‏إظهار الرسائل ذات التسميات العراق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العراق. إظهار كافة الرسائل

31/01/2018

فتاوى الانتخابات


لفت انتباهي هذا الأسبوع بيان للشيخ فاضل المالكي، وهو فقيه معروف في العراق، صِيغ بلغة خشنة، وتضمن «حُكماً» بحرمة المشاركة في الانتخابات العراقية المقررة في مايو (أيار) المقبل. قال الشيخ في بيانه: «نحكم بوجوب مقاطعة هذه الانتخابات بل وحرمة الحضور في مراكزها». أما سبب هذا الحكم الحاسم، فهو إهمال الحكومة لمقترحات قدمها الشيخ في وقت سابق، الأمر الذي يلغي شرعيتها.
الفكرة ببساطة أن الشيخ أعطى لنفسه صفة الناطق باسم الدين أو «الحاكم الشرعي» حسب التعبير الفقهي. وقد استعمل تعبير «الحكم» بدل الفتوى لتأكيد هذا المعنى. يعرف أهل الاختصاص أن الفقيه يعرض رأيه بطرق ثلاث: البيان الإرشادي الذي لا يلزم أحداً، والفتوى التي تلزم مقلديه دون غيرهم، والحكم الذي يلزم الجميع. ولا يصدر «الحكم» إلا شخص منحه المجتمع صفة الحاكم الشرعي (كالقاضي ورئيس البلد مثلاً). وحسب الرأي المتعارف في الفقه التقليدي، فإن للحاكم الشرعي أن يأمر الحكومة والشعب وينهاهم، ويتوجب عليهم التسليم بما يطلبه، وإلا فهم آثمون.
نعلم أن المجتمع العراقي لم يمنح الشيخ صفة «الحاكم». ولذا فهو لا يتمتع بالأهلية اللازمة لإصدار أحكام ملزمة في القضايا العامة. إن المبرر الوحيد الذي يسمح بإصدار حكم من هذا النوع، هو على الأرجح اعتقاد الشيخ بأنه يملك الحقيقة الدينية، أي الرؤية الوحيدة الصحيحة للمصالح الراجحة في نظر الشارع.
ذكرت هذه المسألة بالخصوص طمعاً في توجيه اهتمام القارئ إلى مسألة لطالما نوقشت على أرضية غير محايدة، أعني بها طبيعة العمل السياسي. موضوع السياسة هو المصالح العامة، التي تتولى الحكومة تشخيصها وإدارتها نيابةً عن الشعب. تشخيص المصالح وموضوعاتها، أمور عقلانية يقوم بها أهل الاختصاص وهم السياسيون ومن معهم من أهل المعرفة، كلٌّ في مجاله.
يمكن للفقيه أن يعلن رأيه الخاص في تلك المصالح، وله أن يدعو الناس إلى اتباعه. لكنه لا يملك الحق في اعتبار رأيه حقيقة وحيدة، ملزمة للجميع. كما لا يملك الحق في تصوير مخالفته كإثم يستدعي غضب الله.
رأي الفقيه هو فهمه الخاص لمراد الشارع وليس عين مراد الشارع، فهذا ما لا يعلمه غير الله سبحانه. وموقعه كفقيه لا يؤهله لفرض هذا الرأي على ممثلي الشعب في البرلمان أو الحكومة. لأن ممارسة الحكم والعمل في الحكومات الحديثة ليست موضوعاً دينياً. وشرعية قيام أهل الحكم بعملهم، ليست رهناً بانسجام أعمالهم مع رأي هذا الفقيه أو ذاك. شرعية الحكم مستمدة من مصدرين: أولهما التزام الحكومة بالقانون الأساسي، وهو بمثابة عقد بين المجتمع والدولة، وثانيهما رضا العامة المعبَّر عنه بطريقة نظامية كما في الانتخابات العامة.
ثمة فقهاء وحركيون يصنِّفون السياسة والحكم كموضوعات دينية. وفيهم من ينكر حق العقلاء في تعريف المصالح، بناءً على رأي لقدامى الإخباريين، فحواه أن الشارع هو الذي يعرف المصالح والمفاسد وليس العرف. لكن هذا القول متروك عند غالبية الإسلاميين.
أكتب هذا للتنبيه إلى أن إصرار الفقيه على تصوير رأيه كحقيقة وحيدة، وإنكار حق الناس في اختيار ممثليهم، قد أدى فعلياً إلى ابتذال العمل الديني وتضييق السبل أمام المسلمين، وقد ينتهي إلى امتهان الدين الحنيف.
خير للفقيه أن يحصر همّه في مجال اختصاصه، وأن يتجنب المواقف التي توحي بالرغبة في الهيمنة والتحكم. فهذا –فوق كونه خطأ في ذاته– مستحيل في عالم اليوم. ولا ثمرة فيه سوى إبعاد الناس عن سبيل الله.

الشرق الاوسط الأربعاء - 14 جمادى الأولى 1439 هـ - 31 يناير 2018 مـ رقم العدد [14309]
http://aawsat.com/node/1159781


مقالات ذات علاقة

حدود السياسي وحدود الايديولوجي ، تشابك الخارج والداخل

خاتمي وفكرة توطين الديمقراطية

هل الديموقراطية فعلاً بضاعتنا التي رُدَّت إلينا؟

 هل تتلاءم الثقافة الإسلامية مع الديموقراطية؟



 

11/10/2017

الخيارات المتاحة بعد استفتاء كردستان


العراقيون والاتراك والايرانيون يحذرون من "اسرائيل ثانية" اذا تحولت كردستان العراق الى دولة مستقلة. وهذا حكم لا يخلو من مبالغة. لو أردنا وضع كل الاحتمالات على الطاولة ، فمن الممكن ان تصبح كردستان اكثر خطورة من اسرائيل. ان قيام "اسرائيل ثانية" محتمل فقط اذا تناسى السياسيون الحكمة الضرورية في ادارة الازمة. ان قيام دولة كردية وسط عداء شديد في المحيط الاقليمي ، سيجعلها مصدر تأزيم للهويات القومية والمذهبية ، قد يشعل صراعات تعصف بالخرائط السياسية ، ليس في الشرق الأوسط فحسب ، بل في وسط آسيا أيضا. وليس من المستبعد ان يتغير مشهد الصراع العربي – الاسرائيلي على نحو دراماتيكي غير مسبوق.
يمكن ان نعتبر هذا الاحتمال سيناريو اسوأ الاحتمالات. وهو ممكن اذا قرر الجيران ، سيما تركيا وايران ، حل المشكلة بالتدخل العسكري المباشر. لكنه ليس الاحتمال الوحيد ولا هو الأقرب للمعطيات المتوفرة اقليميا ودوليا.
السيناريو الآخر ، الذي يمكن اعتباره احسن الاحتمالات ، ينطوي على عملية سياسية تحقق ما أظنه الهدف المركزي للنخبة السياسية الكردية ، اي تحويل الوضع القانوني لكردستان العراق من اقليم فيدرالي الى كونفدرالي. الكونفدرالية اتحاد بين دولتين مستقلتين من حيث المبدأ ، يتمتع كل منهما بتمثيل دولي واستقلال مالي وإداري. حدود الاستقلال وموضوعاته يمكن ان تتقرر في اتفاق ثنائي ، مدعوم بضمانات دولية.
تمثل الدولة الكردية المستقلة حلما عزيزا وقديما نسبيا لكافة الأكراد ، بمختلف انتماءاتهم ومواطنهم. وترجع أولى التجليات السياسية لهذا الحلم الى معاهدة سيفر في 1920 حين أقرت تركيا والدول الأوروبية بحق الاكراد في استفتاء لتقرير مصيرهم. وقدم الوفد الكردي الى تلك المحادثات ، ما أظنه أول خريطة للحلم الكردي ، تشمل الاقاليم الكردية في ايران وتركيا والعراق وسوريا.
https://c1.staticflickr.com/4/3116/2636365078_8009bcec55.jpg
صحيح ان تلك المعاهدة قد الغيت ، وتم تجاهل الوعد المقدم للاكراد. لكن المهم في المسألة ان الحلم والهوية ، قد وجدت أرضا محددة تتجلى فيها. الارض المرتبطة بالحلم هي العتبة الفاصلة بين التاريخ والسياسة ، بين الثقافة والصراع ، هي نقطة انقلاب الهوية الى مضمون ومحرك لقضية سياسية.
لا شك ان إصرار السيد مسعود البرزاني على الاستفتاء قد رفع مكانته من زعيم لبعض أكراد العراق ، الى ممثل للحلم القومي لجميع الأكراد. وكان لافتا ان جميع معارضيه قد أعلنوا تأييدهم للاستفتاء ، لأنهم ببساطة يعلمون ان معارضة الاستفتاء تساوي الانتحار السياسي.
زبدة القول ان مواجهة الدعوة للاستقلال بالتهديد والوعيد والخنق الاقتصادي ،  كما يجري الآن ،  قد تفلح في تحسين شروط التفاوض مع حكومة الاقليم. لكن المفاوضات لن تعيد عقارب الزمن الى ما قبل 25 سبتمبر. سيحصل أكراد العراق دون أدنى شك على وضع قانوني افضل مما لديهم اليوم.
ومع الأخذ بعين الاعتبار ما أظنه حقيقة جيوبوليتكية في طور التشكل ، فان الطريق الاكثر عقلانية لحكومة العراق ، هو وضع مخطط للتفاوض يستهدف الوصول الى نقطة متوسطة بين الفيدرالية والكونفدرالية. وأعتقد ان المجتمع الدولي يميل الى خيار كهذا وليس أدنى منه ولا أعلى. 
أما تركيا وايران وسوريا ، فهي بحاجة الى معالجة عاجلة وجذرية لوضع محافظاتها ذات الاكثرية الكردية ، باتجاه منحها نوعا من الحكم الذاتي وتعزيز التنمية الاقتصادية ، لتحييد المطالبة بالانفصال.
ما جرى ليس حدثا بسيطا ولا يصح التساهل فيه.  كما أن الظرف لا يسمح بحلول خشنة. مع ان جميع الخيارات المتوفرة مريرة جدا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 21 محرم 1439 هـ - 11 أكتوبر 2017 مـ رقم العدد [14197]
https://aawsat.com/home/article/1048696/

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...