‏إظهار الرسائل ذات التسميات جون ستيوارت ميل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جون ستيوارت ميل. إظهار كافة الرسائل

26/12/2018

حزب الملاقيف


الملاقيف جمع ملقوف. وهو وصف يطلقه أهل الخليج على الشخص الذي اعتاد التدخل في أمور الآخرين ، وليس له صفة او سلطة أو مبرر. ولعلنا جميعا رأينا بعض الملاقيف ، الذين يراقبون هذا ويعلقون على ذاك ، ممن يعرفون او لا يعرفون.
وقد اسميتهم حزبا من باب المماثلة لحزب "الكنبة" المشهور ، الذي لا رئيس له ولاتنظيم. لكنه منتشر في المجتمعات. "حزب الكنبة" لا يضر احدا ، بخلاف "حزب الملاقيف" الذي يؤذي الناس نفسيا واجتماعيا ، بفضوله الممجوج وتدخله السمج في حياتهم.
جون ستيوارت ميل
ملخص الفكرة التي اعرضها هنا ، هي ان لكل منا حق أصلي في منع الاخرين من التدخل في حياته الشخصية. كما ان من واجبنا جميعا الكف عن التدخل في حياة الاخرين.
ولايخفى ان المسألة مورد اختلاف بين الناس في مثل مجتمعنا. فثمة من يعتبر مراقبة الاخرين وأمرهم او نهيهم ، نوعا من الرعاية او النصيحة. وثمة من يرفعها الى درجة الاحتساب الواجب. وقد سمعت قائلا يدعو لمنع من اسماهم "لابسي الجينز" من دخول المساجد. وسمعت آخر ينكر على أحد القضاة سماحه بدخول سيدة تلبس عباءة ملونة الى مكتبه.
ولهذه الآراء أصل في تراثنا القديم. فقد جرت عادة الفقهاء القدامى على تخصيص باب لاحكام اللباس في كتبهم. لكن فقهاء اليوم يميلون لتصنيف هذا الامر بين العادات والاعراف التي لا حكم فيها.
والذي اعلم ان غالبية الناس يكرهون تدخل الاخرين في حياتهم الخاصة ، حتى لو جاء في قالب النصيحة والارشاد. أعلم ايضا ان "حزب الملاقيف" يعرف كراهية الناس لفعله. بل لعله يرى في كراهيتهم مغنما. لأن إرغام الغير تجسيد للقوة والنفوذ. وهو يفرح ايما فرح حين يرى نفسه او يراه الناس في محل صاحب السلطة ، الذي يأمر فيطاع.
والخلط بين النصيحة المحمودة والتدخل الممجوج ، معروف منذ القدم. ولذا توسع الفقهاء والاخلاقيون في بيان شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي طريقة النصح ولوازمه. ولعل ابرزها ان يكون موضوع الاحتساب من الواجبات الاجماعية ، فلا تدخل فيه الاعراف والعادات ولا المستحبات والمكروهات ، ولا الواجبات التي لايسندها اجماع تام.
لعل الفارق الاهم بين النصيحة والتدخل الاعتباطي ، هو ان الاولى تغفل - في الغالب – الناحية الشخصية ، فتخاطب الشخص المعني في سياق عام ، لا يشير اليه بعينه. بينما يتجه حزب الملاقيف الى الافراد بعينهم آمرا او ناهيا او معلقا.
وصنفت الفلسفة الحديثة التدخل الاعتباطي كأبرز ناقض للحرية الفردية. والمقصود بالاعتباطي مايصدر عن شخص لايحمل صفة قانونية ، وكذا ما يصدر عن السلطات من دون استناد الى قانون معروف.
وفقا للفيلسوف الانجليزي جون ستيوارت مل (1806-1873)، فان الانسان ينطوي على رغبة غريزية في التسلط. وهي تتمظهر في محاولته لفرض افكاره على الغير. يميل الانسان غالبا الى الدوغمائية ، فيتخيل ما يعرفه حقيقة تامة او  "طريقا صحيحا" لعمل الاشياء. ولذا يصعب عليه مقاومة الرغبة العميقة لجعل الاخرين مشابهين له او تابعين لارائه.
من هنا رأى ستيوارت مل بان مساحة الحرية التي يتمتع بها الانسان ، هي تلك المساحة المحمية من التدخل الاعتباطي في حياته الخاصة. بالمقارنة فان القانون ينطوي على تدخل في حياتك. لكنه لا يعتبر ناقضا للحرية. بل أداة تنظيم لممارستها من قبل الجميع. القانون العادل يضمن – من حيث المبدأ – لكل فرد مساحة معقولة ، تسمح له بقدر متساو من الحرية ، دون ان يزاحم الآخرين.
الشرق الاوسط الأربعاء - 17 شهر ربيع الثاني 1440 هـ - 26 ديسمبر 2018 مـ رقم العدد [14638]

مقالات ذات صلة

26/04/2010

كي تستمر المنتديات الأهلية رافدا للحياة الثقافية

تمثل المنتديات الثقافية الأهلية رافدا هاما للنشاط الثقافي في المملكة، ولعل أبرز ما يميزها هو :

 أ) كونها أهلية تطوعية.

 ب) انتظامها طوال العام، أسبوعية أو شهرية.

 ج) اعتمادها على الجدل والحوار الشفهي الحر كبديل عن المحاضرات التوجيهية.

ثمة أجهزة رسمية كثيرة تعمل في المجال الثقافي، بدءا من وزارة الثقافة والإعلام المشرفة على هذا القطاع مرورا بالهيئات الدعوية وانتهاء بوزارتي التربية، والتعليم العالي، فضلا عن العديد من المؤسسات الأخرى. لكن تبقى للنشاطات الأهلية ميزة التنوع في الطروحات والآراء وكونها نافذة لتوجهات لا تتسع لها قنوات الثقافة الرسمية.

 المرحوم عبد المقصود خوجة مؤسس منتدى الاثنينية بجدة

حسنا فعل وزير الإعلام بتكريمه المنتديات الثقافية في المملكة. وقد وفق في اختياره لثلاثة نماذج مضيئة، هي منتدى الدكتور راشد المبارك، الذي عرف بتنوعه وثرائه العلمي، ومنتدى الثلاثاء، الأشهر في المنطقة الشرقية والأكثر تعبيرا عن تنوعها وغناها الثقافي، ومنتدى الشيخ عبد المقصود خوجه الذي أضاف إلى الجدل الثقافي بدعا كثيرة طيبة مثل تكريم أهل الفكر وطباعة كتبهم وشكل لسنوات طويلة وجها مشرقا لبلدنا في داخلها وفي الخارج.

أعرف في محافظة القطيف وحدها خمسة عشر منتدى ثقافيا، ويوجد مثلها أو أقل أو أكثر في معظم محافظات المملكة، تشكل بمجموعها روافد غنية للحراك الثقافي وإنتاج الأفكار أو نقد الأفكار . لكن أغلبها غير منتظم. وهذا وإن كانت له مبررات قابلة للتفهم، إلا أنه في نهاية المطاف يقلل من أهمية الغاية، أي إغناء الحياة الثقافية في المجتمع. لن يكون لدينا حياة ثقافية نشطة ما لم تتحول الثقافة إلى عمل مستمر، منتظم، ومتزايد.

ثمة آلاف من الناس يرغبون في تطوير معارفهم، وثمة عشرات يشعرون بأن لديهم شيئا يستحق أن يقال، ونشعر جميعا بأن هناك العديد من الأفكار الجديدة التي تستحق أن تطرح للنقاش. هذه الحاجات لا تجد فرصتها إلا بوجود إطارات نشطة، فعالة، ومنتظمة، يرجع إليها كل صاحب فكرة وكل باحث عن فكرة.

في أواخر القرن التاسع عشر نشر الفيلسوف الإنكليزي جون ستيوارت ميل رسالة عنوانها «حول الحرية»، أصبحت فيما بعد مرجعا في الفلسفة السياسية. في هذه الرسالة الهامة ركز ستيوارت ميل على ما وصفه بـ «السوق الحر للأفكار»، وكان يعني ضرورة إلغاء القيود التي تعيق تدفق المعلومات أو تقيد حرية التعبير. رغم المعارضة الشديدة التي واجهت تلك الرسالة في وقتها، إلا أننا نعرف اليوم أن الرجل كان يرى المستقبل، فقد أكد على أن المجتمع الذي يطلق حرية الرأي والتعبير ويلغي القيود المفروضة على العقول، سوف يتقدم علميا واقتصاديا وسوف يزدهر ويكون أمة قوية وغالبة. وبالعكس فإن المجتمعات التي تقيد التعبير وتحدد نوع المعلومات المسموحة والممنوعة، سوف تبتلى بالهزال الفكري وسوف تبقى ضعيفة متخلفة، تعتمد على الأولى وتتبعها في كل شأن من شؤون حياتها.

بعد أكثر من قرن على آراء ستيوارت ميل، نشهد اليوم ما تحقق فعليا. فالذين اتبعوا نصيحته أصبحوا سادة العالم في كل فن، والذين سخروا منها أو جبنوا من عواقب تطبيقها أصبحوا أتباعا للفريق الأول، وشتان بين التابع والمتبوع في القيمة والمكانة.

إذا أردنا أن نتحول من مستهلكين لأفكار الآخرين وعلومهم إلى منتجين أو مشاركين في إنتاج العلم، فإن أول الطريق هو الإقرار بحرية التعبير والجدل لأنفسنا ولغيرنا. الإقرار بحرية التعبير هو الطريق إلى تحرير الفكر والعقل. لا يمكن للعقل أن يتحرر وينطلق ما لم يجد أمامه قنوات للتعبير عما ينتجه من أفكار.

نحن لا نحتاج إلى التوجيه والإرشاد والوعظ بقدر حاجتنا إلى النقاشات الحرة ومضاربة الأقوال والآراء. إحياء الثقافة لا ينتظر المواعظ والتوجيهات بل ينتظر الجدل الحر حتى لو بدا عسيرا في أول الأمر. لهذا السبب فإني آمل أن تحافظ المنتديات الأهلية على هذه الميزة الغالية وأن تتوسع فيها. فبها وبالاعتماد عليها تزدهر الثقافة ومن دونها تتحول إلى كلام مكرور، يقال بأشكال شتى وفي صيغ منمقة، مثل سجين يدور طوال يومه في زنزانة صغيرة، يقطع عشرات الأميال لكنه يبقى ملتصقا في النقطة التي انطلق منها.

https://www.okaz.com.sa/article/328863
مقالات ذات صلة

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...