‏إظهار الرسائل ذات التسميات ايران. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ايران. إظهار كافة الرسائل

19/10/2014

تنبيه الامة وتنزيه الملة : رسالة فقهية في الحكم الدستوري



تنطوي رسالة (تنبيه الامة وتنزيه الملة) على أهمية خاصة فهي اول محاولة مكثفة لفقيه بهذا المستوى تعالج اشكالية السلطة الدينية في العصر الحديث. كتبها في ظل حدث قائم هو الحركة الدستورية (ثورة المشروطة – ايران 1905م) . فهي تقارب ما يجري كل يوم ، وليست  تحليقا في الخيال ، أو تاسيسا على الفرضيات كما اعتاد كثير ممن كتبوا في هذا الموضوع.
الميرزا النائيني
تستهدف الرسالة بيان ان النظام السياسي الدستوري مشروع ومقبول من الناحية الدينية. وتكشف عن تطور مهم في فكر مجموعة الفقهاء الذين شاركوا في الثورة الدستورية ، يتجلى في تركيزهم – كما فعل المؤلف – على الدولة كمؤسسة وعلى سيادة القانون ومشاركة الشعب والحريات العامة ، ولعل العلامة النائيني من اوائل الفقهاء المسلمين الذين تحدثوا صراحة وبلغة دينية عن هذه المباديء الاساسية للدولة الحديثة.

المؤلف المرحوم الميرزا محمد حسن النائيني من اعاظم علماء الشيعة ، ومن ابرز مراجع التقليد ذوي الراي والنظر في القرون الاخيرة ، عدا عن ان شخصيته العلمية محل احترام وتقدير جميع الفضلاء والعلماء. اشتهر ببحوثه الاصولية العميقة سيما دفاعه عن دور العقل في التشريع واستنباط الاحكام . 

لتنزيل ملف الكتاب كاملا ، اضغط هنا 


24/12/2013

بدل الانشغال بالتفاصيل ، راهنوا على تغير النسق



كتبت في يونيو ان عودة الاصلاحيين الى الحكم فرصة لا ينبغي لايران التفريط فيها. واقول اليوم ان الاتفاق النووي المؤقت
بين ايران ومجموعة 5 + 1 هو فرصة للولايات المتحدة واوربا ، ينبغي ان لا تفوتها.
لم تخل السنوات الماضية من فرص مماثلة. حوالى العام 1999 تلقى الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون ، اشارات قوية 
عن رغبة الايرانيين في التفاوض. لكن ادارته قررت تشديد الضغوط على طهران ، طمعا في تنازلات اضافية.

لا شك ان الادارة الامريكية تراقب تململ الايرانيين من سياسات حكومتهم التي قادت الى تشديد العقوبات. لكني اخشى ان انشغال واشنطن بهذه التفاصيل ربما فوت عليها ملاحظة الصورة الكاملة ، التي تعكس بدرجة ادق محركات السياسة في ايران كما في غيرها. الصورة الكاملة لا تتجلى في الشارع ، بل في وسط النخبة التي تضم اضافة الى السياسيين ، بعض المثقفين البارزين ورجال الاعمال ، وشريحة محددة من رجال الدين النافذين.


ثمة جدل مزمن يدور في اوساط النخبة ، حول "موقع ايران على الخريطة الدولية". يجادل التيار البراغماتي – وفيه اصلاحيون ومحافظون - بان لدى ايران "فائض قوة" يسمح لها باتخاذ موقع بين الدول شبه الصناعية مثل الهند ومجموعة النمور الاسيوية. وهذا يتطلب علاقات دافئة مع الدول الصناعية ، سيما الاتحاد الاوروبي. ذلك ان الصعود الى الخط الاول يتوقف على التحول الكامل نحو اقتصاد صناعي ، ذي قاعدة انتاج واسعة ومتنوعة ، وهذا مستحيل تقريبا دون تمويل خارجي وأسواق عالية الاستيعاب.

في المقابل يجادل التقليديون – وبينهم ايضا محافظون وبعض قدامى اليسار – بان موقع ايران الطبيعي هو الشرق الاوسط ، وان عليها تركيز ثقلها المادي والسياسي ضمن هذه المنطقة. ذلك ان الغرب لن يسمح بنجاح الخيار الاول ، الا اذا تخلت ايران عن مباديء الثورة الاسلامية ، الامر الذي يعد خيانة لا تغتفر. ويجادل هؤلاء بان ايران قادرة على التطور المستقل ، وفرض نفسها وخياراتها دون تقديم تنازلات.
كلا من الخيارين يمثل نسقا سياسيا كاملا ، تدعمه ايديولوجيا وتجربة ومؤسسات وشرائح من النخبة والشارع. كان الرئيس السابق احمدي نجاد ممثلا للخيار الثاني ، بينما ينتمي الرئيس الحالي وحلفاؤه الى النسق الاول.

مقال الرئيس روحاني الذي ترجمته الاقتصادية (19 ديسمبر2013) يحاول ان يشرح للادارة الامريكية هذه الفكرة: بدلا من سياسة العقوبات ، راهنوا على تحول النسق السياسي. اذا كانت واشنطن وحلفاؤها مهتمين بعلاقات ودية مع ايران ، فهناك في ايران من يتبنى ذات التوجه. استمرار هذا المسار رهن بانعكاسه الايجابي على حياة الناس ومعيشتهم. يتوقع الناس عودة المصانع المعطلة الى العمل ، عودة القنوات المصرفية بين ايران والخارج ، احياء المشروعات الكبرى التي جمدتها العقوبات. كل خطوة من هذا النوع ستكون برهانا على جدوى هذا الخيار.

ليس متوقعا ان يقول سياسي ايراني للغربيين: ساعدونا من فضلكم. والمؤكد ان ايا من السياسيين الغربيين لن يقول للايرانيين: دعونا نحمل عنكم هذا العبء. يقول السياسيون كلاما كثيرا لا يقصدونه بالتحديد ، بقدر ما يقصدون الرسائل الضمنية ، التي تظهر فقط لمن تمعن في مجمل السياق وتحولاته ، ولم يشغل نفسه بالتفاصيل الصغيرة.

الاقتصادية 24 ديسمبر 2013

   

 

26/11/2013

المرأة الغامضة في مفاوضات جنيف



البارونة كاثرين اشتون هي – ربما – ابرز الاسماء التي سيخلدها التاريخ ، عند الحديث عن اتفاق جنيف الذي وقع هذا الاسبوع بين ايران ومجموعة 5+1. تنتمي اشتون لعائلة من الطبقة العاملة ، وكانت اول فرد فيها يحصل على فرصة الدراسة الجامعية. ومنذ شبابها عملت بنشاط في حزب العمال ، وشاركت في تاسيس "حملة نزع السلاح النووي CND". وكان محور اهتمامها هو تعريف الجمهور بالكلف الانسانية الباهضة للسلاح النووي والمخاطر البيئية المترتبة على حيازة المواد المشعة. وهي حملة ادت الى تشديد الرقابة على المنشآت النووية ونقل نفاياتها.
مضى عقد كامل على اعلان سعد اباد في اكتوبر 2003  الذي اطلق اول مفاوضات جدية بين ايران والغرب . لكن الاتفاق فشل ، كما فشل اتفاقان مماثلان في بروكسل وباريس في العام التالي. خلال هذه الفترة عقد الطرفان تسع جولات من المفاوضات المكثفة ، ولدت انطباعا قويا بان ايران لن تتراجع عن المطالب التي وضعتها على الطاولة في سعد اباد ، مهما يكن الثمن. الاصرار الايراني ، والعقوبات الغربية الشديدة جعلت تلك المفاوضات اشبه بتدريب على العبور من خطوط النار. في نهاية المطاف اثبت المفاوضون الايرانيون انهم ملوك اللعبة الدبلوماسية ، حين يقتضي الامر الحصول على ما يعتبره الطرف الاخر مستحيلا.
لا بد بطبيعة الحال من الاشارة الى تغير الظروف في المنطقة ، من الازمة السورية ، الى عودة الاصلاحيين للحكم في ايران ، ولا ننسى بالطبع حاجة الولايات المتحدة للتوافق مع ايران قبل خروجها المرتقب من افغانستان في 2014. لكن هذه الظروف ما كانت لتثمر لولا كفاءة السيدة اشتون ، فقد وظفتها بذكاء بالغ. واشير خصوصا الى نجاحها في جمع وزيري خارجية ايران والولايات المتحدة ، للمرة الاولى خلال ما يزيد عن عشرين عاما.

وصفت اشتون في الاعلام البريطاني بالسيدة الغامضة ، بسبب قلة حديثها للصحافة. ولعل قلة الكلام وكثرة التفكير ، هي التي مكنتها من اجتراح حلول مبتكرة ، اثمرت عن التزام ايران بنسبة خمسة بالمائة كسقف لتخصيب اليورانيوم ، بعدما نجحت فعليا في بلوغ نسبة 20 بالمائة. واقتناع المجموعة الغربية بتخفيف العقوبات الاقتصادية ، فضلا عن السماح بتسييل 8 مليارات دولار من الارصدة الايرانية المجمدة في بنوكها ، كدليل ملموس على جديتها في انجاح الاتفاق. 
انجاز اشتون هذا ، سوف يضمها بالتاكيد الى قائمة ابرز النساء اللاتي لعبن ادوارا محورية في السياسة الدولية ، خلال القرن الواحد والعشرين ، جنبا الى جنب مع هيلاري كلينتون ، كوندوليزا رايس والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل. هذا يثير سؤالا جديا حول مصداقية الادعاء التقليدي  بعدم كفاءة النساء للقيادة وصناعة الحلول على مستوى عالمي. ترى هل يمكن القول ان سيدات كهؤلاء اقل كفاءة من نظرائهن الرجال؟.
http://www.aleqt.com/2013/11/26/article_802792.html

18/06/2013

فرصة جديدة لإيران


عودة الإصلاحيين إلى الحكم فرصة جديدة يجب على إيران ألا تفوتها. التصويت الواسع لروحاني لا يعبر فقط عن ثقة بشخصيته المتوازنة، فهو - في المقام الأول – تعبير عن رغبة عامة في تغيير النهج السياسي الذي أرساه الرئيس المنصرف أحمدي نجاد، النهج الذي يتسم بالخشونة والتطرف في العلاقات الدولية.
أفصح بعض الكتاب عن تشاؤم من قدرة الرئيس الجديد على التغيير، وقالوا إن مرشد الجمهورية الإسلامية هو ''الصانع الوحيد'' للقرار في هذا البلد، ولا سيما ذلك المتعلق بالسياسة الخارجية. واقع الأمر أن هذا تقدير لا يخلو من مبالغة. نعرف مثلا أن سياسة إيران في السنوات الثماني الماضية كانت مختلفة كثيرا عن سياستها في عهد الرئيسين خاتمي ورفسنجاني، مع أن الثلاثة حكموا في ظل المرشد نفسه.
هناك بطبيعة الحال حدود للتغيير، لكنه تبسيط مبالغ فيه أن يقال إن التغيير سيكون ضئيلا أو سطحيا. المرشد وجميع أركان النظام الإيراني يستوعبون الرسالة التي وجهها الجمهور، حتى لو كانت بخلاف توجهاتهم الخاصة. في نهاية المطاف لن يأتي الرئيس بمفرده. ثمة مئات من كبار الموظفين الجدد، المتوافقين مع تطلعاته، سيأتون معه، وهؤلاء هم من سيدير البلد في السنوات الأربع المقبلة.
لعل التحول الأكثر أهمية هو الذي جرى تحت السطح ولم يلحظه إلا القليل، أعني انهيار تيار ''المحافظين الجدد'' الذي عمل الرئيس نجاد على إيجاده خلال السنوات السبع الماضية. تتألف القوة البشرية لهذا التيار من أعضاء الحرس الثوري والشباب المهمشين، وأغلبيتهم الساحقة ينتمون إلى عائلات هاجرت من الريف إلى المدن الكبرى، وهي تشعر أنها لا تحصل على الفرص التي تستحقها. كان فوز نجاد في 2005 ذروة بروز هذه الشريحة، لكن المستفيد الحقيقي من وصوله إلى السلطة كان الحرس الثوري الذي نجح في مد نفوذه بشكل لم يسبق له مثيل في الاقتصاد والحياة العامة.
بعد أقل من خمس سنوات شعر المحافظون التقليديون بأن توسع الحرس لم يعد محتملا، وأن توسع التيار الجديد كان على حسابهم وليس على حساب الإصلاحيين، كما ظنوا سابقا. لهذا شهدت السنتان الأخيرتان عزلة متفاقمة للرئيس نجاد بين حلفائه المحافظين. وقد عبر عن هذا بوضوح رئيس البرلمان لاريجاني، الذي تحول إلى واحد من أشد منتقدي الحكومة والرئيس.
لم يستطع المحافظون الجدد تقديم مرشح قوي في الانتخابات الرئاسية، كما أن أكثرية المحافظين لم تعبأ برأي الحرس الثوري الذي ''نصح'' بالتصويت لقاليباف. واضح للجميع أن المزاج الشعبي لم يعد متعاطفا مع السياسات المتشددة، ولا راغبا في دفع ثمنها. هذا لا يقتصر على عامة الناس، فهو واضح أيضا بين النخبة السياسية والأشخاص المؤثرين في صناعة القرار.
هذه فرصة ينبغي لإيران أن تستثمرها. استثمارها يتطلب قرارات شجاعة وجذرية، عنوانها الملاينة والتلاؤم مع المحيط والعالم، بعد حقبة طويلة نسبيا من الانقطاع والتناقض.
الاقتصادية 18 يونيو 2013

مقالات ذات علاقة

01/11/2012

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد


غرض هذه المقالة هو التنبيه على الحاجة الى تطوير منهج البحث الفقهي المتعلق بالدولة والسياسة. وصول الاسلاميين الى السلطة في اكثر من بلد ، حرر العقل المسلم من اشكالية المشاركة في نظام سياسي مختلط او علماني او – بشكل عام – مؤسس على منظومة تخالف ما كان الاسلاميون يتطلعون اليه.
قبل الثورة الاسلامية الايرانية (1979) كان بعض الاسلاميين يتطلع الى السلطة التشريعية "البرلمان" كمجال ممكن للمشاركة في الدولة القائمة. انتصار الثورة عزز ميل التيارات الاسلامية الى الحلول الجذرية ، اي الهيمنة الكاملة على السلطة واقامة نظام جديد على ارضية دينية. لكن تطورات ما بعد الحرب العراقية الايرانية ، والاشكالات التي مرت بها تجربة ايران ، اضافة الى تصاعد الميل في العالم كله نحو منهج التحول الديمقراطي ضمن الانظمة القائمة ، دفع بمعظم الاسلاميين الى مراجعة متبنياتهم السابقة. فلم يعودوا مقتنعين بقصر مشاركتهم السياسية على السلطة التشريعية ، كما اصبحوا قانعين بالمشاركة الجزئية في الحكومات القائمة مع الاحزاب والتيارات الاخرى ، بعدما شغلهم حلم الانفراد بالسلطة ، كما هو الحال في ايران.
هذا ظرف سياسي جديد ، لم يسبق للاسلاميين التنظير له. وهو يضعهم امام اشكالات هامة وحرجة ، لجهة الاقرار بدور "الشريك المختلف" الذي لا يتبنى - وربما لا يقبل - فكرة الدولة الدينية. في حقيقة الامر فان بعض الاسلاميين ما عادوا يتحرجون من القول انهم يريدون دولة مدنية ديمقراطية يكون الدين مرشدا لها في الاطار العام دون التفاصيل[1]. هذا على الاقل ما تحدث عنه صراحة الاخوان المسلمون في مصر ، وحزب النهضة في تونس ، وقبلهما الاحزاب الدينية في العراق.
لكن المشكلة لا تقف عند هذه الحدود. نحن ازاء جدل اعمق واكثر جذرية ، يتمثل في التفارق بين مفهوم الدولة الحديثة الذي نخضع له ونسعى للاندماج فيه ، وبين نموذج الدولة الدينية الذي نتخيله ونقرأ حوله في كتابات قدامى الاسلاميين. ويتبع هذا التفارق جدل بين فكرة الديمقراطية والشورى ، وبين مصدر السلطة السماوي والارضي ، وبين فكرة العدالة الاجتماعية والتكافل ، وبين مبدأ المواطنة ومفهوم الرعية او مجتمع المكلفين.. الخ. هذه كلها اشكاليات جدية وجديرة بالنقاش. وهي بحاجة الى معالجات توصلنا الى اعادة انتاج مفهومات جديدة عن الدولة والسياسة ، مفهومات تستجيب لمتطلبات العصر والبشر الذين يعيشون فيه من ناحية ، وتحقق غايات الدين الحنيف في العدل والتقدم ، من ناحية اخرى.
تؤكد المقالة على هذه الحاجات. وتبدأ بعرض موجز لاسباب التفارق بين مفهوم الدولة الحديثة ونظيره في التراث الفقهي. ثم تقترح توسيع نطاق البحث حول قضايا الدولة والسياسة ، كي يتجاوزالحدود الضيقة للفقه في معناه المتعارف ، وتحرير النقاش حول المضمون الديني للسلطة من قيود الفتوى. وتقدم اخيرا بعض الامثلة عن قضايا يتجلى فيها التفارق بين المنظورين ، وهي في الوقت ذاته عميقة ومتشعبة بحيث لا يمكن التعامل معها بمنطق الفتوى.
اشير هنا الى ان القاريء سيلاحظ ان الامثلة والشواهد تنتمي للاطار الفقهي الشيعي. السبب الوحيد لهذا هو اطلاع الكاتب بشكل مفصل على هذا المجال وقلة بضاعته في فقه المدارس الاسلامية الاخرى. الامثلة تبقى ضمن حدودها ، لكن النتائج قابلة للتعميم كما يعرف المختصون. عناصر القوة والضعف في الفقه الاسلامي مشتركة بين مدارسه المختلفة وهي متشابهة الى حد كبير ، رغم بعض التمايزات.
في يناير 1988 كتب اية الله الخميني الى رئيس الجمهورية معلقا على حديث له في صلاة الجمعة :
"السلطة المتفرعة عن ولاية رسول الله المطلقة من احكام الاسلام الاصلية ، وهي مقدمة على جميع الاحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج.. سلطة الدولة الاسلامية عامة وتشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية بما يتجاوز الحدود المتعارفة في الابحاث الفقهية"[2].
كان هذا ردا على جدل وصفه الخميني لاحقا بجدل مدرسي نظري ، لن يعين على حل اي مشكلة بل سيقودنا الى طرق مسدودة ، وينقض الدستور[3].
اعتقد ان الخميني هو واحد من ابرز مجددي الفقه الاسلامي في العصور الاخيرة. وبحسب متابعتي لتطور الفقه الشيعي في جانب السياسة والدولة بشكل خاص ، فاني لا اتحفظ عن اعتباره ابرز من عالج هذا الفرع من الفقه خلال القرون الثلاثة الاخيرة على الاقل. كان الخميني واعيا بجذور المشكلة التي واجهتها دولته. لم يكن الامر متعلقا بخلاف حول فتوى او تعريف موضوع[4].
 حتى القرن العاشر الميلادي لم يعرف الفقه الشيعي نقاشا معمقا حول مسألة السلطة والدولة – او "الولاية" كما كانت تعرف في ذلك الوقت -. معظم النقاشات دارت على حاشية النصوص الخاصة بالامامة العظمى في تصورها المثالي الذي يشير حصرا الى الائمة المعصومين ، المنصوبين من قبل الخالق سبحانه. من هنا تاثر النقاش – قسرا – بالاطار الذي تبحث فيه المسألة ، اي العقائد او علم الكلام. نعلم ان العقائد حدودها ضيقة . لذا فان البحث الفقهي تمحور حول جانب ثانوي نوعا ما ، هو مشروعية العمل مع السلطان الجائر، تجويزا او تحريما ، بسبب ارتباطه باشكالية غصب السلطة. وهو نقاش يدور في اطار الفقه لكنه يخضع للمقدمات الكلامية الخاصة بعقيدة الامامة.
المقدمة الاساسية تقول بان الحكم لا يكون شرعيا (في المعنى الديني البحت) الا اذا كان المعصوم على رأس السلطة . ولان هذا لم يتحقق منذ تنازل الامام الحسن بن علي عن الخلافة في سنة 40 للهجرة ، فقد وصمت كل الحكومات التي قامت بعدئذ بانها غاصبة . وكان العمل فيها يثير اشكالا جديا : هل يعتبر العمل مع السلطان الغاصب مشاركة في الغصب او تسويغا له او مساعدة على ترسيخه؟.
استمر الربط الشديد بين الجانبين الكلامي والفقهي للمسألة حتى القرن العاشرالميلادي ، حين فصل الشيخ محمد بن النعمان المعروف بالمفيد (948-1022م) المسارين ، وتحدث عن عمل السلطان كتطبيق ممكن للحسبة (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، وهو واجب شرعي قائم مع وجود الامام ومن دونه. اجاز المفيد العمل في الحكومة غير الشرعية ، شرط التزام العامل بمنع الظلم ومساعدة الضعفاء على نيل حقوقهم ، وضمان خير الامة ، ومنع اساءة استخدام مصالحها. واعتبر هذا تطبيقا لوظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر[5]. وساعد الشريف المرتضى (966-1044م) ، تلميذ المفيد ، في تطوير المقاربة في رسالته المشهورة "رسالة عمل السلطان"[6].
كان وجود الدولة البويهية ظرفا مساعدا لتطور من هذا النوع. لكن المسيرة توقفت عند هذه الحدود. بل وحدث تراجع جدي بعودة الميل الى التشدد ازاء العمل مع السلطان . سيما خلال القرن السابع عشر والثامن عشر اللذين شهدا هيمنة الاتجاه الاخباري على المدرسة الفقهية الشيعية.
 وحين انحسر المد الاخباري في اواخر القرن الثامن عشر بجهود رجال مثل الشيخ محمد باقر الأصفهاني المعروف بالوحيد البهبهاني (1706-1791م) ، بقي تاثيره نشطا من خلال ما يمكن وصفه باتجاه مصالحة بين الاتجاه العقلاني الصريح الذي يأخذ به الفقهاء الاصوليون ، والمبالغة في تهوين مكانة العقل ، كما هو شائع بين الاخباريين. اتجاه المصالحة هذا حمل معه تراجعا عن اعتبار العقل مصدرا مستقلا للحكم الشرعي ، لصالح منظور محافظ يقصر دور العقل على كشف مفاد النص. مع هذا التحول اعيد احياء الروايات الكثيرة التي دعمت في الماضي ميلا انعزاليا يعتبر السلطة والدولة عالما فاسدا ولا اخلاقيا ، ومكانا لا يليق بالمؤمن الحريص على آخرته. وجرى تدعيم هذا الاتجاه بالروايات الخاصة بغيبة الامام الثاني عشر ومعانيها وما يترتب عليها. وهكذا اصبح العمل مع السلطان مخاطرة بالدين ، والسعي للسلطة خروجا على سيرة المؤمنين ، وادعاء الحق فيها اصطفافا مع الشيطان والطاغوت[7].
الميل لاعلاء مكانة النص يؤدي بالضرورة الى غلبة المنهج الظاهري الذي يتعبد بظاهر النص بدل اعتباره  مفتاحا لكشف الرسالة التي تنطوي في ثناياه ، والتي ينبغي – منطقيا - ان تنسجم مع روح الشريعة ، او الفلسفة العامة للتشريع ، "المدرسة الاسلامية" كما اسماها المرحوم الصدر-. ذلك الميل الاخباري واضح في تهوين الفقهاء لمكانة العقل والاجماع ، وحصر الاكثرية لدورهما في كشف مقصود النص ، بدل اعتبارهما مصدرين مستقلين للاحكام. وهو واضح ايضا في معالجة الاصوليين التي يغلب عليها التردد للمسالة المعروفة بالقبح والحسن العقليين. اظن ان معالجة جادة لهذه المسالة يمكن ان تؤسس لقبول عرف العقلاء كاداة علمية مقبولة في تكييف الحكم الشرعي وتطبيقاته ، وفي تحديد موضوعاته. وفي الموضوع السياسي خصوصا ، فان القبول بهذه القاعدة يمكن ان يؤسس لقبول الراي العام كاداة مشروعة لتشخيص المصالح العامة وتفويض السلطة.
اشكالية الامامة/الغصب فرضت حدودا ضيقة على البحث الفقهي في قضايا الولاية السياسية. وتجد هذا واضحا في معالجة الفقهاء لمسائل مثل نصب القاضي وممارسته مهام الولاية الصغرى او الخاصة ، كما تجده في معالجتهم لمسألة الخراج (المال العام) وشرعية تصرف الوالي فيه للمصالح العامة ، كما تجدها في مسائل الحدود والحقوق المالية الخ. من ذلك مثلا راي ابي الصلاح الحلبي (ت 1055م) الذي اجاز للفقيه المؤهل تولي القضاء في حكومة الجور رجوعا الى اذن ضمني/افتراضي من الامام ، في هذه الوظيفة على وجه الخصوص[8]. ومن ذلك راي الاصفهاني الذي اجاز ادارة الحاكم الجائر للمال العام في غيبة الحاكم العادل[9]. هذه امثلة عن معالجات حاولت ايجاد مخارج  لما ابتلي به الناس مع استقرار دولة الامرالواقع ، وضمور الامل في الدولة المثالية المتخيلة. لكنها بدل ان تقدم تنظيرا جديدا حول اصل الموضوع ، اي الدولة الواقعية ، وامكانية العدل النسبي او التحول نحو الحكم العادل في اطارها ، فقد اكتفى الفقهاء بمعالجات جزئية من نوع ما ذكرنا.
تقصير الفقهاء في معالجة هذه المسائل هو امتداد لعلة اوسع ، تتمثل في اغفالهم المزمن للبحوث الفقهية المتعلقة بالشان العام ، وتركيزهم الزائد عن الحاجة على الفقه الخاص بالعبادات الموجه للافراد. ويعتقد اية الله زنجاني ان موضوعات الفقه العام ، لا تحظى بقيمة اعتبارية في المجامع العلميـة والحوزات ، شبيـهة للقيـمة التي تحظى بها أبحاث في مجالات الفقـه الفردي ، مثل أبحاث الطهارة والصلاة وما إليها[10].بعض الباحثين ارجع هذا التقصير الى يأس الفقهاء من امكانية قيام دولة عادلة ، او ربما لهيمنة قناعة ضمنية فحواها ان سلطة "التغلب" قد اصبحت مصيرا نهائيا في العالم الاسلامي. لكن اية الله خامنئي ، مرشد الثورة الايرانية ، لاحظ ان هذه الحالة كانت لا تزال سائدة في المدارس الدينية بعد اكثر من عقد على قيام الحكومة الاسلامية[11]. ولهذا – ربما – يفضل باحثون اخرون نسبتها الى عيب منهجي في الدراسات الشرعية ، يتمثل في هيمنة الاتجاه الى التنظير المجرد ، وعدم اهتمام الدارسين بربط ابحاثهم مع تحولات الواقع والزاماته[12].
ايا كان السبب فقد بقي الفقه الاسلامي خلال المئتي عام الماضية ، منشغلا بقضاياه وجدالاته القديمة ، غافلا عما يجري في العالم الذي تغيرت قضاياه واسئلته ، وتغيرت معها ادوات المعالجة والنقد. وكان من بين ما تغير فكرة الدولة ومفهوم السياسة ، والمباديء التي تقوم عليها ، والقيم التي تمثل مضمونها. مفهوم ان فكرة السلطة والدولة والتنظيم السياسي وعلاقة الدولة بالمجتمع ، تعرضت لتحولات جذرية خلال القرنين الماضيين ، ولا سيما في النصف الثاني من القرن العشرين. لكن هذه التحولات العميقة لم تترك اثرا على البحث الفقهي في قضايا الدولة والولاية ، يتناسب مع سعتها وعمقها ، لان البحث الفقهي كان منشغلا بغيرها وغافلا عنها.
كنتيجة لهذا فان ما يمكن وصفه بفقه الدولة او الفقه السياسي الذي ورثناه هو فقه مفكك يتعامل مع اجزاء الموضوع كدوائر منفصلة ، لا كاجزاء في صورة كاملة. بغض النظر عن الاسباب وتحديد المسؤوليات ، فان هذا الفقه الموروث ما عاد مؤهلا للمهمة التي نادى بها معظم الاسلاميين ، اعني اسلمة الدولة ، سواء على المستوى الدستوري او على مستوى القانون.

الحاجة الى اعادة اكتشاف الموضوع

كان الامام الخميني بين الذين توصلوا الى هذه الحقيقة بعد قيام الثورة الاسلامية. حين اكتشف ان دولة حديثة لا يمكن ان يقام نظامها القانوني على ارضية الفقه الموروث. ولهذا طالب باجتهاد جديد ، ليس في الفروع ، بل في اصول المسائل ، في مسألة مثل اولوية النظام العام على الاحكام الفرعية ، مهما كانت مهمة ومحورية في التصور الديني ، ومسالة مثل جعل "المصلحة العامة" بمعناها المادي العقلائي مبرر ترجيح لحكم على حكم ، حتى لو كان المرجوح هو المستفاد الظاهر من النص.
لست مؤمنا بان الفقه هو الاطار العلمي المناسب للنقاش في مسالة الدولة وقضاياها. لكننا نواجه حقيقة واقعة ، هي هيمنة القراءة الفقهية للدين على التفكير الاسلامي في مختلف جوانبه. هذا يقودنا الى مسألة اوسع قليلا ، تتعلق باطار وغاية البحث العلمي في امور الشريعة. ثمة فهم عام فحواه ان اي بحث في العلوم الشرعية لا بد ان يستهدف التوصل الى اقرار حكم او دحض حكم او قاعدة شرعية. لعل هيمنة القراءة الفقهية هي السبب وراء هذا الربط المتكلف.
معروف ان الفقه علم احكام ، غرضه تقديم اجوبة على شكل الزامات شرعية جديدة ، او نقض الزامات قديمة. في المقابل فان البحث العلمي في معناه العام لا يستهدف بالضرورة تقديم اجوبة او انشاء الزامات ، قدر ما يستهدف معالجة الاسئلة المثارة ، بتفصيحها وتطوير نموذج ارقى منها. طبقا للفيلسوف المعاصر كارل بوبر ، فان ما نعتبره نظرية ليس سوى احتمال ذي طبيعة مؤقتة. وهو مفتاح لاحتمال نقيض او مخالف. انه اذن اشبه بسؤال ثان يقدم ايضاحات اجلى وادق لموضوع السؤال الاول[13]. البحث في مسائل مثل الولاية الشرعية والدولة الدينية لا يستهدف – بالضرورة -  تقديم فتاوى ، بل تطوير المعطيات النظرية الداخلة ضمن معالجة الموضوع. ومن هنا فان رفضنا او نقضنا لبعض ما يعتبر مسلمات في هذا الحقل ، لا يمثل انكارا لامر ديني ، لانه ليس في صدد الفتوى ، بل في صدد مناقشة الموضوع. معارضة اي فكرة ، حتى لو اجمع الناس على اثباتها شرعا ، لا ينبغي ان يعتبر معارضة لله والرسول ، بل مناقشة لموضوع واقعي ولفهم الناس له وتكييفهم لقيمته.

امثلة على النقاشات المطلوبة

منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر تطور البحث في "السياسة" كحقل علمي متخصص.  وظهرت تبعا لذلك حقول فرعية عديدة ساهمت في تطوير نقاشاته. الفلسفة السياسية ، القانون ، الاقتصاد السياسي ، هي بعض الامثلة عن حقول علمية اتخذت قضايا الدولة والسلطة موضوعا لنقاشاتها. على نفس المنوال فان التفكير الديني في السياسة والدولة لن يستطيع اقامة حقل علمي متطور اذا بقي محصورا في  الاطار الفقهي ، المعني اساسا بالجانب القانوني من الحياة. 
نحن بحاجة الى معالجة دينية للجوانب القانونية . لكننا ايضا بحاجة الى معالجة الجوانب الاخرى السابقة للقانون. من ذلك مثلا مفهوم السلطة. لازالت مناقشات الاسلاميين – حتى يومنا هذا – تقارن بين سلطة الشعب وسلطة الفقيه. وهي تنطلق من فرضية التعارض بين الاثنين. هذه الفرضية قائمة بدورها على مسلمة سابقة فحواها ان الولاية في جوهرها هي مجموع الصلاحيات او السلطات التي يتمتع بها رئيس الدولة. واقع الامر ان الرئيس في الدولة الحديثة ليس سوى كبير الموظفين. الدولة الحديثة هي مؤسسة قانونية ووظيفية قائمة بذاتها ، مستقلة عن شخص الرئيس. واذا كان الامر الواقع في بلداننا ينحو الى تلخيص الدولة في رئيسها ، فاننا بحاجة الى هجر هذا الفهم الذي يمهد للاستبداد ، الى فهم ارقى يدور حول الدولة كمؤسسة قانونية يملكها المجتمع.
ومن ذلك ايضا مصادر الشرعية السياسية. يركز المفهوم القديم على "عمل" الوالي الذي يجب ان يكون مطابقا للحق ، ومن هنا فان شرعية سلطانه مستمدة من صحة عمله. بينما يركز المفهوم الحديث للدولة على "تمثيل" الوالي للارادة العامة. ما هو مشروع هنا هو ما يلبي الارادة الشعبية وما يطابق القانون. الوالي هو ممثل للشعب ومن هذا التمثيل يستمد مشروعية سلطته.
ومنها ايضا حقوق الانسان التي تعتبر اليوم احد ابرز معايير العدالة. حقوق الانسان تتضمن مباديء لازالت غير محسومة في الاطار الفقهي مثل حرية الاعتقاد والراي والتعبير ومخالفة الحاكم العادل ..الخ.
وتتحدث النقاشات الفقهية عن صلاحيات مطلقة للحاكم الشرعي ، لا يقيدها سوى عدالته النفسية . بينما يقوم بناء الدولة الحديثة على اعتبار الدولة منحازة ، واعتبار ملكيتها لوسائل الجبر المادي سبيلا محتملا للفساد او الاستئثار ، وعادة ما يستشهد بمقولة السياسي والمفكرالانجليزي اللورد اكتون "لا تتعلق المسالة بان طبقة معينة عاجزة عن الحكم . المسالة ان السلطة بذاتها مظنة للفساد والسلطة المطلقة مظنة للفساد المطلق"[14]
 لهذا السبب فان النقاشات السياسية المعاصرة لا تعول ابدا على اخلاقيات الحاكمين في منع انزلاق الدولة الى الفساد او الاستبداد ، بل على ادوات الردع الخارجي ، مثل المعارضة القانونية والصحافة الحرة والبرلمان المنتخب ، فضلا عن القيود الدستورية على السلطات.
مبدأ المواطنة يشكل هو الاخر مثالا على التفارق بين مفهوم الدولة الحديثة ومفهوم الولاية الشرعية المتعارف في البحوث الفقهية. المفهوم الدارج في مجامع العلم الشرعي يعرف الفرد كعضو في الجماعة الدينية ، كمتدين او مكلف ، لا كمواطن[15]. وطبقا لاية الله يزدي فانه "في الوقت الذي يعتبر المواطنون - من حيث المبدا - متساوين ، فان حقوقهم ولا سيما الحق في اشغال المناصب العامة ليس على هذا النحو "[16].
هذه أمثلة عن نوعية النقاشات التي نحتاج لاثارتها وتقديم معالجات دينية لها ، تتناسب مع معطيات العصر الحاضر وحاجات الناس فيه. قبول الناس بالقيم الدينية كمضمون للنظام السياسي او ارتيابهم في المضمون الديني للدولة يتوقف – الى حد كبير – على قدرة الاسلاميين على تطوير منظومة مفاهيم جديدة تستلهم القيم العليا للدين الحنيف ولا تتنكر لتجربة الانسان المعاصر. هذا يتطلب بالتاكيد التحرر من السياق المنهجي الموروث للبحث الديني في قضايا الدولة والولاية.

الخلاصة:

شهدت السنوات الاخيرة نموا كبيرا للمد الاسلامي ، تجلى في وصول الاسلاميين الى السلطة في عدد من الدول العربية . كشف هذا التطور عن تنامي الميل العام بين المسلمين الى دولة جديدة تحقق قدر معقولا من العدل في تطبيقاته المعاصرة ، مثل سيادة القانون ، المشاركة الشعبية ، والضمان القانوني لحقوق الانسان . مع هذه التحولات ، تزداد الحاجة الى مراجعة المفاهيم الخاصة بالدولة والسلطة التي ورثناها عن الاسلاف.
من المفهوم ان لكل جيل من اجيال المسلمين حق المشاركة في صنع تصوره الخاص للفكرة والممارسة الدينية ، تطبيقا لجوهر فكرة الاجتهاد وتاثير الزمان والمكان في تشخيص المصالح الشرعية وانتاج الحكم الشرعي المتناسب مع الزاماتها. تطبيق هذا المعنى يقتضي العمل على اعادة انتاج فهمنا الخاص للتحديات التي نواجهها ، وفي طليعتها بالتاكيد تحدي العدالة والدولة العادلة.
ما ورثناه من الفكر الديني الخاص بالسلطة والدولة لا ينسجم مع واقعها اليوم ، ولا يخدم كثيرا حاجاتنا ، وهو – بالتالي – لا يستجيب لتحديات عصرنا. لا يكفينا اذن ان نعود الى ذات المقولات وذات المنهج الذي اتبعه الاسلاف كي نستعمله في معالجة اسئلة العصر. سيكون هذا - مثلما وصفه الامام الخميني - مجرد نقاش مدرسي لا يوصلنا الى اي مكان. نحن بحاجة الى مطالعة الاسئلة الرئيسية لدولة اليوم ، على ضوء القيم العليا التي يريد الدين الحنيف اقامتها ، مهما بدا انها تتفارق مع المفهومات والنتائج التي توصل اليها الاسلاف. نحن بحاجة الى سؤال انفسنا عما نريد وعما نراه صلاحا لامرنا في هذا اليوم وفي هذا المكان بالتحديد. اجوبة الامس كانت مناسبة لاسئلة الامس ، ولدينا اليوم اسئلة جديدة مختلفة وواقع جديد مختلف.




[1] انظر مثلا عصام العريان: الإخوان المسلمون ومفهوم الدولة ، موقع اون اسلام (7-11-2007)  http://www.onislam.net/arabic/madarik/concepts/102465-2007-11-07%2016-12-32.html#8
[2] اية الله الخميني : صحيفه نور ، ج 20 ، ص 233.ن.إ:  http://www.islamicecenter.com/ketaabkhaaneh/sahifeh_noor/sahifeh_noor_jeld_20_khomeini_08.html#link63
[3] اية الله الخميني ، رسالة الى اعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور في 1 يناير 1989.  صحيفه نور  ج 21 . ن.إ http://www.islamicecenter.com/ketaabkhaaneh/sahifeh_noor/sahifeh_noor_jeld_21_khomeini_02.html#link27
 [4] لتفصيل حول هذه النقطة ، انظر : توفيق السيف : دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة (2006) http://talsaif.blogspot.com/2006/01/blog-post_30.html
[5]  الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان : المقنعه ، مؤسسة النشر الاسلامي ، (قم 1990) ،  ص 810
[6] الشريف المرتضى : "رسالة عمل السلطان" ، في السيد مهدي رجائي (محرر) : رسائل المرتضى ، دار القرآن الكريم ، (قم 1405) 2/89
لتفصيل حول هذا التطور وظروفه ، انظر توفيق السيف : نظرية السلطة في الفقه الشيعي ، المركز الثقافي العربي (بيروت 2002) ص 101
[7] انظر طائفة من هذه الروايات في: كاظم الحائري : ولاية الأمر في عصر الغيبة ، (قم 1994) ، ص. 77
[8] ابو الصلاح الحلبي: الكافي في الفقه، تحقيق رضا استادي ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة (اصفهان 1403) ، ص 423. ن. إ http://www.yasoob.com/books/htm1/m001/00/no0023.html
[9] يقول الشيخ الاصفهاني في سياق حديثه عن ولاية الامام والفقيه على الخراج "له الولاية بما هو رئيس المسلمين وحافظ حوزة المؤمنين ، ومع عدم التمكن من التصرف على الوجه المزبور يرجع الامر إلى من يقوم بهذا الامر ، وان كان متغلبا لان فوات مصلحة قيامه بالامر لا يسوغ تفويت مصالح المسلمين". محمد حسين الاصفهاني : حاشية المكاسب ، تحقيق عباس آل سباع ، انوار الهدى (قم 1418 هج)، 2/397
[10] آية الله عز الدين زنجاني ، مقابلة ، حوزة 23 ، آذر 1366 هـ.ش
[11] السيد على خامنئي : خطاب أمام مسئولي المدارس الدينية 25-9-1991
[12] محمد جواد مغنية : تجارب محمد جواد مغنية بقلمه ، دار الجواد ، بيروت. ص 52
[13]  For more on Popper's theory, see Herbert Keuth, The Philosophy Of Karl Popper, Cambridge University Press, 2005, p. 166
[14] G. B. Madison,  The Logic of Liberty, (Greenwood Press, 1986(,p. 9
[15] عباس قائممقامي : قدرت ومشروعيت (تهران 2000) ، ص 112
[16] محمد تقي مصباح يزدي : نظريه سياسي اسلام ، مؤسسه امام خميني (قم 2001) ، ص 311

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...