‏إظهار الرسائل ذات التسميات حقوق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حقوق. إظهار كافة الرسائل

18/09/2004

فضح العيوب واستنهاض المجتمع

طبقا لتصريحات د. الخثلان فان الجمعية الوطنية لحقوق الانسان سوف تقوم بجولات تفتيش في السجون ومراكز الامن للتاكد من تمتع الموقوفين بحقوقهم الطبيعية والدستورية. ومع هذه الخطوة الهامة فاني اقترح على اللجنة ان تصدر تقارير علنية عن نتائج تلك الزيارات . ثمة انطباع سائد في عالم اليوم بان العلنية او الشفافية هي اقصر الطرق واقلها كلفة لمعالجة المشكلات. بل ان هذا النوع من العلاج قد اخذ طريقه الى الطب النفسي فثمة عيادات كثيرة في العالم تعالج مرضاها من خلال الجلسات الجماعية التي يبوح فيها كل مريض لحضور الجلسة الاخرين بما يعانيه .

على المستوى العام، الاداري او السياسي،  تقوم فكرة الشفافية على فرضيتين: الاولى : ان العيوب الادارية والمشكلات منفصلة موضوعيا عن المتسببين فيها او المسؤلين عنهم ، وبالتالي فانه يمكن التعاطي معها دون تحميلهم المسؤولية بمفردهم او الاساءة الى اشخاصهم. ثانيا :  ان المشكلات والعيوب في الادارة او العلاقات بين الادارة والجمهور هي اعراض لعيوب جذرية خفية ، ولهذا فان الاعلان عن وجود المشكلة وطرحها للنقاش العام يؤدي بالضرورة الى زيادة الوعي بعناصرها الاخرى واسبابها الجذرية وبالتالي فانه يساعد الاخرين الذي يواجهون المشكلة نفسها او سيواجهونها في المستقبل على معالجتها مبكرا حتى لو لم تظهر اعراضها بصورة كاملة او جلية.

واضح ايضا ان العلنية تجبر المسؤلين في الادارات العامة على تحمل المسؤلية عن اعمالهم . في مثل مجتمعنا يميل الاداريون الى ربط متكلف بين اشخاصهم وما يقومون به من عمل ، فاذا نجح عمل ما ، اعتبروه انجازا شخصيا واذا فشل او تعطل ، سكتوا عنه كأن لم يكن . ولهذا لا يحصل عادة ان يخرج احد المسؤولين ليقول ان مشروعا معينا او مهمة كلف بها قد فشلت او انها نجحت ولكن دون المستوى المطلوب. العلنية في هذه الحالة تعني بالتحديد جعل المعلومات المتعلقة بكل عمل متاحة لعامة الناس: المشروع المقرر والاموال التي رصدت له ، والوقت المحدد لتنفيذه ونسبة الانجاز او اسباب الاخفاق. الاساس الذي تقوم عليه هذه الفكرة هو ان المشروع العام لا يرتبط بالشخص القائم عليه ، فهو ملك للمجتمع ككل ، ومن حق المجتمع ان يعرف كيف تدار امواله واعماله. الموظف المسؤول ، مسؤول امام المجتمع ، وينبغي ان يكون صادقا حين يفشل عمله وحين ينجح.
الكل يعلم ان السجون ومقرات الامن ليست اماكن نزهة ، ولهذا لا يتوقع ان يسأل مفتشو حقوق الانسان عن نوع الايسكريم الذي يقدم للنزلاء ، بل عما اذا كانوا يعاملون باحترام يليق بالمواطن والانسان ، وتحفظ كرامتهم وحقوقهم . وابرز تلك الحقوق هي تمكين المتهم او الموقوف من اثبات براءته او تخفيف عقوبته ، اضافة الى تمكينه من المحافظة على مصالحه الجارية وراء الاسوار ، كي لا يكون التوقيف بداية النهاية لحياته الاعتيادية التي يفترض ان يعود اليها يوما ما .

في المجتمعات التقليدية ينظر الى الموقوف كمذنب حتى يثبت العكس ، ولهذا قيل في بعض البلدان ان الداخل الى دوائر الامن مفقود والخارج منها مولود . نسأل الله ان لا يبتلينا وبلادنا بهذا الحال المؤلم . وفي العالم كله فان اكثر انتهاكات حقوق الانسان تجري في دوائر الامن ، ليس في المجتمعات التي تخضع لحكم الحديد والنار ، بل حتى في المجتمعات الديمقراطية التي تتوفر فيها ادوات قانونية وسياسية للدفاع عن المتهمين والموقوفين . والسبب في ذلك هو تفاوت القوة – على المستوى الشخصي - بين السجان والسجين ، وغلبة الجانب الوظيفي على العلاقة بين الاثنين مقابل ضمور الجانب الانساني.  ولهذا السبب فان انتهاكات حقوق السجناء والموقوفين متوقعة دائما. لكن ما ينبغي الاهتمام به هو حجم هذه الانتهاكات ، ودرجة استمراريتها . بكلمة اخرى فان نجاح جمعية حقوق الانسان في مسعاها الجديد مرهون بقدرتها على تخفيض حجم الانتهاكات المكتشفة من ظاهرة عامة روتينية الى حالات فردية يمكن ادانتها وتحديد المسؤولية عنها .

يبدو ان الوقت لا زال مبكرا لمطالبة الجمعية بتقرير (فني) بالاسماء والتواريخ عن الحالات التي بحثتها ، لكننا نتوقع على الاقل تقريرا اجماليا يخبرنا انها زارت المقر الفلاني ووجدت فيه ، او لم تجد ، ما كانت تبحث عنه ، ويخبرنا ايضا عما اذا كانت ترى نفسها قادرة على معالجة المشكلة المطروحة ام لا . في ظني ان مجرد الاعلان عن انتهاكات محتملة للحقوق الانسانية في اي دائرة ، سوف يؤدي فورا الى اطلاق عملية تصحيح فيها وفي نظائرها . ولهذا اعود الى التاكيد بان العلنية بذاتها علاج ، لانها ببساطة تجعل المسؤولين وعامة الناس طرفا في التصحيح ، وهذا ما نسميه استنهاض المجتمع لابداع الحلول الضرورية لمشكلاته.

عكاظ السبت - 4/8/1425هـ ) الموافق  18 / سبتمبر/ 2004  - العدد  1189

05/06/2004

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

لا بد ان كثيرا من العرب قد اصيب بالدهشة حين انتخبت الهند ، في مايو 2004 ، رئيس حكومة ينتمي للطائفة السيخية. وبالنسبة للاسلاميين فقد كانت الدهشة مضاعفة حين علموا ايضا ان رئيس الجمهورية في الهند عالم مسلم. يمثل الهندوس 80 بالمائة من سكان الهند ، ويمثل السيخ اثنان بالمائة فقط من سكان الهند ، بينما يمثل المسلمون 14 بالمائة . والحق ان الهند تنطوي على الكثير من العجائب ، لكن اعجب ما فيها هو ديمقراطيتها المتينة التي مكنتها من صيانة وحدتها الوطنية في وسط خضم هائل من اللغات والاديان والهويات المتعارضة. في 1984 تمرد السيخ على الحكومة المركزية ، فهاجم الجيش معبدهم الرئيسي (المعبد الذهبي) في امريتسار . وعلى اثر ذلك قتل ضابط في الحرس الرئاسي رئيسة الحكومة يومذاك انديرا غاندي. لكن الهند الديمقراطية لم تنتقم من السيخ بعد هذه الحادثة ولم تعزلهم عن الحياة العامة . وهاهي اليوم تنصب واحدا منهم رئيسا لها بدعم الجميع .

مصلون في النهر قرب المعبد الذهبي في امريتسار - الهند

المجتمع الوطني في اي بلد هو توليف من عدة مجتمعات صغيرة تتمايز عن بعضها في اللغة او في الدين او المذهب او نمط المعيشة او مستوى النمو. كل واحد من هذه التمايزات يمثل اساسا لهوية خاصة. الاساس في فكرة الدولة الحديثة ، انها توفر هوية وطنية تجمع في ظلها كل الهويات الصغرى التي تنتعش وتتفاعل دون تعارض مع الهوية الوطنية الاعلى.

تصارع الهويات المحلية (دون الوطنية) هو واحد من اعقد المشكلات التي يعانيها العالم العربي . كل قطر ينطوي على تنوع مذهبي او ديني او معيشي ، لكن السياسة العربية مترددة في الاعتراف بما يترتب على هذا التنوع من حقوق متساوية للجميع. السياسة العربية هي سياسة اكثريات تنفي الاقليات بل تقمعها . وهي في بعض الاحيان سياسة اقليات تنفي الاكثريات وتقمعها . وفي كلا الحالين ، فان المشهد السياسي هو مشهد فئة غالبة تستأثر بكل شيء وفئة مغلوبة تكافح من اجل ابسط الاشياء. مشكلة لبنان ومشكلة العراق ومشكلة الجزائر والسودان والكثير من الاقطار الاخرى هي في جوهرها مشكلة العجز عن استيعاب التنوع القائم بالفعل . اي اقامة العلاقة بين المواطنين من جهة ، وبينهم وبين الدولة من جهة اخرى على قاعدة المواطنة ، ايا كانت مذاهبهم او لغاتهم او ثقافاتهم او مواقفهم السياسية والايديولوجية.

بعض المهذبين يتحدث عن استيعاب المختلف باعتباره مبدأ اخلاقيا ، وهو صحيح في العموم ، لكنه فيما يخص الوحدة الوطنية ، ليس موضوعا اخلاقيا ، بل هو جوهر فكرة الحقوق والواجبات المتبادلة التي تقوم عليها وحدة الوطن.
يعجب الانسان للمنطق الذي يرى ان للاكثرية حقا خاصا يتجاوز حقوق الاقلية باسم الدين او السمو العرقي او الصفاء العقيدي او التقدم المعيشي او اي سبب اخر . الدولة الحديثة هي دولة المواطن وليست دولة الاكثرية او الاقلية . هذا هو المنطق الوحيد القادر على صيانة الوحدة الوطنية على المدى البعيد .

 اذا كنا لم نتعلم من تجارب الصراعات الاهلية في الوطن العربي ، فلنتعلم من تجربة الديمقراطية في الهند . الديمقراطية التي سمحت بوصول اثنين يمثلان 16 بالمائة فقط من السكان الى اعلى منصبين في البلاد.


عكاظ 5 يونيو 2004

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...