تدوينات مقترحة

16/04/2008

إذا كنت ممن يقف في الطوابير



زميلنا الاستاذ عيسى الحليان كتب ناقدا الانتهاك الدائم لحقوق المستهلكين من جانب مقدمي الخدمات العامة. وضرب مثالا بما تفعله شركات الطيران التي تعطي لنفسها حق الغاء رحلات الركاب او تأخيرها دون ان تقدم اي تعويض للراكب، بينما تفرض عليه غرامات قد تصل الى قيمة التذكرة الكاملة لو تأخر عن رحلته.

 طبعا لا نتوقع ان تعتذر هذه الشركات عن التأخر او الالغاء لان كلمة “آسف” ليست ضمن قاموسنا اليومي. اختلال العلاقة هذا مشاهد ايضا في الكثير من القطاعات، من البنوك الى شركات الهاتف والتأمين، مرورا بالدوائر الرسمية التي تتعامل مع المواطنين كالبلديات والمستشفيات والتعليم. بل اني وجدت هذا السلوك قد سرى ايضا الى المعاملات والعقود التجارية الصغيرة.
فكل شركة – حتى الصغيرة منها – تضع ما شاءت من الشروط والمواصفات وتطلب من الزبون ان يوقع عليها كاملة مقابل خدماتها.

في قطاع الخدمات الصغيرة يتوفر للمستهلكين خيارات متعددة، فاذا لم يعجبهم هذا المقاول او ذلك التاجر، فثمة عشرات غيره.  لكن ماذا سيفعلون في القطاعات التي تملك امتيازات احتكارية مثل الكهرباء والهاتف والماء والبلدية، او تلك المحدودة العدد مثل البنوك والمستشفيات الخاصة، التي تفرض شروطا متشابهة لصون مصالحها كاملة وترك العميل يلهث وراءها راضيا او مرغما.

وقد اعتاد الناس في بلادنا على هذه التعاملات، بل اعتادوا الاستسلام لها. فترى عملاء البنوك يتراكمون على ابوابها او يتوسلون هذا الموظف او ذاك كي يتكرم عليهم بدقائق من وقته، بينما يدخل مديرهم من الباب الجانبي دون ان يكلف نفسه تأنيب موظفيه على فتورهم او المطالبة بزيادة الموظفين الذين يقدمون الخدمة، او ابتكار وسائل اخرى لا تضطر الناس الى الانتظار او التوسل المهين. واذا احتجت الى مكاتب العمل فسوف تجد الامر فوق ما يمكن وصفه فالناس هناك يبدأون في التجمهر منذ الفجر او ربما قبله طمعا في اصطياد رقم معاملة قبل اغلاق الابواب.

لو رفض هذه التصرفات بعض الناس على هذا التعامل، فلربما حدث فرق، صغير او كبير.
بعض الناس لا يعتبر التعامل بين الموظف والمواطن موضوعا للقانون، بل مسألة شخصية تتعلق بأخلاقيات الطرفين.. ولهذا فهي لا تقارن بعقود الاذعان التي تفرضها الشركات على المواطنين مما اشرنا اليه في اول المقال.
حقيقة الامر ان كلا النوعين يرجع الى نفس المصدر، اي انعدام القوانين التي تنظم العلاقة بين المنتجين والمستهلكين وانعدام مؤسسات الرقابة التي تحمي حقوق المواطن. لو كان لدينا مثل هذه القوانين لمنعت الشركات من فرض شروط غير متوازنة او غير منصفة.

نحن بحاجة الى ما يمكن وصفه بحركة حقوق مدنية، غرضها المحوري هو معالجة القوانين والمؤسسات والتقاليد والاعراف والتعاملات التي تنطوي على تقييد غير مبرر لحريات المواطنين او انتقاص من حقوقهم، او غض من شأنهم، او امتهان لكرامتهم. سيكون مجتمعنا في وضع افضل اذا شعر المواطنون والوافدون على السواء بأن حق كل منهم مصان بالقانون ومحروس بمؤسسات رقابة فعالة.

 ان كثيرا من السلوكيات غير السوية، ولاسيما تلك التي تنطوي على تجاوز للقانون او العرف العام، مثل استعمال العنف او الرشوة او الخداع او التملق، هي نتاج للشعور بقلة الفرص المتاحة لإنجاز الحاجات بالطرق الاعتيادية وفي اطار القانون. وجود القانون قد يفرض قيودا على صاحب المنصب، لكنه في الوقت نفسه يوفر عليه الكثير من التجاوزات غير المنظورة التي يقوم بها الناس بدافع الحاجة والاضطرار. حين يكون القانون واسعا فسوف يستوعب معظم الحاجات وسوف لن يحتاج الناس للعبور من الممرات الضيقة او الالتفافية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق