14/03/2006

الايديولوجيا السياسية للتيار المحافظ في ايران

ربما ترغب ايضا في قراءة


الايديولوجيا السياسية للتيار الاصلاحي في ايران


الفصل الرابع من كتاب "حدود الديمقراطية الدينية"

يستهدف هذا الفصل عرض نموذج الدولة الذي يتبناه التيار المحافظ في ايران ، قاعدته النظرية والمفاهيم الرئيسية التي تشكل قوامه ، اضافة الى رؤية المحافظين للتنظيم الاجتماعي والقضايا التي تشغل اهتمامهم في المجال العام . سوف ابدأ بعرض مختصر للمصادر الفكرية التي اسهمت في تكوين فكرة السلطة في التراث الشيعي ، ثم النقاط المحورية التي يدور حولها الجدل بين المحافظين والاصلاحيين ، ولا سيما الحقوق الدستورية ، الجمهورية ، وحاكمية القانون . وينتهي الفصل بتحليل عن المرجعية النظرية لخطاب المحافظين السياسي . 

صورة ذات صلة

سوف نقارن اراء التيار المحافظ بنظيرتها الليبرالية بغية ايضاح المسافة بين النموذجين وليس تقييمها . لكن على اي حال فان الانزلاق من المقارنة الموضوعية الى التقييم المنحاز يبقى احتمالا واردا وان لم يكن مقصودا بالذات. غني عن القول ان تقييما منصفا لرؤية التيار المحافظ ومتبنياته ينبغي ان ياخذ بعين الاعتبار المعايير التي يقدمها النموذج الذي قامت في اطاره وضمن شروطه. 

الاراء المنسوبة للتيار في هذا الفصل مستمدة اساسا من الاعمال المنشورة لعدد من المفكرين ذوي التاثير في التيار المحافظ ، ولا سيما اراء مصباح يزدي ومحمد جواد لاريجاني ، التي تعبر الى حد كبير عن النسق الرئيس للتفكير السياسي المحافظ. ولد آية الله محمد تقي مصباح يزدي في مدينة يزد الصحراوية وسط ايران ، عام 1934 . وتتراوح همومه بين الفلسفة الاسلامية الكلاسيكية والفقه ، واتجه اهتمامه الى السياسة منذ اواخر الثمانينات ، ولا سيما بعد وفاة الامام الخميني الذي لم يكن متوافقا معه كما يبدو. وتظهر تاثيرات الفلسفة اليونانية القديمة واضحة في ارائه السياسية واراء تلاميذه . ويعتبر واحدا من اقطاب "مدرسه حقاني" التي مثلت حتى وقت قريب ، احد ابرز مراكز التفكير المحافظ المنفتح على العصر ، في الحوزة العلمية في قم .
ويستمد يزدي جانبا من نفوذه من علاقته المتينة مع مرشد الثورة علي خامنئي ، الذي قارن علاقته به ، بتلك التي ربطت بين المرحومين الخميني ومطهري. اما محمد جواد لاريجاني ، فهو مفكر وسياسي ، درس الشريعة في قم ثم الهندسة في طهران والفيزياء في الولايات المتحدة الاميركية . اسس معهد دراسات الفيزياء والرياضيات النظرية ، وهو احد مراكز البحث المرموقة في ايران ، وخدم كنائب في البرلمان ومساعد لوزير الخارجية . ويعمل في الوقت الحاضر مساعدا لرئيس السلطة القضائية للعلاقات الدولية . ومعظم كتابات لاريجاني مكرسة لشرح نظريته المسماة "المشروعية الذاتية للحكومة" التي يعرضها كبديل عن نموذج السلطة الليبرالي . ويتميز لاريجاني عن معظم المفكرين المحافظين الاخرين بمعرفة معمقة لمكونات الخطاب السياسي الليبرالي ، رغم ان نقده لهذا الخطاب ليس بذات الدرجة من العمق والاقناع. كلا المفكرين ، يزدي ولاريجاني يدافعان عما يعتبرانه نموذجا للتطور السياسي ينبثق من منظور ديني ، ويتمايز عن نموذج الديمقراطية الليبرالية ، التي لا تناسب حسب رأيهما مجتمعا مسلما مثل ايران.
سوف ارجع ايضا الى اخرين من قادة الراي والسياسيين المحافظين ، ولا سيما اولئك الذين توفر اعمالهم منظورات جديدة تختلف الى حد ما عن التيار العام التقليدي رغم اتفاقها في الاسس العامة والاغراض. من بين هؤلاء اخص بالذكر اية الله عباس على عميد زنجاني الذي يقدم كتابه "فقه سياسي[1]" شرحا موسعا عن القواعد المفهومية التي يقوم عليها دستور الجمهورية الاسلامية ، ويساعد على استبيان موضع هذا الدستور ضمن الفقه الدستوري المعاصر. من بين هؤلاء ايضا صادق حقيقت  ، ولا سيما كتابه "توزيع السلطة في الفقه الشيعي" الذي يقدم تحليلا جيدا عن الموضوع يقوم على مقارنة موسعة بين اراء عدد كبير نسبيا من الفقهاء البارزين . سوف ارجع ايضا الى كتاب عباس قائممقامي " السلطة والمشروعية" الذي يقدم مقاربة جديدة – قياسا الى بقية المحافظين – لمسألة العلاقة بين مؤسسات الدولة التي تقوم على اساس الانتخاب وتلك التي تقوم على اساس التعيين او شبه التعيين.
اشرت في الفصل الثاني الى ان الخطاب السياسي للخميني قد جمع بين مفاهيم تنتمي الى نموذجي الدولة التقليدية والحديثة. وكان اهتمامه يتجه الى توحيد اطراف المجتمع الديني الذين يقبلون مفهومه الخاص للتشيع والسلطة الدينية . وقد نجح هذا التحالف الموسع الذي عرف حينئذ بخط الامام او القوى العقائدية "نيروهاي مكتبي" في الهيمنة على الحياة السياسية خلال العقد الاول بعد الثورة الاسلامية . لكن منذ وفاة الخميني في 1989 اتجه كل من التيارين الذين كانا يعرفان يومئذ باليسار واليمين الى تطوير خطابه السياسي الخاص .
نظرا لانبثاقة من الوسط الديني التقليدي ، يتصل الخطاب المحافظ بجذور عميقة في المجتمع الايراني . ويجادل هجري ، وهو احد قدامي المناضلين في العهد الملكي ، بان هذا الخطاب هو الممثل الاصلي للتيار الديني في ايران : (كل منا يحمل بعضا من سمات المحافظة ، وبالنسبة لايران خصوصا فان التدين والوطنية مترابطان بشكل وثيق مع المحافظة او انهما يحملان بعض عناصر الخطاب المحافظ)[2]. على المستوى السياسي بقي خطاب المحافظين غائما الى حد كبير حتى قيام الثورة الاسلامية . والحقيقة ان المكونات النظرية والوظيفية لمفهوم الدولة الحديثة ، مثل الجمهورية والانتخابات والارادة الوطنية والمحاسبة الخ .. لم تدخل دائرة النقاش في الوسط الديني الا في السنوات الاخيرة ، وكان دخولها ثمرة للجهود التي بذلها اية الله الخميني والتي استهدفت عصرنة التفكير الديني بعد قرون من الانشغال بالمجادلات الكلامية والفقهية البعيدة عن قضايا العصر وهمومه ، لا سيما السياسية منها .
تجادل هذه الدراسة بان اقحام النظرية السياسية الشيعية في الحياة السياسية سوف يؤدي بالضرورة الى تطويرها ، وقد ناقشت في الفصل الاول المسار الذي تطورت خلاله هذه النظرية منذ ظهورها حتى ثورة 1979 التي اثمرت عن تحول النظرية في صيغتها الاخيرة اي "ولاية الفقيه" الى محور الخطاب السياسي الشيعي . وتفترض الدراسة ان الباعث الاساسي للتطور يكمن في المشكلات النظرية والعملية التي تتكشف عنها التجربة السياسية الفعلية ، والتي تضع مكونات  النظرية في مواجهة تحديات لا يمكن استيعابها دون تعديل تلك المكونات او اعادة صياغة العلاقة بينها وبين محيطها السياسي والاجتماعي . بالنسبة لثورة قامت دون تخطيط مسبق مثل الثورة الاسلامية ، فان المشكلات غير المرتقبة وغير المعروفة سلفا ، هي من التعدد والعمق ، بحيث يستحيل مواجهتها واستيعابها جميعا ضمن الاطار النظري او الايديولوجي السابق لقيام الثورة . وهذا لا يرجع كما لاحظ كمرافا الى كفاءة الثوار المعرفية او الاخلاقية ، بل الى طبيعة الثورة ذاتها وما تحدثه من تغييرات انقلابية في المجتمع والنظام السياسي. ومن هذه الزاوية ، تذهب الدراسة الى ان المشكلات غير المرئية التي برزت الى السطح  بعد قيام الثورة الاسلامية ، جلبت الى الساحة موضوعات نقاش جديدة تفرض – بالضرورة – التحرر من الحدود الضيقة للنظرية . هذه النقاشات هي الخطوة الاولى لوضع النظرية ككل على مائدة النقاش بعد ان كان ينظر اليها فيما مضى كجواب كامل ونهائي على مسألة الدولة .
* * *
لا بد في البدء من الاشارة الى ان ابرز ما يميز المعسكر المحافظ عن التيار العريض للتشيع التقليدي ، هو اهتمام ذلك المعسكر بالسياسة وقبوله المبدئي بالتغيير على المستوى النظري والعملي كطريق لصيانة الموروث الثقافي ، مقارنة بالتيار العام للتشيع التقليدي الذي مال الى الابتعاد عن السياسة والارتياب في كل اشكال التغيير خلال الجزء الاعظم من تاريخه. نشير ايضا الى ان هذا المعسكر يميل الى وصف نفسه باسم "الاصولي" او "القيمي" في اشارة الى التزامه بالموروث الديني الشيعي مقارنة بالاصلاحيين الذين يتهمون بالليبرالية ، اما تصنيفه كقوة يمينية اولا ثم محافظة ، فهو يرجع الى منافسيه اليساريين "الاصلاحيين"[3]. لكن على اي حال فان ذينك الوصفين متداولان بكثرة في النقاشات السياسية ، واصبح استعمالهما عادة سائدة حتى بين المحافظين انفسهم .
يحدد هيوود خمس سمات اساسية تجمع بين التيارات المحافظة ، هي : الالتزام بالتقاليد ، الايمان بالكمال الانساني كهدف للعمل ، الايمان بنظام المجتمع العضوي ، التركيز على اهمية السلطة ، واحترام الملكية الفردية[4]. هذه السمات يمكن ملاحظتها ايضا في الخطاب المحافظ الايراني الى حدود معينة ، باستثناء تيار المحافظين الحديث "او اليمين الجديد كما يسمى غالبا" المتمثل سياسيا في حزب كاركزاران سازندكي ذي التوجهات الاصلاحية. ان ابرز سمات التيار الايراني المحافظ هي التزامه الشديد بانماط العلاقة الاجتماعية التقليدية ، فهم يرون ان الاعراف والمنظومات الاجتماعية تنطوي على درجة من القداسة ، ليس بسبب كونها جزء من الدين ، بل لكونها ضرورية لصيانة الاخلاقيات وانماط السلوك الديني . ولهذا السبب فان قضايا مثل الحجاب ، وسائل اللهو والمتعة ، ونقد التقاليد تمثل عندهم ابرز موضوعات الاهتمام. وخلال التسعينات الميلادية عزل البرلمان ذي الاكثرية المحافظة اثنين من وزراء الثقافة لانهما اظهرا - بحسب تقييم هذا التيار– ليونة تجاه تنامي الليبرالية في الصحافة المحلية.

نظرية السلطة في الخطاب المحافظ

يتبنى التيار المحافظ نظرية السلطة الشيعية التقليدية باعتبارها المصدر الرئيس للشرعية السياسية في النظام الاسلامي . طبقا لكديور فان البنية الفلسفية لهذه النظرية قد تشكلت من تفاعل تاريخي بين اربعة مكونات رئيسية هي 1- نظرية الامامة المعصومة التي طورها فقهاء الشيعة القدامى. 2- نظرية الملك-الفيلسوف التي طورها افلاطون . 3- نظرية محي الدين ابن عربي (ت 1240) التي تربط السلطة المطلقة بالكمال الانساني. 4-  الحكمة العملية الموروثة عن تقاليد الملك في فارس القديمة[5] . في الصفحات التالية سوف اعرض باختصار هذه العوامل ، قبل الانتقال لمناقشة كيفية انعكاسها في اراء التيار المحافظ ومواقفه من القضايا المثارة في الساحة السياسية :
1- كما عرضت في الفصل الاول ، فان الطموح الى العدل الالهي قد ارتبط في التفكير الشيعي التقليدي بعقيدة الامامة المعصومة والمعينة بالنص. وبناء على هذا الاعتقاد فقد ربطت الشرعية السياسية بتولي احد الائمة الاثني عشر للحكم. لقد صيغت نظرية الامامة كمفهوم تاسيسي لحق الامام علي بن ابي طالب وابنائه الاحد عشر في خلافة النبي محمد وقيادة الامة الاسلامية . ورغم المجادلات الواسعة حول تمايز الائمة الاثني عشر من حيث الصفات والمؤهلات القيادية ، الا ان جوهر مفهوم الامامة هو التعيين بالنص . وحسب مونتغومري وات فان المكون الكاريزمي لفكرة القيادة – سواء ذلك المتعلق بمواصفات القائد او المتأتي من اتصاله بالغيب - كان هو المهيمن على تفكير الشيعة السياسي[6].  ضمن هذا الاطار فان مفهومي العدل والشرعية التصقا باشخاص الائمة المعصومين ، وترتب عليه ظهور ثنائية الامامة /الغصب ، التي تصنف السلطة الى مشروعة ، اي يتولاها الامام ، وغصب "غير مشروع" وهي جميع انواع السلطة الاخرى[7].
يكشف النقاش حول المسألة عن ان جل الاهتمام قد انصب على شخص الحاكم ، بينما الدولة – كموسسة مستقلة عن شخص رئيسها – لم تحظ الا بالقليل فقط من اهتمام مجامع العلم الديني ، حتى السنوات الاخيرة على الاقل. وقد اوضحت في الفصل الاول ان علماء الشيعة قد مالوا الى تعريف الدولة كمنظومة عرفية وربطوا شرعيتها بادائها الفعلي لمهماتها . وقد تجلى هذا الفهم في الطريقة التي عالج بها علماء القرن العاشر – على المستوى الاسلامي العام – المشكلة التي اثارها صعود البويهيين الى السلطة وهيمنتهم على ديوان الخلافة في بغداد. وكما يظهر من كتاباتهم التي وصلت الينا ، فان اولئك العلماء قد اقروا بسلطة الامر الواقع التي يمثلها الغاصب ، واعادوا تعريفها على اساس اخلاقي ، اي باعتبارها بديلا افضل عن الفتنة وانهيار النظام الاجتماعي .[8] هذا الميل كان سائدا بين علماء السنة والشيعة على حد سواء ، والواضح انه اصبح اكثر شيوعا بين الشيعة بعد قيام الدولة الصفوية في 1501. لكن الشكل المثالي للسلطة بقي – على مستوى البحث النظري على الاقل – هو ذلك الذي يتولى فيه الامام اونائبه الاشراف على امور الدولة ، حاكما او مرجعا للحاكم. 
2- يتكون المجتمع – حسب افلاطون – من ثلاث طبقات تتماثل مع مكونات الروح الانسانية ، هي العامة والجنود والحفظة. ويرسم سقراط رجل السياسة في صورة متخصص في هذا الفن بين مجتمع من غير المتخصصين[9]. وبالنظر لكونه اعلم بموضوع عمله من سائر الناس فلا يلزم عليه الخضوع لقيود قانونية تحدد له دوره[10]. اما افلاطون فقد رآى ان المدينة الفاضلة – او المثالية – هي تلك التي يحكمها ملك- فيلسوف ، يحمل لقب الحافظ "guardian"[11]. ويتميز الفيلسوف عن غيره بملكة العدالة واستيعابه للجمال والحقيقة والمعرفة الكاملة[12]
وتعتقد آن لامبتون ان الحوزات العلمية الشيعية قد تعرفت على فكرة الملك-الفيلسوف من خلال اعمال محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ت 941) و محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 991)، وهما من المحدثين البارزين في القرن العاشر . وحسب رأيها فان فكرة السلطة التي عرضها الرجلان قد جسرت الفجوة بين الفكر السياسي الذي طوره اسلافهم من المفكرين المسلمين والفكر الذي وصل الى العرب بعد ترجمة اعمال الفلاسفة اليونانيين[13]. ويبدو ان الربط بين المعرفة والسلطة قد تركا اثرا عميقا على علماء الشيعة . وهذا يظهر جليا في تأسيسهم لفكرة المرجعية الدينية ، ولا سيما السلطة التي يتمتع بها الفقيه على المقلدين . اذ ان الدليل الوحيد على وجوب التقليد الذي حظي باجماع العلماء ، هو – حسب اية الله منتظري – الدليل المنطقي الذي يوجب رجوع المكلف الفاقد للعلم الى العالم – وطاعته بالضرورة - [14].  وقد استعمل متكلمو الشيعة ذات الفكرة لتعزيز دعواهم حول تقدم الامام المعصوم على غيره من الحكام. ويقر محسن غرويان ، وهو رجل دين بارز بين المحافظين ، بالاصل اليوناني لفكرة الربط بين المعرفة والسلطة ، لكنه يذهب الى انها تبدو قريبة جدا من القواعد الاسلامية : (المعرفة ، الحكمة ، والعلم تتمتع بسلطة ذاتية على ما سواها) ، وضمن هذا المفهوم فانه يجادل بان التسلط ليس سيئا اذا قام على اساس الدليل العلمي (في ظل حكومة اسلامية فان شيئا من التسلط هو امر ممكن ، لكنه مبرر . بكلمة اخرى ، فانه يمكن تصور حكومة متسلطة لكنها تستند الى المنطق والدليل العلمي. اعتقد ان ولاية الفقيه تمثل نوعا من هذه الحكومة)[15] .
فكرة تفوق العالم – في المعنى السياسي والاجتماعي – هي واحدة من الافكار الشائعة بين المفكرين المسلمين . وكمثل على هذا فان الطبري ، الفقيه والمفسر المعروف (ت- 923) يطبق مفهوم "ولي الامر" الوارد في القرآن الكريم على الفقهاء ويرى ان حقهم في الطاعة مقدم على حق الملك[16].  في مقابل هذا الراي فليس من المستغرب ان تجد فقهاء ينكرون هذا الربط بين الحكم والمعرفة في المعنى الفقهي ، مثل الاصفهاني ، الفقيه الشيعي البارز (ت 1942) الذي يقرر ان (الفقيه بما هو فقيه اهل النظر في مرحلة الاستنباط دون الامور المتعلقة بتنظيم البلاد وحفظ الثغور وتدبير شئون الدفاع والجهاد وامثال ذلك ، فلا معنى لايكال هذه الامور إلى الفقيه بما هو فقيه)[17]. ويماثل راي الاصفهاني الى حد كبير مجادلة شتاينبرغر الذي وصف نظرية افلاطون بانها متناقضة وغير متسقة منطقيا . ورأى ان مجال عمل الفيلسوف هو صناعة الافكار بينما عمل الحافظ "او الملك" تقني في المقام الاول يدور حول تطبيق افكار او اهداف جرت صياغتها وحددت سلفا[18].
3- طبقا لمحمد جواد لاريجاني ، المفكر البارز في التيار المحافظ ، فان ما يميز الدولة الاسلامية عن غيرها هو الاغراض التي تسعى لتحقيقها . وهو يعرف اغراض الدولة بالرجوع الى المفهوم الديني للحياة الانسانية واهدافها ، وبصورة محددة ، بلوغ الكمال الانساني[19]
محمد جواد لاريجاني يوجّه رسالة احتجاج الى المفوض الأممي الأعلى ...
محمد جواد لاريجاني
ترجع فكرة الكمال الى التراث اليوناني القديم ، وقد لقيت رواجا بين المفكرين المسلمين ولا سيما في اعمال محي الدين بن عربي ، الفيلسوف والمتصوف المعروف في القرن الثالث عشر. وسوف اعتمد هنا على المقارنة المعمقة التي قدمتها جين كلارك بين مقاربتي ارسطو ( ت 322 ق. م ) وابن عربي (ت – 1240) لفكرة الانسان الكامل. رأى الفيلسوف اليوناني ان العقل هو ارفع مكونات الروح الانسانية . ويتساوى الناس ابتداء في قدراتهم العقلية ، لكنهم يتمايزون بمقدار نشاطهم العقلي . كل انسان قادر على بلوغ الكمال اذا طور قدراته العقلية واكتسب الفضائل ، اي اصبح قادرا على تفضيل وتنمية الحسن والصفات الحسنة . والوسيلة الى ذلك هي المعرفة ، ولا سيما الفلسفة . اما ابن عربي فيرى ان الغيب هو مصدر المعرفة ، فالانسان مطالب بتأهيل نفسه لتلقي المعرفة الربانية من خلال تطهير ذاته وتصفيتها والتسليم المطلق لربه . فاذا صفت النفس فان نور الله وعلمه سوف يشرق في قلب الانسان فيصل حينئذ الى درجة الكمال. ويرى بن عربي ان القلب هو مركز الروح الانسانية والنقطة التي تلتقي فيها جميع مكونات روح الانسان من تخيل وتعقل واحساس ، فاذا التقت هذه الاجزاء وترابطت ، واذا صفت الروح واستسلمت ، وتجلى نور الله في قلب المحب العارف ، بلغ هذا درجة الكمال  وتحقق الغرض من الخلق[20]. وتجد مقاربة من هذا النوع ايضا عند الشهيد الثاني زين الدين العاملي ، الفقيه الشيعي (ت 1557)[21]. ويمكن القول بصورة اجمالية ان عددا كبيرة من المتكلمين والفلاسفة في ايران قد تبنوا فكرة الانسان الكامل ، ومن بينهم على الخصوص صدر الدين الشيرازي وحيدر املي والفيض الكاشاني[22].  وذهب الشيرازي الى ان الله قد اراد للانسان ان يكون خليفته في ارضه ، وجعل السعي الى الكمال ارفع درجات الطاعة له ، فاذا بلغ الانسان مرتبة الكمال فقد أهل نفسه لبلوغ خلافة الله سبحانه[23].
رجوعا الى لاريجاني ، فان "الحق" هو مدار عمل الدولة الاسلامية ، وهذا يتحقق من خلال مواجهة السؤال الاول والاكثر حرجا  في حياة الانسان ، وهو سؤال الكمال. من هذه الزاوية فان قيمة الدولة تتوقف على قيامها بهذه المهمة ، فاما ان تتحمل هذه المسؤولية والا فليس لها اي قيمة[24].
4- طبقا لرضوان السيد ، المؤرخ المعاصر ، فان "عهد اردشير" وهو وصية تركها اردشير الاول مؤسس الامبراطورية الساسانية (حكم بين 212-241 ق . م) ربما تعتبراكثر المصادر تاثيرا في التفكير السياسي لعلماء القرن العاشر المسلمين ، وقد جرى الرجوع الى احدى فقراتها "وهي تشرح العلاقة بين الدين والدولة" نحو ست واربعين مرة في الكتب التي تركها علماء تلك الحقبة . في هذه الفقرة ، يقرر اردشير ان (الدين والملك توامان . الدين اس والملك حارسه ، وما لا حارس له فضائع وما لا اس له فمهدوم)[25].  ويميل ارجمند الى نفس الراي فيما يتعلق بعلماء الشيعة خاصة[26] ، لكني لا اجده دقيقا فيما يتعلق بالمعاصرين منهم على وجه الخصوص[27].
نذكر ايضا ان الملك هو محور النظام السياسي عند افلاطون كما في عهد اردشير . مع فارق ان حكمة الملك هي موضع التركيز في فلسفة افلاطون ، بينما تركز اهتمام الثاني على دور الملك في صيانة النظام العام.
اشرت في السطور السابقة الى ان نظريتي الملك- الفيلسوف وتساند الدين والملك كانتا معروفتين في المدرسة الشيعية منذ القرن العاشر ، وظهر تاثيرهما في اعمال مختلفة فقهية وفلسفية . لكن يبدو لي ان هذا التاثير اصبح اكثر عمقا وسعة منذ القرن الثالث عشر ، ويرجع هذا بشكل خاص الى اعمال الفيلسوف الايراني نصير الدين الطوسي (ت- 1274) الذي اعاد انتاجهما في الاطار الفكري الشيعي ، ولا سيما في كتابه "اخلاق ناصري". في هذا الكتاب يقرر الطوسي ان النظام السياسي المثالي ينبغي ان يجمع بين قانون الهي ، ملك عادل ، وادارة حسنة للموارد العامة[28]

التنظيم الاجتماعي

رغم ان التيارات المختلفة تنادي بمفاهيم يتشابه ظاهرها الى حد كبير ، الا ان كلا منها يتمايز عن الاخر بالمضمون الخاص الذي يختفي وراء العناوين المتشابهة . ولهذا فمن الضروري وضع كل منظومة ضمن اطارها الفكري والفلسفي الخاص ، لتمييز الفوارق في محتوى الشعارات السياسية بين كل تيار والاخر . بديهي ان لكل تيار منظور ايديولوجي خاص للنظام الاجتماعي يفهم من خلاله وعلى ضوء متطلباته المفاهيم المتداولة في الجدل السياسي ، مثل المواطنة والحريات العامة ، والسلطة ... الخ. هذا المنظور يتكون من تحليل التيار المعني للوضع الاجتماعي الراهن وتصوره الخاص للوضع الامثل الذي ينبغي العمل على ايجاده ، ولا سيما القيم التي يريد تفعليها من خلال النشاط الفردي والاجتماعي ، والطريقة التي يتبعها في الوصول الى هذه الغاية. من اجل فهم افضل للمكون الايديولوجي للخطاب المحافظ سوف يتخذ النقاش شكل المقارنة مع نظيره الليبرالي نظرا لان هذه الدراسة تفترض التقدم باتجاه الديمقراطية معيارا لتطور الفكر السياسي في ايران.
تبعا لتوماس هوبز ، يفترض المنظرون الليبراليون نظاما اجتماعيا يقوم على قاعدة التعاقد بين اعضائه من جهة وبينهم وبين حكامهم من جهة اخرى[29].  وصف هوبز المجتمع السابق لقيام الدولة بمجتمع الحالة الطبيعية الذي عاش فيه الناس افرادا من دون نظام جامع يكبح ميولهم الغريزية نحو الاستئثار والتسلط. الفرد عند هوبز اناني بالطبع ، مهموم بمصالحه الخاصة ، مكتف بذاته. تلك الميول ادت بالضرورة الى تعارض في المصالح بين الافراد ونشأت عنها بالنتيجة صراعات هددت حياة كل منهم ومصالحه . لكن الفرد عقلاني ايضا ، وقادر على رؤية الجوانب المختلفة في الامور ، واحتساب عواقب اعماله ، السلبية منها والايجابية. هذه العقلانية  كشفت لاعضاء الجماعة البشرية عن الحاجة الى اقامة نظام الدولة كي يلعب دور الوسيط بين المصالح المتعارضة للافراد ، يعالج تناقضاتهم ويحمي كلا منهم من بغي الآخر[30].  وعلى هذا الاساس تحولت  فكرة "الحكومة القائمة على اساس الرضا الجمعي" الى جوهر الفهم الحديث للدولة ، وفي النظريات الليبرالية اتخذ هذا المفهوم معنى فرديا ، اي رضى مجموع الافراد[31]. ويؤكد الفردانيون على اولوية الفرد على المجتمع ، ويرون ان صيانة مصالحه رهن بمنحه الحد الاعلى الممكن من الحرية ، مع تحمله كامل المسؤولية عن اعماله. وبناء عليه فان المجتمع اصبح يفهم باعتباره منظومة من الافراد الاكفاء الذين يؤدي تقدمهم بالضرورة الى تحسين المجتمع ككل . سياسيا ، فان الليبرالية الفردانية انطوت على معارضة لكل اشكال الهيمنة على الفرد من جانب الافراد الاخرين او المجتمع ككل. ولهذا فقد مالت الى حصر سلطة الدولة في حدود المجال العام ، اي تطبيق القانون وصيانة النظام العام ومعالجة التعارض بين المصالح الفردية[32].
ويرى الليبراليون ان القيم جميعا تدور حول الانسان وان جميع الافراد متساوون – من حيث الاصل - على المستوى القيمي والمعنوي ، بحيث لا يحق لاحد ادعاء تفوق من هذا النوع على غيره . في هذا الصدد فان الاولوية القيمية للفرد تفهم من جانب الليبراليين على نحوين : الاول :  ان اي وجه من وجوه الالزام ، سواء كان قائما على اساس الاخلاق او راجعا الى تنظيم المجتمع لا يجري الا اذا كان مقبولا من جانب الافراد . الثاني : ان قبول الافراد بقيم اخلاقية او معنوية معينة هو ما يمنحها السلطة او يجعلها اساسا لسلطة تسمح بفرض الزامات[33]. ولهذا فان الفردانية اصبحت هي الاخرى مفهموما محوريا في الخطاب الليبرالي . وكما يؤكد غيس فان (اي نظرية سياسية علمانية يجب ان تنطلق من ان الافراد - او الكائنات العاقلة  حسب تعبير كانت -  يرون افعالهم ذات معنى وقابلة للتقييم . وبناء على هذا فان التوجهات العقلائية ، حرية الاختيار، والاحترام المتبادل  تمثل مقومات مناسبة للحياة في مجتمع سياسي جيد)[34].  الفردانية على اي حال هي مفهوم اشكالي ولا زالت تثير الكثير من الجدل ، ولا سيما بالنظر الى البعد الاخلاقي ، بين فريقين من الليبراليين : الفريق الذي يدافع عن الاولوية القيمية للفرد في اقصى حدودها بناء على ان الفرد هو محور القيمة ، والفريق الذي ينسب القيم  الى حياة الجماعة ككل ويرى ان الاساس القيمي لسلوك الافراد هو الخير العام للمجتمع او بكلمة اخرى التعريف الاجتماعي للحسن والقبيح[35]. ويرفض الفريق الاخير ربط المعنويات والقيم بالتعريف الفردي للمصلحة المادية . وحسب كانت فان القيم المعنوية والجماليات لا تظهر في انقى تجلياتها الا اذا تجاوزت المصالح المادية او التجريبية . قدرتها على توليد الرضا المطلق في النفس رهن بانطلاقها وتحررها من قيود الارتهان للماديات [36].
يرفض الخطاب المحافظ دعوى الاساس التعاقدي للنظام الاجتماعي كما يرفض فكرة الهوية المستقلة للفرد . يجب الاشارة على اي حال الى ان هذه المسألة لم تدرس على نحو معمق من جانب علماء الدين ، لهذا فان الدراسات المتوفرة ضئيلة جدا من حيث الكم والمحتوى ،  فوق انها منحازة بشكل معيب. من بين تلك الاعمال على سبيل المثال كتاب مصباح يزدي "المجتمع والتاريخ من وجهة نظر القرآن الكريم" الذي قدم شروحات مفصلة في نقد المنظور الغربي لفكرة العلاقة بين الفرد والمجتمع ، مؤكدا في كل صفحة على ان لدى الاسلام ما هو ارقى ، لكنه انتهى دون ان يشرح طبيعة العلاقة المطلوبة . 
محمد تقي مصباح يزدي
بكلمة اخرى فانه انتقد تلك الاراء استنادا الى نظرية مفترضة لكنه لم يكشف لنا عن تلك النظرية[37]. لكن اعتراضاته على المفهوم الليبرالي لهوية الفرد وعلاقته بالمجتمع تبدو قريبة جدا الى النسق البراغماتي المتعارف بين المحافظين الاوربيين ولا سيما التيار التقليدي paternalistic منه. كما ان احتجاجاته تماثل ما قرره لاريجاني من ان العلاقة بين الدولة والمجتمع تدور اساسا حول كفاءة الاولى لجهة قدرتها على حل المشكلات [38].
ينكر لاريجاني الفرضيات الانثروبولوجية ، لا سيما فكرة "الحالة الطبيعية" التي اسس عليها توماس هوبز نظريته في العقد الاجتماعي . وهو يؤكد على ان النظام الاجتماعي لم يقم على اساس التعاقد بل العقلانية الجمعية المرتبطة بالحاجات المشتركة : (المجتمع السياسي هو منظومة عمل تشد اجزاءها عقلانية مشتركة [..] . جوهر الرابطة الاجتماعية هو العمل المشترك الذي تتحدد اغراضه واتجاهاته على ضوء العقلانية المشتركة) [39].  يقارب هذا التعريف الى حد ما فكرة جون لوك عن الحالة الطبيعية ومجتمع ما قبل الدولة[40] . ويجادل لاريجاني بان وجود المجتمع سابق لوجود الفرد بمعنى ان الفرد ما كان قادرا على معرفة نفسه خارج اطار الجماعة ، وان الفرد التحق بالجماعة بسبب حاجته الى المنافع الضرورية للحياة والتي لا يمكن توفيرها خارج هذا الاطار . بهذا المعنى فان الفرد قرر مع معرفته المسبقة واختياره قبول العقلانية او العقيدة المشتركة للجماعة وما يترتب عليها من التزامات[41]. يشير هذا المفهوم ضمنيا الى ان حقوق الافراد ليست طبيعية "اي مستحقة بالولادة" كما رآى هوبز ، بل هي نتاج لتكييف اجتماعي وبالتالي فهي مشروطة ومحددة وفقا للشروط الخاصة بالعقيدة الاجتماعية .على نفس النسق فان الدولة لا تمثل مصالح المواطنين الافراد كما هو السائد عند الليبراليين ، بل المصلحة الجمعية للمجتمع باعتبارها كلا غير قابلا للتقسيم. هذا المفهوم للمجتمع يتطابق الى حد بعيد مع المفهوم السائد بين المحافظين الاوروبيين حول العلاقة بين المجتمع والدولة ، والذي يتضمن تعريف المجتمع كنظام عضوي هو تطور طبيعي لحاجة الافراد للامان والتعارف ، لا كنتاج لعقد بين الافراد[42]. ويعارض لاريجاني المفهوم الليبرالي للعقلانية اضافة الى ما يصفه بالربط الاصطناعي بين العقلانية والعقد الاجتماعي :
تحصر الليبرالية عقلانية الافعال في كونها قابلة للادارك الحسي ، قابلة للحساب ، ومتسقة مع الحقائق المشهودة [..]. في هذا المفهوم فان ارادة الفاعل والمعنى المعبر عنه من خلال الفعل مغفلة تماما [..]. ان الافعال لا تصبح ذات معنى الا اذا انطلقت من تعريف الفاعل لنفسه وعلاقته مع العالم المحيط ، بمعنى ان شخصه ومسلكه ليسا في معزل عن المسؤولية تجاه العالم الذي يعيش فيه [..]. ان اكبر اخطاء الليبرالية يكمن في اغفال ارتباط الانسان بعالمه [..]. اي خلط مريع هذا الذي يشرط عقلانية الانسان بحصوله على بعض الكفاءات الفنية ، لكنه في الوقت ذاته يغفل جوهره كانسان؟ [43].
 في نفس السياق يخطيء مصباح يزدي فكرة هوبز عن الكفاية الذاتية للفرد بالنظر لفشلها في استيعاب المسار السليم للعلاقة بين الانسان وعالمه . وطبقا لراي يزدي فان هناك مجموعة من المتطلبات الحيوية التي يتطلب ادراكها قدرات تتجاوز الامكانات الفكرية والسيكولوجية الاعتيادية للافراد. في العادة فان الفرد مشدود الى حاجاته المادية الملحة ، وهي حاجات ادنى قيمة من تلك الحاجات المعنوية  والوجودية[44].  ويرى لاريجاني ان العقد الاجتماعي قد لا يكون عقلانيا في كل الاحوال ، لانه ببساطة قائم على ارادة البشر الذين يتوقع منهم الخطا. يمكن للبشر ان يجتمعوا على الصواب او العقلاني كما يجتمعوا على الخطأ او اللاعقلاني . بطبيعة الحال فان الحالة الاخيرة لا يمكن اعتبارها عملا عقلانيا[45]. ويتضح من هذه المقارنة ان مفهوم لاريجاني للمائز بين العقلاني واللاعقلاني يقوم على اعتبار الفعل محور القيمة وليس الفاعل.
الغرض الرئيس للنظام الاجتماعي طبقا للمذهب الليبرالي هو ادارة المصالح المتعارضة لاعضائه . بينما يرى لاريجاني ان الفلسفة الاسلامية تحدد هذا الغرض في مساعدة اعضاء النظام على الارتقاء الشخصي وصولا الى اعلى درجات الكمال الانساني . هذا الغرض ، اضافة الى نوعية الوسائل التي تتخذ لبلوغه ومنظومة القواعد التي تقوم عليها ، تشكل جميعا ما يصفه لاريجاني بالعقلانية الجمعية او العقيدة المشتركة . طبقا لهذا المفهوم فان الخطاب المحافظ يميز نفسه عن الليبرالية بتعريف للافعال على اساس مادي ومعنوي في الوقت ذاته[46].  كما انه يشدد على ان البعد المعنوي في الافعال ليس متروكا لقرار الفرد ، نظرا لان المعنويات مستمدة من الدين . بناء على هذا فان العقيدة المشتركة هي الاساس الذي تقوم عليه الهوية الاجتماعية ، وتشخيص الحسن والقبح ، اضافة الى منظومة الحقوق والواجبات في النظام الاجتماعي[47].
مما سبق يظهر ان تصور التيار المحافظ في ايران لمسألة الهوية والفعل يماثل الى حد معين مفهوم الذات الفردية  individual-self التي طرحها المفكرون الاجتماعيون Communitarian كمقابل لمفهوم الفردانية individuality  في الليبرالية الكلاسيكية . وينطلق الاجتماعيون في نقدهم لفكرة الفردانية الليبرالية من اعتبار ذات الفرد منبعثة من الجماعة ، وان الفرد غير قادر على تشخيص هويته خارج اطار المعرفة المشتركة للذات الجمعية التي تمثل اساس الحياة الاجتماعية.  وكما قرر ساندل فان المفهوم الليبرالي قد اضعف بصورة فعلية  قيمة الخير بترك تشخيصه مفتوحا للافراد الذين لا يمكن ان يفكروا في الاشياء خارج اطار مصالحهم الخاصة . بالمقارنة ، فانه ثمة امكانية لان يعمل جميع الافراد في سبيل الخير العام الذي قيمته معنوية في الاساس[48].
على الصعيد السياسي فان المفهوم المحافظ لعلاقة الفرد-المجتمع يترجم عمليا على صورة رفض لفكرة الاساس التعاقدي للعلاقة بين الدولة والمجتمع . وحسب الشيخ الاصفي ، الفقيه المحافظ ، فان نظرية العقد الاجتماعي تنطوي على ثلاثة عناصر تتعارض مع تعاليم الدين الاسلامي : الاول : ان النظرية ترفض سيادة احد على احد "بمعنى امتلاكه لحق طبيعي اصلي في السلطة عليه". الثاني: انها تدعو الى حق الفرد في تقرير مصيره بنفسه. الثالث: انها تعطي الفرد حقا مطلقا في تحويل الحقوق السابقة الى من شاء. هذه القواعد الثلاث لا تطابق التعاليم الاسلامية في رايه ، اذ ان القرآن الكريم يقرر ان لله تعالى السيادة والفوقية على كل البشر والمخلوقات وانه الوحيد الذي يقرر مصير مخلوقاته ، وان السلطة تتقرر طبقا لتعاليمه وليس باختيار الانسان [49].
من ناحية اخرى فان الخطاب المحافظ يرفض فكرة "الحقوق الطبيعية" باعتبارها قاصرة عن تامين متطلبات المشاركة الشعبية في الشأن العام[50]. بدلا من ذلك يقترح لاريجاني مفهوم "التكليف" كاساس للرابطة الاجتماعية . طبقا لهذا المفهوم فان مشاركة اعضاء المجتمع السياسي في الشأن العام لا تقتصر على فترة محددة بل هي التزام مستمر مدى الحياة [51]. قد تتخذ هذه المشاركة شكل انتخاب الغير ، او الترشح للمناصب العامة ، لكن في كلا الحالين فان منطلق الفرد هو اداء المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقه . من هذه الزاوية ايضا فان المناصب العامة تعرف باعتبارها مسؤوليات وليس امتيازات "تكليف لا تشريف" . المضمون الذي يظهر بين ثنايا هذه الفكرة ، وان لم يجر التصريح به بوضوح ، هو ان الحقوق السياسية للفرد ليست موضوعا للنقاش ، بل واجباته كعضو في المجتمع السياسي ، وبالتالي قدرته على تحمل المسؤولية ، اي خدمة الغير في المستويات المختلفة .

المواطنة

يشير مفهوم المواطنة الى منظومة من الحقوق الدستورية يتمتع بها الفرد مقابل ولائه لوطنه . وتطورت الصيغة المعاصرة لهذا المفهوم خلال الثورتين الفرنسية والامريكية . وصيغت على هذا النحو لتمييز المواطن ذي الحقوق  عن المفهوم السابق الذي يعتبر الخاضعين لسلطة الملك رعايا او اتباعا يتوجب عليهم طاعة السلطات من دون مناقشة[52].  عرف ارسطو المواطن بانه (الرجل المؤهل لتولي المناصب العامة) ، وهذا المفهوم اساسي في الفكر الدستوري المعاصر فهو ينطوي على جانب كبير من فكرة المسؤوليات المتبادلة بين الدولة والافراد [53].
يستمد الخطاب المحافظ فكرته الخاصة حول المواطنة من مفهوم "الرعية" ، وهو من المفاهيم الاسلامية الكلاسيكية يشير الى علاقة افقية قائمة على الرعاية المتبادلة. ويبدو ان اقدم ما ورد في هذا الشأن هو الحديث المنسوب للرسول صلوات الله عليه  (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) . ثمة مفهوم تاسيسي اخر ورد في القرآن الكريم يقرر ان الناس متساوون بالولادة (انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم-الحجرات 13). وقد كان بالوسع ، استنادا الى مفهومي الرعاية المتبادلة والمساواة الاصلية ، تاسيس اطار متين للواجبات والحقوق المتبادلة بين الدولة والمجتمع . لكن الواضح ان التجربة التاريخية للدولة الاسلامية القديمة اتخذت اتجاها مغايرا جرى بموجبه تركيز الحقوق ، لا سيما السياسية ، في الحاكم . بينما اعتبر السكان مجرد رعايا "بمعنى الخاضع او التابع" . بل ان بعض الفقهاء –  في بعض الظروف على الاقل -  قد ذهب الى ابعد من ذلك ، فالقى على الحاكم نوعا من القداسة واعتبر وجوده نوعا من اللطف الرباني ، كما اعتبر التزام الناس بطاعته نوعا من التعبير عن الشكر لله على نعمه[54]. بصورة مجملة فان مفهوم المواطنة الذي يشير الى حقوق دستورية محددة لم يصبح موضوعا للنقاش في مجامع العلم الديني الا مؤخرا ، ولهذا فان ايحاءات المفهوم في اللغة المتداولة بين رجال الدين ليست بنفس السعة والغنى التي هي عليه في الادبيات السياسية الغربية التي تطور المفهوم في اطارها.
بالنسبة للشيعة على وجه الخصوص فان الفكر السياسي قد تطور في اطار البحث الفقهي ، ولهذا فان الكثير من القيم المعيارية والمفاهيم التي تحمل بعدا سياسيا قد احتملت مضمونا فقهيا[55]. في هذا الاطار فان الفرد يعرف كعضو في الجماعة الدينية ، كمتدين او مكلف ، لا كمواطن[56]. على نفس النسق فقد تعارف الروحانيون على تصنيف المجتمع الى شريحتين : العامة والخاصة ، وفي العادة فان الاولى تقرن بالجهل بينما تقرن الثانية بالمعرفة[57]. وتتألف الخاصة من حملة العلوم الشريفة "اي الدينية" وحملة العلوم العادية "اي غير الدينية"[58].  ومن اقدم النصوص التي اشارت الى هذا التقسيم الرواية المنسوبة للامام علي بن ابي طالب والتي يكثر الاستشهاد بها بين الكتاب والخطباء : (الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق)[59]. هذه الرواية – طبقا للشهيد الصدر – تشرح سلوك الناس تجاه اكتساب المعرفة ولا تستهدف تقديم وصف للتراتب الاجتماعي[60]،  لكنها جرت على الالسنة وفهمت كتصنيف معياري لاعضاء المجتمع بناء على نوعية العلم الذي يحملونه. ويترتب عليه ان مكانة الفرد الاجتماعية وحقوقه السياسية تزيد او تنقص تبعا لمقدار ونوعية ما يحمل من علم[61]. نشير هنا ايضا الى ان نظرة الروحانيين الشيعة الى عامة الناس تنطوي على شيء من الشك او الاستصغار ، وثمة كم كبير من الادبيات ، نصوصا وشروحا ، تدعم هذه النظرة من خلال نسبتها عامة الناس الى الجهل والغفلة والانانية. وهذا في ظني واحد من وجوه التناقض في ثقافة النخبة الشيعية ، لا سيما الروحانيين ، او على الاقل شريحة واسعة منهم . فبينما هم يتكلون بصورة كلية على عامة الناس في تامين معيشتهم ودعم مشروعاتهم السياسية والاجتماعية ، فانهم في الوقت ذاته لا يخفون ارتيابهم في عقلانية الجمهور وقدرته على ادارة حياته بنفسه.
تحولت مسألة الحقوق الدستورية المرتبطة بالمواطنة الى موضوع مثير للجدل في اواخر التسعينات حينما طرحها الاصلاحيون كعماد لخطابهم السياسي ، لا سيما خلال الحملة الانتخابية التي اوصلت محمد خاتمي الى رئاسة الجمهورية في مايو 1997. وقد جاءت الاشارة الاولى الى موقف المحافظين من خلال محاولات بذلها زعماء في هذا التيار لفرض مفهومهم الخاص للمواطنة وما يترتب عليها من حقوق سياسية ، ولا سيما الوصول الى المناصب العامة . وحسب مصباح يزدي فان المواطنة في مجتمع اسلامي لا تمنح صاحبها بالضرورة حقوقا معينة او امتيازات سياسية . حق الوصول الى المناصب العامة ، خاصة الحساسة منها ، يتقرر بناء على معاييرالكفاءة الاخلاقية وليس معايير الحقوق الدستورية او الطبيعية :
  • في الوقت الذي يعتبر المواطنون - من حيث المبدا - متساوين ، فان حقوقهم ولا سيما الحق في اشغال المناصب العامة ليس على هذا النحو [..]. نعتقد ان الاساس في هذه الحقوق هو رضا الله .اولئك الذين يعيشون في مجتمعات ليبرالية او مجتمعات ديمقراطية لا تتبع احكام الله ، يقولون بان الراي العام هو المعيار الذي يجب مراعاته ، لكننا نقول انه بالاضافة الى الراي العام ، فان رضا الله اولى بان يراعى ويتبع. يجب ان لا يكون هناك اي راي او مطلب او حق يعارض رضا الله وقانون الله[62].


هذا التاكيد يبدو طبيعيا من جانب المحافظين ، ذلك ان المناصب العامة تعتبر كما اشار لنكراني "امانة" لا يقوم بها غير من ثبتت كفاءته وامانته[63]. رغم ان دستور الاسلامية يقرر حقوقا متساوية نسبيا للايرانيين ، الا ان رجال الدين التقليديين لم يرضوا ابدا بفكرة الحقوق المتساوية . ومنذ اوائل الثمانينات كانت هناك محاولات متواصلة لاعادة تعريف القواعد التي قررها الدستور للحقوق السياسية وحقوق المواطن كي تطابق مفهوم الامانة في التعريف الديني المتشدد. والحقيقة ان محاولات المحافظين لفرض مفهومهم قد اثارت على الدوام جدالات ومنازعات بين القوى السياسية. وخلال ثمانينات القرن المنصرم حاول الروحانيون التقليديون فرض مفهوم "الامانة" كمعيار عام للحصول على الوظائف الحكومية ، حيث طلب من جميع المتقدمين للوظائف اثبات التزامهم باحكام الدين وادائهم لشعائره وولائهم لرجاله . لكن تلك السياسة ووجهت بمعارضة غاضبة من جانب الامام الخميني الذي امر بحل "هيئات التوظيف" التي شكلت للتحقق من صلاحية المتقدمين[64].
في السنوات الاخيرة تمحور الصراع بين المحافظين ومنافسيهم حول سعي اولئك للاستفادة من تفسير متشدد للنص الدستوري المتعلق بنظام الانتخابات ، لتحديد من يسمح له ومن يمنع من الترشح للبرلمان . اعطى الدستور لمجلس صيانة الدستور سلطة الاشراف على جميع الانتخابات عدا انتخابات المجالس المحلية . وفي 1995 قررت الاغلبية المحافظة في البرلمان تعديل قانون الانتخابات باضافة بند ينص على ان اشراف المجلس الدستوري على الانتخابات هو "نظارة استصوابية = تحكمية" وهو مفهوم يعطي المجلس سلطة مطلقة في ادارة العملية الانتخابية ، بما فيها قبول او رفض الترشيحات من دون اعلان الاسباب[65]. ولعل احدث تطبيقات هذه السلطة هو قرار المجلس بمنع المرشحين الاصلاحيين من خوض الانتخابات الرئاسية لعام 2005 لولا تدخل مرشد الثورة لصالح اثنين منهم.  وطبقا لاحتجاجات المجلس فان المؤهلات التي يجب ان يثبت المرشح تمتعه بها تضم اضافة الى تلك المحددة في قانون الانتخاب : الالتزام العملي بالاسلام ، الولاء الملموس للولي الفقيه ، السمعة الحسنة ، الامانة ، والاعتمادية . ويجادل المجلس بان مجرد الانتماء للاسلام لا يكفي ، لان البرلمان مكلف بحماية الدين وترقية الاخلاق والقيم في المجتمع ، الامر الذي يتطلب تدينا كاملا في الاعضاء . كما يرى ان الولاء المجرد للدستور لا يكفي ايضا لانه سوف يسمح بانتخاب اعضاء ينتمون لاحزاب غيرقانونية [66]. وفي العام 2004 استبعد المجلس نحو ثلثي المترشحين للانتخابات النيابية لعام 2004، وكان احتجاجه يومئذ ان هؤلاء لا يحملون ولاء مخلصا للولي الفقيه . وضمت قائمة المستبعدين 550 من الروحانيين والوزراء والنواب الحاليين او السابقين ، وبينهم جميع المرشحين من جانب حزبي المشاركة ومجاهدين انقلاب الاصلاحيين. وخلاصة الكلام ان مفهوم المحافظين للمواطنة يفصل بينها وبين اي حقوق دستورية محددة . ومع اقرارهم للمساواة بين المواطنين من حيث المبدأ ، الا ان هذا لا يسري على المساواة في الحصول على المناصب العامة التي تخضع لمعايير اخرى ، ابرزها اعتبار الوظيفة العامة امانة .

الشرعية وحاكمية القانون

في الادبيات السياسية المعاصرة يعتبر الفعل شرعيا اذا جرى وفق القانون ، وتعتبر سلطة الحاكم مشروعة اذا حصل على تفويض شعبي ، وعليه فان مفهوم "الشرعية" ينطوي على معنيين : كون الفعل قانونيا واستناده الى رضا الجمهور. ويحترم الخطاب المحافظ كلا العنصرين ، لكن ضمن ابعاد مختلفة واستنادا الى تاسيس فلسفي مختلف مما يستدعي بالضرورة نطاقا من الاثار القانونية يختلف عما هو متعارف في الادبيات الليبرالية.
 خلافا للنظريات الليبرالية فان المشروعية السياسية في النموذج الشيعي التقليدي لا تقوم على اساس الرضا العام بل على ارضية العلاقة بين الخالق والمخلوق . فكل ما طابق تعاليم الدين فهو حق ، وكل ما هو حق فهو مشروع ، بكلمة اخرى فان الافعال المشروعة هي الافعال التي لا تعارض حكم الشرع[67]. اي ان المشروعية ترتبط حصرا بقانونية الفعل ، كما تأخذ الشريعة الاسلامية مكان القانون العرفي . ويقدم المحافظون تأسيسا فلسفيا لهذه الفكرة مستمدا من مفهوم الفعل الحق او "البراكسيس praxis "  الذي طرحه ارسطو. ويشير هذا المفهوم الى نوعية من الافعال هي في ذاتها غاية ، وبهذا تتميز عن سواها من الافعال التي هي وسيلة لنيل غرض آخر او  "بويسيس poiesis " [68]. انه بكلمة اخرى تمييز بين نوعين من الافعال احدهما غاية في ذاته والثاني وسيلة لنيل غاية هي فعل منفصل عنه. ويستخدم لاريجاني هذا التمييز كأرضية لمفهوم الشرعية السياسية بديلة عن الرضا العام او القانون ، وهو يقول في هذا الصدد بان  (الفعل الحق مشروع بذاته سواء تطابق مع قانون محدد ام لا)[69].
فيما يتعلق بحاكمية القانون فان المسألة التي تستقطب القدر الاكبر من الاهتمام هي القيود الدستورية على ممارسة السلطة . كلا الفكرتين : شرعية السلطة وحاكمية القانون هما من اعمدة الدولة الحديثة ، حيث يرتبط تحديد السلطة ارتباطا مباشرا بمشروعيتها[70]. وتفهم العلاقة بين الشرعية وحاكمية القانون من خلال مبدأين : الاول: ان يكون عمل الدولة نظاميا، خاضعا لقواعد قانونية محددة سلفا ويمكن التنبؤ به. الثاني: تعريف المناصب العامة طبقا لقانون عام يحدد الادوار والسلطات والمهمات الموكلة الى صاحب المنصب بغض النظر عن اي خصوصيات شخصية تتعلق بالمؤهلين له [71]. ومن دون حاكمية القانون فانه يتعذر اخضاع الحاكم للمساءلة والمحاسبة. 
سوف اركز هنا على تطبيق المفهومين فيما يتعلق بسلطة الولي الفقيه التي تمثل اليوم محور الجدل بين التيارات المتنافسة في السياسة الايرانية . يستمد الفقيه سلطته من كون الشريعة هي القانون الحق ، وكونه مصدر العلم باحكامها ، فهو المفوض باستنباط الاحكام الفرعية من مصادرها الاصلية . ومن هذه الزاوية فان اراءه تحمل شيئا من القداسة بما هي تعبير عن ارادة الله[72].  وعلى هذا الاساس فان راي الفقيه يعتبر اسمى من اراء سائر الناس ولا يمكن قسره ضمن الحدود الضيقة للقانون الذي يضعه البشر . ويسهل تفهم هذا المبدا طالما تعلق الامر بالدور التشريعي للفقيه ، خاصة في الامور ذات الطبيعة الشخصية "اي ما ينحصر ضمن علاقة المكلف مع مرجعه الديني".
 لكن بالنظر لكون الفقيه رئيسا للدولة ، فان عليه تعريف حدود سلطته بالرجوع الى قواعد اخرى[73]. ويظهر لي انه حتى اواخر العام 1987 كان الفهم العام يميل الى اعتبار سلطات الولي الفقيه محدودة في اطار الدستور . وفقا لما ذكره رئيس الجمهورية يومذاك السيد علي خامنئي في خطبة الجمعة في اول يناير 1988 فان الولي الفقيه لا يستطيع تجاوز حدود الدستور[74] . بعد بضعة ايام تعرض خامنئي لتوبيخ من قائد الثورة اية الله الخميني الذي قال في رسالة علنية ان تلك الاقوال تشير الى فشل في استيعاب المعاني السامية للولاية المطلقة التي حصل عليه الفقيه من النبي عن طريق الامام المعصوم . وعرض الخميني في تلك الرسالة مفهوما لسلطة الفقيه يتجاوز كل ما كان معروفا حتى ذلك الوقت ، حيث قرر ان الولي الفقيه مخول دون اي قيد باتخاذ اي اجراء يراه ضروريا لتأمين مصالح البلاد والدين ، فالفقيه قادر على تجميد اي من التكاليف الدينية الفرعية ، وكذلك القوانين والعقود ، بما فيها العقود الشرعية مع الشعب [75]. وقد ادت رسالة الخميني تلك الى تحول مثير في فهم سلطة الفقيه . منذ ذلك الوقت بدأت هذه السلطة توصف بانها "ولاية مطلقة" وقد اضيف هذا الوصف الى البند الدستوري الخاص بصلاحيات مرشد الثورة "المادة 57" في التعديلات الدستورية التي اجريت في العام 1989[76].
صورة ذات صلة
محمد مؤمن قمي
 وحسب اية الله محمد مؤمن ، الفقيه المحافظ ، فان سلطات الولي الفقيه تتحدد على اساس القواعد الدينية وليس القانون الوضعي [77]. بل ان الفقيه مخول بتعديل اي قانون بما فيها الدستور دون الحاجة الى موافقة اي جهة اخرى[78] . وخلال السنوات الاخيرة قام مجلس صيانة الدستور باعاقة عدد من اللوائح البرلمانية التي تستهدف تعزيز قدرة البرلمان على مراقبة عمل المؤسسات الحكومية الخاضعة لاشراف الولي الفقيه بناء على نفس المبدأ[79]. وفي العام 2000 قرر مجلس تشخيص مصلحة النظام ، وهو هيئة استشارية لمرشد الثورة ، ان البرلمان لا يملك صلاحية فحص او محاسبة تلك المؤسسات[80].
كيف يرى المحافظون اذن قيمة التشديد الدستوري على حاكمية القانون وحدود السلطة ؟.
تخول المادة 110 من دستور الجمهورية الاسلامية الولي الفقيه نطاقا واسعا من السلطات تتضمن وضع الاستراتيجيات الكبرى للنظام ، التعبئة العامة للحرب ، القيادة العامة للقوات المسلحة ، تعيين كبار الضباط وبعض كبار المسؤولين في الدولة ، وغيرها . ويرى المحافظون ان الصلاحيات المقررة في هذه المادة – على سعتها – قد ذكرت على سبيل المثال لا الحصر ، وبالتالي فهي ليست حدودا لسلطاته ولا تشمل "جميع" صلاحياته[81] . وقال لاريجاني ان رعاية حدود القانون من جانب الفقيه امر مرغوب من اجل ضمان كفاءة العمل وليس على قاعدة الالزام ، بمعنى ان مراعاة القوانين والقواعد المحددة سلفا سوف تعين على تحسين كفاءة الاداء وبالتالي افضلية الناتج[82]. هذه الرؤية تقوم على مفهوم البراكسس ، او الفعل الحق الذي سلفت الاشارة اليه حيث يعتبر العمل الحسن شرعيا بذاته ولا يحتاج الى تاسيسه على مصدر شرعية خارجي مثل القانون. وحسب راي صادق حقيقت ، فان القوانين يجب ان لاتحول دون القيام بعمل هو بذاته غاية مشروعة او يقصد منه التوصل الى غايات مشروعة [83].
الجمهورية وسيادة الشعب

تاكيد الثورة الاسلامية وزعيمها على مبدأ "الجمهورية" يعد سابقة لا نظير لها في التراث الديني الشيعي . وقد اثار منذ طرحه الكثير من الاسئلة حول ما يترتب عليه ، ولا سيما نسبة الحاكمية الى الشعب . ومنذ وفاة الخميني في 1989 ، فان هذه الاسئلة ونظائرها قد اصبحت زادا يوميا للنقاشات الجارية بين التيارات المتنافسة ومفكريها . وظهرت اول اشارة الى ارتياب المحافظين في مبدأ جمهورية النظام في ابريل 1997 من خلال رسالة وجهتها جمعية المؤتلفة وهي الحزب الرئيسي في التيار المحافظ الى مجمع تشخيص مصلحة النظام تطلب فيها تحديد الطريق الذي سوف تسلكه الجمهورية الاسلامية في مسعاها للتطور الى "دولة العدل الاسلامي".[84] ومع ان هذا المقترح لم يؤخذ بجدية من جانب اي من الاطراف السياسية ، الا انه سلط الضوء على حقيقة ان المحافظين - الفريق التقليدي منهم على الاقل – لا ينظر الى "الجمهورية الاسلامية" الا كمرحلة انتقالية بين الدولة الملكية العلمانية والدولة الدينية الكاملة [85]. طبقا لمصباح يزدي فان الجمهورية هي مجرد اطار وليس مبدأ : )لا ينبغي ان ننظر للجمهورية كاطار معياري للحكومة يلزمنا صياغة نظامنا وفقا لمقتضياته [..] تصويت الشعب الايراني المسلم لصالح الجمهورية كان في حقيقة الامر اقرب الى رفض النظام الملكي منه الى تحديد بديل معين( [86].
في نفس السياق يدعي محسن غرويان ان اية الله الخميني قد اخذ بفكرة الجمهورية مضطرا ، لكنه لم يكن من المؤمنين بالجمهورية ابدا[87]. تردد المحافظين في قبول مبدأ الجمهورية يعود الى مكونها الرئيسي ، اي الدور المركزي للشعب في تفويض السلطة واختيار سياسات الحكومة ، اضافة الى الدور التشريعي لممثلي الشعب في البرلمان.  طبقا للمادة 107 من دستور الجمهورية الاسلامية لعام 1980 فان مرشد الثورة يعين باكثرية الاصوات في مجلس خبراء ياتي اعضاؤه بالانتخاب الشعبي المباشر. وتنطوي هذه العملية على اشارة الى ان التصويت الشعبي هو مصدر سلطة الفقيه. ويبدو ان اقامة مجلس الخبراء كان حلا وسطا للخلاف بين الحداثيين والتقليديين حول مصدر السلطة في النظام الجديد. من ناحية اخرى فان تشكيل المجلس على هذا النحو هو تعبير عن هيمنة الاتجاه النخبوي فيما يتعلق بصناعة السياسة في التراث الاسلامي. في المذاهب الاسلامية السنية مثلا فان الحاكم يختار من جانب النخبة العليا التي يطلق عليها "اهل الحل والعقد" ، وهي اطار غير رسمي يفترض ان تتمثل فيه مختلف الفاعليات الاجتماعية . ولا يوجد تحديد دقيق لقواعد المشاركة في هذا الاطار او طبيعة دوره ، الامر الذي تركه مفتوحا لمختلف الاجتهادات [88]. وقد جرى تطوير فكرة "اهل الحل والعقد" في الدستور الايراني الى صيغة مجلس الخبراء ، الذي تتلخص مهمته في اختيار مرشد الجمهورية ومراقبة عمله "المادتان 107، 111" .
بالنسبة للروحانيين المحافظين ، فان الانتخاب الشعبي لاعضاء المجلس لا ينطوي على تفويض سلطة من جانب الشعب للمجلس . كما ان اختيار المجلس للقائد لا ينطوي على تحويل السلطة اليه، لانها – حسب يزدي - ليست في يد الشعب كي يفوضها ، وفاقد الشيء لا يعطيه[89]. وعليه فان دور المجلس حسب تعريف رئيسه الحالي علي مشكيني يتحدد في "اكتشاف" المرشح المرضي عند الله ، وليس نقل السلطة من الشعب اليه[90]. اما ناصر مكارم شيرازي فيشدد على ان الانتخاب لم يكن ابدا من بين التقاليد المعروفة عند علماء الشيعة  (ولو كان لبان) [91].
ثمة تفسيرات مختلفة لميل الفقهاء المحافظين الى انكار دور الشعب في تفويض السلطة ، منها :
اولا : طبقا لنظرية الامامة المعصومة فان السلطة تصدر من الاعلى للاسفل : الولاية المطلقة تفوض من قبل الله تعالى الى النبي في معناها التشريعي ومن خلاله الى الامام المعصوم ثم الفقيه[92]. بناء عليه فان السلطة ليست من شأن الشعب كما يقول آملي : (وظيفة الشعب ليست وضع قواعد العمل ، بل الالتزام بالقواعد التي وضعها المشرع ). [93] ومع ان آملي يرفض الربط بين سلطة الفقيه والارادة العامة ، الا انه يقر بوجود فرصة لمشاركة الشعب في صناعة القرار في وقت ما في المستقبل ، اذا ثبت التزامه بالقيم الدينية والولاء للفقيه. لكن هذا لا يصل الى حد الانتخاب المباشر للقائد ، كما ان طبيعة هذا الدور ومؤدياته قد لا تكون مطابقة بالضرورة لما هو متعارف في الادبيات السياسية الغربية [94].
ثانيا : المتعارف عليه في التراث الاسلامي ان التشريع هو وظيفة خاصة بالعلماء باعتبارهم مفسرين للنص الديني[95]. ولهذا فقد كان الدور التشريعي للبرلمان من بين اكثر المسائل اثارة للجدل بين الاسلاميين . وقد وضع دستور 1906 حلا لهذا الجدل بتعيين هيئة فقهية مفوضة بالتحقق من عدم تعارض اللوائح البرلمانية مع ثوابت الشريعة الاسلامية . وجرى الاخذ بنفس الترتيب في دستور الجمهورية الاسلامية . وقد اشرت في الفصل الثاني الى ان اية الله الخميني قد اعاد تعريف دور البرلمان التشريعي باعتباره تشخيصا للمصالح العامة . ويقوم هذا التعريف على مبدأ متفق عليه بين الفقهاء خلاصته ان الاحكام الشرعية تدور مع المصالح ، فحيثما ثبتت المصلحة العامة فان الحكم الشرعي يكون معها . ويميل عدد كبير من علماء الشيعة الى الراي القائل بان المصالح والمفاسد هي امور عرفية من حيث طبيعتها ، وان تشخيصها يرجع الى العقلانية الجمعية او ما يطلق عليه في اصول الفقه "بناء العقلاء"[96]. لكن يبدو ان هذه الفكرة ليست مقبولة بصورة كاملة بين شريحة واسعة من العلماء التقليديين ، ربما بسبب الاثر السياسي المباشر الذي سوف تؤدي اليه ، اي اعتبار البرلمان مركزا للسلطة مستقلا عن سلطة الروحانيين .
ثالثا واخيرا: فان رفض الروحانيين المحافظين للدور المركزي للشعب هو ثمرة للميول النخبوية السائدة بين رجال الدين المسلمين ، والتي ادت بهم الى النظر لعامة الناس باعتبارهم رعاعا غافلين وعاجزين عن الادراك العقلاني لما يصلحهم وما يفسدهم . ومن هنا فان الاغلبية الكاثرة من رجال الدين يميلون الى ضرورة ان يتولى امور العامة ولي يقودهم ويحرس مصالحهم[97]. وطبقا لمشكيني فان تعيين القائد هو وظيفة كبار العلماء ، لان عامة الناس تفتقر الى الاهلية اللازمة لتشخيص القائد الكفء [98].
على رغم انكار الروحانيين المحافظين لحق الشعب في تفويض السلطة ، الا ان دستور الجمهورية الاسلامية ينص على الانتخاب كوسيلة وحيدة لتولي المناصب السيادية . ويبدو ان المحافظين لم يكونوا قادرين – من الناحية السياسية على الاقل - على رفض مبدأ الانتخاب بشكل مطلق . اذ ان موقفا كهذا سوف ينظر اليه كرفض لمشروعية النظام ككل . لهذا فقد مالوا الى القبول بالانتخابات بالتوازي مع تقديم تفسيراتهم الخاصة لطبيعة وآثار هذه العملية . ونجد في هذا الاطار ثلاثة اتجاهات في تفسير مفهوم الانتخاب وآثاره القانونية :
1- اتجاه يرى ان الانتخاب هو تعبير عن اعتراف الشعب بحق ثابت سلفا للقائد ، فهو بهذا المعنى "علامة" على سلطته – حسب تعبير آملي – وليس "علة" منشئة لها. الشعب ملزم – شرعا – باكتشاف القائد الشرعي والاعتراف بسلطته الحقة[99]. المعنى الضمني لهذه المقاربة ان هناك على الدوام شخص واحد يملك الحق في السلطة ، وان على المجتمع التعرف عليه وتمكينه من بلوغ منصب القيادة[100].
2- يقدم اية الله حائري توصيفا تقنيا للرضا العام ، فهو يرى ان جميع الفقهاء المجتهدين مؤهلون للقيادة ، اي قادة شرعيون بالقوة potentially ، لكن واحدا منهم فقط يمكن ان يتولى السلطة في وقت معين. ومن هنا فانه يمكن الركون الى رغبة الشعب لترجيح احد المرشحين . لكن هذا لا ينطوي على تفويض سلطة من جانب المقترعين للمرشح الفائز ، انه فقط بمثابة اعلان الدعم والتشجيع له[101]. جوهر هذه الفكرة انه لا يوجد في وقت معين قائد واحد مرضي من قبل الله كما في التفسير السابق ، الا اذا اعترفت اغلبية الشعب بسلطته . لكن على اي حال فان دور الشعب في تفويض السلطة ليس مورد اهتمام هنا ، فهذا التفسير يركز فقط على حل التعارض المحتمل عند تنافس اكثر من فقيه على منصب القيادة.
3- يعرض قائممقامي ، وهو من الجيل الجديد من الروحانيين المحافظين ، تفسيرا غير معتاد نوعا ما في وسط هذا التيار. فهو يدعو الى النظر الى منصب ولاية الفقيه بصورة منفصلة عن صاحب المنصب من جهة وعن بقية المناصب السيادية في الدولة من جهة اخرى. وفي رأيه ان منصب ولاية الفقيه قائم على ارضية دينية بحتة ، لكن سلطة صاحب المنصب قائمة على اساس دستوري ، وعلى وجه التحديد التفويض الشعبي[102]. ويذهب قائممقامي الى ان المناصب والمؤسسات السيادية في الدولة – عدا ولاية الفقيه – قائمة على ارضية الارادة العامة ، وان دور الفقيه في هذا الصدد اشرافي وليس اداريا او تنفيذيا[103].
بالمقارنة  ، فان رؤية الاتجاهين الاولين تميل الى اعتبار شرعية عمل الدولة مستمدة في مجملها من الولي الفقيه ، بمعنى ان وجود الفقيه على راس الدولة هو الذي يضفي المشروعية على عملها. ويترتب عليه القول بان مؤسسات الدولة واجهزتها هم بمثابة الايدي المتعددة للفقيه القائد . اما دور الشعب فهو محدد بدعم الفقيه واسناده ، هذا الدعم مفيد لتعزيز كفاءة الدولة وتحسين قيامها باعمالها اضافة الى صيانة الوحدة الوطنية . في هذا الاطار فان رغبات الشعب يمكن ان تحترم من جانب القائد لكن القائد ليس ملزما في اي حال باتباعها او التقيد بحدودها[104].

الاطار المرجعي لخطاب المحافظين السياسي

يمثل كل من التيارين المتنافسين في السياسة الايرانية ، المحافظون والاصلاحيون ، منهجا خاصا في التدين والتفكير ، هو ثمرة لفهمه الخاص للدين ومفهوماته وتطبيقاته في مجاري الحياة. في الصفحات التالية سوف اناقش القاعدة الايديولوجية التي تقوم عليها متبنيات التيار المحافظ وطروحاته السياسية ، ونترك مناقشة الاطار المرجعي للاصلاحيين الى الفصل التالي .
تقوم الايديولوجيا المحافظة على تركيب من ثلاثة مباديء : الدين باعتباره شاملا لجميع شؤون الحياة ، الفقه الموروث باعتباره المنهج الرسمي في تفسير القواعد الاصلية للدين وتحديد كيفية تطبيق مفرداتها على حياة الافراد والمجتمع ، واخيرا اعتماد مؤسسة الحوزة العلمية والمرجعية الدينية ، وبشكل عام طبقة رجال الدين ، كمصدر رسمي للفكر والاحكام الدينية . بناء على المبدا الاول ، فان السياسة ، شأنها شأن باقي ضروب الحياة هي امر ديني . في الحقيقة فان الخطاب المحافظ يتحدث عن "حياة دينية" و "دولة دينية " وليس عن "دور الدين" الذي ربما يفهم منه نوع من النسبية في العلاقة بين الدين والحياة . بناء على هذا فان القيم التي يجري التعبير عنها من خلال الحراك السياسي والمعايير المتبعة في تقييم الفعل السياسي ينبغي ان تعرف في صيغ دينية وان تحدد بالرجوع الى منظومة القيم الدينية[105] . ويرجع هذا التشديد – كما قرر يزدي – الى الايمان بان الاسلام يمثل نظاما اعتقاديا يتعلق بوجود الانسان ، وان من الواجب حينئذ ان يتجسد بكماله في السلوك اليومي للانسان. يجب على الفرد المسلم ان يلتزم بالطاعة المطلقة لله سبحانه باعتباره الخالق والحاكم المطلق للكون[106]. هذا النوع من الطاعة يتحقق من خلال اتباع اوامر الله التي وصلت الينا بواسطة الخبراء الموثوقين ، اي علماء الدين ، ذلك ان اتباع اهل الخبرة في كل علم هو التزام عقلائي[107]. يجب اتباع آراء الفقهاء لانها تجسد جوهر الدين ، وحسب تعبير معرفت فان الارتباط التاريخي للروحانيين بالعلوم الدينية قد جعلت لغتهم تعبيرا دقيقا وكاملا عن لغة القرآن[108].
يستهدف هذا المفهوم التمييز بين نوعين من فهم الدين ، فهم الفقهاء الذي يركز على الواجبات المفترض ان يلتزم بها المكلف تجاه ربه ، وبين فهم الفلاسفة والمتصوفين والمفكرين الذين يركزون على الجانب الروحي والتربوي من الدين بدرجة تتجاوز اطار الواجبات والمحرمات المتعارفة بين الفقهاء . وقد تعارف المحافظون على وصف مفهومهم الخاص للدين باسم "الاسلام الفقهي" وهو احد العناصر الكبرى التي تميز خطابهم السياسي عن باقي التيارات السياسية والفكرية في ايران[109].

الفقه التقليدي:

وجود قراءت مختلفة للمصادر الدينية ليس بالامر الجديد على الفكر الاسلامي ، فقد كان معروفا منذ قرون ، لكن تحوله الى مورد جدل في الساحة الدينية الايرانية يرجع فقط الى اواخرالستينات من القرن العشرين حين انقسمت الساحة الدينية بين تيارين: تيار اقلية تبناه المفكرون غير الروحانيين ، وتيار تبناه قادة المؤسسة الدينية ومدارس العلوم الشرعية. ركز الاول على ما يعتبره جوهر الدين مثل الروحيات والاخلاق والمعرفة وبدرجة اقل النظام القانوني "او التكاليف" . بينما ركز التيار الثاني على فكرة التكليف او الواجب الشرعي باعتباره عمود خيمة الاجتماع الديني ومحور العلاقة بين الانسان وربه . وقد احتفظ التيار الثاني بالنفوذ الاجتماعي والهيمنة في الوسط الديني ، بينما بقي الاول تيار اقلية .
مع الثورة الاسلامية عام 1979 انقلبت اقدار التيارين ، فقد عزز انتصارها مصداقية التيار الاول وطروحاته وشعبيته. كما استفاد هذا التيار من النقد الذي وجهه اية الله الخميني لما وصفه بالعقلية الضيقة للروحانيين التقليديين وفقههم واهتماماتهم. لكن تيار الاسلام الفقهي حافظ – مع ذلك - على هيمنته في مراكز العلم الديني والمدن المقدسة بشكل عام . وفي اواخر الثمانينات احرز نجاحات اضافية على الصعيد السياسي ، لا سيما بعد وفاة آية الله الخميني وتضاؤل القوة السياسية لليسار الديني ، الذي كان الذراع الضاربة للتيار المنافس. ويبدو ان انتقادات الخميني كانت تستهدف في المقام الاول تحفيز فاعلية الفقهاء والروحانيين التقليديين اكثر مما تشير الى تاييده لطروحات التيار المنافس ، ذلك ان الخميني نفسه هو اقرب – ثقافيا واجتماعيا - الى التيار التقليدي رغم توجهاته التجديدية المميزة.
يستهدف الاسلام الفقهي تحديد خط واضح يفصل بين ما يعتبر موضوعات للمعرفة وموضوعات للممارسة . ويشدد على ان ما يهم المؤمنين الافراد هو الجانب الثاني وليس الاول. وفي هذا الاطار فقد اصبح من التقاليد السارية ان يصدر المترشحون للمرجعية الدينية ، وهي المنصب الاعلى في المؤسسة الدينية ، كتابا يسمى بالرسالة العملية ، يجمع فيه الفقيه فتاواه واراءه في مختلف القضايا التي هي محل اهتمام من جانب المكلف . وتمثل "الرسالة  العملية" صلة الوصل الرئيسية – وغالبا الوحيدة – بين المرجع ومقلديه.
استعمل الخميني مصطلح "الفقه التقليدي = فقه سنتى" للمرة الاولى في سبتمبر 1981 [110]. وطبقا لمحامد فهذا المصطلح يشير الى (منهج الاجتهاد الذي تطور من خلال عمل فقهاء الشيعة وبحوثهم طيلة عشرة قرون ، وجرى توثيقه في كتبهم المرجعية)[111]. في العام 1983 عبر الخميني عن تفضيله لمنهج الجواهري في الاجتهاد ، اضافة الى الفقه المتجدد او الديناميكي "= فقه بويا":
فيما يتعلق بالمنهج ، فاني مؤمن بالفقه التقليدي ومنهج الجواهري. هذا المنهج سليم وينبغي الالتزام به .  هذا لا يعني على اي حال ان الفقه الاسلامي ليس متجددا . متغيرات الزمان والمكان هي عوامل مهمة ، يجب مراعاتها للتوصل الى اجتهاد دقيق . احكام الدين وقواعده يجب ان تفهم على ضوء الحقائق الواقعية للحياة . كل نظام يشكل شبكة خاصة من العلاقات الاجتماعية ، السياسية ، والاقتصادية تجعل موضوع الحكم الشرعي مختلفا في الجوهر . كي يكون الفقيه كاملا فعليه ان يتفهم الطبيعة المتغيرة للعالم الذي يعيش فيه [112].
نشير هنا الى ان الجواهري المقصود في كلام الخميني هو الشيخ محمد حسن النجفي الذي اصبح يعرف بالجواهري بعد اصداره موسوعته الفقهية "جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام" . تولى الجواهري الزعامة الدينية في النجف الاشرف حتى وفاته في 1847 واشتهر برجوعه المتكرر الى العرف والمباني العقلية في تعريف موضوعات الاحكام الدينية[113].  كما يلحظ في بحوثه الاهتمام بالقضايا العامة التي تطفو على سطح المجتمع ، خلافا لمعظم انداده الذين قصروا اهتمامهم على الاحكام التي تهم المكلفين الافراد في المقام الاول . وفي راي فخر فان هذا هو السبب الذي جعل منهج الجواهري مفضلا عند الخميني ، خاصة وان الانشغالات الفقهية للاخير كانت تدور غالبا حول الاطار الاجتماعي للحكم الشرعي اكثر من اهتمامه بالمكلف الفرد[114]. نشير ايضا الى ان اهتمام الجواهري بالعرف والمباني العقلائية كان نابعا من اهتمامه الخاص بتطبيقات الاحكام ، خلافا للسيرة السائدة في مجامع العلم الشرعي التي تنظر للبحث الفقهي كعمل علمي مجرد ، وهو الامر الذي انتقده الخميني تكرارا [115].
كان تيار اليسار الديني قد اتخذ مصطلح الفقه المتجدد او الديناميكي "فقه بويا" كعامل تمييز بينه وبين الروحانيين التقليديين الذين صنفوا الى جانب اليمين[116]. لكن مع مرور الوقت فان افتقار المصطلح الى تعريف دقيق جعله عرضة لتفسيرات متباينة ، لعل ابرزها التفسير الذي طرحه الفريق البراغماتي في التيار المحافظ ، الذي تعامل مع فكرة الفقه المتجدد باعتبارها اعادة تعريف الالتزامات الدينية في ضوء حاجات الدولة ومتطلباتها . وهذا الفهم يتباين بوضوح مع الفهم السائد بين المحافظين التقليديين الذين يدعون الدولة الى تكييف نفسها ضمن حدود الاطار الفقهي وليس العكس، كما يتباين مع الفهم السائد بين الاصلاحيين الذين يدعون الى فقه جديد تماما ، يقوم على قطيعة نهائية مع الفقه التقليدي.
منذ قيام الجمهورية الاسلامية كان تطبيق المفاهيم والاحكام الفقهية من خلال مؤسسات النظام السياسي وقوانينه موضوعا ثابتا للجدل . وقد اقر كبار الفقهاء بمن فيهم الخميني بالحاجة الى تطوير منهج الاجتهاد وتوسيع افاقه . ويبدو من التامل في الظرف الخاص الذي شهد اعلان الخميني تمسكه بالفقه التقليدي ، ان هذا الاعلان كان يستهدف بالدرجة الاولى التاكيد على نمط الفهم الديني المتعارف بين الروحانيين والحوزات العلمية في مقابل محاولات المفكرين الدينيين – لا سيما المعارضين لسلطة الروحانيين - احتلال دور هؤلاء في زعامة المجتمع وتقديم الفكر الديني على السواء . ويمكن فهم هذا على ضوء التعارض التاريخي بين الطرفين ، اذا ان تصاعد نفوذ المفكرين الدينيين كان على الدوام سببا في انخفاض دور الروحانيين ونفوذهم السياسي والاجتماعي. وقد وجه الخميني نقدا شديدا لمحاولات اولئك عرض ما يصفونه بفقه جديد واعتبرها (نقطة البداية لتدمير الحوزات الدينية)[117].  وفي الخطاب الذي شدد اثناءه على "الفقه التقليدي" انتقد الخميني اتجاه المفكرين لاغفال الدور القيادي لرجال الدين أو ادعاءهم لانفسهم دورا في قيادة المجتمع معارضا لدور الروحانيين ،  وهو موضوع اظهر الخميني ازاءه حساسية ملحوظة وشكل محورا بارزا في خطابه وعمله السياسي .
يمكن القول اذن على سبيل الخلاصة ان مصطلح "الفقه التقليدي" يطابق منهج استنباط الاحكام الشرعية السائد في مجامع العلم الديني . لكن بالنسبة لاية الله الخميني فان الفقه لا يستطيع استيعاب متغيرات الحياة المعاصرة ولا سيما حاجات الدولة الحديثة ، ما لم يتعرف الفقهاء على الشروط الواقعية للعالم المحيط بهم ، وما لم يطوروا منهجهم في البحث والعلم بحيث يستوعب المفاهيم الجديدة وحقائق الحياة العصرية . ان ابرز مضامين ومقتضيات الفهم الفقهي للاسلام هي :
1- الفلسفة السياسية والنظرية السياسية ينبغي ان تتكيف مع الاطارات المفهومية للفقه ، وان الفقه لديه القابلية لاستيعاب متطلباتهما جميعا[118].
2- ان تطبيق الاحكام الدينية هو الغرض الاكبر للدولة . نظرا لقدرة الدين على استيعاب وحل المشكلات التي تبرز في الحياة الاجتماعية ، فان على الدولة ان تصوغ سياساتها وبرامجها بما ينسجم مع المعايير الدينية . العلاقات في المجتمع السياسي والمصالح العامة يجب ان تعرف على قاعدة التعاليم الدينية ومع مراعاة المعايير الدينية [119].
3- تكتسب مطالب الجمهور الشرعية بعد ان يشخصها الحاكم الشرعي  كمصالح عامة ، فتتحول عندئذ الى التزام على الدولة ، بغض النظر عن حقيقة كونها تعبيرا عن ارادة الشعب. هذه الفكرة قائمة على قاعدة ان التزام الحكومة الدينية مقتصر على الافعال الصحيحة فقط  . كون الفعل مرغوبا او غير مرغوب من جانب الجمهور لا يغير شيئا من قيمته ، فقبول الجمهور او عدمه لا يضفي قيمة الصحة او الفساد على الفعل. حق الحاكم الشرعي في اختيار مطالب الجمهور يرجع الى امتلاكه المعرفة الاعمق بالخير والشر[120].
وقد نالت فكرة تعريف المصالح العامة على اساس ديني حظا وافرا من الجدل . وفي السنوات الاخيرة مال بعض المحافظين الى اعادة النظر في الفكرة ، واقترح بعضهم النظر اليها من زاوية وظيفية ، يتمايز فيها تشخيص المصلحة عن اتخاذ القرار بناء عليها . طبقا لهذه الرؤية فان المجتمع يعتبر مؤهلا لفهم مصالحه وتشخيص اولوياتها ، بينما يترك الزام الدولة بها الى الفقيه او الحاكم الشرعي [121]. الاصرار على الدور المحوري للفقيه في تحديد ما ينفذ من المصالح وما يؤجل او يترك راجع الى القول بان الاحكام الدينية تنطوي بذاتها على مصالح خفية لا يدركها عامة الناس ، ولهذا السبب فان على العامة ان تسلم بتلك الاحكام باعتبارها منزلة من الخالق سبحانه حتى لو لم تدرك كل خفاياها . وبناء عليه فان تعيين المصالح لا يترك بشكل مطلق الى عامة الناس[122].

خلاصة

ظهر التيار المحافظ وتطور في الجانب التقليدي من المجتمع الايراني وعبر عن همومه . وقد برزت مواقف التيار السياسية كرد فعل على التحدي الذي مثله قيام الدولة وانفتاح افاق المشاركة في ادارتها للمجتمع الديني . اتجه التيار لاعادة صياغة مفاهيمه ومواقفه في قوالب حديثة كرد فعل على التحدي الذي تمثل في صعود تيار اليسار الاسلامي في اوائل عهد الثورة الاسلامية ثم ظهور التيار الاصلاحي في التسعينات الميلادية . يمثل الخطاب السياسي للمحافظين تطويرا لمركب متنوع من المدارس الدينية والفلسفية ، فهو يرجع من جهة الى نظرية الامامة المعصومة عند الشيعة الاثني عشرية ، ونظرية الملك – الفيلسوف التي طورها افلاطون ، كما يرجع الى نظرية ابن عربي الذي يربط السلطة المطلقة بالكمال الانساني ، اضافة الى الحكمة السياسية الفارسية القديمة في الارتباط بين الملك والدين.
خلافا لفكرة الفردانية الليبرالية ، فان الخطاب المحافظ يركز على الجماعة ، ويرى ان العلاقة بين الفرد والمجتمع عضوية وهي تطور طبيعي لحاجة الفرد للحياة الاجتماعية ، وبالتالي فانه لا موضوع للعقد الاجتماعي الذي تتبناه المدرسة الليبرالية.  يعرف المحافظون المجتمع باعتباره جماعة عمل تشد اواصرها عقلانية جمعية هي العقيدة المشتركة التي على ضوئها تتحدد هوية الافراد وادوارهم . في مثل هذا النظام فان محور التركيز هو التكاليف لا الحقوق . ويستهدف هذا النظام في المقام الاول مضاعفة المصالح الجمعية للاعضاء . كما ان هذه المصالح تعرف على اساس مادي ومعنوي معا ، وفي المقارنة فان المصالح المعنوية تحظى باولوية على نظيرتها المادية.
ويقر الخطاب المحافظ بالمساواة بين البشر جميعا بالولادة ، لكن هذا لا يتمدد الى الحقوق السياسية ، ولا سيما حق تولي المناصب السيادية العامة التي يشترط فيها الكفاءة الاخلاقية والمعنوية والالتزام الصريح بقيادة رجال الدين . على نفس النسق يقر الخطاب المحافظ  بحاكمية القانون وارتباط المشروعية السياسية – جزئيا على الاقل – برضا الجمهور ، لكن في التطبيق فان المحافظين يقدمون تفسيرا مختلفا للمفهومين ، يقوم اساسا على مفهوم "الفعل الحق" او البراكسيس الذي طرحه ارسطو . طبقا لهذا المفهوم فان العمل الحق مشروع بذاته ولا يحتاج الى دليل آخر يستند اليه. وعلى نفس المنوال فان العمل الحق او المشروع لا ينبغي ان يقيد باي قانون . ويجري تشخيص حقانية الفعل وبالتالي مشروعيته على ضوء المعايير الدينية ، ويقوم به الفقيه الحاكم الذي يتمتع بالعلم والعدالة النفسية . ولان الامر على هذا النحو فان سلطة الفقيه تعتبر مطلقة ولا يمكن تحديدها بحدود القانون او الدستور.
ارتياب المحافظين في مبدا الجمهورية يعود في المقام الاول الى معناه التطبيقي ، اي محورية دور الشعب في تفويض السلطة والمشروعية ، اضافة الى الدور التشريعي لممثلي الشعب في البرلمان . طبقا للخطاب المحافظ فان السلطة السياسية ليست من شؤون عامة الناس ، وان رضا العامة ليس مصدرا للشرعية السياسية. كما ان الدولة لا تمثل ارادة الامة بل هي نظام لادارة المصلحة الجمعية للامة. يتولى السلطة العليا في الدولة الاسلامية فقيه يختاره مجلس من الخبراء ، ويتحدد دور الشعب في دعم الفقيه الحاكم ومساندته .
الاطار المرجعي للخطاب المحافظ يتمثل في القراءة الفقهية للدين ، وعلى وجه الخصوص المنهج الذي اصبح يعرف بالفقه التقليدي . طبقا لهذا الفقه فان الدين ينظر اليه كايديولوجيا شاملة لجميع مناحي الحياة . المهمة الاساسية للدولة الاسلامية هي تطبيق احكام الشريعة وضمان التزام المواطنين بتعليماتها . وفي هذه الدولة يتمتع العلماء بدور قيادي لكونهم الناطقين باسم الدين والمفسرين الموثوقين لنصوصه المرجعية .
في الختام ، قد يكون من المفيد الاشارة الى ان تطور الخطاب السياسي المحافظ في فترة ما بعد الثورة الاسلامية جاء كرد فعل على تحدي التيار السياسي المنافس من جهة وعلى الدور الفعلي الذي تلعبه الدولة كاداة لعلمنة الدين – طبقا لمفهوم ماكس فيبر - . وبالنظر لكونه رد فعل ، فان ايديولوجيا المحافظين قد تعاملت مع التحديات النظرية من زاوية الدفاع عن استمرارية التقاليد الدينية وليس بابتكار منهج جديد في فهم الدين . هذا الموقف ادى – عمليا – الى حصر العمل الفكري للمحافظين في اطار مجادلة الطروحات التي يقدمها منافسوهم الحداثيون . هذا المسلك سيؤدي على المدى القصير او المتوسط الى استنزاف المصادر النظرية لايديولوجيا المحافظين . ذلك ان حصر العمل الفكري في مجادلة المنافسين سيؤدي بالضرورة الى ترسيخ القواعد النظرية لطروحات هؤلاء كمباديء وقيم معيارية للفكر والممارسة السياسية على المستوى الوطني . وفي اعتقادي ان هذا الاحتمال هو احد المفاتيح الرئيسية لفهم التطور المستقبلي للنقاش الدائر في الساحة الايرانية حول الدين والدولة والتنمية السياسية.



[1] ترجم الكتاب لاحقا الى العربية باسم  الفكر السياسي في الإسلام ، المبادئ و الأطر العامة ، ترجمة ضياء الخزرجي ، مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي (بيروت 2009)
[2]  محسن  هجري: "مقدمه بر سنخ شناسي راست در ايران" مقابلة مع جشم انداز ايران ، العدد 9 ، (يونيو 2001) ص 59 .
[3]   شريعتمداري ، حسين: كيهان ، (21 اغسطس 2004) ، ص 2
[4] Heywood, Andrew, Political Ideologies, (New York 1998), p. 69.
[5]  كديور، محسن : دغدغهاي حكومت ديني ، (تهران 2000) ، ص. 165
[6] Montgomery Watt, William, ‘The Significance of Early Stage of Imami Shi‘ism’, in Keddie, N., (ed.) Religion and Politics in Iran (New Haven. 1983) p. 21.
[7]  يزدي ،  مصباح : نكاهي كذرا به ولايت فقيه (قم 1999) ص 53
[8]  شلق، الفضل : الامة والدولة ، (بيروت 1993) ، ص 52
[9] Skemp, J. B., Plato’s Stateman, (London 1987), p. 40.
[10] Stern, Paul, ‘The Rule of Wisdom and the Rule of Law in Plato’s Statesman’, The American Political Science Review, vol. 91, issue 2 (June 1997) 264-276, pp.267-8.
[11] Plato, The Republic, translated by Desmond Lee, (London 2003), p.192.
[12] Plato, ibid., p. 198.
[13] Cited in Akhavi, S., Religion and Politics in Contemporary Iran, (Albany 1980), p. 9.
[14]  منتظري ، حسين علي : دراسات في ولاية الفقيه (بيروت 1988) ج 2 ص 102
[15]   غرويان ، محسن ، ورد في حجاريان ، سعيد : جمهوريت (تهران 2000) ص 786
[16]  الطبري ، محمد ابن جرير : جامع البيان في تفسير القرآن (بيروت 1995) ج 5 ص 206.
[17]  الاصفهاني : حاشية المكاسب ، ج. 2 ، ص. 215 (قم. د.ت)
[18] Steinberger, Peter, ‘Ruling: Guardians and Philosopher-Kings’, The American Political Science Review, vol. 83, issue 4 (Dec. 1989), 1207-1225: pp. 1207, 1213
[19]  لاريجاني ، محمد جواد : نقد دينداري ومدرنيسم (تهران 1997) صص 60-61
[20] Clark, Jane,Fulfilling our Potential: Ibn Arabi's Understanding of Man in a Contemporary Context’,The Journal of the Muhyiddin Ibn Arabi Society,  vol. 30, (Autumn 2001). www.ibnarabisociety.org/clark.html
[21]  العاملي ، زين الدين : رسائل الشهيد الثاني (قم 1989) ، ج. 2 ، صص. 138-143
[22]  واعظي ، علي: "ولايت مطلقه از ديدكاه ابن عربي ومير حيدر املي"، فصلنامه معرفت ، العدد 49 (ديسمبر 2001) www.hawzah.net/Per/Magazine/mr/049/mr04915.htm
[23]  جلالي ، غلامرضا : "نظريه انسان كامل از عرفان ابن عربى تا عرفان امام خميني" حوزه ، العدد 94-95 . www.hawzah.net/Per/Magazine/HO/094/Ho09412.htm.
[24]  لاريجاني ، المصدر السابق ص 61
[25]  السيد ، رضوان : الجماعة والمجتمع والدولة (بيروت 1997) ص 386
[26] Arjomand, S.,The Shadow of God and the Hidden Imam, (Chicago 1984), p. 96.
[27]   ذهب ارجمند الى ان السلطتين الدينية والسياسية في التشيع متمايزتان بشكل تام ، بحيث لا تتحقق المشروعية السياسية للسلطة الا في اطار زمني "غير ديني". وارى ان هذه الفكرة قابلة للتطبيق – مع بعض التحفظات على اي حال – حتى الربع الاخير من القرن العشرين ، لكن منذ 1979 فان السلطة السياسية اصبحت مقترنة بشكل كامل بسلطة الفقيه ، وقائمة بالتالي على اساس ديني بحت. انظر بهذا الصدد  :
  Sachedina, A., The Just Ruler in Twelver Shiism,( New York 1988) p. 26
[28] Cited in Arjomand, op. cit
[29] Held, David, ‘Central Perspectives on the Modern State’, in McLennan, Hall, and Held (ed.).The Idea of Modern State. (London 1984), p. 32
[30] Mansfield, Harvey, ‘Self-Interest Rightly Understood’, Political Theory, vol. 23, no. 1, (Feb., 1995), 48-66, p. 52.
[31] Hall, Stuart,  ‘The State in Question’, in McLennan, Hall, and Held, op. cit., p. 24.
[32] Hall, John, Liberalism: Politics, Ideology, and the Market , (Chapel Hill, 1988) p. 185.
[33] Carse, Alisa, ‘The Liberal Individual: A Metaphisical or Moral Embarraament?’, Noûs, vol. 28, no. 2 (June, 1994) 184-209, p. 185.
[34] Geise, J. P., ‘In Defence of Liberalism’, The Western Political Quarterly , vol. 44, no. 3 (Sep., 1991) 583-604, p. 593.
[35] Carse, Alisa, op. cit., pp. 185-6.
[36] Mansfield, Harvey, op. cit., p. 54.
[37]  يزدي ، محمد تقي مصباح: المجتمع والتاريخ من وجهة نظر القرآن الكريم (طهران 1994) ترجمة م . خاقاني
[38]  لاريجاني : نقد .. مصدر سابق ، ص 75
[39]  لاريجاني : المصدر السابق ، ص 192
[40] See J. Locke, (1690) The Second Treatise of Civil Government, Ch. II, retrieved from: www.constitution.org/jl/2ndtr02.htm.  Somers makes a similar argument to support her theory of civil society. She highlights Locke’s idea of the pre-political society, especially its claimed capacity to be a self-organised, harmonious and fully functioning commercial community independent of the administrative state. Somers, M., ‘Narrating and Naturalizing Civil Society and Citizenship Theory: The Place of Political Culture and the Public Sphere’, Sociological Theory, vol. 13, no. 3 (Nov., 1995) 229-274, p. 249.
[41]  لاريجاني ، محمد جواد : "اسلام : دولت قديم وجديد" ، حكومت اسلامي ، (صيف 2000) عدد 16. ن. إ.:        
    www.nezam.org/persian/magazine/016/03.htm  
[42] Heywood, op. cit., p. 75.
 [43]  لاريجاني : نقد .. ص- ص 141-2
 [44]  مصباح يزدي : نظريه سياسي اسلام (قم 2001) ص 150
[45]  لاريجاني : المصدر السابق ، ص 150
[46]  لاريجاني : "اسلام ودموكراسى" ، معرفت ، العدد 12 ، (ربيع 1995) ن. إ. www.hawzah.net/Per/Magazine/mr/012/mr01204.htm
 [47]  لاريجاني : "حكومت اسلامى ومرزهاي سياسي" حكومت اسلامى ، ع 2 ، (شتاء 1996) ، ن. إ. www.hawzah.net/Per/Magazine/he/002/04.htm  
[48] Sandel (1984), cited in Daryl Glaser, ‘Normative Theory’, in Marsh and Stoker (ed.), Theory and Methods in Political Science (London 1995) p. 27.
[49]  مجلة علوم حديث ، مقابلة . ن. إ.www.hadith.net/persian/products/magazine/olum-f/07/002.htm
[50]  لاريجاني : نقد .. ص 192
[51]  لاريجاني : المصدر السابق  ص 69
[52] For a brief discussion on the topic, see Held, David, Models of Democracy (Cambridge, 1997), p. 78
[53] Scruton, R., A Dictionary of Political Thought, (London, 1996), p. 71.
 [54]  محمد باقر المجلسي ، ورد في ناصري: دستور شهرياران (تهران 1994) ، ص 21
[55]  انظر مثلا احتجاجات النوري في رسالته حرمت مشروطيت ، في زركري نجاد : رسائل مشروطيت (تهران 1995) ص 160
[56] قائممقامي ، عباس : قدرت ومشروعيت (تهران 2000) ص 112
[57] خامنئي ، علي: "عبرتهاي عاشوراء: عوام وخواص"   حديث للقادة العسكريين (تهران 9 يونيو 1996) www.andisheqom.com/HTM/Imam%20Hosean/HTM/Ebratha/htm/1.htm
[58]  العاملي ، جمال الدين : معالم الدين (قم ، د. ت.)  ص 22
[59]  الشريف الرضي : نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح ، (قم 1975) ص 496
[60] الصدر ، محمد باقر : مقدمة في التفسير الموضوعي للقران ، ص 195 ، ن. إ : www.rafed.net/ftp/books/moqadamat.zip
[61]  انظر مثلا اية الله صادق روحاني: نظام حكومت در اسلام ، المقالة الثامنة. ن. إ. www.imamrohani.com/farisi/kotob/hokomat/01.htm#a09.
[62] يزدي : نظريه .. مصدر سابق ، ص 311
[63]  لنكراني ، م . تئوري عدالت در حكومت اسلامى وولايت فقيه ، ن. إ.: www.lankarani.org/persian/najlehi/teori.html.
[64]  اصدر الخميني بهذا الصدد بيانا من ثماني نقاط في ديسمبر 1982 . لتفصيلات حوله ، انظر مهريزي : "دولت دينى وحريم خصوصى" ، حكومت اسلامي ،العدد 12 (صيف 1999) . ن. إ.:  www.nezam.org/persian/magazine/012/04.htm.
[65]  حول الانعكاسات السياسية للنظارة الاستصوابية ، انظر حبيب الله بيمان : " نظارت استصوابي مغاير حقوق ملت" في دفتر تحكيم وحدت : نظارت استصوابي ، (تهران 1999) ، ص 198
[66]  انظر مبررات مجلس صيانة الدستور في رفض التعديلات البرلمانية لقانون الانتخابات . ايسنا (1 ابريل 2003).
[67]  يزدي : نكاه كذرا ، ص 54
[68] Freeland, S., ‘Aristotelian Actions’, Noûs, vol.19, no. 3. (Sep., 1985),  397-414, p. 397. Aristotle’s concept of action has been criticised by Ackrill, for it explains nothing about ‘action’ as it explains responsibility for motives, and the physiology of action. In addition, his morally-based distinction between action and production is incoherent. John Ackrill, ‘Aristotle on Action’, Mind, New Series, vol. 87, issue 348, (Oct., 1987) pp. 595-601.
[69]  لاريجاني : المصدر السابق ، ص 65
[70] Beetham, D., The Legitimation of  Power, (London 1991),  pp. 35-6 .
[71] Hall, S., ‘The State in Question’, in McLennan, Hall and Held (ed.) op. cit., p. 19.
[72] النراقي ، احمد : عوائد الايام ، (قم 1988) ، ص 188
[73]  زنجاني ، عباس عميد : فقه سياسي ، (تهران 1998) ، ص 256
[74]  خامنئي ، علي : خطبة الجمعة (تهران 1 يناير 1988)
[75] خميني : صحيفه نور ج 20 ، ص 170
 [76] لتفصيلات حول التعديلات الدستورية لعام 1989 ، انظر عليرضا صدرا: "بررسى مقايسه اي قانون اساسى" ، حكومت اسلامي ، العدد 7 (ربيع 1997) ، ن. إ.www.nezam.org/persian/magazine/007/07.htm
[77] حقيقت ، صادق : توزيع قدرت در فقه شيعه (تهران 2002) ص 272
 [78] قدس ، )12 مايو 2001(
[79]  همشهري )2 يوليو 2001( ، ونشرت صحيفة نوروز قائمة باللوائح البرلمانية التي رفضها مجلس صيانة الدستور في اعداد 10، 11، 12، 13 ، 20 يونيو 2002.
[80] هاشميان ، حسين : "ضرورت تحقيق وتفحص مجلس در امور كشور" ، همشهري )26 يونيو 2000( . وقد عدل مجلس تشخيص مصلحة النظام ذلك القرار في 2001 بحيث اجاز للبرلمان محاسبة المؤسسات المذكورة بعد الحصول على موافقة المرشد . همشهري )12 اغسطس 2001(.
[81]  يزدي ، نكاه .. ص 118
[82] لاربجاني : المصدر السابق ، ص 78
[83] حقيقت : المصدر السابق ، ص 272
[84]  حجاريان : المصدر السابق ، ص 302 ، نقلا عن شما (الجريدة الرسمية لحزب مؤتلفه) في 10 ابريل 1997
[85]  كديور، محسن : حكومت ولائي ، الفصل 12 ، ط.الكترونية www.kadivar.com/Htm/Farsi/Books/Book03/Chap12.htm.
[86] يزدي ، مصباح : "حكومت ومشروعيت" ، كتاب نقد ، العدد 7 (صيف 1998) ن. إ. www.hawzah.net/Per/Magazine/KN/007/kn00703.htm.
 [87] حجاريان : المصدر السابق ، ص 786 ، نقلا عن محسن غرويان : كيهان فرهنكي ، العدد 156 (سبتمبر 1999) . واعاد غرويان طرح رايه هذا في صيغة عشرة اسئلة ، في اواخر 2005 ، مما اثار جدلا واسعا في الساحة السياسية . انظر مقالة غرويان في شرق (3 يناير 2006) ، ص. 6
[88] الجويني : ابو المعالي : غياث الامم (الاسكندرية 1979) ص 79-89
[89] يزدي : المصدر السابق
[90] علي مشكيني : خطاب افتتاحي امام مجلس الخبراء (تهران ، 20 مارس 2001)
[91] مكارم شيرازي : بحوث فقهية مهمة (قم . د. ت) ، ص 472
[92]  الخميني : كتاب البيع (قم 1995) ج 2 ، ص 461
[93] آملي ، اية الله عبد الله جوادي : بيرامون وحي ورهبري (تهران 1998) ، ص 177
[94] رسالت (31 مارس 1998)
[95] Sachedina, op. cit., p. 25.
[96]  حول مفهوم بناء العقلاء وما يترتب عليه في الفقه الشيعي ، انظر الفضلي، عبد الهادي : دروس في اصول الفقه ، (بيروت 1999) ص 117 . ويقدم الحكيم مقارنة حول دور العرف (او العقلانية الجمعية) كأداة لتحديد الاطار العملي لتطبيق الاحكام الشرعية . انظر محمد تقي الحكيم : الاصول العامة للفقه المقارن (بيروت 1979) ص 417
[97]  انظر مثلا الكلبايكاني ، اية الله محمد رضا : الهداية الى من له الولاية (قم 1963) ص 39
[98] مشكيني : المصدرالسابق
[99] آملي ، عبد الله جوادي: ولايت فقيه (قم 1988) ص 16-20
[100]  ارسطا ، م .: "مجلس خبركان از ديدكاه نظريه ولايت فقيه" ، حكومت اسلامي ، عدد 8 (صيف 1998) ن. إ.: www.nezam.org/persian/magazine/008/04.htm
[101]  الحائري ، كاظم : ولاية الامر في عصر الغيبة (قم 1994) ص 164
[102]  قائممقامي : المصدر السابق ، ص 147-8
[103]  قائممقامي : المصدر السابق ، ص 145
[104] لاريجاني : المصدر السابق ، ص 68
[105] قائممقامي : المصدر السابق ، ص 71-5
[106]  يزدي : "قلمرو دين" كانون كفتمان (قم 2001) . ن. إ.  www.andisheqom.com/htm/kanun/24/K24.HTM.
[107] مكارم شيرازي ، المصدر السابق ، ص 392- 396
[108] معرفت ، محمد هادي : "بلوراليزم ديني در بوته نقد" ، انديشه حوزه ، العدد 16 (ربيع 1999) ، ن. إ.
  www.al-shia.com/html/far/books/rooz/maqalat_marefat/poloralism/ploral01.htm.
[109] في سياق يومياته يذكر رئيس الجمهورية السابق هاشمي رفسنجاني ان "الاسلام الفقهي" كان مورد الخلاف الرئيس بين تياره "ما كان يسمى يومئذ بخط الامام" وبين زعماء نهضت ازادي : (هم – نهضت ازادي – لا يقبلون بهذا الفقه ونحن لا نجد عنه بديلا في ادارة الدولة الاسلامية) ، رفسنجاني : عبور از بحران (تهران 1999) ، ص 60.
 [110]  الخميني : صحيفه نور ، ج 15، ص 150
[111]  محامد : "فقه مصطلح حوزه در دنياي امروز" ، حضور ،  العدد 34 (ربيع 2001) ، ن. إ. : www.hawzah.net/Per/Magazine/hz/034/hz03425.htm.
[112] الخميني :  المصدر السابق ، ج 18 ، ص 31
[113]  معرفت ، م : "فقه جواهري وويجكيهاي آن" ، انديشه حوزه ، (صيف 1997) ن. إ.: www.balagh.net/persian/feqh/maqalat/koliyat/23.htm.
 [114] فخر ، أ: "عوامل بويائي فقه " ، قبسات ، العدد 15-16 (ربيع 2000) ن. إ.: www.hawzah.net/Per/Magazine/QA/015/qa01513.htm.
[115]  رضايي، م: " ديدكاهي درباره تاثير عنصر زمان ومكان در اجتهاد" ، حضور ، العدد 15 (ربيع 1996) ن. إ.: www.hawzah.net/Per/Magazine/HZ/015/hz01508.htm.
[116] Shah Alam, ‘Conservatives, Liberals and the Struggle over Iranian Politics’, Strategic Analysis, vol. 24, no. 3, (June 2000). www.ciaonet.org/olj/sa/sa_jun00als01.html.
[117]  الخميني : المصدر السابق ، ج 20 ، ص 102
[118] زنجاني ، عميد: "نظريه سياسي اسلام" ، حكومت اسلامى، العدد 1 (خريف 1996) ط. الكترونية: www.nezam.org/persian/magazine/001/02.htm.
[119]  شريعتمدار ، ن: "كارائي فقه سياسي" ، علوم سياسى، العدد 14 ، (خريف 2001) ، ط. الكترونية: ww.hawzah.net/Per/Magazine/OS/014/os01403.htm.
[120]  مؤمن ، م : "دين ومشاركت سياسى" علوم سياسى ، العدد 7 (شتاء 1999) ط. الكترونية: www.hawzah.net/Per/Magazine/OS/007/os00702.htm.
[121] قائممقامي : المصدر السابق ، ص 367
[122] اميني ، اية الله : " رويكرد حكومت علوي" في اميني : حكومت علوي : بنيادها وجالشها ، الفصل الاول ط. الكترونية: www.nezam.org/persian/books/hukoomate-e_alavi_bunyan_ha_va_chalesh_ha/02.htm.

09/03/2006

د. توفيق السيف: ولاية الفقيه نظرية ادت غرضها وحان الوقت لتجاوزها

حوار مع د. توفيق السيف حول كتاب "نظرية السلطة في الفقه الشيعي"
حاوره الاستاذ وسيم الرجال - 9.03.2006 - 03:31 am
شبكة أقلام الثقافية
  ظل مفهوم السلطة يراوح مديات الباحثين  الرحبة ويشغل حيزاً  تدور على رحاه اشتغالاتهم المعرفية الدؤوبة  للوصول إلى أفضل الصيغ المرنة التي تتناسب زماناً ومكاناً وتنبثق شرعيتها من النواميس الربانية ، وذلك لأن مفهوم  السلطة لم يعد منحصراً بشكل الهياكل أو الصيغ التوافقية بقدر ما هو مرتبط  بماهية الأسس التعاقدية والقانونية (أصل الحاكمية) التي تضمن انسيابية العدالة  لما من شأنه بناء روح وجوهر الحياة ومن أجل ذلك كان هذا الحوار مع الباحث الدكتور توفيق السيف الباحث المتخصص في الشئون السياسية والمشتغل منذ أمد بعيد بالبحث والتحقيق ، حصل  على درجة الدكتوراه من جامعة ويستمنستر بالمملكة المتحدة وكانت رسالة الدكتوراه تحت عنوان "Religion and the  Legitimation of the State"  وهي تدرس من زاوية سوسيولوجية تطور الفكر السياسي الشيعي في ظل الدولة  ورغبة في سبر أغوار أحد كتبه الشيقة التي صدرت مسبقاً وهو نظرية السلطة في الفقه الشيعي.
   هذه مجموعة من التساؤلات انقدحت في الذهن بعد الفراغ من قراءة كتاب ( نظرية السلطة في الفقه الشيعي) ، نوجهها للمؤلف والباحث الدكتور توفيق السيف .
1-  ذكرت في المقدمة أن الغرض من البحث هو اختبار إمكانية عرض نظرية جديدة لشرعية السلطة في الإسلام ، فما هو الدافع وراء هذا الاختبار واستنباط نظرية جديدة بالرغم من وجود نظرية نرى ثمرتها العملية على أرض الواقع في كيان يحكمه منظرو وأصحاب الأطروحة أنفسهم إضافة إلى وجود نظريات أخرى لم تطبق على أرض الواقع لكنها تطرح كبديل يسد الثغرات في النظرية المقابلة؟  هل في ذلك إشارة إلى عدم نجاح نظرية – ولاية الفقيه – والتنبؤ بفشل –  شورى الفقهاء – لو طبقت وأصبحت واقعاً عملياً ؟   أم أن الأمر لا يعدو كونه تجديداً في الفقه الشيعي في حقل الأطروحات السياسية ؟

 هذه هي طبيعة العلم . لا توجد في العلم نظرية نهائية  كل نظرية هي واحد من الاحتمالات ، وكل مساهمة علمية هي خطوة صغيرة أو كبيرة على طريق التكامل (الذي لا يصل إلى نهاية أبدا)   فيما يتعلق بنقد نظرية ولاية الفقيه ، فهناك بالفعل نقاش واسع في مجامع العلم الديني ، ولا سيما في إيران حول هذا الموضوع ، وهناك أطروحات مختلفة   بعضها ينطلق من نفس الأساس الفلسفي أو الفقهي لولاية الفقيه إلى صيغة أرقى من الصيغة الحالية للنظرية . وبعضها ينكر جدوى ولاية الفقيه وقابليتها للاشتغال في الدولة الحديثة . في اعتقادي ان الدين الإسلامي يتسع لأكثر من نظرية وأكثر من ممارسة سياسية ، وعلينا أن نسعى لاكتشاف الإمكانات التي يتيحها النص الديني والعقل الجمعي للمسلمين في كل عصر ، وطريقنا في ذلك هو الاجتهاد بمفهومه الواسع . وقد عرضت في الكتاب المراحل المختلفة التي مر بها التفكير الفقهي في مسألة السلطة حتى وصوله إلى مرحلة ولاية الفقيه . ومثلما حلت هذه النظرية محل غيرها ، فسوف يأتي المستقبل بغيرها في محلها . نظام القيادة السياسية وأرضيته الفلسفية ليس من الثوابت الدينية ، بل هو انعكاس لحاجات المجتمع وتطلعاته ومستواه الثقافي ونوعية التحديات المتوجهة إليه . ومع تغير هذه فلا بد أن تتغير مفعولاتها .
  فيما يتعلق بشورى الفقهاء ، فالذي يظهر لي أنها لا تقدم بديلا عن ولاية الفقيه في صيغتها المعروفة . الإشكالات المطروحة على ولاية الفقيه لا تتناول عدد الفقهاء القائمين على السلطة ، بل أدلة هذه الولاية ، وقابليتها لضمان العدالة ، وعلاقة الدولة بالمجتمع في ظلها.
2 -  إذا كان قوام النظرية التي تطرحها هو سيادة الأمة على الدولة ،
أ) هل يعني ذلك شرعية أي حكومة تقوم على هذا الأساس بشرط أن تكون في عصر غياب المعصوم – بعد الفراغ من ثبوت ولايته الإلهية –  توضيح : لو ابتدعت الدول والسلطات السنية أو الشيعية المتعاقبة في التاريخ أسلوباً ومنهجاً يعتمد على إشراك الناس في السلطة وجعل الأمة صاحبة السيادة على الدولة ،  فهل ستصبح هذه الدول شرعية بالمفهوم الديني الإسلامي بمعنى أنها منبثقة من تكليف الشارع ؟
 ب) هل تعتقد أن التجربة الإيرانية المعاصرة قائمة على أساس سيادة الأمة على الدولة باعتبار أن الشعب ينتخب مجلس الخبراء و أعضاء المجلس ينتخبون القائد (ولي الفقيه) وبالتالي يكون الشعب هو المنتخب الحقيقي ؟
  أشير أولا إلى أن كل ما نقوله لا يدخل في باب الفتوى أو المتبنى الديني ، بل هو محصور في إطار البحث العلمي ، ولا يخفى على اللبيب ما يميز بين الاثنين. بالنسبة للفقرة أ) : هناك نوعان من النقاش في شرعية السلطة : نقاش يدور حول مضمونها وعنوانه (ما هي السلطة الشرعية) ونقاش يدور حول شكلها وعنوانه (كيف تتحقق السلطة الشرعية) . القائلون بولاية الفقيه (سواء الفردية أو الجماعية) يرون أن رئاسة الفقيه للدولة هو مصدر مشروعيتها  وهذا الرأي مبني على فرضية أن الشارع قد وضع شكلا خاصا لنظام الحكم هو الشكل المعبر عنه برئاسة الفقيه العامة  والقائلون بسيادة الشعب يرون أن الانتخاب العام والنظامي للقيادة السياسية هو مصدر المشروعية ، وهذا القول مبني على أن مجال عمل الدولة هو نفوس الناس وحقوقهم وأملاكهم – بما فيها الأملاك العامة – وقد اثبت الشرع حقا للمالك  في اختيار من ينوب عنه في إدارة مصالحه (انظر بهذا الصدد رسالة العلامة النائيني في كتابي "ضد الاستبداد"). وكلا الرأيين كما تلاحظ يعالج الجانب الشكلي من المسألة . أما النقاش في المضمون أي (ما هي السلطة الشرعية) فهو نقاش فلسفي . وابسط الأجوبة عليه هو أن السلطة الشرعية هي السلطة العادلة  بكلمة أخرى فان القيام بالعدل وتحقيقه هو شرط المشروعية . إذا أخذنا بهذا الجانب من النقاش فانه يمكن القول أن السلطة العادلة مشروعة حتى لو لم يكن على رأسها فقيه ، والسلطة الظالمة غير مشروعة حتى لو كان على رأسها فقيه . لكن كما أشرت سلفا فان هذه مسألة فلسفية وجميع الناس أو أكثرهم يريدون تحديد "طريقة" لضمان العدل ، وبالتالي فان الاهتمام الأكبر في البحوث العلمية منصب على "شكل" الحكومة العادلة وكيفية عملها  من هذه الزاوية فان الفقهاء يأخذون برأي الفيلسوف اليوناني سقراط الذي يرى ان العالم (الفيلسوف حسب تعريفه) هو اقرب الناس إلى العدالة (لان سقراط وتلاميذه يربطون العدل بمعرفة الحقيقة) ، وهو الرأي الرائج في التراث الإسلامي .
أما إشارتك إلى "تكليف الشارع" فمن الصعب إثبات أن الشارع قد كلفنا بأي شكل من أشكال الأنظمة السياسية . بل ان النظرية السائدة أي ولاية الفقيه قد عورضت من جانب الأكثرية الكاثرة من فقهاء الشيعة حتى لقد ادعى الشيخ الأنصاري أن إثباتها على النحو المعروف "دونه  خرط القتاد". نحن إذن لا نتحدث عن شكل معين باعتباره تكليفا من الشارع ، بل باعتباره اقرب إلى تحقيق المشروعية المرادة ، أي كونه داخل الإطار الديني العام .
حول الفقرة ب) : انتخاب الفقيه من قبل مجلس الخبراء هو إعادة إنتاج لمفهوم (أهل الحل والعقد) الرائج في الفقه السني . أما انتخاب الخبراء من جانب الشعب ، مثل انتخاب مجلس الشورى ورئيس الجمهورية والمجالس البلدية ، فهو نقل للمفهوم الغربي للديمقراطية . وهذه كلها تتناقض فلسفيا ومفهوميا مع نظرية ولاية الفقيه . تقوم ولاية الفقيه على فرضية أن شرعية السلطة مستمدة من نيابة الفقيه عن الإمام المعصوم ، والمعصوم يستمد شرعية حكمه (وحكم نوابه طبعا ) من السماء . أما الانتخابات فتعني أن الشرعية والسلطة موجودة في الأرض ، عند الناس ، وهي مستمدة منهم وليس من خالقهم . وقد عرضت الآراء المختلفة بهذا الصدد في كتاب جديد أرجو أن ينشر قريبا . قام الإمام الخميني رحمه الله بالجمع بين عناصر النظرية الشيعية التقليدية وعناصر من النموذج الديمقراطي الغربي بعدما رأى ان هذا التركيب هو الوحيد الممكن في دولة حديثة . وبناء عليه فان النظام الإيراني يقوم على تركيب من عناصر ديمقراطية تعالج بالقياس إلى أصلها المعرفي الغربي ، وعناصر دينية تعالج بالقياس إلى أصلها الديني . بالنسبة لبعض الباحثين فان هذا النظام هو نموذج معقول لديمقراطية دينية (ضمن الظروف الموضوعية الراهنة للمجتمع الإيراني) . وبالنسبة لآخرين فانه نموذج ناقص . كما أن بعض دعاة ولاية الفقيه (ومنهم بعض الحاكمين و النافذين حاليا) يرون أن الإمام الخميني قد ذهب بعيدا في التاكيد على دور الشعب ، وكان عليه أن لا يفعل ، لان الدور المحوري للشعب يتعارض مع نظرية الإمامة   وحسب تصريحات آية الله مصباح يزدي ، وهو من ابرز دعاة التيار التقليدي المحافظ حاليا ، فان الشعب لا دور له في الحكم الديني سوى مناصرة الفقيه ، وليس له حق انتخابه ، وهو يرى أن الجمهورية بالمعنى المعروف ، أي كونها إطارا لسيادة الشعب ، ليست من الدين في شيء.
خلاصة القول أن شكل النظام هو احد الصور الممكنة للحكم المشروع ، لكن تحقق الشرعية بالفعل مرهون بسعي النظام السياسي إلى تحقيق أغراض الحكم الديني وأبرزها العدالة والمساواة وحرية الإنسان.
 3 - هل وقعت قدم على موطئ قدم مصادفةً أم تمت الاستفادة من نكتة المفارقة بين لفظتي (دولة) و(state) من كتاب ( الفقيه والدولة) للمؤلف فؤاد إبراهيم ثم تم الرجوع إلى المصادر الأولية دون الإشارة إلى الكتاب؟  فإن هناك شبهاً كبيراً بين ما كتبته عن فكرة الدولة في الإسلام ص 32 وبين ما كتبه فؤاد إبراهيم ص 32 ، والطريف أن التشابه شمل رقم الصفحة أيضاً.
  استفدت كثيرا من آراء أخي د. فؤاد ، وهو واحد من أهم المفكرين الشيعة المعاصرين ، وكتاباته من أفضل ما ظهر في بابها  أما عن مصطلح الدولة بالشرح الذي عرضته فهو شائع في جميع كتب الفلسفة السياسية وهو من المفاهيم التي تصنف ضمن المسلمات التي لا تحتاج إلى نسبة .
4- هل يمكن القول إن التطور التاريخي لنظرية السلطة في الفقه الشيعي وانبثاقها في كل زمان من المعطيات الواقعية ومجريات الأحداث القائمة ينزع الصفة الإلهية عن جميع الأطروحات بمعنى أنها لا تعدو كونها نتاجاً بشرياً جرى تكييفه مع الدين ولا يتميز عن غيره بأنه قائم على أساس الوجوب والتكليف الإلهي ؟
 هناك ثلاثة آراء بهذا الصدد : الرأي الأول يقول أن السلطة شأن ديني باعتبارها مصلحة عامة ضرورية ، لكن المهم فيها هو قيامها على نحو يحقق الغرض منها ، وليس شكلها ، أما الشكل والكيفية والأولويات فهي أمور عرفية ترجع للمسلمين في كل زمن ومكان . ولو كان شكل السلطة ونظامها من التكليفات الإلهية لكانت من نوع التكليف بما لا يطاق وهذا خلاف الأصل الثابت بالتيسير . بل إن عددا من الفقهاء المعاصرين ومن بينهم آية الله منتظري يرى انه حتى  الرسول والأئمة المعصومين ، ولايتهم السياسية مشروطة بقبول الناس لهم كحكام . بخلاف ولايتهم الدينية الثابتة لهم بالنص . وهو يبني هذا الرأي على فرضية أن حاكمية الله مودعة في الأمة والأمة تفوضها إلى من تشاء ، وبناء عليه فهو يرى أن للأمة الحق في فرض ما تشاء من الشروط  على الحاكم لجهة تعيين مدة الحكم آو كيفيته أو نظام عمله الخ . أما آية الله صانعي فلا يجيز حتى إمامة الصلاة للفقيه إذا كان الناس غير راضين به ، فضلا عن رئاسته للدولة . وهذه الآراء قائمة على أرضية أن السلطة حق للناس وإنهم يقررون الشكل المناسب لحياتهم في كل عصر  . والشرط الوحيد هو أن يكون ذلك في إطار المفاهيم العامة للشرع (وليس بالضرورة فتاوى فقيه معين في زمن معين ) .
الرأي الثاني يرى أن لدينا نموذج ثابت للحكم الديني هو إمامة المعصوم ، وهذا النموذج منصوص عليه فلا يمكن تغييره ، وهو لا يرجع للناس بل للشارع المقدس ، وهو مصلحة دينية وليس مصلحة عرفية . وفي غياب المعصوم فان نائبه هو القائم مقامه وله جميع سلطات المعصوم وصلاحياته . وهذا هو الأساس في نظرية ولاية الفقيه .
هناك رأي ثالث يرى أن السلطة ليست شأنا دينيا ، بل هي من الأمور العرفية المتروكة للناس . والمرجع العلمي للبحث في مسألة السلطة ليس الفقه بل الفلسفة السياسية . فيما يتعلق بدور الدين في النظام السياسي ، فان هذا الرأي يوجب على الدولة الالتزام بالقيم العامة للدين ، والتي لا يختلف عليها العقلاء في كل العصور والأديان مثل قيمة العدالة والمساواة وقيمة النظام وعمومية القانون . بكلمة أخرى فهو ينظر إلى جوهر فكرة الدولة باعتبارها شأنا عقلائيا اقره الدين ، أما كيفية الإدارة وممارسة الحكم فهو يرجع إلى توافق المجتمع أو ما يسمى بالإرادة العامة  أما اتصاف الحكم بالإسلامي أو غيره فهو يرجع إلى قبول المجتمع له على هذا النحو ، أي انه نسبة إلى المجتمع وليس إلى النظرية .
وخلاصة القول أننا نفهم من التطور التاريخي للفكر الديني – بما فيه فكرة السلطة والنظريات المتعلقة بها – ان كل زمن يأتي بتحديات وأسئلة جديدة تتطلب إضافة أو تعديلا في فكرة السلطة ومفاهيم العمل السياسي . ومع مرور الزمن فان تراكم التطور يعطينا نظريات جديدة بالكامل مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في قرون سالفة . وهذا أمر طبيعي يظهر في كل جوانب الحياة الأمر الذي يحملنا على الظن بان الثابت في هذا الموضوع هو القيم الدينية الأساسية (وأعظمها النظام العام والعدالة) أما كيفية تطبيقها فتختلف عبر الأزمان والأمكنة والظروف . والله اعلم
5-  ما هو السبب – برأيك –  وراء حصر ولاية الفقيه بالمجتهد الموصوف بالقدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية أو غير ذلك من تعريفات الاجتهاد السائدة في الحوزات العلمية رغم أن الأدلة النقلية لا تسعف على فرض هذه القيود العرفية الحديثة نسبياً على مفهوم الفقاهة والاجتهاد، فالروايات لا تتضمن ما يتجاوز شرط رواية الحديث ومعرفة الأحكام و النظر في الحلال والحرام أما ماهية النظر ومقدار الرواية والمعرفة فهو أمر لا تبينه الأدلة النقلية ، وقد جاءت لفظة الفقهاء ( من كان من الفقهاء صائناً لنفسه) في رواية عن الإمام العسكري (ع) فلماذا قُُيدت رواية الحديث ومعرفة الأحكام والفقاهة بمفاهيم الحوزة الحديثة التي هي نتاج تطور تاريخي لتعريف الفقيه وتشخيص مواصفاته وهو أمر خارج عن دلالة الرواية ؟
  ولاية الفقيه هي امتداد طبيعي للمرجعية الدينية وهي قائمة على نفس أدلتها  ويطلق الفقه على المرجع الديني اسم الحاكم الشرعي . العنصر الإضافي الذي جاءت به نظرية ولاية الفقيه هو تمديد وظيفة المرجع إلى الجانب السياسي   أما التطور الذي حصل في نفس تلك الأدلة ، أي اشتراط الاستنباط للفقاهة فهذا يرجع إلى تطور مفهوم الفقيه . في زمن الرواية كان الفقه في الدين يساوي الرواية  عن المعصومين . أما بعد دخول منهج الاجتهاد والاستنباط في المدرسة الفقهية الشيعية فقد أصبح مساويا للاستدلال بالروايات والأدلة العقلية على الحكم ، ولعل أول من مارس الاجتهاد في هذا المعنى هو الحسن بن أبي عقيل العماني ومحمد بن الجنيد الاسكافي ، اللذين عاشا في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي (يرجح أن ابن الجنيد توفي في 381 هج (991 م)  بينما توفي الإمام العسكري قبل ذلك بمائة عام (260 هج - 874م) . بهذه المناسبة أود الإشارة إلى ضرورة النظر إلى النصوص والشروح في إطارها الزمني والموضوعي ، وأعظم مشكلات الفكر الديني  اليوم هو اجتزاء النصوص من سياقاتها الظرفية .
على أن سؤالك يقودنا إلى سؤال آخر : هل يكفي العلم بالفقه سواء في مفهومه الجديد أو القديم لإدارة الدولة ، أي القيام بوظيفة الحاكم ، لا سيما في ظل تغير مفهوم الدولة وصورتها وطبيعتها تغيرا كاملا في العصر الحديث ، ودخول العشرات من العلوم الجديدة البعيدة عن مجال الفقه ، دخولها كعامل أساسي في الإدارة السياسية ؟ .
6-  ص 265 من الإشكالات التي أوردتها على القول بان ضرورة السلطة راجع إلى طبيعة الأصل البشري الذي يدفع إلى التظالم والفساد ، أن ذلك متناقض مع كون السلطة نتاجاً لاتفاق عقلاء البشر، ولا يعقل أن من طبيعته الظلم يقرر تأسيس رادع يمنعه عما هو متطبع به، ولنا أن نسأل: من قال أن مَن طبيعته البغي والظلم هو ذاته قرر تأسيس رادع عن الظلم والجور مع إقراره بممارسته للظلم؟ فعند النظر إلى البغاة والظلمة نجد أنهم يقرون بضرورة وجود الرادع والحاكم بناء على أنهم عدول ولا يمارسون الظلم. ألا تعتقد أن الاستدلال ينظر إلى النوع والجنس البشري وليس إلى مصاديق معينة أو طائفة بعينها ؟
  هذا الاحتجاج هو رد على دليل ساقه بعض العلماء السابقين ، وفحواه أن النظام والدولة هي ضرورة اتفق عليها جميع العقلاء . الذين قالوا بهذا الرأي ، قالوا أيضا بان ضرورتها تنبع من أن اجتماع الناس بذاته مولد للتعارض وبالتالي الجور والظلم . واحتجاجهم هنا يرمي إلى تثبيت وجوب الإمامة بالأدلة العقلية . أي القول بان التدخل الإلهي ضروري لان التظالم طبيعة في الاجتماع البشري ، وان القول بالتظالم وبالتالي الحاجة إلى التدخل الإلهي هو من البديهيات العقلية . جدير بالذكر أن القسم الأول من الاستدلال ، أي تظالم الناس وقبولهم العقلي بضرورة الدولة ، يرجع أصلا الى الفلسفة اليونانية وقد قال به سقراط وأفلاطون . واعتمده بعد ذلك فلاسفة المسلمين وفقهاؤهم ، كما اعتمده الفيلسوف الانكليزي توماس هوبز في كتابه المشهور "لفياثان". بطبيعة الحال فان المقصود بالعقلاء والمتظالمين هو جنس البشر وليس فريقا معينا منهم . وكان غرضي من ذلك الاحتجاج هو نفي الفكرة القائلة بان طبيعة البشر هي التظالم والجور ، فانا أميل إلى الاعتقاد بان طبيعة البشر هي الخيرية والعقلانية ، وبناء عليه فإنهم قادرون على التوصل إلى الطريقة المناسبة لإدارة اجتماعهم ولا يحتاج الأمر إلى تدخل من الباري جل وعلا . أو على الأقل فان التدخل الإلهي ليس سببه عجز البشر بل ربما لأسباب أخرى.
7-  ذكرت أن التأسيس على ضرورة السلطة بسبب طبيعة البشر الفاسدة يؤدي إلى نفي الإمامة في غير موارد الفساد و التظالم ... وبالتالي سقوط الولاية عن الفئة القادرة على العيش دون تظالم   لماذا خلطت بين الاستدلال على ضرورة الرئاسة الدنيوية و الإمامة الدينية ؟  فدليل الأولى يطلب من العقل أما الثانية فيطلب من النقل.  و قد ذكرت أن السيد الكلبايكاني يبرر ضرورة الرئاسة.
  قولي المشار إليه هو رد على القائلين بان الإمامة الدينية والرئاسة الدنيوية هي شيء واحد وان الثانية تستفاد من أدلة الأولى . لعلك لاحظت أن جانبا مهما من الباب الثالث من الكتاب قد كرس للاستدلال على تمايز الاثنين . فيما يتعلق بسقوط الولاية عن المحسنين ، فهو احتجاج لا يهمل ، واستدل البعض عليه بالآية المباركة "ما على المحسنين من سبيل"  ولا استبعد احتمال أن يشمل هذا الدليل كلا النوعين في حال عدم الحاجة إلى السلطة وعدم الحاجة إلى العلم . طبيعي أن هذا الاحتمال ضئيل لكنه غير مستحيل ومثاله شخص يعيش منعزلا في جزيرة ولديه علم خاص بما هو حق له وما هو واجب عليه وهو يقوم بأموره بنفسه .. فهل يحتاج هذا إلى ولي ، سواء كان إماما أو حاكما ؟ (انظر مثلا الدليل على عدم وجوب التقليد على المحتاط) . خلاصة القول أن الإمامة والرئاسة كلاهما تكليف إضافي ، فهو يحتاج إلى دليل ، وقد جرت عادة الفقهاء على الربط بين أدلة الاثنين ، أما رأيي فإنهما ينتميان إلى مجالين مفهوميين وموضوعيين مختلفين فيجب أن يكون لكل منهما دليله الخاص . والله  اعلم.
8- مع ملاحظة عدم إقرارك بأصل فساد الإنسان وطبيعة الظلم فيه التي يأتي الحديث عنها –  يرد على ما ذكرت أن هذه الفئة القادرة على العيش دون تظالم ، لا تبطل الأصل والطبيعة الكامنة في البشر التي قد تظهر وقد تستر وسقوط الولاية – على الفرض – عن هؤلاء بالخصوص يخرجنا من البحث حول الضرورة العقلية لأصل السلطة ويدخلنا في الحديث عن موضوع شرعي ديني افتراضي هو الإمامة الدينية على الفئات غير المتظالمة.  ونحن نعلم أن الإمامة الدينية لا تثبت بالدليل العقلي منفرداً فلا علاقة للتظالم وعدمه إلى في موضوع الإمامة.  ثم إن البناء على صلاح الإنسان يسقط ضرورة الرئاسة من رأس.
  رأيي أن وجود الاستثناء لا يثبت القاعدة كما هو المشهور بل يبطل اضطرادها ، وحينئذ فاننا نتكلم عن تطبيق نسبي للقاعدة المدعاة . أرى أيضا أن الأدلة النقلية هي العمدة في ثبوت الإمامة الدينية . أما موضوع التظالم فيرتبط – على فرض ثبوته - بالرئاسة الدنيوية . وقد توصلت في ذلك البحث إلى عدم علاقته بالإمامة ولا أدلتها . أما البناء على صلاح الإنسان فلا يسقط ضرورة الرئاسة . الذين قالوا بان ضرورة الرئاسة ترجع إلى فساد الجنس توصلوا إلى أن الدور الأبرز للحاكم هو حفظ النظام العام ، وأجازوا للحاكم أن يستبد بالأمر ويقهر الناس على الصلاح . وهو الرأي الذي مال إليه معظم فقهاء المسلمين القدامى. أما رأيي فان الدولة هي هيئة اجتماعية ينتخبها الشعب لتمثيل مصالحه وإدارة التعارض فيما بينها على نحو يقودها إلى التكامل بدل التناحر . الذين قالوا بالطبيعة الخيرة للجنس البشري يرون أن الناس لو تركوا وشانهم لكانوا اقرب إلى الصلاح ولهذا فلا يجوز قمعهم أو فرض حكم استبدادي عليهم . والفارق بين ما ينتج عن الرأيين لا يخفى على عاقل.
9-  ص265 ذكرت أن معرفة الدين والاهتداء بالتعاليم قابل أن يحصل عليه الإنسان بالطرق المختلفة الموصلة إلى العلم.  ما هي هذه الطرق التي توصل إلى تعاليم الدين والعبادات الإلهية؟  ألا يرى المسلمون أن إرسال الأنبياء ضرورة رغم كفاية الحجة الباطنة للوصول إلى معرفة الخالق ؟
  هذا رد على الربط بين أدلة الإمامة الدينية والرئاسة السياسية . فالإمام حسب هذا الرأي ضروري لهداية الناس إلى الطرق القويم لأنه وسيلة إلى معرفة أمور الدين  وفي رأيي إن هذا دليل ضعيف لأنه ببساطة يجعل ولايتهم مقصورة على من يحتاج إلى المعرفة دون غيره . فمثلا لو أن أحدا تعلم من الإمام أو قرأ كتابه ، ثم نقل هذا العلم إلى آخرين فان هؤلاء الآخرين لا يحتاجون إلى ولاية الإمام لان المعرفة المبتغاة منها قد حصلت . لو طبقنا هذا القول على زماننا الحاضر فان جميع روايات الأئمة موجودة في الكتب ويمكن لكل الناس الوصول إليها .. فهل يعني هذا إن لا حاجة إلى ولايتهم . إذا قلنا بان الولاية ضرورية من اجل المعرفة ، فان المعرفة تتوفر بطرق أخرى كما هو الحاصل اليوم . وهذا الاحتجاج واضح في امتداد الولاية إلى العصور اللاحقة لوفاتهم . وخلاصة القول أن توفير المعرفة ليس دليلا قويا على الولاية . وإذا دل عليها فان الدلالة محدودة في زمن حضورهم ومكانه وليس وراء ذلك . أما الإشارة إلى بعثة الأنبياء فهذا بعيد عن الموضوع لان البعثة غير الإمامة وأدلة البعثة غير أدلة الإمامة والربط بينهما غير صحيح البتة.
 10-  هل الاستدلال على ضرورة السلطة يسقط بشبهة عدم اضطراد أصل الفساد في بني البشر و وجود الاستثناء في القاعدة؟  إذا كان كذلك فإن الحكم بأن الإنسان عاقل و ناطق يبطل لوجود فئة من المجانين والبكم وذلك لشبهة عدم الاضطراد.
  نقاشنا ليس في أن القاعدة في جنس البشر هي الفساد وان الصلاح استثناء ، بل عكس ذلك تماما . وقد أشرت إلى أن أصل الاستدلال بفساد الاجتماع البشري ، هو استدلال باطل لعدم ثبوته من الأصل ولكونه خلاف المفهوم من القران الكريم وخلاف تجربة البشر على امتداد أزمانهم واختلاف أصنافهم . أما قياس القاعدة المدعاة على قواعد أخرى فهو نقاش خارج الموضوع ، فحتى لو صحت الثانية فما هو الدليل على صحة الأولى ؟.
 11-  قلت ( ليس بالوسع إثبات أن الإنسان طاغية بالفطرة )  فهل بالوسع إثبات أن الإنسان ليس طاغية بالفطرة أو إثبات أنه صالح بالفطرة؟   ماذا تقول في الآيات التي تشير إلى وجود النزعتين وتأصلهما في الإنسان{فألهمها فجورها وتقواها} الشمس 8 ،  { وهديناه النجدين} البلد 10 ،  والآيات{إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (34) سورة إبراهيم ، { وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (72) سورة الأحزاب ؟
  قال تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم/30 . والمعنى هو التوحيد أو الارتباط الروحي بين الإنسان وخالقه ، تلك هي الفطرة . فهل يكون الموحد الفطري طاغيا أو فاجرا . وهذه الآية لا تحتاج إلى مزيد بيان . لكن للرد فقط نقول أن الله سبحانه خلق الإنسان ومكنه من أتباع أي سبيل يشاء وحمله المسؤولية عن اختياره . فأتباع الطريق القويم هو احتمال أقوى لأنه اقرب إلى مراد الخالق وأتباع الطريق الفاسد هو احتمال ثان ممكن لان الله أراد للإنسان أن يكون حرا مختارا . ثم أن القول بان الإنسان طاغية بالفطرة معارض لأصل العدل الإلهي ، فإذا كانت فطرة الإنسان الأصلية هي الفساد ، فان دخول الجنة حق للفاسدين الذين لم يعلموا بالنبوة أو لم يصلهم خبر النبي ، لأنهم اتبعوا فطرتهم التي فطرهم الله عليها . ويجب أن نمتدحهم على فسادهم وبغيهم لأنهم اتبعوا الطريق الذي اختاره الله لهم .. فهل يصح هذا الكلام ؟ . ونضيف إلى ذلك دلالة الآية المباركة "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" فهل من حسن التقويم ، فساد طبيعته وفطرته الأصلية ؟.
12-  ذكرت ص267 أنه لم ترد آية واحدة تشير إلى أن البغي طبيعة في الإنسان، سابقة على وصول البلاغ إليه.  ما الفرق بين وصول البلاغ وعدمه؟  ما الأثر الذي يترتب على هذا التفريق؟  هل وصول البلاغ سيتسبب في طغيان المبلَّغ رغم سلامة فطرته وأصله؟
  أوردت هذا التمييز في الرد على من قال بان الإنسان طبيعته الفساد والبغي ، لان القران يقول "وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم" وهذا دليل على أن البغي طبع عارض في الناس وليس فطريا أصيلا . أما تأثير وصول البلاغ – أو العلم – كعامل إثارة للاختلاف وبالتالي التنازع ، فهو موضوع طويل يستوجب نقاشا سوسيولوجيا لا يتسع له المجال هنا . لكني أقول كخلاصة أن القرآن يشير إلى تجربة أو عبرة مستفادة من تجارب محددة . في هذه التجارب كان الناس على نسق واحد اجتماعي وثقافي ، فلما ظهر النبي انحاز إليه أقلية من الناس وعارضه الأكثرية وعلى رأسهم أصحاب الهيمنة والسلطان ومن لهم مصلحة جارية في النظام الاجتماعي القائم . وكافح الأنبياء كفاحا مريرا ضد هذا النظام ونجح بعضهم في الإطاحة به كما هو الحال في تجربة نبينا عليه الصلاة والسلام . الذين عارضوا الأنبياء لم يكونوا منصفين مع أنفسهم ولا مع قومهم ولا مع النبي بل عارضوه بغيا وعدوانا ، ولم يروا فيه إلا تهديدا لمصالحهم ، ولم ينظروا في المصالح الأعظم التي ستعود عليها في الدنيا والآخرة لو اتبعوا نبيهم . والخلاصة أن البلاغ النبوي يوجد هزة في النظام الاجتماعي القائم يؤدي إلى التطورات المشار إليها . والله اعلم.
13-  مما يستدل به الشيعة الأمامية على إمامة علي بن أبي طالب (ع) أن النبي (ص) لم يبين أحكام السلطة والحكم من بعده ، ولم يتطرق إلى سبل تنظيم الرئاسة وطرق اختيار وتنصيب وعزل الحكام والولاة رغم بيانه لكل صغيرة وكبيرة مما يخص شؤون الناس الحيوية وما ذلك إلا لأن تنصيب الإمام باعتقاد الشيعة ليس من صلاحيات البشر ، إذاًً كيف استطاع فقهاء الشيعة استلال نظريات وأطروحات سياسية تشرع عمل الحكومات وتدخل موضوع السلطة والحكم في الأحكام الفقهية باعتبار أن الإسلام دين شامل ولا يمكن أن يترك ثغرة أو منطقة فراغ في التشريع ؟ .
  هذه مجموعة أسئلة مختلفة . لكن فيما يتعلق بالأول فاني أرجح أن الإسلام دين كامل وليس بالضرورة شاملا ، والكمال يشير إلى النوعية بينما الشمول يشير إلى الكمية . وقد ورد في القرآن الكريم "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء - النحل ـ 89" وآيات أخرى شبيهة في المعنى أو الدلالة . وقد استدل بها بعض العلماء على أن القرآن جمع كل علم وكل بيان  ويرد على هذا الرأي أن احتواء القرآن على كل شيء لا يدل ضرورة على أن هذه الأشياء كلها من باب التعيين أو التكليف أو الوجوب ، فالكثير من آيات القران فيها فائدة الإرشاد والاعتبار وتثبيت القلوب . ولهذا فان مجرد ورودها عن الخالق سبحانه لا يدل على أنها مورد تكليف وتعيين . يضاف إليه ما أشار إليه النراقي من أن المقصود من تبيان كل شيء هو تبيان كل شيء مما يجب بيانه ، وليس الكل المطلق . فبديهي إن هناك أشياء كثيرة مما نعرفها في هذا العصر لم ترد في القران . وذلك لان القران ليست مهمته جمع علوم البشر بل دلالتهم على الطريق القويم بشكل عام ، أما تفصيل ذلك الطريق فمتروك لعقولهم . ولو أحصى القران كل تلك الأمور لكان تكلفا في غير ضرورة . أما القول بان الإسلام لم يترك منطقة فراغ فهذا غير صحيح البتة ، بل إن منطقة الفراغ - حسب تعبير المرحوم الصدر – أو منطقة البراءة حسب تعبير بقية الأصوليين هي المساحة الأكبر وهي الأصل في كل الأفعال . وإنما يأتي التكليف بالوجوب أو الحرمة في بعض الأفعال كعرض لاحق ، أما الأصل في كل شيء فهو البراءة من الحكم أي الإباحة . أما الآراء الفقهية المتعلقة بالتعامل مع الحكومات ، تحريما أو إجازة ، فهي كلها مستمدة من أدلة عقلية وتابعة لتقدير المصالح والمفاسد العرفية في زمنها الخاص . صحيح أنهم يوردون أدلة من الكتاب والسنة ، لكنها في الغالب بغرض الاستئناس وبيان الإمكانية ، وإلا فالعمدة هو تقدير المصالح والمفاسد .
14-  ص290  إذا كان العدل هو الغرض الأساس من المعالجة الدينية لمسألة السلطة ... والتأسيس عليه هو التجسيد لإسلامية الحكومة .... والحكومة تعتبر مشروعة طالما كانت قائمة على أساس العدل،  فما هو تقييمك وما هو الحكم لدولة تحقق فيها هذا الغرض على يد حاكم أو حكومة غير مسلمة، أو حاكم أو حكومة فاسدة في نفسها ولا تلتزم بالتعاليم الدينية على الصعيد الشخصي ؟
  العدل شرط لشرعية أي سلطة سواء كانت سياسية أو غيرها  أما بالنسبة للحكومة فإنها تحتاج إلى شرط إضافي وهو تمثيلها لشعبها على نحو صحيح ونظامي فإذا كان شعبها مسلما ويريد الحكم بالإسلام فعليها أن تفعل ذلك . أما بالنسبة للمجتمعات غير المسلمة فلا موضوع لهذا الشرط . والله اعلم .
 15-  إذا كان العدل هو مصدر الشرعية فمن هو المعني بإيجاده على أرض الواقع ؟  على أي فئة من الناس تقع مسؤولية تحقيق هذا الغرض ؟
- هي على الأرجح مسؤولية أخلاقية مدنية وليست تكليفا إلهيا . والمسئول عنها هو صاحب المصلحة فيها اي عموم الناس .
16- لو قامت دولة على أساس الجور ثم جنحت للعدل ثم عدلت عنه إلى الظلم فهل ستكون فاقدة للشرعية أولاً ثم تصبح شرعية ثم تنزع منها الشرعية حسب التزامها بإقامة العدل؟  هل يصلح هذا التأسيس لغير الدراسات الذهنية المجردة ؟
  على القول بان شرعية الحكومة ترتبط بعملها الفعلي فان بقاء شرعيتها مرهون ببقاء عدلها على أن المسائل نسبية لان القيام بالعدل ومفهومه التطبيقي أمر نسبي ولذلك فقد يكون كاملا أو ناقصا أو متدرجا ، والذي أرى أن رضا الناس عن حكومتهم هو جزء من مفهوم المشروعية  ، وهو يعوض نقص العدالة في بعض الأوقات ، بل قد يمكن القول أن التطبيق العملي لمفهوم العدالة راجع إلى العرف العام ( أو ما يسمى اليوم بالرأي العام) وبالتالي فانه يمكن النظر إلى المكونات الجوهرية للعدل الاجتماعي بشكل متزامن ومترابط مع رضا الناس عن حكومتهم وتمثيلها لمصالحهم باعتبارها جميعا أجزاء من منظومة الشرعية . وأريد الإشارة أخيرا إلى ضرورة التمييز بين المفهوم الفقهي والمفهوم الفلسفي للشرعية السياسية ، فهما لا يتطابقان بالضرورة . حين ندرس المسألة من زاوية فقهية فالمفهوم الذي نستعمله هو الفقهي أما حين نتحدث عن الجانب العملي فإننا نستعمل المفهوم المستفاد من الفلسلفة السياسية .
مقالات ذات علاقة

07/03/2006

طريق الحزب الى السلطة



يعتبر الحزب ضرروة للتنمية السياسية لانه الاطار الاكثر فعالية لتدريب واعداد النخبة التي ينتظر ان تساهم في ادارة الشأن العام . تتمايز الانظمة الديمقراطية عن غيرها بالتجديد الدائم لبنيتها الادارية والسياسية. ومع التجديد تتعزز شرعية النظام وتتسع قاعدته الاجتماعية ويتعزز استقراره .

 والحزب السياسي ضرورة لترسيخ التعامل السلمي بين اطياف المجتمع المختلفة من جهة وبينها وبين الدولة من جهة اخرى . لا يخلو مجتمع من دواع للتوتر ومبررات للازمة . وتنشأ معظم التوترات بسبب قصور الموارد البشرية او المادية – واحيانا المعرفية – التي تملكها الدولة عن استيعاب الحاجات والمطالب الاجتماعية . من نافل القول ان الحاجات وبالتالي المطالب لا تتناهى ، بينما الموارد بطبيعتها محدودة مهما عظمت . ولهذا فهناك دائما ضغط من المجتمع على الدولة ، صارخ او مكتوم . يمثل الحزب قناة حوار ممكنة بين المجتمع والدولة ، تعمل على عقلنة وتركيز مطالب المجتمع والكشف عن الخطوط التي تربطها الى المصلحة الوطنية العامة ، ومن ثم تحويلها من اسباب توتر الى مشروعات عمل اعتيادية.

ولد الحزب السياسي بصيغته الحديثة في اوربا ، اما اكثر الصيغ انتشارا في العالم العربي فهي تقليد على النسخة التي تطورت في امريكا اللاتينية في ستينات القرن الماضي وانتقلت الينا من خلال التفاعل بين تيارات اليسار العربي ونظيرتها الاجنبية . وخلال العقدين الماضيين بذل بعض المفكرين والاحزاب العربية جهدا طيبا لاعادة انتاج هذه الصيغة القديمة في اطار احدث واكثر استجابة للمعطيات الرهنة في المجتمع العربي . ونتيجة لهذا فان اكثرية التنظيمات السياسية العربية تميل الان الى عمل سياسي سلمي ، علني ، يعتمد في المقام الاول على تفعيل طاقات الجمهور وكسب دعمه .

لكن هذه الاحزاب ما تزال بحاجة الى التخلص من احدى العلل الكبرى الموروثة عن النموذج اللاتيني ، تلك العلة هي الانشغال بالتكتيك السياسي بدل المشروع السياسي . يضع كل حزب في بيان تاسيسه قائمة من الاهداف ، تبدأ من الدفاع عن الحريات العامة وتعزيز المشاركة الشعبية ، الى حماية البيئة ، مرورا بتطوير الاقتصاد والتعليم والامن الوطني .. الخ . لكنك لا تجد الى جوار هذه الاهداف بيانا باستراتيجيات العمل ، اي الوسائل التي سيعتمدها الحزب في الوصول الى هذه الاهداف . بديهي ان الوصول الى السلطة يوفر امكانية كبيرة لتحقيق تلك الاهداف . لكن من المبالغة بمكان الادعاء بان مجرد امتلاك الادوات التنفيذية ، اي المال والقوة السياسية ، كاف لتحقيقها . والدليل على ذلك ان الحكومات القائمة نفسها تدعي سعيها لنفس الاهداف او بعضها على الاقل . واذا لم تكن مخلصة في كل ادعاءاتها فلا شك انها صادقة في بعضها ولو بنسبة معينة . لكنها مع ذلك لم تحقق نجاحا يتوازى مع الفرص التي اتيحت لها من حيث المورد والوقت . كما ان الاحزاب التي شاركت في السلطة لم تحقق نسبة كبيرة من تلك الاهداف .

يشير هذا الى حقيقة ان المشكلة تكمن في مكان آخر ، وفي ظني انها تكمن في الانشغال المكثف بالتكتيك ، اي اعتبار الوصول الى السلطة ، سواء الحكومة او المجلس النيابي هو الهدف الاول وربما الاخير للحزب . في ظل هذا الانشغال ، يتمحور العمل اليومي للحزب حول تعبئة الشارع وراء اهداف بعضها ثانوي او على الاقل غير استراتيجي  ، فائدتها الوحيدة هي التاكيد على خطوط الانفصال – واحيانا الصراع – بين الدولة والمجتمع . حين ينحصر جهد الحزب في هذا النوع من النشاط ، فان اعضاءه وانصاره لا يتعلمون السياسة ولا يتعلمون فن ادارة الدولة ، بل يتعلمون فنون الصراع والتعبئة فقط  ، ويتخرجون كخطباء مؤثرين لا كقادة سياسيين.

بدلا من ذلك فان الاحزاب العربية مدعوة الى وضع ثقلها وراء المشروع السياسي الذي تظهر معالمه في قائمة اهدافها . وهذا يستدعي وضع استراتيجيات متوسطة وطويلة المدى لتحقيقه ، ويشمل ذلك :

 1- وضع تصور تفصيلي عن معاني وحدود وتطبيقات كل واحد من اهداف الحزب ، وكيفية انزاله في الواقع المحلي ، بالاعتماد على موارد الدولة او بجهد اهلي ، والمعوقات التي سوف تواجهه ، سواء الثقافية او السياسية او غيرها ، والبدائل الممكنة للتغلب عليها .

2- تقسيم نشاطات الحزب وموارده المادية والبشرية على النشاطات الرامية الى تحقيق كل واحد من تلك الاهداف . يجب ان تركز شريحة من الاعضاء اهتمامها على قضايا التنمية السياسية بما فيها الحريات العامة وتعزيز المشاركة الشعبية ، ويركز فريق آخر على نقد السياسات الاقتصادية المتبعة وتطوير بدائل افضل وعقد نقاشات تخصصية او توعوية وتشجيع البحث حول هذه البدائل . ويركز فريق ثالث على قضايا البيئة ورابع على التعليم والصحة والامن.. الخ . سوف يكتشف اعضاء الحزب من وراء هذه النشاطات حقيقة الدولة كجهاز عمل شامل ، وسيتعرفون على السياسة كمفهوم يربط بين حاجات البلاد ومواردها ، وليس مجرد شعارات او مناصب او امتيازات . كما ستوفر للحزب ككل منصة للتعبير عن راي ناضج في مختلف قضايا البلاد في كل الاوقات وليس في المواسم الانتخابية وحسب .

3- اذا نجح الحزب في تحويل مشروعه السياسي الى موضوع عمل يومي ، فانه سيكون بمثابة حكومة ظل ، وسوف يفرض مواقفه واراءه على الحكومة حتى لو لم يكن شريكا فيها . ان وجود بدائل انضج عن السياسات الحكومية ، ووجود دعاة لهذه البدائل يمارسون النقد المتخصص ، هو اقوى وسيلة ضغط من اجل الاصلاح  . في حقيقة الامر سيظهر الحزب امام الراي العام باعتباره البديل الطبيعي عن الحكومة القائمة ، وهذا يرفع مكانة الحزب الى صف المنافس الرئيس ، بدل ان يكون واحدا من عشرات المتنافسين . 

الايام 7 مارس 2006

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...