‏إظهار الرسائل ذات التسميات المشاركة الشعبية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المشاركة الشعبية. إظهار كافة الرسائل

16/11/2009

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية


يعتقد الاستاذ جبير المليحان وعدد من مثقفي المنطقة الشرقية ان الوقت قد حان لقيام جمعية للادباء السعوديين ، اسوة بجمعية الاقتصاديين والجيولوجيين والاطباء وغيرها . والحق اننا متاخرون جدا في هذا الصدد .
جبير المليحان
ما الذي تضيفه جمعية ادباء الى المشهد الثقافي؟. سأل احد الزملاء ، ثم اجاب نفسه : ما الذي اضافته هيئة الصحفيين في دورتها الاولى والثانية غير افتتاح مبناها الفاخر؟. حسنا.. لقد اضافت مبنى واضافت اسما . هذا منجز بسيط جدا . لكنها اضافت منجزا آخر غير منظور: لقد فتحت بابا للحديث عن اشكال اخرى من العمل الاهلي المؤسسي. في ماضي الزمن كنا نعتبر كل تشكيل اهلي باعثا على الفرقة. لكننا اليوم نتحدث عنه كاداة لتحقيق الشراكة الاجتماعية في التنمية. ربما لم يلتفت كثير منا الى هذا التحول الذهني ، لكنه حصل فعلا .

لن ينكر احد ان فكرة المجتمع المدني قد اصبحت متداولة ومألوفة في بلادنا ، ولن ينكر احد ايضا ان تحولها من فكرة الى واقع يتم ببطء اكبر من المتوقع. يؤمن معظمنا بالحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني. لكننا جميعا نبحث عمن يعلق الجرس او ربما نبحث عن الجرس المقصود . حتى الان يكتفي معظمنا بالحديث عن هذه الضرورة دون السعي لفك مغاليقها.

هناك بطبيعة الحال اقلية تتشكك في فائدة هذا النوع من المؤسسات ، وهناك من يريدها جزء من البيروقراطية الرسمية او تحت اشرافها المباشر. ولعل اقرب الامثلة الى ذلك هو الاقتراح الذي قدمه وزير التجارة بتقليص نسبة الاعضاء المنتخبين في مجالس الغرف التجارية وزيادة عدد الاعضاء الذين يعينهم الوزير . لدى الوزير بالتاكيد بعض المبررات ، لكننا نعلم ان الاتجاه السائد في الغرف التجارية يميل الى الخروج من عباءة الوزارة وليس العكس.

من المهم على اي حال اقناع البيروقراطيين بان التوسع الافقي والكمي لمؤسسات المجتمع المدني لن ينهي دور البيروقراطية الرسمية. هناك دائما مهمات جديدة وادوار جديدة ، موجودة لكنها محجوبة او مهملة او مختلطة . نعرف مثلا ان ظهور مبدأ "تقسيم العمل" يعد واحدا من اهم التطورات في تاريخ البشرية . تقسيم العمل قاد الى استقلال التخصصات والادوار وحقول الاهتمام والهموم ايضا . في الجانب الثقافي كمثل ، ثمة دور هام تلعبه الادارة الرسمية . لكن "الحياة الثقافية" هي مسار اجتماعي متمايز عن التجارة والسياسة والصحافة والحرف الاخرى ، وهي ايضا عمل اهلي  ينبغي ان يتحول من انشغال فردي الى علاقة مؤسسية بين الافراد الذين يحملون الهم الثقافي والذين يشاركون في الجدل الثقافي والذين يهمهم تطور مستوى الثقافة وانتاجها في المجتمع ككل.

 للعمل الثقافي سمات هي جزء من طبيعته ولا يكون حقيقيا الا معها ، وابرزها كونه عفويا ، اختياريا ، تطوعيا ، منبعثا من دافع شخصي ، ربما يكون عاطفيا وربما يكون مصلحيا او ايديولوجيا او غيره . العفوية والاختيارية يستحيل تاطيرها في القوالب البيروقراطية ، او اخضاعها لحدود القانون واوقات الدوام وما اشبه. لدينا في المملكة الاف من الاشخاص الذين تستهويهم الثقافة في شتى فروعها ، واظن ان كلا منهم يرغب في مساهمة اوسع واعمق من تلك التي يقدمها الان . 

هؤلاء جميعا هم السكان المتوقعون للبيت الذي نسميه بالحياة الثقافية . واذا نجحنا في اقامة الروابط التي تجمع هؤلاء مع اندادهم واشباههم فسوف نبدأ في رؤية ما ستكون عليه "الحياة الثقافية" في بلدنا. ا

لاندية الادبية هي مثال حي على العلاقة العكسية بين الثقافة والبيروقرطية . تعقد النوادي مناسبات ثقافية هامة جدا ، لكن حضورها محدود وقد لا يتجاوز بضع عشرات . في المقابل نجد المنتديات الاهلية البحتة تستقطب اضعاف هذا العدد ، ليس فقط بين الجمهور العام ، بل حتى من المهتمين والمشتغلين بالشان الثقافي. لا اشك ابدا ان كون الاخيرة اهلية بحتة هو سبب رئيسي . في الحقيقة فان هذه المنتديات ترفد النشاط الثقافي في بلدنا بقدر يتجاوز كثيرا المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية مثل النوادي الادبية وامثالها . هذا المثال ليس محصورا في مجتمعنا. في كل مجتمعات العالم الاخرى تتفوق المؤسسات الاهلية البحتة في استقطاب واطلاق النشاط التطوعي على نظيرتها الرسمية او المنضوية تحت عباءة البيروقراطية.

اذا اردنا تحويل المبادرات الثقافية القائمة الى حياة ثقافية ، فان جمعيات المثقفين هي الخطوة الاولى في هذا الطريق.

08/02/2001

لماذا لا يطالب الناس بحقوقهم


خلال عقدين من عمر مجلس التعاون الخليجي ، توصلت الدول الاعضاء إلى عشرات من الاتفاقيات والمواثيق الثنائية والجماعية ، صرف لاجلها المسؤولون من الدول الاعضاء وقتا غاليا ، لانها في نظرهم كانت ضرورية لتوثيق العلاقة بين دول المجلس ، وبغض النظر عما طبق فعلا من تلك الاتفاقيات ، وما لم يطبق ، وبرغم النقد الذي يوجه عادة لتباطؤ العمل الخليجي المشترك ، فان معظم الخليجيين حريصون على الدفاع عن تجربة المجلس وتطويرها .

وكنت اتمنى دائما ان يتبنى المجلس ميثاقا خليجيا لحقوق المواطن ، فهذا هو الحقل الوحيد الذي لم يطرق في اي من اجتماعاته ، وكان سمو امير الكويت قد اقترح في ديسمبر 1996 ، تشكيل هيئة استشارية تشكل اساسا للدور الشعبي في المجلس ، لكن من المؤسف اننا لا نسمع كثيرا عن دور هذه الهيئة ، ولا نعلم ان كانت توصل صوت شعوب المنطقة إلى المجلس ، أم انها تكتفي بتاييد ما تقترحه الحكومات ، وعلى اي حال فان ممثل الشعب لا بد ان ياتي بتفويض  شعبي كي يستطيع ممارسة عمله ، أما  إذا عين بقرار حكومي ، فان من ياكل على مائدة السلطان يضرب بسيفه ، كما قيل في الامثال .

(حقوق المواطن) هي الغائب الكبير في التداول السياسي والاعلامي على امتداد الخليج ، والغريب ان احدا من السياسيين وصناع القرار لا ينكر ايا من هذه الحقوق ، ولا ينكر الحاجة إلى رعايتها ، بل انهم يفاخرون عادة بتجذرها في التراث الاسلامي والتقاليد الاجتماعية ، بحيث يخيل للسامع ان دول المنطقة هي التي وضعت الميثاق الدولي لحقوق الانسان ، واجبرت دول العالم على ضمه إلى دساتيرها .

لكن اولئك السياسيين لا يقبلون ابدا بتحويل مباديء حقوق الانسان إلى نصوص قانونية ملزمة ، ولا يوافقون على قيام هيئات اهلية تراقب الالتزام بمضمون تلك المباديء ، بل ولا يقبلون ممارسة المواطن لما يفترض انه حق لـه ، ولنأخذ مثلا حرية التعبير التي تقول بها الانظمة والدساتير ، فهي لا تحترم اطلاقا لعشرين سبب وسبب ، وهي تخرق بعشرين وسيلة ووسيلة ، ومن ابسطها دوائرالرقابة ، في معرض الكتاب العربي بالكويت مثلا منعت الرقابة عشرات من الكتب ، رغم ان بعضها كان موجودا قبلئذ في الاسواق ، وفي دول خليجية أخرى ، يعتبر اي كتاب ممنوعا في الاصل إلا إذا ثبت خلافه ، ولانه لا يوجد اساس منطقي ومعياري لتحديد المسموح والممنوع ، فان الامر يتعلق كليا بنفسية الرقيب وثقافته ، ومزاجه الخاص في اليوم الذي وصله الكتاب ، ومن طريف ما يذكر هنا انني جمعت عددا من مقالاتي المنشورة في صحف محلية وطبعتها في كتاب ، وحين عرضته على الرقابة للحصول على ترخيص النشر ، ابلغت بان الكتاب ممنوع ، فاخبرت مدير الرقابة بان محتويات الكتاب منشورة جميعها في الصحف المحلية ، فرد علي بان "مسمى" الكتاب يختلف عن " مسمى " المقال ، وهذه قاعدة قانونية لا اظن احدا في العالم كله قد توصل اليها من قبل ، فهي تستحق ان تكتب بماء الذهب وتعمم على جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة كوثيقة دولية ، ومنعت الرقابة ديوانا لشاعر معروف وكان التبرير ان بعض القصائد غير مفهومة ، وعدم فهم الرقيب حجة شرعية تستحق ان يضيفها الفقهاء ورجال القانون إلى الادلة المعتمدة في استنباط الاحكام .

وقد تحدثت هنا عن انتهاك حرية التعبير بواسطة الرقابة ، واغفلت انتهاك هذا الحق بواسطة الاجهزة الامنية والسياسية ، فهناك لا يتوقف الامر عند المنع ، بل يصل إلى الاستجواب والتحقيق وتوجيه التهمة ،  وربما الحبس أو المنع من السفر ، فضلا عن الخروج من دائرة الموالين أي المرحومين .

على اننا في الخليج نتميز عن غيرنا بنوع آخر من الرقابة ، يلخصها المثل المشهور عندنا (العين من العين تخجل) ومضمونه ـ لمن لا يعرف - ان من يرفع صوته ، أو يتحدث فيما لا يخصه ـ اي الشان العام الذي لا يخص شخصا معينا - يستدعى من قبل مسؤول ما أو شخصية رفيعة ، فيعاتب ويسأل ان كان ينقصه شيء ، وقد يحصل على بعض الاحسان ، وعندئذ فان آليات العرف والتقاليد تتدخل لتقرر الخطوة التالية ، وهي ان يرد المستدعى على احسان داعيه بالسكوت عما يسبب الازعاج لـه أو لمن يليه ، وهكذا تحل المسائل باللطف واللين ومن دون ضجيج ، واظن ان قليلا من الناس في العالم يعرفون هذه السياسة أو يمارسونها في الوقت الحاضر ، ولهذا فانها يمكن ان تعتبر ابتكارا خليجيا يثير الاهتمام.

ربما يرتاب بعض الناس في فاعلية هذه السياسة أو تاثيرها ، لكني اجد انها شديدة التاثير ، خاصة إذا انضمت إلى الوسائل الأخرى المعروفة ضمنا أو الظاهرة  في خلفية الصورة ، فالذي يستدعى يعرف ان عدم الاستجابة تؤدي إلى الحرمان من الترقية أو ربما خسارة الوظيفة ، أو ربما العقاب الجسدي والمعنوي في مستويات أخرى .

لكن المسؤولين لا يجدون الوقت الكافي لمواجهة كل صاحب لسان ، لهذا لجأوا إلى الحلول الجماعية ، ففي أحد اقطار المنطقة قالت الانباء ان اساتذة الجامعة يتحدثون عن "حرم جامعي" اي مكان يتمتع فيه الاستاذ والطالب بحرية التعبير ، وبعد نحو ثلاثة اشهر من تاكيد وجود هذه الاحاديث ، امر ولاة الامر بتخصيص قطعة ارض سكنية لكل استاذ جامعي ، وجرى النص في الامر المذكور على الحد الادنى لقيمة المنحة ، وهي تعادل راتب الاستاذ في اربع سنوات .

واعتقد ان المركب الكامل للسياسة في الخليج ، هو السر وراء تأخر ظهور مطالبة شعبية بحقوق الانسان على مستوى المنطقة ، هذا المركب يضم التلويح بالقوة  وعدم قانونية المطالبة من جهة ، وبالمكاسب المادية للانصياع من الجهة الثانية .

والحقيقة ان احدا لا يرغب في الحديث عن هذه الامور ، فالكلام فيها موجع لكل الاطراف ، لكن مراسلا اجنبيا سأل خبيرا ماليا عن السر في انتعاش سوق المنطقة فور نهاية حرب الخليج الثانية ، فاجابه الخبير ببساطة ان الحكومة تدخلت بائعا وشاريا في سوق الاسهم ، كما صرفت مبالغ كبيرة بغرض تحريك السوق ، لانها ارادت تخليـص الناس من " الهمـوم " التي اثارتها الحرب ، فسأل المراسل : هناك تقارير عن عجز مالي كبير لدى الحكومة ، فمن اين جاءت بهذه الاموال ، فاجابه الخبير برقة : الحكومات تعرف دائما اين يوجد المال ومتى يستخدم .

وخلاصة القول اننا نحصل على الرفاه المادي ، ولدى الكل أو الاكثرية حرية كاملة في البحث عن المال ، وكلنا يعرف هذا كما ان حكوماتنا تعرفه ، ولهذا فقد اكرمتنا بما يكفي ويزيد عن الحاجة ، وفي المقابل فقد اكرمناها بالسكوت عن حقوقنا الاساسية ، ليس حق الاكل والشرب والتنعم في المسكن والملبس ، بل حقنا في التفكير والتعبير عما نفكر فيه ، وحقنا في فرص متساوية امام القانون ، وحقنا في تقرير الطريقة التي تدار بها حياتنا ،  وحقنا في تقرير صورة مستقبل ابنائنا .

الرأي العام 8 فبراير 2001

24/01/2001

عن تدخل العامة في سياسة الدولة


تحدثت يوما مع وزير يعتبره الناس مثقفا وصريحا ، عن مظاهر القصور في وزارته ، فطلب مني تقديم الملاحظات مكتوبة. ولأني لا اجيد غيرهذا العمل ، فقد قدمت لـه ما ظننت انه صورة وافية عن القصور المزعوم ، مبينا اسبابه وانعكاساته ، كما اقترحت سبلا للعلاج ظننتها غير مكلفة ، وسررت لانه استقبل تلك الملاحظات بترحاب كبير ، وظننت اني قد فعلت شيئا مهما.
 لكن بعد نحو عام من ذلك ، لاحظت ان ما شكوت منه لم يتغير فيه شيء ، فتحدثت مرة أخرى إلى الرجل الذي اخبرني ان فلانا - وهو وزير مثله ، لكنه ارفع مقاما - طلب اليه ترك الموضوع ، وفي النقاش طلب مني صراحة عدم التدخل في سياسات الدولة ، لان بعض اولي الامر لا يرحبون بتدخل العامة في امورهم.
 وذكرت هذه القصة لرجل من اعيان البلاد ، فقال لي ما هو ادهى ، وذكر انه يلتقي عادة مع كبار القوم في مجالسهم أو مكاتبهم ، وقد تجرأ احيانا فطرق ما يعتبره قضايا سياسية ، وفي ثلاث مرات على الاقل قال لـه صاحب المجلس ان الموضوع معروف لدى اولي الامر ، ولديهم رؤيتهم الخاصة بشأنه. وهذا كلام فحواه (ان هذا ليس من شأنك). وقادني هذا إلى البحث عن اسباب التكتم الشديد لكبار القوم على اعمالهم ، فتتبعت تصريحات ادلى بها احدهم طيلة شهرين ، وفي المحصلة وجدت ان بالامكان تلخيصها جميعا في اقل من عشر كلمات تكررت دائما ، ولم يكن في اي منها خبر جديد ، مما يرغب الناس في معرفته ، وبكلمة أخرى فان الرجل كان حريصا على ابقاء جميع ما سئل عنه مكتوما رغم الحاح الصحفيين .
لدينا في الخليج عشرات من الصحف ، ولو حسبت صفحاتها لبلغت بضع مئات كل يوم ، لكنك - مع ذلك - لا تجد فيها ما تريد ، فتضطر إلى البحث عن المعلومة والخبر في الصحافة الاجنبية ومصادر المعلومات خارج الحدود. والطريف في الامر ان الاداريين والمسؤولين في الدولة يعانون من هذه المشكلة - مثل عامة الناس تماما - واعرف عددا كبيرا منهم يهتم بقراءة الصحافة الاجنبية لمعرفة ما يجري في بلده ، كما ان الراديو والتلفزيون المحلي ليس على الاطلاق مصدر الاخبار التي يرغبون في معرفتها .
وكنت اظن دائما ان الامر يتعلق برغبة في العمل واعراض عن الدعاية ، لكني اجد الان ان هؤلاء يتكلمون كثيرا ، لكنهم لا يقولون - في المحصلة - اي شيء ، الوزير يتحدث عن كل شيء ، لكنه لا يتحدث عن عمل وزارته إلا إذا كان مدحا ودعاية ، والسياسي لا يتحدث عما يواجه إلا إذا كان انشاء وبلاغة ، ولهذا السبب فان الناس لا يعرفون حكومتهم على وجه التفصيل ، لا يعرفون ما ذا تفعل ، ولا يعرفون كيف تجري الامور ، لا يعرفون النجاحات الحقيقية ، ولا يعرفون الصعوبات التي تمنع النجاح ، ولهذا ايضا فانهم غير جاهزين للتعاون معها ، لان الانسان يعين فيما يعرف .

وثمة في العالم العربي انطباع شائع ، مفاده ان الدولة هيئة تخص من يقودونها ، وان السياسة عمل يقوم به هؤلاء ، دون غيرهم ممن هم خارج الاطار الدولتي. ولهذا فان (التدخل في السياسة) يعتبر تهمة في كثير من اقطار العرب. وقد اضيفت اليها اخيرا تهمة (ادخال الدين في السياسة). وسبب الاتهام بالطبع هو الوصلة السياسية وليس الدين. ان ادارات المباحث وامن الدولة والاستخبارات ، التي تنفق عليها الحكومات مبالغ طائلة ، هي منظمات متخصصة في مراقبة واحيانا مكافحة التدخل في السياسة.
 ومما يذكر على سبيل الطرفة ان رئيس دولة سابق منح ترحيصا لصحيفة اسبوعية ، وذكر فيه شروطا ، من بينها عدم تدخل الصحيفة في السياسة ، ونعلم الان ان اقطار الخليج جميعا تتشدد في منح تراخيص لصحف أو مجلات سياسية ، بينما تتسامح في غيرها ، وهذا شبيه لحال معظم الاقطار العربية ، حيث تحتكر الدولة أو جهات محددة حق اصدار المطبوعات السياسية .
خلال السنوات الاخيرة ، اكتشفت وزارات الاعلام والنخبة المثقفة في المنطقة ، ان قنوات الاذاعة والتلفزيون المحلية وكثير من الصحف ، خسرت اهتمام الناس الذين اصبحوا زبائن ثابتين لمصادر المعلومات الخارجية ، وظهر من خلال النقاش ، ان العلة الرئيسية هي افتقار المصادر المحلية إلى المعلومات الحية ، وافتقارها إلى حرية التعبير ، لكن الكبار قرروا في نهاية المطاف ان خسارة اهتمام الجمهور ، اهون اثرا من خسارة التقليد العريق في التكتم ، اتباعا لمفاد المثل المشهور عندنا في اقفال الباب الذي ياتي منه الريح ، بدل الاستعداد لمقابلة التحدي بما يناسبه. واتذكر الان طرفة عن صحفي امريكي تحدث مع زميل عراقي ، فقال لـه انهم في واشنطن احرار يستطيعون قول كل شيء ولو كان مدحا لرئيس العراق وقدحا في رئيس الولايات المتحدة ، فقال لـه العراقي انهم في بغداد يفعلون ما هو اكثر، فهم احرار في مدح رئيسهم وقدح الرئيس الامريكي والبريطاني وكل رئيس غربي آخر ، وهي طرفة تعبر عن واقع الحال في المنطقة ايضا ، فانت تستطيع معرفة اخبار العالم كله في الصحافة المحلية ، ما عدا اخبار البلد الذي تصدر فيه الصحيفة .

يفترض - نظريا - ان الدولة جهاز لخدمة الشعب ، وقد بالغ بعضنا فوضع لافتات تقول ان الشرطة ايضا في خدمة الشعب ، مع اني لم اجد اي شرطة في العالم العربي تفعل ذلك ، لا لانها لا تعمل شيئا ، بل لانها لا تصدر في عملها عن منطق الخدمة ، اي كونها جهازا تابعا للمجتمع وخادما لـه ، كذلك فان الدولة في منطقتنا لا تصدر عن هذا المنطق ، فهي ترى نفسها ، واصحابها يرونها ويرون انفسهم - بطبيعة الحال - فوق المجتمع ، يستمدون مشروعية عملهم من الدولة ذاتها ، وليس من التفويض الصريح اوالضمني الذي يحصلون عليه من المجتمع .

هذه الفوقية ، وذلك التكتم - وهما كما قلت من الطبائع السائدة في العالم العربي - ادت إلى تشديد عزلة الدولة ، وفي بعض الاقطار ، إلى قيام علاقة بينها وبين المجتمع مضمونها الاساسي العداوة أو الارتياب ، فالدولة ترتاب من شعبها ، والناس يرتابون في دولتهم ، فكانهما خصمان يراقب كل منهما الآخر قلقا من ان يباغته فينقض عليه .

ومن هنا نجد ان دول المنطقة تخصص جزء كبيرا من مواردها لقطاع الامن ، واعرف شخصيا ان اعضاء جهاز الامن في إحدى اقطار المنطقة ، يزيدون مرتين ونصف عن عدد الجيش النظامي ، ويستأثرون بنحو عشرين بالمائة من النفقات الحكومية ، وهو يكشف عن طبيعة التحديات التي يستشعرها اولو الامر ، مع ان هذا البلد - مثل جميع اقطار الخليج الأخرى - لا يواجه تحديات كبرى على المستوى الداخلي ، لكن الشعور بالعزلة والارتياب المتقابل ، هو الذي يجعل لهذا النوع من السياسات اولوية على غيره .

وزبدة الكلام ان انعدام الشفافية وحجب المعلومات قد ترك انعكاسات سلبية كبيرة على الدولة نفسها وعلى المجتمع وعلى العلاقة بين الطرفين ، وسوف نعرض جوانب أخرى في مقالات لاحقة ، لكننا اليوم بحاجة إلى استعادة الثقة بين المجتمع والدولة ، واول الطريق إليها المكاشفة والمصارحة ، التكتم مريح لصاحبه ، لكنه مدمر للثقة التي تحتاج اليها الدولة ولا سيما في اوقات الازمة ، المصارحة تدعو الناس إلى اعذار المسؤولين وتقدير جهودهم ، والريبة تدعوهم لسوء الظن وتعليق المشكلات ، كبيرها وصغيرها ، على تقصير المسؤولين وانشغالاتهم الشخصية .

الرأي العام 24 يناير 2001

17/11/1996

الحركة الاسلامية ، الجمهور والسياسة


حتى اواخر السبعينات كان الكتاب الاسلاميون يشككون في مشروعية مشاركة الشعب في السياسة ، وكانوا يتساءلون عن امكانية تحكيم (العامة) الجاهلة او التي لا تعرف الشريعة ، في امر الدولة التي تسيرها الشريعة السماوية ، وكيف يستطيع (العامي) ان يختار الامام الصالح ، وكيف يمكن السماح لهذا العامي بالتصويت (مع او ضد ) سياسة او قانون يفترض انه مطابق لاحكام الله ؟ .

ويبدو لي ان اشكالية تدخل العامة في السياسة ، لم تنشأ كنتيجة لافتراض (سماوية) النظام السياسي وسياساته ، وان كان هذا الافتراض قد ساعد ـ لاحقا ـ على تبرير وجودها  ، ان منشأ الاشكالية يرجع في تقديري الى غياب أي تصور ايجابي عن دور (الجمهور) في التراث التاريخي الاسلامي ، التراث الذي هو بالدرجة الاولى نتيجة للتجربة السياسية ، اكثر مما هو تجسيد للنظرية في تجريدها الاولي ، ولان الامر كذلك ، ولان التراث الاسلامي يشكل الخلفية الثقافية لكل المسلمين المعاصرين ، فان الحركة الاسلامية لم تنفرد في تغييب فكرة المشاركة الشعبية ، انه غياب مشهود عند كل التيارات الاجتماعية العاملة في ميدان السياسة العربية .


لقد ركزت تعاليم الاسلام الاولى (كما تظهر في الكتاب والسنة ) على انصاف الضعفاء (وهم عامة الناس يومئذ)  وحق الجمهور ، ومسؤولية كل فرد منهم عن امته ، وقيام الدين على اكتافهم ، ورجوع الامر العام اليهم ، يقول علي بن ابي طالب في وصيته لاحد ولاته (انما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للاعداء العامة من الامة ، فليكن صغوك لهم وميلك معهم - نهج البلاغة 624)  الا ان الممارسة الفعلية للسياسة لا سيما منذ انتهاء عهد الخلافة الراشدة ، ادت الى احياء القيم الاجتماعية القديمة التي كانت تفصل بين عامة الناس وخاصتهم ، وتركز على التفاضل الطبيعي في المكانة والدور بين الخاصة والعامة ، بكلمة اخرى فان التراتب الاجتماعي القديم قد اعاد بعث نفسه في اطار السياسة الاسلامية ، بينما توارى الى حد بعيد منهج التفاضل الديني الذي يعتمد القيمة الذاتية للشخص ، المتاتية عن علمه اوكفاءته او سبق خدمته ، بغض النظر عن انتمائه القبلي او العرقي .

وقد جرى تنظير هذه الممارسة فاصبحت معلما من معالم التفكير الاسلامي ، يقول د. حسن الترابي في هذا الصدد (كان الائمة الاوائل يذكرون في كتبهم ان هذا الراي هو ما راينا عليه الجماعة ، فكان تعبيرا عن الراي العام ، ثم اصبح الراي للشيوخ وحدهم ، وهذا يعني ان اصل الفقه قد تبدل تماما) ولو نظرت في كتابات قدامى الفقهاء الذين تعرضوا للشأن السياسي ، لوجدتهم ينظرون الى الدولة باعتبارها ملخصة في الوالي ، وهم مع دعوتهم الولاة الى الانصاف والرحمة بعامة الناس ، اغفلوا الحديث عن موقع الجمهور في النظام السياسي ، بل ان كثيرا منهم انكر حق العامة في التعبير عن خياراتهم اذا خالفت الخيارات الرسمية ، خوفا من الفتنة ، او اختلال نظام الامة (انظر على سبيل المثال قاطعة اللجاج للكركي ، عوائد الايام للنراقي ، الاحكام السلطانية للماوردي ، السياسة الشرعية لابن تيمية) .

وقد بقي اشكال التفاضل الطبيعي سائدا حتى في وسط الحركات النهضوية المعاصرة ، وفي اوائل القرن العشرين ، كان الشيخ محمد عبده يرى ان الخطوة الاولى لاخراج الامة الاسلامية من مأزقها ، هي اقامة مدرسة لتخريج نخبة جديدة (اي خاصة بديلة) تقود المجتمعات الاسلامية ، ولا يزال كثير من المثقفين يتحدث عن المستبد العادل باعتباره خيارا مثاليا ،  كما نستطيع ملاحظة ان التاريخ المسجل عن المحاولات الاصلاحية ، ومحاولات النهوض التحرري في العالم الاسلامي ، لا تتحدث عن دور لعامة الناس خارج الدور الاساسي والمطلق للخاصة .

 ويظهر انعكاس هذا التفكير حتى اواسط القرن العشرين ، حينما تحدثت فصائل حركة التحرر العربية عن تحرير الاوطان واستنقاذ حقوق الشعب ، ودعت الى الاطاحة بالطبقات المتنفذة (الخاصة) فانها توجهت في وقت لاحق الى ممارسة لا تختلف كثيرا عن تلك التي ورثناها عن التجربة القديمة ، فالذي جرى بالفعل هو تاسيس نخبة (خاصة) جديدة بدلا عن النخبة القديمة ، بينما لم يحصل الجمهور (باعتباره عامة) على أي من الحقوق المقررة له ، او المزعوم السعي لاعادتها اليه .
العام ، تابعا للسياسة اليومية للدولة متاثرا بما يقوله اهل الخاصة  الجدد ، او سلبيا قانعا بحياة هي الى قتل الوقت اقرب منها الى استثماره ، ان التجربة الناصرية التي لعب الشعب خلالها دورا بارزا في الدفاع عن سياسات الدولة ، لم تؤد الى اعادة تنظيم الحياة السياسية بحيث يصبح المجتمع سيدا للدولة ، وقبلها تجربة الثورة الجزائرية ، ومثلهما جميع تجارب النهوض التي جرت في اكثر من قطر عربي او مسلم .

وتظهر هذه التجارب جميعا ان دور العامة في الحياة السياسية ، ليس من الافكار التي تتمتع بامتداد تاريخي في ثقافة المسلمين ، ان وجود هذه الفكرة وممارستها الراهنة ، انما هي احد وجوه التاثير الثقافي للغرب على العالم الاسلامي ، فنحن قد استوردناها كما استوردنا الكثير من عناصر التفكير ، وعناوين الممارسة السياسية والاجتماعية التي نتداولها اليوم او ندعو اليها ، ولانها كذلك فسوف تبقى مورد جدل بين اصحاب الفكر والسياسيين ، لفترة طويلة ، حتى تعثر على اطار نظري يعيد تشكيلها ضمن النسيج الثقافي الاسلامي ، ولانها كذلك ايضا ، فان رفعها كشعار في ميدان السياسة لا يعني ـ بالضرورة ـ انها ستوضع قيد التطبيق من جانب الدعاة اليها ، حينما يصبح بيدهم الامر والنهي والحول والطول ، انهم قد لا يرون الجمهور ـ بالنظر الى الخلفية الثقافية التي سبق ذكرها ـ الا تابعا او مؤيدا متأثرا ، لا سيدا للسياسة وصاحب قرار قادر على المحاسبة والنقد والترجيح ، كما هو مفترض اذا اخذنا بعين الاعتبار  جوهر فكرة المشاركة السياسية .

لكي تتحقق المشاركة الشعبية في السياسة فلا بد من مقدمات ، اهمها العلنية وحرية الوصول الى المعلومات ، وحرية التعبير ، واعتبار الحزب السياسي ، سواء كان في المعارضة او السلطة ،  مسؤولا امام جمهوره ، وتقرير ارجحية الشعب كمجموع على الدولة او الحزب ، وهذا ما يتعارض مع التقليد المتفق عليه في جميع المجتمعات المسلمة ، والقاضي باعتبار السياسة كنزا للاسرار ، واعتبار التعبير الحر عن الراي ذريعة للفتنة .

وبالنسبة للحركة الاسلامية الحديثة ، فقد كان يبدو ان الجميع متفق ـ تصريحا او تلويحا ـ على الافتراضات السابقة ونتائجها ، ما يتعلق منها خصوصا بعدم امكانية وضع الجمهور العام ، في موضع الحكم على الاشخاص المرشحين للولاية ، والمناهج المقترحة لقيادة الحياة السياسية ، لكن الامر لم يكن موضع جدل ، حتى منتصف السبعينات على الاقل ، بالنظر الى عدم وجود مصاديق للموضوع ، اما في السنوات اللاحقة ، ولا سيما منذ اوائل الثمانينات ، فقد اصبح الامر موضوعا لجدل حقيقي ، بعد ان ظهر لكثير من الاسلاميين ان بامكانهم الاعتماد على الجمهور (العامي) في رفع كلمة الاسلام ، واقامة دولته المنشودة ، وظهر ان تعبئة الجمهور هي الخيار الوحيد ـ في معظم الاحوال ـ المتاح لهؤلاء السياسيين الطامحين الى الفوز في ميدان السياسة ، ويبدو ان الجدل قد حسم عند الجميع لصالح فكرة الاعتماد على القوة الشعبية ، كبديل عن القوى الاخرى التي احتكرها المنافسون ، مثل قوة الاعلام والتنظيم فضلا عن القوى التي يتيحها امتلاك الدولة .

لكن الامر الذي لم يحسم هو المكانة الحقيقية لهذا الجمهور في المعادلة السياسية ، فهل سيقتصر دوره على تقديم التضحيات من اجل انتصار الحزب الذي يرفع الشعار الديني ، ام سيكون هذا الانتصار اشارة الانطلاق نحو المرحلة الاهم والاكثر جذرية ، في السباق من اجل تجديد الحياة السياسية ، المرحلة التي عنوانها استعادة المجتمع لمكانته الطبيعية كسيد للدولة ، بعد ان بقي طوال قرون تابعا لها في احسن الاحوال ، واسيرا في معظم الاحوال .

الشورى والديمقراطية

وفي ايامنا هذه ، تثار قضية المشاركة الشعبية في وسط الحركة الاسلامية ، تحت عنوان الشورى والديمقراطية ، لقد اصبح من المعتاد مشاهدة فريق من الاسلاميين المعاصرين ، من اصحاب الاتجاه التجديدي خصوصا ، يتحدثون عن الديمقراطية باعتبارها الصيغة العصرية لفكرة الشورى التي وردت تكرارا في المصادر الاسلامية ، والتي ينظر اليها كأساس للعلاقة بين الحاكمين والمحكومين في النظام السياسي الاسلامي .

وعلى الطرف الاخر تجد اسلاميين يتحدثون عن الديمقراطية باعتبارها ضربا من الكفر ، بحجة انها فكرة مستوردة ، وان الدعوة اليها تنطوي على تهوين من قدرة الاسلام على ابداع ادوات عمله الخاصة ، اذ ان الاعتقاد ـ يقول بعض اصحاب هذا الراي ـ بان ما في غير الاسلام من الافكار ، هو افضل مما في الاسلام او ان في الاخذ به غنى عما في الاسلام ، هو جحود لعلو التشريع الاسلامي ومطلقية الحق فيه .

لقد وصلنا بالنقاش حول العنوان الى حد التكفير او التبديع ، وما سياتي بعد تجاوز العناوين الى الموضوع ذاته ، سيكون بلا شك ادهى وامر . واذا اردنا الاخذ بصيغة الشورى كما وردت في الادبيات الاسلامية القديمة ، فلا ريب ان الديمقراطية بصورتها الراهنة شيء آخر مختلف ،  لا علاقة له بالشورى التي عرفناها في تاريخنا ، انها بكلمة اخرى نظام قائم بذاته ، كما ان الشورى نظام او جزء من نظام قائم بذاته ، واذا كنا سنقول ان الديمقراطية هي الصيغة المعاصرة للشورى الاسلامية ، فلنقل من باب اولى ان  الصيغ الموروثة من الشورى القديمة ، ليست صالحة للتطبيق في هذا العصر ، وان الاخذ بالنظام الديمقراطي ، ياتي من باب حق المسلمين في الاخذ من اسباب الحياة بما يرونه صلاحا لحالهم ، وهذا حق ثابت لهم في الشريعة ، فلا صلاح للاسلام اذا لم يصلح حال ابنائه ، ولا صلاح لحال المسلمين مالم ينظروا في ادوائهم ويتفقوا على سبيل العلاج . اردنا القول بان المماهاة بين الشورى والديمقراطية لا يخلو من الافتعال والتكلف ، وانه اذا ثبت كون الديمقراطية صحيحة كنظام سياسي ، فليس لانها صورة عن نظام الشورى القديم ، بل لاسباب اخرى .

هذه ناحية اما الناحية الثانية فانه من الصعب البرهنة على ان الصيغة القديمة لنظام الشورى ، كما طبقت في عصور السلف المتقدمين ، هي النظام الذي اراده الاسلام لسياسة البلاد ، في كل الازمنة والامكنة ، وعند التطبيق قد لا تختلف هذه الصيغة النظرية ، عن الصورة التي يمارسها الحكام الجبريون ، لا سيما اهل الاستبداد منهم في سياسة الدولة ، لقد كانت صورة الشورى التي طبقت في تلك العصور ـ على ما يؤخذ عليها ـ الحد الممكن مع ظروف الانقطاع الجغرافي بين العاصمة والاطراف ، وعدم القدرة على تدوير المعلومات بالسرعة المناسبة بين المركز وخارجه ، بل بين عدد كبير من الناس في المركز نفسه ، ان المعلومات هي القاعدة الاساس في صناعة القرار والمشاركة فيه ، ضمن دائرة اوسع نطاقا من العدد المحدود من الخاصة القريبين او المقربين من دائرة القرار ، الذين يمكن تشبيههم اليوم بالنخبة السياسية ، ان ظرف الانقطاع هذا لم يعد له وجود في عالم اليوم ، مع تحول الكرة الارضية الى قرية صغيرة ، تنتشر فيها المعلومات بسرعة كافية لتمكين ابعد الناس عن المركز ، من المشاركة الفاعلة في صناعة الموقف من قضية معينة ، كما لو كان حاضرا في مكان اتخاذ القرار .

لقد اوردنا هذه الاشكالات لكشف حقيقة ان هناك حاجة الى تحديد الموقف الاسلامي من القضايا الراهنة ، لا سيما القضية الاكبر والاخطر وهي قضية السلطة ، ان العرض السابق يكشف ايضا عن الحاجة لتفكير جديد غير متقيد بالعناوين ، وغير خاضع لجبر التاريخ .

ان الاسماء كما هو متفق عليه جسور الى المعاني ، فلايصح اتخاذها بديلا عن مضامينها ، ان تقرير النموذج الاسلامي في السياسة ، هو اليوم اشد ضرورة من أي وقت سابق ، بالنظر الى ان العالم الاسلامي يتعرض مثل غيره من العوالم لتيارات التجديد في السياسة ، وهي في المجمل متجهة نحو اقرار النموذج الغربي الذي ينطوي تحت عنوان الديمقراطية ، واظن ان تحديد بديلنا ، اجدى من اثبات شوروية الديمقراطية او ضرورة الشورى ، او المحافظة على الاسم حتى ، قد نذهب بعيدا في الجدل حول مضامين التاريخ ، بما يجعلنا نغفل عن متطلبات الحاضر ، فلا نصحو الا وقد اصبحنا واسلامنا خارج التاريخ .
مقالات ذات علاقة


رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...