‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقاصد الشريعة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقاصد الشريعة. إظهار كافة الرسائل

21/03/2018

المرحوم ستيفن


وفاة عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكنج ، احيت جدلا مزمنا ، محوره سؤال: هل يصح لنا ان نعتمد على عقولنا كمصدر للقيم واخلاقيات التعامل مع الناس ، المشابهين لنا والمختلفين عنا؟. سبب هذا السؤال هو اصرار بعض الناس ، على ان هوكنج وأمثاله من العلماء الذين أغنوا حياة البشر ، ليسوا مسلمين فلا يستحقون الرحمة.
لحسن الحظ فان غالبية المسلمين اليوم ، يعتبرون هذا الرأي افراطا بلا ضرورة. لأننا لا نعلم ماذا سيفعل الله بأمثالنا وأمثال ستيفن هوكنج. وذكرني هذا السجال بقصة شهدتها أيام دراستي الاولى ، خلاصتها ان زميلا لي جادل استاذنا حول المصير الاخروي لمن نعتبرهم كفارا. بدأت القصة حين اثنى الاستاذ على علم الفيلسوف اليوناني سقراط وفضائله. فقال التلميذ مازحا: "في نهاية المطاف.. سنتفرج عليه وهو يحترق في نار جهنم" فاجابه الاستاذ بلهجة حازمة: "اذا حظينا بعفو الله فقد نجد سقراط وتلاميذه قدامنا في الجنة". ثم شرح مسألة الحسن والقبح العقليين ، التي كانت في الماضي موردا للجدل بين علماء الكلام وأصول الفقه.

الرئيس الامريكي باراك اوباما يقلد ستيفن هوكنج وسام الحرية الرئاسي في 12-8-2009

منذ زمن قديم انقسم علماء المسلمين الى فريقين ، فريق اعتبر النص الوارد عن الله والرسول مصدرا وحيدا للتشريع والقيم الاخلاقية. وفريق قال ان العالم يتغير فتستجد قضايا ما كانت منظورة في زمن النص. فلا محيص من اعتماد العقل كمصدر للشرائع. صور هذه الاشكالية الفقيه الشافعي ابو الفتح الشهرستاني بقوله ان النصوص محدودة والحوادث لا متناهية ، ونعلم قطعا انه لم يرد في كل حادثة نص ، ولا يمكن للمحدود ان يستوعب اللامحدود.
كلا الفريقين لازال حاضرا في ساحة الفقه والدعوة. ولديه مبررات تدعم موقفه. ولعل اقوى حجج الاخباريين هي قولهم بان النص معصوم والعقل خطاء ، فالالتزام بمنطوق النص اقرب للسلامة ، لأن طاعة الله احرى ان لا تبنى على الظنون.
يعرض الفريق الآخر حجة لا تقل قوة ، وخلاصتها ان الله خلق العقل وأمر عباده بالاعتماد عليه في كل جوانب حياتهم ، واعتبره شرطا للتكليف ، فغير العاقل لا يسأل عن شيء ولا تكليف عليه. العقل اذن محور علاقة الناس بربهم. فاذا كان غير قادر على تمييز القبح والحسن المنطوي في أفعال البشر ، غير قادر على تمييز ما يستحق الثناء وما يستحق العقاب ، فكيف يكون قاعدة الحياة الدينية ومحور علاقة الانسان بربه؟.
وقالوا أيضا ان التفكر والاختيار العقلي المحض ، هو مبدأ معرفة الله والايمان به ، فليس في التوحيد تقليد. وهذا أصل الايمان ، وهو سابق لكل الشرائع. فكيف يكون العقل مبدأ في الاصول ، ولا يكون معتبرا في الفروع؟.
جوهر المسألة إذن يدور حول سؤالين ، اولهما: هل يمكن وصف فعل ما بانه حسن أو قبيح اعتمادا على حكم العقل ، ام ان جميع الافعال محايدة ، حتى يأتينا نص شرعي يخبرنا عن كونها حسنة او قبيحة. والثاني: اذا حكم العقل على فعل ما بانه حسن او قبيح ، فهل لهذا الحكم اعتبار في الشرع ، ام لا.
لو اردنا تطبيق المسألة على حدث اليوم ، فستكون على النحو التالي: هل نعتبر انجازات العلماء امثال ستيفن هوكنج ، ذات قيمة واحترام عند الدين ام لا. وبناء على الجواب ، هل يستحق هؤلاء العلماء الاجلاء التبجيل والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة ام لا.
اظن ان اي انسان يقدر عقله قد توصل الى الجواب الان.
الشرق الاوسط الأربعاء - 4 رجب 1439 هـ - 21 مارس 2018 مـ رقم العدد [14358]
http://aawsat.com/node/1211376

11/03/2014

دعوة لمنهج جديد في الاجتهاد واستنباط الاحكام

الداعون الى اعادة بناء الاجتهاد على ارضية مقاصد الشريعة ، يرون في دعوتهم حلا لابرز مشكلات الفقه المعاصر ، اي الفجوة الفاصلة بين الرأي الفقهي وواقع الحياة المعاصرة. وهم يرون ان معيار سلامة الرأي الفقهي هو انسجامه مع المقاصد الشرعية ، وابرزها – حسب ترتيب الفقيه الاندلسي ابراهيم بن موسى الشاطبي (توفي 1388م)- حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل.

هذه المقاربة تفترض معايرة لاحقة. بمعنى اختبار صلاحية الراي بالنظر في تاثيره سلبا او ايجابا على احد المقاصد المذكورة. 

عالم الانسان يتغير. يجب ان يتطور علم الشريعة كي يواكب تغير العالم

اني ادعو الى معادلة معكوسة تسمح - في رأيي – بتطوير جوهري في مفهوم الحكم الشرعي ومسارات الاجتهاد. كما تفسح مجالا رحبا للعلوم الجديدة والخبرات الانسانية كي تسهم في الصناعة الفقهية.

في المعادلة الجديدة لا نبدأ بالسؤال عن الحكم ، بل بتحديد موضوعات المقصد ، وهي تشكل الجزء الاعظم من العمل العلمي الذي ينتهي باصدار احكام فقهية. فلنأخذ مثلا المقصد الخامس ، وهو "حفظ العقل". هنا نبدأ بسؤال: ما هي العوامل التي تساعد في حفظ العقل ، وما هي العوامل التي تسهم في اضعافه. وكلا السؤالين يتفرع الى احتمالات. منها مثلا: معنى حفظ العقل ، فهل معناه ابقاؤه في حالة ساكنة ام تطويره؟. هذا يقودنا الى سؤال اخر: هل يتطور العقل مع زيادة المعلومات ام نقصها ، باستماعه الى الاراء المتعارضة ام بجبره على مدرسة واحدة.

ناتج هذه المقاربة سيكون احكاما شرعية من مستويين: اولها المستوى الارشادي اي: السياسات اللازمة لتطوير العقول. وهذا يشكل جوابا على قضايا ملحة مثل تدفق المعلومات وحرية التفكير والتعبير وتعدد المذاهب والمدارس الفكرية وتصنيف العلوم النافعة وغير النافعة الخ. وثانيها هو المستوى القانوني الذي قد يكون احكاما فقهية او قواعد قانونية ملزمة تعالج موقف المجتمع والدولة من تلك الامور. واظن ان اتخاذ مقاربة كهذه ستكشف ان تقييد حرية التعبير ، وانكار التعددية الفكرية ، رجوعا الى راي فقيه او بند قانوني ، تنطوي على مخالفة لضرورات الشريعة.

كذلك الحال في المقصد الرابع اي حفظ المال ، والذي يبدأ بحثه بسؤال معنى الحفظ وكيفيته والوسائل والطرق التي تؤدي اليه ، والفرق بين المال الشخصي والمال العام. ويصل الى الاحكام الارشادية والقانونية التي تسهم في تنمية الثروة الفردية والعامة وتمنع تآكلها او فسادها. هذا سيكشف لنا معاني اخرى لمفهوم الربا والاستغلال والقيمة الشرعية لفائض القيمة والفائدة ، الخ.

خلاصة القول ان هذه المقاربة تدور بشكل رئيسي حول سؤال: كيف نجعل الفقه والقانون العام وسيلة لتحقيق مقاصد الشريعة. ولهذا فهي تبدأ بدراسة تلك المقاصد وموضوعاتها التفصيلية وسبلها ، وتنظر فيها كدليل لاستيضاح المصالح والمفاسد ، وبالتالي الاحكام الشرعية. واظن ان اتباعها سينتج فقها يستوعب التحديات التي يواجهها الاسلام اليوم ، ويجسر الفجوة بين الدين والحياة العامة.

 الاقتصادية  

https://www.aleqt.com/2014/03/11/article_832224.html



مقالات ذات علاقة



13/12/2012

نافذة على مفهوم "البراغماتية"

قبل زمن طويل اقترح الفيلسوف اليوناني ارسطو واحدا من اوائل التصويرات الفلسفية لفارق القيمة بين افعال الانسان . حيث ميز بين نوعين : الفعل الحق او "البراكسيس praxis " ويشير الى نوعية من الافعال هي في ذاتها غاية ، وبهذا تتميز عن سواها من الافعال التي هي وسيلة لنيل غرض آخر او  "بويسيس poiesis ". الفعل الاول غاية في ذاته وقيمته مستقلة . اما الثاني فهو وسيلة لنيل غاية هي فعل منفصل عنه ، فقيمته رهن بالفعل الثاني وليس به ذاته.

جون ديوي

معظم النقاشات الخاصة بالفعل الانساني دارت حول نفس المحور. نوقشت المسالة عند الاصوليين والمتكلمين المسلمين تحت عنوان ذاتية الحسن والقبح في الافعال. وخلاصة النقاش تدور حول سؤال: هل الافعال تنطوي على قبح اوحسن في ذاتها ، ام انها محايدة ، وتوصف بالحسن او القبح تبعا لما تؤدي اليه؟. كمثال: هل الاحسان الى الفقير حسن بذاته (لان المواساة والعطف امور طيبة)، ام لان النتائج التي يقود اليها حسنة (كي لا يقوده الفقر الى السرقة مثلا)؟. هذا السؤال مهم لان بعض الاعمال التي ظاهرها حسن تؤدي الى نتائج قبيحة والعكس صحيح.

الذين اهتموا بدور العقل في التشريع قالوا بذاتية القبح والحسن في الافعال ، بينما مال الاخباريون الى ان الحسن والقبح اوصاف يقررها الشارع ، وليس في الفعل ذاته حسن او قبح مستقل عما حدده الشارع. ولهذا فان نتيجة الفعل ، سواء كانت حسن او قبيحة ، لا تؤثر على قيمة الفعل الشرعية.

في اواخر القرن التاسع عشر ، طرح عدد من الفلاسفة ، مثل شارلز بيرس ووليام جيمس وجون ديوي مسارا قريبا من هذا المعنى تحت عنوان البراجماتية pragmatism وكان موضع اهتمامهم هو قيمة العلم ، وكان اطار البحث هو فلسفة العلم. وخلاصة نقاشهم تدور حول سؤال: هل للعلم قيمة بذاته ، ام ان قيمته رهن بالمنافع الملوسة التي يؤدي اليها؟. هذا السؤال يجادل النظريات الفلسفية الميتافيزيقية التي راى اولئك الفلاسفة انها غير ذات فائدة وان الانشغال بها لا يضيف شيئا الى المعرفة الانسانية ولا التمدن. اي انها مجرد تمرين عقلي لا اكثر.

مصطلح البراجماتية طرح للمرة الاولى في مقالة لوليام جيمس عام 1889. ويصورها شارلز بيرس على النحو التالي : حين تطور فكرة عن موضوع محدد ، فسوف تتامل اولا في في الاثار الواقعية للموضوع . لاحقا ستجد ان فهمك لهذه الاثار هو جوهر فهمك للموضوع ، اي ان فكرتك حول الاثار هي حقيقة الموضوع والفكرة التي تريدها عنه.

في نفس السياق اكد جون ديوي على ان التفريق بين النظرية والممارسة العملية لا معنى له. المقارنة الصحيحة تجري بين ممارسة ذكية او عالمة ، وبين ممارسة لا علم فيها. اي – بعبارة اخرى – بين نظرية قيد التطبيق العملي وبين عمل لا تدعمه نظرية علمية. وزبدة القول ان الفكرة او النظرية تعتبر قيمة اذا قادت الى نتائج قيمة او مفيدة في عرف العقلاء. اما غيرها فلا قيمة له.

واجه هذا المفهوم اشكال الافعال الدينية التي يقوم بها الناس تقربا الى الله ، وان لم يعرفوا ثمارها. فاتخذ ديوي منحى حادا يؤكد على ضرورة تفسير الفعل الديني والنظر في فوائده ، بدل التعلل بالعلل الغيبية التي تعتبر خارج ادراك الانسان. وقدم تفسيرات لبعض الافعال كالصلاة مثلا. وهو يقول بهذا الصدد ان البراجماتية ليست ضد الدين ، لكنها لا تهتم بتبرير الافعال الدينية.

اثرت البراجماتية على الدراسات الفقهية والقانونية ايضا. في زمننا هذا يدور جدل واسع حول ما يسمونه مقاصد التشريع او الفقه المقاصدي. وفحوى النقاش هنا ينطوي في جواب السؤالين التاليين:

أ) هل يجب على الفقيه ان ينظر في المصالح التي يحققها رايه قبل اعلانه ، ام ان مسؤوليته منحصرة في دراسة الادلة واعلان الراي الذي يستنبطه منها ، بغض النظر عن اثاره الواقعية؟

ب) هل يجب على الفقيه الرجوع الى التشخيص العرفي للمصالح المقصودة هنا ، ام الى تشخيص الخبراء واهل الاختصاص في الموضوع ، ام ينظر في تعريفه الشرعي ، سواء ورد في النص او في فهم الفقهاء السابقين لموضوع المصلحة المنظورة.

واثرت البراجماتية بعمق على نظريات الادارة العامة والسياسة. وخلاصة النقاش في هذا الحقل هو ان "الادارة مسؤولة عن جعل برامج العمل والخطط فعالة ومؤثرة". بعبارة اخرى فان فشل اي سياسة او خطة عمل يتحمل صاحب القرار المسؤولية السياسية عنها ، وربما يتحمل المسؤولية القانونية ايضا. يتوجب على صاحب القرار وضع خطط قابلة للتنفيذ ، وتاسيسها على نظرية علمية قابلة للاشتغال في الواقع. الاخذ بنظريات مثالية خطا وتقصير من جانب صاحب القرار.

وبالمثل فاني ارى ان الزعماء وموجهي الراي العام ، يتحملون المسؤولية عن ارائهم اذا كانت سببا في وقوع مفاسد او ضياع مصالح. رجل الدين والصحفي ورجل السياسة مطالبون بالنظر في النتائج المحتملة لارائهم المعلنة ، اذا كانت موجهة للجمهور العام وكان يتوقع ان يطبقها جمهور كبير من الناس. وفي هذا الصدد ينبغي الفصل بين المسؤولية القانونية التي تقع على شخص الفاعل، والمسؤولية السياسية والاخلاقية التي يتحملها او يشارك في تحملها الامر او الموجه.

زبدة القول ان المذهب البراجماتي ليس ايديولوجيا كاملة بل نظرية فلسفية ظهرت في اطار النقاش حول فلسفة العلم ، ثم دخلت في اطار النقاش حول قيمة الفعل ، ومسؤولية الفاعل او الداعي للفعل.

نوافذ مماثلة:



قراءات اضافية:

حول تطور مفهوم البراغماتية Pragmatism , in Wikipedia, http://en.wikipedia.org/wiki/Pragmatism
حول جون ديوي ورؤيته :
Anderson, Elizabeth, "Dewey's Moral Philosophy", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2012 Edition), Edward N. Zalta (ed.) http://plato.stanford.edu/archives/fall2012/entries/dewey-moral/>
حول نظرية الفعل عند ارسطو:
S. Freeland, ‘Aristotelian Actions’, Noûs, vol.19, no. 3. (Sep., 1985),  397-414, p. 397.
 John Ackrill, ‘Aristotle on Action’, Mind, New Series, vol. 87, issue 348, (Oct., 1987) pp. 595-601.


الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...