‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد شحرور. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد شحرور. إظهار كافة الرسائل

21/06/2017

المعنوية ، حيث تلتقي جميع الرسالات

انتقل العلامة شحرور الى رحمة الله في 21-12-2019. للاطلاع على فكره وكتبه ، انظر موقعه على الشبكة https://shahrour.org/

Muhammad-Shahrur.jpgالحوارات اليومية للمفكر السوري د. محمد شحرور على قناة روتانا ، هي في ظني أفضل عمل ثقافي قدمه الاعلام العربي خلال هذا الشهر المبارك. تعرفت على شحرور للمرة الأولى في مطلع تسعينات القرن المنصرم ، من خلال عمله المثير للجدل "الكتاب والقرآن". وللحق فان تحليله الفريد للنص القرآني قد صدمني وسفه كثيرا من قناعاتي المستقرة. لكنه علمني ان فهم النص مشروط بالعبور منه الى ما وراءه. هذا "الوراء" قد يكون تخيلا للاحتمالات الممكنة في النص ، أو ربما قائمة معايير أولية بسيطة ترجع اليها كافة الاخلاقيات والمثل ، أو إطارا عاما يجمع ما تظنه الخيوط التي تربط بين حياة البشر المادية وحياة الانسان المعنوية.
وجدت ثلاثة مفاهيم تشكل ما أظنه اطارا عاما يجمع كل آراء محمد شحرور ، هي الدنيوية ، المعنوية ، والعقلانية. من حيث المبدأ تصور شحرور الاسلام وكتابه المقدس كمنهج لتنظيم حياة البشر في الدنيا. ما يتعلق بالغيب والآخرة مجرد تكملة للقواعد التي تنظم الحياة الدنيوية. ثم انه تصور الحياة الدنيا العاقلة كنموذج أولي لتطبيقات القيم الدينية. والحق ان القرآن لا يدعونا لغير القيم العليا وقواعد العيش الكريم ، التي توصل اليه عقلاء البشر في كل زمان ومكان. ربما تختلف تطبيقات تلك القيم ومقاصدها الفورية بين ظرف وآخر او بين مكان وآخر ، بحسب موقعها في التشكيل العام للظرف الاجتماعي – الاقتصادي الراهن. لكنها في نهاية المطاف ليست أدوات تبرير لذلك الظرف ولا السلوكيات او المفاهيم المتولدة عنه. بل هي على العكس من ذلك ، نماذج مرجعية لنقد السلوكيات والافعال والمفاهيم السائدة ، وتأكيد على تجاوز التطبيقات الظرفية الى النموذج الاعلى.
المعنوية هي النقطة التي تلتقي عندها كافة الأديان والدعوات الروحية. لطالما استمعنا الى من يقول ان الاسلام متمايز على سائر الأديان ، بما يحويه من توازن بين جانبيه المادي والروحي. لكن ماذا تغني روحانيات الدين ان لم تملأ القلوب بالمحبة لسائر خلق الله. ان ما جرى من افراط في استعمال الشعار الديني في الصراعات الاجتماعية والسياسية ، قد حجم روحانيات الدين ، وحولها من عالم مستقل موازن للميول المادية ، الى أداة للأغراض المادية ، من خيوط وصل تربط بني آدم الى تبريرات للعدوان عليهم.
في هذه الأيام أرى نوعا من إعادة الاعتبار لمعنويات الدين. اي تلك المفاهيم القائلة بان عباد الله جميعا يمكن ان يلتقوا على شاطيء واحد ، هو عمل الخير ، حتى لو سلكوا سبلا شتى او اختاروا مذاهب وأديانا مختلفة. ويلفت انتباهي خاصة الاراء الجديدة التي يطلقها دعاة ومفكرون ، وفحواها ان قصد الخير بشكل عام ، كاف لنيل رضا الله.
جوهر معنوية الدين هي الايمان بأن رسالة الله واحدة ، تختلف اشكالها واطارات عملها بحسب اختلاف ازمنة الناس ، وان رحمة الله تتسع لجميع خلقه ، المذنبين والمحسنين. ونقطة الالتقاء بين العقلانية والمعنوية هي الايمان بدور الضمير الانساني كنقطة اتصال بين الانسان وربه ، ودور العقل كمولد لمعاني الافعال. مهما كان اتجاه الانسان وقناعاته ، فان عقله قادر على كشف محتوى الفعل ، اي التمييز بين الصلاح والفساد فيه ، حتى لو كان جاهلا بتعاليم الدين.
قد تكون ممن يتوسع في اقامة شعائر الدين او ممن يقتصد فيها. ما هو مهم في كل الاحوال هو قصد الخير لنفسك ولعامة الخلق ممن تعرفهم او لا تعرفهم. هذا هو  الايمان بالله.
الشرق الاوسط 21 يونيو 2017

مقالات ذات علاقة

22/10/1998

الهجوم على الثوابت .. اين هي الثوابت ؟



استهل الأستاذ عبد الله الحصين مقاله يوم الأحد الماضي (لماذا الهجوم على الثوابت) بالاشارة إلى أن التساؤلات التي طرحها مفكرون وباحثون حول التراث الإسلامي ، قوبلت (بالتحفظ الشديد مرة وبالرفض مرات أخرى) ثم عرض نماذج لاولئك المفكرين ولما قالوا. لكنه غفل عن ذكر الثوابت التي هجموا عليها ، أو لعله افترض أن النماذج التي عرضها هي من نوع الثوابت ، لكنه لم يخبرنا عن الأساس الذي اعتمده في تقرير هذا الاعتبار لها .
المرحوم د. محمد عابد الجابرى
والواضح أن الأستاذ الحصين قد انطلق من حرص مطلوب ومستحسن على التراث الإسلامي ، وخشية محمودة من أن تطاله أيدي العابثين والجهال ، لكن التوفيق لم يكن حليفه حين اختار الأمثلة التي عرضها للتدليل على مدعاه ، فالأساتذة الذين عرض أسماءهم ، لا سيما محمد عابد الجابري ومحمد أركون ومحمد شحرور ، لا يمكن تصنيفهم ضمن الجهال أو العابثين أو المعادين للمذهبية الاسلامية .
كتب الجابري عشرات من الدراسات القيمة ، محاولا البحث عن الجانب المضيء في التراث الإسلامي ، الجانب الذي يجسد مجد العقل والفعل الانساني ، وإنسانية الشريعة وكفاءتها ، أما محمد أركون فقد وضع النتاج العلمي للمسلمين ، في أزمان مجدهم الغابر ، على طاولة التشريح ، محاولا التأكيد على أن إلحاق هذا التراث الكبير بالشريعة والتفكير الديني ، لا ينبغي أن يؤخذ كمسلمة ، اذ لا بد من الفصل في كل حال بين النص الديني ، المعصوم والمتعالي على حدود الزمان والمكان ، وبين فهم البشر وتفسيرهم للنص ، المحدود والمقيد بأحوال الزمان وهموم المكان ، وكذلك فعل شحرور الذي ذهب إلى مدى أوسع فطالب بتركيز النظر على القرآن الكريم والغوص في بحوره ، منطلقا من افتراض أن محاولات المسلمين السابقين ليست نهائية ولا نتائجها قطعية  .
ولعل الاساتذة المذكورين قد خانهم الحظ في اقناع الاستاذ الحصين بالنتائج التي توصلوا إليها ، وهذه طبيعة العلم الذي يأبى أن يأتي موافقا لكل ميل ، لكن من جهة أخرى ، فان الاختلاف مع النتائج التي توصل إليها باحث ، لا تصح أساسا للتشكيك في نواياه أو الغمز من زاوية (حقه) في البحث ، بمثل القول انه (تخرج من جامعة الحادية تعتبر الالحاد ثابتا من ثوابت مناهجها) ذلك أن البحث في الاسلام ، ليس حكرا على طبقة من الناس ، ولا على أصحاب اختصاص معين ، أو خريجي مدرسة معينة ، أو المنتمين إلى مذهب فكري أو اجتماعي خاص .

 البحث في الاسلام ، كالبحث في  أي موضوع علمي آخر ، متاح لجميع الناس ، دون أن اعتبار النتائج التي توصل إليها الباحث أيا كان ، ملزمة لأي كان ، إلا بدليل آخر ، مثل أن يكون مقلدا له ، كما يفعل العامة مع المجتهدين ، أو أن تتحول نتيجة البحث إلى نظام ملزم للعامة أو الخاصة ، بعد أن تصدر وفق الأصول الشرعية المؤسسة للالزام القانوني .

حق البحث ليس حكرا على أحد ، والنتائج التي يتوصل إليها الباحث ليست ملزمة لأحد ، وانما هي مساهمة في الارتقاء بالعقل الانساني ، ليصبح أقدر على فهم الشريعة ، نصوصها وتجارب البشر في تطبيقها ، وهي مساهمة ذات طابع مؤقت ، تمهد لما هو أرقى منها ، فاذا وصل المتلقي إلى هذا المستوى الجديد استغنى عنها واستعاض بجديده عن قديمها .

ويستذكر الكاتب قصة مشهورة في  النهي عن بناء الحكم على الريبة في النوايا ، حين وضع أسير كافر في إحدى غزوات الرسول (ص) بين الاسلام والنطع ، فرفع صوته بالشهادة ، فأراد الخليفة عمر قتله قائلا انه اسلم خوفا من السيف ، فأجابه المصطفى صلوات الله عليه بقوله (هلا شققت قلبه فنظرت ما فيه) والأصل في الجدل العلمي أن يؤاخذ الباحث بما قال ، لا بما ينوي أن يقول ، أو بما يقصد من وراء القول  ، إلا أن يكون قصده صريحا بينا ، ولا يهم إذا ذاك أن يكون قد تخرج من جامعة توحيدية أو من جامعة الحادية ، خاصة في هذا الزمان الذي يصعب فيه تحديد ما هو الحادي وما ليس إلحاديا ، كما يندر أن تجد جامعة أو مدرسة للدراسات العليا ، ليس في مناهجها أو أساليب تعليمها شيء من الالحاد ، والالحاد هو الميل أو الانحراف عن الجادة الصحيحة ، أو شوب ما هو مستقيم بما هو أعوج ، ولو أردنا الخوض في هذا لما سلم جامعي من الريبة فيما يقول ويفعل ، إلا من عصم الله .

وما دام الاستاذ الحصين قد طرق موضوع التراث ، فقد ألزمنا بتكرار ما ينبغي التذكير به في كل حين ، وهو أن ما نطلق عليه (التراث الإسلامي) هو شيء آخر غير (الشريعة الاسلامية) فالشريعة المقدسة هي عبارة عن النص القرآني المحفوظ بأمر الله سبحانه ، وحديث الرسول (ص) الذي اجتهد المسلمون في توثيقه والمحافظة عليه ، منذ غيابه صلوات الله عليه إلى اليوم ، ومنذئذ ، وخلال مئات من السنين التالية ، عمل المسلمون في النص الديني شرحا وتفسيرا واستلهاما منه .

ومع تقدم المعرفة في ظل ارتقاء الحضارة الاسلامية ، أبدع المسلمون علوما وفنونا جديدة غير مسبوقة ، واستعانوا في كثير من الحالات بما أخذوه وما ترجموه من علوم الأمم الأخرى غير الاسلامية ، وأصبح لدينا في المحصلة النهائية كم هائل من المعارف ، المرتبطة بالنص ، أو المستقلة عنه ، في موازاة تجربة الحياة الاسلامية ، خلال بضعة قرون من الكفاح والارتقاء ثم الهبوط ، تشكل بمجموعها ما نسميه تراث الامة الاسلامية .

ان النتاج الثقافي والمعرفي لأي أمة هو تعبير عن مستواها الفكري وطبيعة أوضاعها الاجتماعية في ذلك الوقت ، فالفكر لا يتطور مستقلا عن الظرف الاجتماعي الذي يوجد فيه ، ولهذا السبب أيضا فان طبيعة التراث ومكوناته متطورة من حال إلى حال ، فهي لا يمكن ان تكون جامدة ، ولا عابرة للزمان ، ولو لم تكن متحولة ، لعجزت عن التفاعل مع المحيط الاجتماعي الذي أوجدها أو استثمرها ، ولأصبحت غير ذات قيمة .

ثم وصل العالم الإسلامي إلى المرحلة الدنيا من مراحل انحطاط حضارته ، فاصبح لا ينتج علما بل ينشغل باجترار ما أبدعه السالفون ، وفي وقت لاحق بدأ يبحث عند الغير عما يستغني به عن تجربة أسلافه .

غير أن الدعوات التي تكررت سابقا ، إلى البحث في الذات والتجربة التاريخية عن معين صاف ، لاعادة تكوين هوية العالم الإسلامي في هذا العصر ، هذه الدعوات تجد اليوم أصداء في كل مكان ، من جانب مثقفين وباحثين يريدون إعادة وصل ما انقطع بين مسلم العصر وبين مصادر هويته الثقافية ، ليس انقطاعا بالمعنى المادي ، بل بغلبة التفسيرات والأفهام المحدودة على النص المرجعي ، بحيث لم يعد المسلم قادرا على قراءة القرآن أو السنة بصورة مباشرة ، أي متحررة من التصور المسبق عن المقصود ، وهو تصور قد يصدق أحيانا وقد يخون ، أو قد يكون قاصرا عن بلوغ تمام المقصود .

 ومع غلبة الافهام والتفسيرات وشيوعها ، واضطرار المسلم المعاصر للأخذ بما انجزه الماضون ، فقد أصبح النص الديني أسيرا لتلك القوالب ، والتي مهما بالغنا في تقدير صحتها ، فانها لن تكون أكثر من تعبير عن عصرها ، بما فيه من أوضاع اجتماعية ، وبما بلغه أهله من مستوى عقلي ومعرفي ، بينما يقتضي خلود النص وعبوره لحواجز الزمان والمكان ، ان يكون نبعا متجددا ، يرده أهل كل عصر فيجدونه معينا عذبا ، قادرا على الاجابة على ما يطرحه زمانهم من اسئلة جديدة ومن تحديات .

نحن بحاجة إلى فهم متجدد للقرآن والسنة ، كل جيل بحاجة إلى فهم خاص ، يستثمر تطور العقل الانساني الذي لا يتوقف في زمن ، ويستثمر نتاج التجربة الانسانية من معارف وعلوم . لكي نجدد فهمنا للقرآن فسوف نحتاج إلى النظر اليه بعين عصرنا لا بعين العصور الماضية ، سوف نحتاج إلى التخلص ـ ولو مؤقتا ـ مما يعتبر بديهيات وثوابت ، تحكمنا قبل ان نصل إلى النص ، ينبغي ان لا تكون ثمة عوائق بين العقل والنص ، بين الانسان وروح النص ، لكي يحاوره متحررا من كل ضغط ، ومن كل التزام مسبق بالوصول إلى نتيجة محددة .

لكي نتخلص من ضغط الفهم المسبق ، فاننا بحاجة إلى نقد التجربة التاريخية للمسلمين ، والتراث المعرفي الذي نتج عنها ، نقد لا يؤدي بالضرورة إلى تسفيه ما كان ، بل إلى الفصل بين ما هو مرجعي وما هو عارض قليل القيمة أو معدومها ، لكي نعيد إحياء ما اندثر من ثقافتنا ، سوف نحتاج إلى نضع أنفسنا في قلب الدائرة ، ثم ننظر إلى ما ورثناه نظرة الحاكم على ما يملك ، لا نظرة السجين إلى شباك هذا القفص الذي نسميه التاريخ .

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...