18/10/2017

حماية المسار الاصلاحي


أبدأ بما كتبه د. صالح زياد ، وفحواه ان مشروع التجديد الاقتصادي والاجتماعي الذي تتبناه المملكة العربية السعودية حاليا ، يحتاج حاجة ماسة الى إطار ثقافي يعيد صياغة الوعي الشعبي ، على نحو متناغم مع الاستهدافات الفورية والبعيدة المدى لمشروع التجديد (الوطن 8 اكتوبر). وفي يونيو الماضي تحدث الشاعر المعروف محمد زايد الألمعي عن الحاجة الى مشروع سياسي جديد يخدم ذات الهدف.
حديث الرجلين ، وهما من الوجوه البارزة في المشهد الفكري السعودي ، يشير الى نقاش يتسع بالتدريج ، حول الانعكاسات المتوقعة لبرنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030. 
https://www.ethos3.com/wp-content/uploads/2017/05/Why-Audience-Members-Need-to-Have-an-Open-Mind.jpg
تضمنت رؤية المملكة 2030 حقيبة مشروعات ، سيؤدي تطبيقها الى تحول عميق في النظام الاقتصادي للمملكة وانماط المعيشة لمعظم سكانها. سنغض الطرف هنا عن تشكك المتشائمين في قدرة المجتمع السعودي على انجاز تحول بذلك الحجم ، لأن عدد ونوعية المشروعات التي دخلت طور التنفيد أو انتقلت من مرحلة القرار الى التصميم ، برهان على اننا لن نعجز عما قدر عليه الآخرون. في كل الأحول فان انجاز نسبة كبيرة من مشروعات الرؤية ، سوف يقود دون شك الى التحول المشار اليه.
معروف بين دارسي التنمية ان التحولات الواسعة في الاقتصاد ونظم المعيشة ، تفرز – بالضرورة – تحولات موازية في الثقافة والقيم الناظمة للحراك الاجتماعي ، إضافة الى التراتب الاجتماعي وأدوار الأفراد.
سنبدا بطبيعة الحال بتجربتنا الخاصة ، سيما خطط التنمية السابقة ، التي قدمت دروسا كثيرة وجديرة بالتأمل ، في طبيعة الحراك الاجتماعي ومساراته. خلال الفترة من 1971 حتى 1985 تبنت المملكة ثلاث خطط للتنمية الاقتصادية ، أثمرت عن تحول عميق في الاقتصاد ومصادر المعيشة ، فضلا عن الثقافة العامة. ونستطيع اليوم معرفة الجانب الاعظم مما جرى على الجبهة الاقتصادية ، نستطيع معرفة الانجازات والاخفاقات ، لأن التركيز على الاقتصاد حوله من موضوع مبهم وعفوي ، الى منظومة معطيات رقمية قابلة للدراسة والتقييم.
لكننا لا نعلم على وجه الدقة ماجرى على حاشية التنمية الاقتصادية الباهرة ، من تحولات اجتماعية وثقافية. بمعنى اننا لا نملك معطيات رقمية واحصائية مناسبة ، تساعدنا على تفسير العلاقة بين التحول الاقتصادي والظواهر الثقافية – الاجتماعية التي شهدتها البلاد في تلك الفترة وما بعدها. لا نعلم – على سبيل المثال – لماذا تضاعف عدد طلبة التخصصات الأدبية والدينية في تلك المرحلة ، بشكل يتجاوز كثيرا التخصصات العلمية ، التي يفترض ان تكون محور التنمية. ولا نستطيع تفسير العلاقة بين تراجع الاقتصاد في النصف الثاني من الثمانينات ، وبين الانتشار المفاجيء للتشدد الديني. ولا نعرف لماذا لم يستطع المجتمع السعودي استنباط حلول فعالة لمشكلاته المعيشية ، عدا تلك التي تقوم بها الدولة.
هذه التساؤلات وأمثالها تسلط الضوء على حقيقة اننا ، في التجربة السابقة ، وضعنا كل الثقل في الجانب الاقتصادي ، وأهملنا ما ينتج عنه من تحولات غير اقتصادية. بديهي ان المقصود هنا ليس "أدوات عرض الثقافة" كالمدرسة والكتاب والمنبر والتلفزيون ، بل جوهر الخطاب الثقافي ، اي فلسفته واستهدافاته ، ومنظومات القيم والتقاليد الجديدة التي تدعم مشروع الاصلاح واهدافه ، وتحميه من التحوير والاختطاف ، او تستثمره في أهداف ايديولوجية خاصة. الخطاب الذي يجعل المجتمع كله شريكا في مشروع الاصلاح وحاميا له وقائما عليه.
نعرف من تجربة البشرية ان الاقتصاد محرك عظيم للتطور. ونعرف أيضا ان استدامة التطور يعتمد كليا على تفاعل المجتمع ومشاركته.
الشرق الاوسط الأربعاء - 28 محرم 1439 هـ - 18 أكتوبر 2017 مـ رقم العدد [14204]
http://aawsat.com/node/1055646

11/10/2017

الخيارات المتاحة بعد استفتاء كردستان


العراقيون والاتراك والايرانيون يحذرون من "اسرائيل ثانية" اذا تحولت كردستان العراق الى دولة مستقلة. وهذا حكم لا يخلو من مبالغة. لو أردنا وضع كل الاحتمالات على الطاولة ، فمن الممكن ان تصبح كردستان اكثر خطورة من اسرائيل. ان قيام "اسرائيل ثانية" محتمل فقط اذا تناسى السياسيون الحكمة الضرورية في ادارة الازمة. ان قيام دولة كردية وسط عداء شديد في المحيط الاقليمي ، سيجعلها مصدر تأزيم للهويات القومية والمذهبية ، قد يشعل صراعات تعصف بالخرائط السياسية ، ليس في الشرق الأوسط فحسب ، بل في وسط آسيا أيضا. وليس من المستبعد ان يتغير مشهد الصراع العربي – الاسرائيلي على نحو دراماتيكي غير مسبوق.
يمكن ان نعتبر هذا الاحتمال سيناريو اسوأ الاحتمالات. وهو ممكن اذا قرر الجيران ، سيما تركيا وايران ، حل المشكلة بالتدخل العسكري المباشر. لكنه ليس الاحتمال الوحيد ولا هو الأقرب للمعطيات المتوفرة اقليميا ودوليا.
السيناريو الآخر ، الذي يمكن اعتباره احسن الاحتمالات ، ينطوي على عملية سياسية تحقق ما أظنه الهدف المركزي للنخبة السياسية الكردية ، اي تحويل الوضع القانوني لكردستان العراق من اقليم فيدرالي الى كونفدرالي. الكونفدرالية اتحاد بين دولتين مستقلتين من حيث المبدأ ، يتمتع كل منهما بتمثيل دولي واستقلال مالي وإداري. حدود الاستقلال وموضوعاته يمكن ان تتقرر في اتفاق ثنائي ، مدعوم بضمانات دولية.
تمثل الدولة الكردية المستقلة حلما عزيزا وقديما نسبيا لكافة الأكراد ، بمختلف انتماءاتهم ومواطنهم. وترجع أولى التجليات السياسية لهذا الحلم الى معاهدة سيفر في 1920 حين أقرت تركيا والدول الأوروبية بحق الاكراد في استفتاء لتقرير مصيرهم. وقدم الوفد الكردي الى تلك المحادثات ، ما أظنه أول خريطة للحلم الكردي ، تشمل الاقاليم الكردية في ايران وتركيا والعراق وسوريا.
https://c1.staticflickr.com/4/3116/2636365078_8009bcec55.jpg
صحيح ان تلك المعاهدة قد الغيت ، وتم تجاهل الوعد المقدم للاكراد. لكن المهم في المسألة ان الحلم والهوية ، قد وجدت أرضا محددة تتجلى فيها. الارض المرتبطة بالحلم هي العتبة الفاصلة بين التاريخ والسياسة ، بين الثقافة والصراع ، هي نقطة انقلاب الهوية الى مضمون ومحرك لقضية سياسية.
لا شك ان إصرار السيد مسعود البرزاني على الاستفتاء قد رفع مكانته من زعيم لبعض أكراد العراق ، الى ممثل للحلم القومي لجميع الأكراد. وكان لافتا ان جميع معارضيه قد أعلنوا تأييدهم للاستفتاء ، لأنهم ببساطة يعلمون ان معارضة الاستفتاء تساوي الانتحار السياسي.
زبدة القول ان مواجهة الدعوة للاستقلال بالتهديد والوعيد والخنق الاقتصادي ،  كما يجري الآن ،  قد تفلح في تحسين شروط التفاوض مع حكومة الاقليم. لكن المفاوضات لن تعيد عقارب الزمن الى ما قبل 25 سبتمبر. سيحصل أكراد العراق دون أدنى شك على وضع قانوني افضل مما لديهم اليوم.
ومع الأخذ بعين الاعتبار ما أظنه حقيقة جيوبوليتكية في طور التشكل ، فان الطريق الاكثر عقلانية لحكومة العراق ، هو وضع مخطط للتفاوض يستهدف الوصول الى نقطة متوسطة بين الفيدرالية والكونفدرالية. وأعتقد ان المجتمع الدولي يميل الى خيار كهذا وليس أدنى منه ولا أعلى. 
أما تركيا وايران وسوريا ، فهي بحاجة الى معالجة عاجلة وجذرية لوضع محافظاتها ذات الاكثرية الكردية ، باتجاه منحها نوعا من الحكم الذاتي وتعزيز التنمية الاقتصادية ، لتحييد المطالبة بالانفصال.
ما جرى ليس حدثا بسيطا ولا يصح التساهل فيه.  كما أن الظرف لا يسمح بحلول خشنة. مع ان جميع الخيارات المتوفرة مريرة جدا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 21 محرم 1439 هـ - 11 أكتوبر 2017 مـ رقم العدد [14197]
https://aawsat.com/home/article/1048696/

04/10/2017

حاشية على سجال قديم


السجال الذي شهدته المملكة قبل وبعد قرار السماح للنساء بقيادة السيارات ، يؤكد حاجتنا لحسم سؤال ، أظنه اكثر الاسئلة أهمية في الجدل الطويل حول دور الدين في المجال العام.
يمكن صياغة السؤال على النحو التالي: هل يريد الاسلام تثبيت الأعراف والقيم الاجتماعية التي ورثناها ، ام يعتبرها واقعا قائما ، لا ينكره ، لكنه يسعى لاصلاحه أو ربما تغييره الى مستوى أرقىى وأقرب للقيم العليا؟.
يحتمل السؤال جوابا من اثنين ، يعبر كل منهما عن رؤية أوسع في فلسفة الدين وأغراضه. وهما رؤيتان متعارضتان لا يمكن الجمع بينهما. تنظر الرؤية الأولى الى الدين كقوة تواصل روحي/قيمي مع الماضي ، ومن هنا فهو يهتم بتثبيت وترسيخ الواقع الاجتماعي الموروث ، بما فيه من قيم وأعراف وعلائق ، وتسليمه كاملا الى الأجيال التالية.
أما الرؤية الثانية فترى في الدين قوة تغيير ، يتبنى في الأساس نماذج قيمية وسلوكية رفيعة ، لكنه لا يفرضها على الناس قبل ان يصبحوا جاهزين لتطبيق مقتضياتها. ومن هنا فهو يتعامل مع الوقائع والقيم والاعراف والنظم الاجتماعية القائمة ، باعتبارها ظروفا تاريخية ، ويلقي عليها قيمة مؤقتة او انتقالية. لكنه في الوقت نفسه يدعو المجتمع لتجاوزها الى الظرف الأعلى ، اي الاقرب للمثال والنموذج. 
http://knowledge.wharton.upenn.edu/wp-content/uploads/2016/03/Bohnetbook1-copy.jpg
المثال المناسب للجدل السابق الذكر هو مبدأ المساواة ، وهو جوهر قيمة العدالة ، التي نعلم ان الرسالات السماوية نزلت من أجل إقامتها واقرارها أساسا للحياة والتعامل بين الناس. الحوادث والسجالات التي شهدناها في السنوات الاخيرة ، تؤكد ان مبدأ المساواة ليس راسخا في ثقافة المجتمعات المسلمة ولا سيما العربية. التفاوت في الحقوق والمكانة بين الرجل والمرأة هو أحد الأمثلة. وثمة امثلة كثيرة من قصة تكافؤ النسب بين القبائل ، الى عدم المساواة بين اتباع الاديان والمذاهب ، الى التمييز العرقي والعنصري. ولكل من هذه شواهد وتطبيقات عديدة في المجتمع ، وبعضها مدعوم بأعراف اجتماعية أو آراء فقهية.
الاخذ بالجواب الأول ، أي القول بأن الدين قوة تواصل وتثبيت للواقع ، يعني اعتبار الحالة القائمة سليمة ومشروعة. وهذا يستدعي بالضرورة القول بان الاسلام ضد مبدأ المساواة ، أو ان لديه مفهوما للمساواة يخالف ما نعرفه من أن بني آدم جميعا سواسية في القيمة والمكانة والحقوق.
اما الاخذ بالجواب الثاني ، أي اعتبار الدين قوة تغيير للواقع ، فهو يعني ان الظرف القائم أمامنا مؤقت ، وأن السعي لتغييره هو الأصل الصحيح وهو الأقرب الى روح الدين. وفحوى هذا الخيار ان وضع المرأة في مجتمعنا لايزال دون الصورة المثلى التي يريدها الدين. ولذا فان السعي لتغييرها باتجاه نموذج المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات ، هو العمل الاقرب الى مرادات الشريعة وأهدافها.
من المناسب هنا الاشارة الى ان سر نهضة اوروبا يكمن في تخلي المفكرين منذ القرن السابع عشر عن النظريات السكونية ، سيما نظرية ارسطو حول النظام الطبيعي ، وفحواها ان النظام الكوني هو النموذج الأمثل لتنظيم وادارة المجتمع. تخلى الاوروبيون عن هذه الرؤية الى أخرى جديدة ، فحواها  أن النظام الاجتماعي ليس وضعية سكونية او نهائية ، بل هو نتاج لفعل البشر وتعبير عن مستواهم الثقافي وحاجاتهم في زمن محدد ، ولهذا يستطيعون تغييره بما يستجيب لتحديات مستقبلهم ويتلاءم مع القيم العليا.
لو سألت عامة المسلمين عن الرؤية التي يعتقدونها أليق بروح الدين الحنيف ، فهل سيختارون الأولى؟.
الشرق الاوسط الأربعاء - 14 محرم 1439 هـ - 04 أكتوبر 2017 مـ رقم العدد [14190]
http://aawsat.com/node/1041786

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...