، وعندئذ سيكون الانتقال سلسا وشبه اوتوماتيكي ، كما أظن.

الشرق الاوسط الأربعاء - 4 جمادى الأولى 1443 هـ - 08 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [15716]

https://aawsat.com/home/article/3347061/

مقالات ذات صلة

الاسئلة الخطأ

تفارق الافهام بين المجتمع والدولة العربية

حاكم ملتح وحاكم يستحي

حدود الديمقراطية الدينية - عرض كتاب

الديمقراطية والديمقراطية الدينية : المباديء الاساسية

الشرعية السياسية في حكومة دينية حديثة

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...