‏إظهار الرسائل ذات التسميات معنى التسامح. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات معنى التسامح. إظهار كافة الرسائل

20/09/2015

التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف

يمكن للدين ان يبرر الكراهية مثلما يبرر المحبة. لكن خطاب الكراهية بذاته خطاب مستقل ، يظهر في هذا الظرف او ذاك ، فيحتاج الى تبرير ايديولوجي كي يمسي مقبولا بين الناس. في العراق مثلا لم يرجع حزب البعث الى مبررات دينية قبل قصف القرى الكردية بالسلاح الكيمياوي خلال حملة الانفال. وفي المانيا استند خطاب الكراهية النازي على ايديولوجيا قومية وليس مبررات دينية. مثلما استند خطاب الكراهية في مجموعات الكوكلوكس كلان الامريكية الى دعاوى عنصرية ، اعتبرها اصحابها ايديولوجيا قائمة بذاتها. وجرى مثل هذا في جنوب افريقيا وغيرها.
الكراهية كسلوك او كمشاعر تشكل منظومة مستقلة ، تستعين بالمبرر المناسب في كل ظرف. نعلم ان اتجاهات الرأي العام تتباين من ظرف لآخر. لكن ما يهم دعاة الكراهية ومستثمروها هو اقناع عامة الناس بان هذا السلوك غير المقبول ، طبيعي او ربما ضروري.
على اي حال فان المشكلة التي نواجهها اليوم هي الجماعات التي تربط بين الكراهية والدين. ولهذا نحتاج الى التركيز على العوامل الدينية التي يمكن ان تبرر او تغذي مشاعر الكراهية او تحمي المصالح المرتبطة بنشر الكراهية.
في هذه المساحة الصغيرة سوف اقترح نوعين من العلاج ، هما تعزيز قيمة التسامح وفتح المجال الديني:
أ) نقصد بقيمة التسامح معناها الفلسفي ، اي اعتبار تعددية الحق ، وحق الانسان في اختيار المعتقد ونمط الحياة الذي يريد. ومحاربة الفكرة القائلة بان طريق الحق واحد ، او ان احدا من البشر مخول بجبر الآخرين على هذا الطريق. يجب تحويل هذا المفهوم الى عنصر رئيس في التربية المدرسية ، وفي التوجيه العام. هذا لا يعالج – بالضرورة – المشكلة الراهنة ، لكنه يساعد على تفكيك الذهنية التي تسمح بولادة خطاب الكراهية او تفاقمه. نحن – بعبارة اخرى – نوفر وقاية للاجيال الجديدة التي نخشى ان يجرفها تيار الكراهية والعنف.
ب) شهدت العقود الثلاثة الماضية ما يمكن اعتباره افراطا في توحيد المجال الديني ، ادى الى انقسامات مركزية. نحن اليوم نتحدث عن خمسة او ستة تيارات دينية تقتسم معظم الساحات. وجميع هذه التيارات تستثمر الموروث التاريخي في تعزيز مشروعيتها. ولهذا فهي تزداد انغلاقا مع مرور الزمن. وزاد في الوضع سوءا ان هذا العدد القليل من التيارات ، نجح – لاسباب مختلفة – في الاستيلاء على المجال السياسي الأهلي ، فاختلط الديني الذي طبيعته الثبات والاستمرار بالسياسي الذي طبيعته التحول والتنوع. ونتيجة لهذا اصبح الفضاء السياسي العام في اكثر من دولة عربية ، مغلقا او ضيقا على كل من يبحث عن خيارات بديلة او مختلفة.
في معظم الدول العربية ، ثمة صراع ظاهر او مكتوم بين فريقين: الدولة والتيار الديني ، الذي يتبنى في الغالب المقولات التقليدية الموروثة. هذا تعارض لا يمكن حله بادماج المجالين ، الرسمي والاهلي ، ولا بتحالف الدولة مع التيار الديني التقليدي، فهما عالمان متناقضان جوهريا.

الحل الصحيح هو فتح المجال امام حياة سياسية اعتيادية ، تساعد على ظهور خيارات بديلة للجمهور ، ومن بينها خصوصا خيارات دينية بديلة. اعتقد ان التعددية السياسية الحرة (اي غير التوافقية او المضبوطة بضوابط حكومية او دينية) يمكن ان تشكل أداة فعالة لاحتواء الطامحين والباحثين عن أدوار ، وهو المقدمة الضرورية لاصلاح خطوط الانكسار الاجتماعي والسياسي ، او على الاقل تلافي انعكاساتها الخطرة ، سيما تفاقم حالات الاحباط بين الاجيال الجديدة ، وهي الارضية التي تسمح بظهور الاتجاهات الراديكالية او تبرير الكراهية والعنف.

"القبس" الكويتية 20/09/2015 
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1091015&CatID=323

14/10/2014

ان تكون مساويا لغيرك: معنى التسامح


من النادر جدا ان تسمع زعيما يدعو للشدة في معاملة الناس. جرت عادة الزعماء والعلماء على القول بان اللين هو السنة الصحيحة. ويستشهدون على هذا بآيات واحاديث وينقلون روايات تاريخية عن ملاينة الزعيم او العالم الفلاني لمعارضيه فضلا عن اتباعه.

لكن مفهوم "اللين" لا يفيد كثيرا في العلاقات غير الشخصية ، سيما مع المخالفين. مبدأ الملاينة صحيح في علاقة محددة بينك وبين شخص آخر. او في علاقتك مع اتباعك والاشخاص الذين تجمعك واياهم قناعة مشتركة ومفهوم واحد للحياة والعالم.

اما المعيار الناظم للمواقف العامة والعلاقة مع المخالفين فهو مبدأ "التسامح". التسامح هو الاقرار بأن لكل انسان حق في اختيار ما يراه مناسبا لشخصه من فكرة او اعتقاد او طريقة عيش او منظومة علاقات اجتماعية او موقف سياسي او تصور عن المستقبل.

ارضية هذا المبدأ هي الايمان بعقلانية الانسان وحريته ، وكونه قادرا على حساب عواقب قراراته وافعاله وتحمل المسؤولية المترتبة عليها. نحن ننظر للناس كعقلاء يتبعون ما توصلوا اليه بعقولهم. انت تؤمن بعقلك وحقك في اختيار معتقدك ونمط عيشك ومواقفك ، وترفض ان يلزمك الاخرون بما لا تريد وما تظنه غير معقول ، رغم انهم يرونه معقولا وصحيحا.

هذا حقك ولا غبار عليه. لكن عليك ان تعلم بان الاخرين ، الذين يتفقون معك والذين يخالفونك ، يملكون نفس الحق. واذا مارسوه فسوف يتوصلون الى خيارات مخالفة لخياراتك. ستكون رؤيتهم للحياة والعالم مختلفة ، اولوياتهم مختلفة ، ونظام عيشهم مختلف. اي انهم سيكونون مختلفين عنك او مخالفين لك. هذا حقهم ، مثلما أقروا بحقك.

ثقافتنا الموروثة ونظام تعليمنا والقيم الناظمة لعلاقاتنا الاجتماعية قائمة كلها على اعتبار ان ما عندنا هو الحق الوحيد ، وان كل مخالفة له باطل يجب انكاره وردعه. والحق ان كل ما نعرفه وما نؤمن به اجتهادات تقبلناها لاننا الفناها او تعلمناها ، فاقتنعت بها عقولنا او ارتاحت اليها نفوسنا. وهي قد تكون حقا كاملا او ناقصا.

 الاخرون الذين يخالفوننا اتخذوا طريقا آخر لانهم اقتنعوا به او ألفوه. ولديهم عليه ادلة مثل ما لدينا من ادلة وربما اكثر. وهم يرونه حقا مثلما نرى الذي عندنا حقا. وهم – مثلنا – يغيرون اراءهم وقناعاتهم بين حين وآخر ، فهل كان الاول باطلا والتالي صحيحا ، او العكس؟

لا يمكن لاحد  اثبات ان ما يقوله هو عين مراد الخالق او الحق الوحيد. كل انسان يجتهد في اصابة الحق بقدر ما اعطاه الله من عقل وحرية ، وهو مسؤول عن عواقب خياراته. ان اردنا ان نوصف بالتسامح فعلينا الاقرار بان الناس سواسية في عقولهم وحقوقهم. ليس لأحد ان يرفع نفسه فوق الناس ، وليس لأحد ان يظن الحقيقة واحدة وانه وحده العالم بها دون الناس.

الاقتصادية 14-10-2014
http://www.aleqt.com/2014/10/14/article_895776.html

مقالات ذات علاقة

22/01/2013

فلان المتشدد

لا نستطيع التعويل على وصف الناس لأنفسهم ، في الحكم عليهم بالتسامح أو التشدد. كما لا نستطيع الاتكال على وصف أعدائهم لهم. علمتني التجربة أن أحكام الناس على بعضهم تنطلق في أغلب الأحيان من مواقف شخصية أو سياسية. صديقك سيرى شخصك وفعلك بعين الرضا، وعدوك أو منافسك سيراك بعين البغض أو الارتياب.


معيار التشدد والتسامح ليس وصف الإنسان نفسه وليس تقييم أصحابه له، وليس بالتأكيد تقييم المنافسين له ولأعماله. لا يمكن أيضا الركون إلى الأوصاف المتداولة في المجال العام، فهي انطباعية في الغالب، روجها شخص ما وتداولها الآخرون دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التساؤل عما إذا كانت تحليلا محايدا أو مجرد تنميط سطحي.

هذا يجعل الأمر أكثر صعوبة، لكنه يضطرنا، وهذا هو الجانب المشرق في المسألة، إلى البحث عن معايير أكثر موضوعية قبل أن نحكم على الآخرين. وأود هنا اقتراح معيارين يتصفان - في ظني - بالموضوعية، هما معيار التسامح ومعيار الليونة أو الشدة في التعبير:

1- جوهر مبدأ التسامح هو الإقرار بحق الآخرين في مخالفتك: كل منا يعطي لنفسه الحق في اختيار فكرة أو عقيدة أو منهج حياة أو طريقة عمل يراها حقا، وربما استشهد لأجلها بالكتاب والسنة... إلخ، وهو بالتأكيد سيدافع عن هذه الخيارات إذا تعرضت للنقد أو طولب بالتخلي عنها.

الحق الذي أعطيته لنفسك، هو ذاته الحق الذي يجب أن تقر به للآخرين. طبقا للمأثور عن الإمام علي بن أبي طالب- عليه السلام- فإن الحق ''لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري على أحد إلا جرى له''، فالمتشدد هو من ينكر على الآخرين حقوقا أعطاها لنفسه، أو يعاقبهم لو طالبوا بحقوق كالتي أقرها لنفسه، هذا معيار عام ومطلق في كل الأحوال.

2- لأن الإنسان كائن اجتماعي، فإن علاقته مع الآخرين تشكل معظم نشاطه الحيوي. المتشدد هو الذي يتعامل مع الآخرين بخشونة، ويخاطبهم بخشونة، أو يتحدث عنهم بخشونة. بخلاف المعتدل الذي يتبع اللطيف واللين في كل الأحوال. سلوك المتشدد يتسم بالخشونة، حتى في معاملة أصدقائه ومناصريه إذا اختلفوا معه، بينما يلتزم المعتدل سلوكا لينا حتى مع أعدائه. هذا معيار نسبي يرتبط بالعرف الاجتماعي السائد. نحكم على سلوك معين بالخشونة أو الاعتدال رجوعا إلى عرف المجتمع أو الزمن الذي نحن فيه، وهذا قد يختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر.

الاقتصادية 22 يناير 2013
http://www.aleqt.com/2013/01/22/article_726541.html

مقالات ذات علاقة

إشارات على انهيار النفوذ الاجتماعي للقاعدة

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

كي لا نصبح لقمة في فم الغول

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

العامل السعودي 

غلو .. ام بحث عن هوية

09/12/2008

في التسامح الحر والتسامح المشروط


ثلاث لافتات ضخمة على ناصية شارع رئيسي تتحدث عن التسامح. محاضرة لرئيس الادارة التي انفقت على هذه اللافتات تحدث في ندوة عامة عن التسامح وعرض العديد من الاحاديث النبوية والحوادث التاريخية التي تدعم تصوره عن مبدأ التسامح . وضرب في الاثناء امثلة عن حروب وحوادث تكذب ادعاء الغربيين للتسامح ، ولم ينس الاشارة الى ان دعوى حقوق الانسان والحوار بين المختلفين التي يروج لها الاوربيون والامريكان هي دعوى كاذبة وغرضها الدعاية لانفسهم ومنتجاتهم وتسويغ تدخلهم في شؤون المجتمعات الاخرى.


 في النقاش الذي تلى المحاضرة سأله احدهم عن رأيه في جدل يدور في دولة اوربية واظنها سويسرا حول السماح للمسلمين ببناء مآذنة في احد مساجدهم ، فتهلل وجه المحاضر وقال ان هذا يثبت ما قاله سلفا عن سياسة الكيل بمكيالين ، ثم اكد هذه المقولة بذكر قصة الحجاب في فرنسا ومنعه في المدارس الرسمية. سأله شخص آخر حول امكانية السماح للفرنسيات المقيمات في البلدان الاسلامية بدخول المدارس الحكومية بملابسهن المعتادة في فرنسا ، وحول امكانية السماح للسويسريين باقامة كنيسة من دون برج للصليب ، وكان الجواب معروفا للجميع ، لهذا لم ينتظر السائل ، بل عقب على اسئلته بان سلوك الغربيين الذي نذمه لا يختلف عن سلوكنا الذي نبرره . لدينا مبررات نطرحها ولديهم مبررات اخرى ، هذه المبررات مثل تلك مستمدة من الثقافة الخاصة لاصحابها وليست معيارية او ملزمة لكل الاطراف.

لم يشأ المحاضر ترك الكلام دون تعقيب ، لكنه بدلا من مناقشة السائل دخل في موضوع قتل محاضرته كلها فقد بدأ بالسخرية من "تلك الاكذوبة الكبرى التي يسمونها الحرية وهي في واقع الامر عبودية للاهواء والشهوات وضلال ما بعده ضلال" وذهب في حديث طويل نسبيا حول ما وصفه بالانهيار الاخلاقي في الغرب من كثرة الجرائم والمخدرات والشذوذ.. الخ . ولم نفهم علاقة هذا كله بمبدا التسامح ، الا حين عاد في نهاية الحديث الى التاكيد بان التسامح الذي يعنيه هو "التسامح المضبوط باحكام الشرع ونظر العلماء وتقاليد المجتمع والمصلحة العامة" وليس التسامح الذي "يدندن به رويبضات الصحافة والمبتدعة واهل الاهواء". قال الشخص الجالس ورائي ساخرا "ريحتنا يا اخي ، ظننتك ستقول شيئا جديدا علينا". وكان هذا ختام الندوة ، فحتى الذين سجلوا اسماءهم للمداخلة تخلوا عنها وسكتوا عدا شخص واحد قال كلاما حول الاختلاط والعفة والقنوات الفضائية والغزو الثقافي وتطاول النساء على الرجال ، وأطال حتى اضطر مدير الندوة الى مطالبته بانهاء المداخلة لاتاحة الفرصة للكثير من الذين سجلوا اسماءهم . وحين سكت المتحدث لم يتقدم احد للحديث . نادى المدير على ثلاثة اسماء فاعتذروا بان المحاضر قال كل شيء .

سألت زميلي ونحن نحث الخطى خارجين : هل خرجنا من هذه الندوة بفكرة جديدة ؟ اجابني ضاحكا : تعلمنا التسامح ، لقد جلسنا ساعة ونصف نستمع الى متحدث يقدم مفهوما زائفا عن قيمة اخلاقية عالية ولم نقاطعه او نجادله .. اليس هذا مثال على التسامح؟. قلت للزميل : لعله مثال على الهروب من المواجهة ، قال لي : مواجهة من ؟.. الذي امامك ليس الا طاحونة هواء تدور وتدور وتدور ، هذا عملها وهذا عالمها وغرض وجودها ، فهي لا تعرف شيئا سوى ان تدور وتدور . صاحبك المحاضر مثل الطاحونة ، عمله الكلام والهجوم اللفظي على الاعداء الحقيقيين والمفترضين ، الواقعيين والمتخيلين ، هذه هو علمه وهذا هو عالمه. هل تريد مواجهة الطاحونة؟. 

قلت للزميل : الا ترى ان المحاضر كان واضحا في الربط بين التسامح والحرية؟ . معنى كلام الرجل ان التسامح نوعان : تسامح مقترن بالحرية : انا متسامح معك بمعنى انني اعترف بحقك في انتخاب خياراتك الخاصة ، وهو المعنى الذي يتحدث عنه العالم اليوم ، وتسامح مشروط بالتقاليد واراء العلماء والمصلحة العامة ، ولولا الخجل لربما اضاف اليه شرط رضا الاب والزوج والاخ الاكبر وشيخ القبيلة وامام مسجد الحي وعمدة القرية وربما اشخاص اخرين ، فالتسامح هنا يعني ان تبحث عما يوافق عليه كل هؤلاء ثم تفعله ، وتستمتع بتسامحهم معك . الا ترى اننا تعلمنا شيئا جديدا؟.

مقالات ذات علاقة


رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...