‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلاقة مع الغرب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العلاقة مع الغرب. إظهار كافة الرسائل

15/02/2017

وهم الصراع بين الحضارات


أسمع حديثا متكررا فحواه ان الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترمب يدشن النموذج التطبيقي الأول لصراع الحضارات ، وفق التصور الذي عرضه المفكر الامريكي صامويل هنتينجتون في 1993. طبقا لهذه الرؤية فان الايديولوجيا (رأسمالية/اشتراكية) لن تكون موضوعا للصراعات الدولية بعدما تفكك المعسكر الشيوعي. الحروب الكبرى القادمة لن تدور بين الدول القومية. أو على أقل التقادير ، فان أية حرب على هذه المستوى ، لن تقسم العالم الى فسطاطين ، وفق ما كان متوقعا في حقبة الحرب الباردة (1945-1991). يعتقد هنتينجتون ان الثقافات الرئيسية هي التي ستحدد جبهات الصراع الدولي القادم. نتصور مثلا جبهة الثقافات الجديدة ، التي تمثلها المجتمعات الصناعية الغربية ، تقابلها جبهة الثقافات القديمة التي تضم العالم الاسلامي ودول آسيا الأخرى.
صمويل هنتينجتون
هذه الرؤية ليست نظرية مثبتة تاريخيا. وليس لدينا دليل مادي يؤكد ان العالم سيشهد صراع حضارات في المستقبل القريب. إنها مجرد تحليل مبني على استقراء تاريخي ، يتوافق مع معطيات رآها هنتينجتون متوفرة في مطلع التسعينات. وهو لم يحاول اخفاء ما تنطوي عليه من توجيه ايديولوجي ، فحواه ان الحضارات بحاجة للصراع ، كي تبقى نشطة ومبدعة.
رغم ذلك فرؤية كهذه تنطوي على خطورة على العالم الاسلامي ، وليس على الغرب. لسبب بسيط وهو ان الايمان بالعلاقة الايجابية مع العالم ، يعزز جانب الميل للمصالحة والانفتاح ، ومن ثم التعاون الثقافي والاقتصادي. وهو أمر نحن في أمس الحاجة اليه ، كي نلحق بحركة العلم والتقنية التي تتصاعد في عالم اليوم ، ولا تكاد تستثني أحدا غير البلدان الاسلامية. 
خلال الخمسين عاما الماضية ، تعرضت مجتمعات المسلمين لضخ مركز للفكرة القائلة بان "الغرب" يمثل كتلة معادية ، تسعى للهيمنة على العالم الاسلامي ، وتستهدف بشكل خاص القضاء على الاسلام. ولا شك ان هذه الرؤية قد ساهمت في عرقلة تطور المجتمعات المسلمة ، بل وأعادت بعضها الى الخلف ، وعمقت الهوة التي تفصلها عن الحضارة الانسانية الحديثة.
ثمة حقائق بسيطة في حاضر العالم وفي ماضيه ، من بينها ان تاريخ البشرية لم يسجل نهوض المدنية في بلد منعزل عن العالم. جميع الحضارات وتجارب التقدم السابقة – بما فيها الحضارة الاسلامية القديمة - كانت ثمرة للتفاعل بين الأمم والثقافات. وكان دوامها وتجددها مرهونا بعلاقتها التفاعلية والمنفتحة مع الآخرين.
ليس من الضروري ، وربما من غير المتوقع ، انتهاء الصراعات الدولية. لكن الصراع المدفوع بخوف على الهوية ، انتهى في كثير من التجارب الى دمار المنتصر والمنهزم معا. لأنه ببساطة يحول مضمون العلاقة من صراع على الحدود والمكانة ، الى صراع على الوجود. وفي هذا النوع من الصراعات لا يكون الانجاز والتقدم هدفا. الهدف الوحيد فيها هو تدمير الآخر كشرط للبقاء.
في العالم الاسلامي اليوم ما يكفي من مشاعر الكراهية التي نعرف انها أثمرت عن تفجر العنف في معظم بلدانه. ولا أظننا بحاجة الى المزيد من هذا.
من هنا فاني أشعر بالقلق من عودة الترويج لفكرة الصراع الديني ، والمبالغة في اعتبار تصريحات وقرارات الرئيس الامريكي الجديد او نهوض اليمين في أوربا ، إشارة انطلاق للحرب على الاسلام. مثل هذا الكلام ، بغض النظر عن النوايا الطيبة التي تبرره ، لن يضر الغرب قدر ما يضر المسلمين ، كما حصل فعلا خلال الخمسين عاما الماضية. في هذا التاريخ ما يكفي من العبر لمن أراد ان يعتبر.
الشرق الاوسط 15 فبراير 2017

19/08/2015

عودة للعلاقة بين الخطاب الديني وتوليد العنف



 كثير من الاصدقاء ازعجه مقال الاسبوع الماضي لانه – بحسب تقديرهم – برأ الخطاب الديني من توليد العنف السياسي او تبريره. والحق اني أرى مبالغة غير محمودة في اعتبار هذا الخطاب ، مولدا وحيدا او رئيسيا للتطرف والعنف. ذلك اني اميز بين توليد الفعل وبين تبريره. كما اني غير مقتنع بأن عامة الناس يعملون بتدبير مسبق على تشكيل ثقافتهم ، اي الخلفية الذهنية التي تتحكم في الاعم الاغلب من افعال الفرد وردود فعله. أقنعني البحث والتأمل في أحوال الناس بأن ذهنيتهم تتغير غالبا بعدما يتغير موقفهم من تحولات الحياة الواقعية ، او حينما يتغير موقعهم في النظام الاجتماعي.
المرحوم د. راشد المبارك
بعبارة اخرى فان دور اللغة الدينية يقتصر غالبا على توصيف او توجيه موقف اتخذه سلفا فرد او جماعة. هذا الموقف قد لايكون منشؤه دينيا ، بمعنى ان موضوعه ليس من داخل الدين ، او بمعنى انه ليس مستمدا من قيم دينية. بل استخدم الدين كعباءة لموقف شخصي او اجتماعي او سياسي او ايديولوجي.
 لا نستطيع بطبيعة الحال الحكم على من فعل هذا بانه كان حسن النية او سيء النية. بل اظن ان استخدام اللغة الدينية او التبرير الديني منشؤه في الغالب سهولة تقديمه الى عامة الناس ، او ربما غياب الفاصل بين الذات الفردية او الجمعية وبين الذات الدينية ، او اختلاط الهوية الاجتماعية بالهوية الدينية ، على نحو يلغي المسافة بين ما هو ديني وما هو شخصي. وهذه ظاهرة ملحوظة في الحياة العامة ،  سيما في المجتمعات المحافظة. ومن ابرز تمثيلاتها التي نراها كل يوم تقريبا ، ردود فعل الاشخاص على انتقاد مجتمع او جماعة دينية. حين تقول ان مجتمعا ما مثلا احتقر انسانا او انتهك حقوق الانسان ، سوف تسمع على الفور جوابا فحواه ان الاسلام ضمن حقوق الانسان او انه سبق الغرب في اقرار حقوق الانسان. المعنى الضمني لهذا الجواب هو ان المجيب افترض ان نقد المجتمع (الذات الجمعية) يعادل نقد الدين ، وان اقحام الدين في الجواب سوف يحوله من رأي شخصي الى موقف جمعي. هذا النوع من رد الفعل ليس موقفا دينيا بل اجتماعي او سياسي يستخدم لغة الدين.
الصراع ضد الحداثة هو احد نماذج استعمال اللغة الدينية في صراعات اجتماعية/سياسية. خلال سبعينات القرن العشرين عملت شخصيات وجماعات اسلامية على خلط الموقف السياسي من الدول الغربية ، بالموقف من منتجات الحضارة الغربية والفكر الانساني بشكل عام ، في سياق عمل مخطط او عفوي لبث الهمة في نفوس المسلمين. وكان السياق العام لهذا العمل هو اقناعهم بانهم يتعرضون لعدوان غاشم ، وانهم قادرون على هزيمته اذا نهضوا. هذا نوع من التعبئة الروحية استهدف الترويج لتيارات محددة ، ويبدو انه قد حقق نجاحا باهرا في الاقطار التي تفتقر للتعدد الثقافي او الحياة السياسية المفتوحة. لكننا نعلم ان هزيمة الغرب تتجاوز قدرة الداعين  اليها. فكانت نتيجة التعبئة هي تحويل الشعور بالظلم والرغبة في مقاومة العدوان ، الى ارتياب وكراهية للغرب وكل ما يرمز اليه.
يعتقد المرحوم د. راشد المبارك ان الموقف من الغرب هو احد مولدات التشدد ومن ثم الكراهية (راجع المبارك: فلسفة الكراهية). ويعتقد داريوش شايغان ان العجز عن الانتقال من الارتياب في الغرب الى استخدامه او منافسته ومن ثم تجاوزه ، كان من اسباب التأزم الداخلي في المجتمعات الاسلامية. وهو تأزم ادى الى تطبيع التصارع الداخلي الذي يشكل بيئة طبيعية للتشدد والعنف (د. شايغان: النفس المبتورة).
لازلنا اذن نتحدث عن مواقف تصاغ بلغة دينية. أوليس هذا تأكيد لمسؤولية  التيار الديني والثقافة الدينية عن توليد العنف او تبريره؟.
في رايي لا. علينا ان نفصل بين المواقف المؤسسة على ارضية القيم الدينية ، وبين استخدام اللغة الدينية كوعاء لعرض المواقف والاراء التي تمثل مصالح اجتماعية او سياسية. اعلم ان مثل هذا التمييز عسير. لكنه ضروري كي نرى الاشياء كما هي في الواقع ، بدل ان نستكين للتفسيرات المجردة ولو كانت مريحة.


الشرق الاوسط 19-8-2015
http://aawsat.com/node/432766

25/12/2012

نفوسنا المنقسمة بين عصرين



في الخلاف على الموقف من الحداثة ، مال اكثر الكتاب الاسلاميين الى موقف انتقائي يصنف منتجات  الحضارة الغربية الى تقنيات وثقافة.  ورأوا ان نأخذ بالمنتجات المادية، لانها "حديد ميت" لا ينطوي على حمولة ثقافية او روحية، ونترك الثقافة والقيم لان مضمونها او حمولتها تعارض ما نملكه من ثقافة وقيم. يبدو هذا الموقف عمليا ومعقولا عند معظم الناس. فالانسان ليس مضطرا الى الاخذ بما لا يريد، ما دام سيدفع الثمن على كل حال.

تامل قليلا في عمق هذا الخيار، وسترى انه لم يكن خيارا على الاطلاق، ولا يؤدي الغرض المقصود. لست مخيرا في الاخذ باسباب الحياة الحديثة او البقاء على الحياة السابقة للحداثة. لان هذه تلاشت تماما، ولم يعد ثمة بديل عن الحياة الجديدة . لا يسع انسان اليوم ان يستغني عن نظام الاتصالات الحديث، ولا فصل معيشته عن نظام السوق. و – بصورة اجمالية – يستحيل عليه العيش خارج اطارات الحياة الجديدة . من هنا فان قبوله بعناصرها ليس موازنة بين خيارات عديدة ، بل طريقا وحيدا لا بديل عنه.

لكن الحداثة ليست منتجات مادية فقط. انها فلسفة حياة ومنظومة خاصة من القيم واساليب العيش والعلاقة مع المحيط . اذا رضيت باستعمال المنتجات المادية ، فقد وضعت قدميك على اول الطريق. هذا القرار هو بذاته بداية انحياز الى دائرة الحداثة الفلسفية،  كما انه بنفس القدر ابتعاد عن دائرة التقاليد والمتبنيات الثقافية للمجتمع التقليدي.

هذا الانحياز متحقق فعلا في مجتمعنا ، ونرى تاثيراته في تفاصيل حياته. من المفردات اللغوية الشائعة الى تصنيف الهموم والانشغالات الذهنية والعملية ، تصور الانسان لنمط عيشه ومستقبل ابنائه ، تفكيرنا السياسي وسلوكياتنا ، نماذج الدول والمجتمعات التي نريد التعلم منها.

هذه جميعا مؤشرات على ان قبول المنتجات المادية للحداثة مجرد بوابة يعبرها الانسان – واعيا او غافلا – الى الحداثة بكل عناصرها وقيمها ونظامها الحياتي. لعل اقرب الامثلة على هذا المنحى هو الميل الشديد للدراسة في الدول الصناعية. خلال الفترة من 2007-2012 انضم 140 الف سعودي لبرنامج الابتعاث. وهو مؤشر واضح على نموذج المستقبل الذي يفكر فيه معظم السعوديين.

سواء كنا من حراس التقاليد او من دعاة الحداثة، فثمة حقيقة لا يسعنا اغماض العين دونها. حقيقة ان مجتمعنا يعيش تحولا ثقافيا وقيميا موازيا لتحولاته المادية. انكار هذه الحقيقة او اغفالها تسبب في كثير من التناقضات التي تواجهنا. هذه الغفلة جعلت واقعنا منقسما بين عصرين. حياة مادية تنتمي لعصر الحداثة ، وحياة ثقافية – روحية تنتمي لعصر التقاليد. مثل رجل يريد الابحار فيضع رجلا في السفينة والاخرى على رصيف الميناء ،  فلا هو مستقر على ارضه ولا هو متحرك نحو مقصده.

الاقتصادية الثلاثاء 12 صفر 1434 هـ. الموافق 25 ديسمبر 2012 العدد 7015
http://www.aleqt.com/2012/12/25/article_719673.html


مقالات ذات علاقة
 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

تعقيبات على الكتاب
الحداثة باعتبارها حاجة دينيّة وواجباً أخلاقياً "عرض لكتاب الحداثة كحاجة دينية"

27/02/2008

الشيخ القرني في باريس


|| الايمان بفردانية الفرد وحريته وتساويه مع غيره في القيمة والعقل ، هو الذي مكن عقل الانسان الغربي من التفكير الحر والتخيل والتأمل وتحدي المجهولات ، فحوله الى مبدع ||

 

قبيل منتصف القرن العشرين ، قيل للامام يحيى حميد الدين امام اليمن السابق ، ان فلانا وفلانا من ضباط جيشه يميلون للشيوعية ويدعون اليها، فطلب ارسالهم الى موسكو في دورات تدريبية. وفرح الضباط الشباب بهذه النعمة غير المتوقعة. وضحك الامام في سره لما عرف انه سيأتي في قادم الايام.

وانتهت القصة بسفر الشباب مدفوعين بالامال العريضة والفرح، ثم عودتهم محملين بخيبة الامل مما رأوه على ارض الواقع.

قصة الشيخ عايض القرني في باريس تحمل نفس الروح، وان جاءت على عكس ما حصل لضباط الامام يحيى.

الشيخ عايض القرني

في احاديثه السابقة تحدث الشيخ عن حياة تشبه حياة البهائم يعيشها انسان الغرب، مقارنة بالحياة الفاضلة التي يعيشها قومنا في ديار الاسلام.

وفي مقالته الاخيرة عن رحلته الى باريس تحدث بعكس ذلك تماما: حياة فاضلة يعيشها انسان الغرب مقابل حياة تشبه حياة البهائم يعيشها العرب. والحق ان كلام الشيخ اليوم مثل كلامه بالامس، ثمرة انفعال باللحظة، بعيدا كل البعد عما ينبغي لصاحب الفكر من التأمل في الاشياء والسعي للكشف عما وراء قشرتها الخارجية.

ويظهر ذلك جليا في استنتاجه بان "المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا". ولو اعاد قراءة مقاله قبل نشره، فلربما اعاد النظر في هذا الاستنتاج.

فالذين امتدح اخلاقهم في باريس لم يصبحوا بالجمال الذي وصفه بعد تطبيقهم للشريعة، بل لأن "الحضارة ترقق الطباع" كما قال اولاً.

والحضارة التي رآها هناك ليست الشوارع الواسعة ولا البنايات الضخمة ولا السيارات الفخمة، ولا الفترينات الانيقة، فعندنا من هذه خير وزيادة. اول الحضارة هي تنوع الافكار والثقافات وحرية النقد والفصل الحازم بين المعرفة والسلطة الاجتماعية.

وثانيها هو المبالغة في قيمة الانسان الفرد، واعتباره كفؤا مستقلا متمايزا بعقله.. وثالثها هو الحماية القانونية للحريم الشخصي للفرد، اي المجال الذي يتمتع فيه بحرياته الخاصة التي هي جوهر وجوده كانسان، مثل حرية التفكير والتعبير، وحرية التملك والتنقل والعمل. هذا الحريم هو المجال الذي يسمح للفرد بتحقيق ذاته والاستمتاع بوجوده ككائن أعلى من بقية ما في الكون. وهو حريم ينبغي حمايته ضد اي تدخل او خرق لأي مبرر ديني أو أخلاقي أو سياسي أو سواه.

الايمان بفردانية الفرد وحريته وتساويه مع غيره في القيمة والعقل، هو الذي مكن عقل الانسان الغربي من التفكير الحر والتخيل والتأمل وتحدي المجهولات، فحوله الى مبدع. كما ان الضمان القانوني لحريمه الشخصي وحريته المطلقة ضمن هذا الحريم، هو الذي مكن انسان الغرب من تحقيق ذاته والاعتزاز بكفاءته، واغناه عن الاعتزاز بالقبيلة والجماعة والجنسية والبطولات المتوهمة، فاصبح من بعدها انسانا مكتملا بقطع النظر عن أصله.

الفرد الذي يؤمن بكماله الذاتي وكونه كفؤاً، يعرف ان هذه الاوصاف ثابتة له اذا اثبتها لغيره، فتساويه مع الغير مشروط بتساوي اولئك معه، وحقوقه الفردية جميعا مشروطة بتمتع جميع الناس غيره بنفس الشريحة من الحقوق.

 لا يجادل أحد حول فائدة تطبيق الشريعة، لكننا جميعا نجادل في تفاصيل التطبيق وكيفيته وشروطه والقائمين عليه، والحق ان بلادنا وكثيرا من بلاد المسلمين لم تتخل عن تطبيق الشريعة في اي وقت، لكنها مع ذلك لم تصل الى ما وصل اليه اهل باريس وغير باريس ممن رآهم الشيخ القرني وممن لم يرهم.

تبدأ الحضارة بالانسان، وتتواصل مع الفكر، وتتعمق مع العلم، فتصل أخيرا الى الانسان اللين المتسامح الحريص على اداء الواجب، الذي يشعر بقيمته وقيمة الاخرين المساوية له، قيمته كانسان وقيمتهم كاعضاء في المجتمع الانساني، قبل ان يكونوا مسلمين او عربا او حملة جنسية محددة او ابناء قبيلة او مذهب محدد.

فيما مضى ذهب الشيخ القرني الى امريكا وبريطانيا داعيا، متحدثا من فوق، ناظرا الى من دونه كمساكين يفتقرون لما يملكه، وذهب اليوم الى باريس محتاجا فنظر اليهم كأناس يملكون ما يفتقر اليه، فوجد فيهم ما لم يجده في زياراته السابقة.

تمنيت لو ان الشيخ وربما بقية المشايخ ذهبوا الى بلاد العالم سياحا لا دعاة، والتقوا بأهل تلك البلاد لا بمن هم على شاكلتهم، عندها سيرون في العالم غير ما عرفوه وسيكشفون حقائق ما خطرت على بالهم، ولعلهم من ثم يجدون ان ما يقوله معارضوهم هنا ليس ثمرة انبهار بحضارة الغالب، ولا هو توهم او خيال، ولا هو تنفيس عن عقد نقص، بل هو معرفة جديدة توصل اليها هؤلاء وتأخر عنها أولئك .

  صحيفة عكاظ 27 فبراير 2008  https://www.okaz.com.sa/article/166529

مقالات ذات علاقة


26/02/2005

من أجلنا لا من اجل بوش


دعوة الرئيس الامريكي الاسبوع الماضي الى دعم مسيرة الديمقراطية في العالم الثالث ، وفرت فرصة للحديث المكرور عن فرض الديمقراطية من الخارج ، والنفاق الامريكي في دعوة الدول النامية الى رعاية حقوق الانسان ، بينما يخرق جنودها ابسط حقوق السجناء في العراق وافغانستان وكوبا الخ..
جورج بوش
ولا شك ان سجل الحكومة الامريكية في مجال حقوق الانسان داخل بلادها ليس سيئا ، بالقياس الى سجلها الخارجي الذي لا يمكن امتداحه بأي حال. لكن ما ينبغي الاهتمام به هو وضع حقوق الانسان في مجتمعنا العربي وليس في اميركا. اذا كانت اميركا سيئة فلتذهب الى الجحيم ، لكن ماذا عنا نحن العرب هل نذهب الى الجحيم ايضا, ام نسعى لاصلاح حالنا بغض النظر عما يقوله الامريكيون وما يفعلونه.
المسألة ببساطة تدور حول واحد من احتمالين :
 اما ان حقوق الانسان في المجتمعات العربية مرعية او انها ناقصة. اذا كانت مرعية فليكشف العرب ذلك للعالم وليدعوا القاصي والداني كي يراها في الأنظمة والقوانين والاعلام.
 اما اذا كانت ناقصة فليقولوا الحقيقة لانفسهم وللعالم. كثير من مجتمعات العالم - ومن بينها المجتمعات الغربية جميعا - لا تخجل من الاقرار بأن حقوقا معينة تهدر او تنتهك لمبررات امنية او اقتصادية او ثقافية او غيرها, او لقصور على المستوى القانوني او الاجتماعي.
حقوق الانسان ليست مجرد عنوان, بل هي منظومة من المفاهيم والمعايير وطرق العمل التي ينبغي ان تحترم بشكل تفصيلي. ولكي يتحقق هذا الاحترام فانه يجب الاقرار بضرورتها, ثم وضع القوانين ولوائح العمل التي تعرفها وتحدد كيفية رعايتها, واخيرا تحديد الوسائل القانونية لتمكين عامة الناس من التظلم والشكوى اذا تعرضت حقوقهم للهدر والانتهاك.
قبل بضعة ايام احتفلت بعض الصحف العربية ، بقرار مجلس اللوردات البريطاني الذي الغى قانونا اقره البرلمان ، يسمح باحتجاز المتهمين بالارهاب دون محاكمة ، ولفترة غير محددة. ألغي القانون بناء على شكوى من سجين مسلم قال ان احتجازه دون محاكمة ، ينطوي على خرق لحقوقه الانسانية. وجادلت الحكومة بأن القانون ضروري للوقاية من اعمال ارهابية وشيكة. لكن مجلس اللوردات قرر ان هذا لا يبرر التغاضي عن حق المتهم في الحرية او الدفاع عن نفسه امام المحكمة. وقد ادعت الحكومة ان لديها ادلة كافية للادانة ، لكنها لا تريد عرضها امام المحكمة خشية انكشاف مصادرها الامنية. فأجابها المجلس بأن عليها في كل الاحوال ان تكشف تلك الادلة ، لتمكين المتهم من الطعن فيها.
وقد جرت عادة بعض العرب على العودة الى مكتبتهم ، كلما اثير موضوع حقوق الانسان ، واستخراج القصص التاريخية عن رعاية الاسلام لحقوق الانسان ، بما يُوازي ما يفعله الغربيون ويزيد. لكنهم ينسون - عادة - ان هذا كله كلام لا علاقة له بالموضوع ، لان المتهم بهدر حقوق الانسان ليس المجتمع الذي عاش في القرون الغابرة ، بل مجتمع المسلمين المعاصر ، بمن فيه من موجهين ومثقفين ومفكرين ودعاة ، واصحاب نفوذ وآباء وأمهات وأفراد.
قضية حقوق الانسان هي ابرز التحديات التي تواجه المجتمعات العربية في هذا الوقت. وسواء امتدح العرب الآخرين او قدحوا فيهم ، فان رأيهم لا ينبغي ان يكون مدار الاهتمام. يجب ان يتركز اهتمام العرب على ضمان هذه الحقوق لكل مواطن ومقيم. انه حق ثابت لكل انسان ، لا يستطيع احد ، قانونياً كان أو فقيها او تاجرا او شيخ قبيلة او زعيم حزب او مفكرا ، ان ينكره عليه. اذا اراد بعض الناس ان يتنازلوا عن حقوقهم فذلك شأنهم. لكن لا يجوز في اي حال ان نحرم احدا حقوقه رغما عنه.
من الجدير بالعرب ان يعيدوا النظر في الكثير من القوانين والتعليمات والممارسات التي تهدر فعليا حقوقا اولية واصلية للانسان ، في معيشته أو حياته.. الخ. واول الطريق الى هذه الغاية هو فسح المجال امام النقاش الحر بما يتضمن من نقد واقتراح للبدائل. المجتمع الذي يتمتع فيه الناس بحقوقهم وحرياتهم اقدر على الصمود امام التحديات والتهديدات, وهو اقوى على احتواء المشكلات والتوترات. تجربة العالم خلال القرن العشرين تكشف ان حركة المجتمع نحو التقدم العلمي والاقتصادي والتحرر من وصاية الآخرين لاتكتمل إلا إذا شعر افراده بان حقوقهم مصانة.
  - « صحيفة عكاظ » - 26 / 2 / 2005م  

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...