‏إظهار الرسائل ذات التسميات السعودية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السعودية. إظهار كافة الرسائل

03/05/2017

الحق في ارتكاب الخطأ

 في مقالة قصيرة نشرها يوم الاثنين الماضي ، أثار المحامي المعروف عبد الرحمن اللاحم ، مسألة استقلال الفرد ومدى سلطة المجتمع والقانون على حياته الشخصية. والمقالة جزء من جدل اجتماعي واسع حول الحق في الترفيه ، ومن ضمنه ذلك الذي يعتبر عند بعض شرائح المجتمع خاطئا او غير ذي أولوية.
للوهلة الأولى بدا ان محور الجدل هو التجويز الشرعي لعقد المناسبات الترفيهية والمشاركة فيها. لكنه في حقيقته العميقة متعلق بحق الانسان في ارتكاب الخطأ.  ولطالما تجادل الفلاسفة حول سؤال: هل يستطيع الانسان تحديد ما هو خير له وما هو شر.
تميل الثقافات التقليدية عموما الى اعتبار عقل الانسان قاصرا عن تشخيص المصالح والمفاسد. ولذا فهو بحاجة الى معلم ورقيب. هذه الرؤية قديمة في التفكير البشري ، وتحدث عنها ارسطو بصورة مفصلة في شرح نظريته الاخلاقية ، وقرر ان مهمة الدولة هي تعليم الرجال معنى السعادة وكيفية بلوغها. ومال كثير من قدامى المتكلمين المسلمين الى ان النقص الطبيعي في الانسان هو المبرر الرئيس للولاية عليه.

لكن منذ أواخر القرن السابع عشر ، مالت الفلسفة الى منحى معاكس ، يؤكد على أهلية الانسان لتشخيص الخير والشر اعتمادا على عقله المنفرد. وانه – لهذا السبب – حر في حياته ، مسؤول عن أفعاله. ولولا أهليته لتمييز الصواب والخطأ ، لما جاز محاسبته على أفعاله.
يطرح التقليديون مجادلة مقنعة في العادة لمستمعيهم ، فحواها ان الخطأ محتمل من الانسان ، وهو يتأثر بالغرائز والشهوات ، فضلا عن غواية الشيطان ، فلا يبعد ان يقع في الخطأ مرارا وتكرارا. ولو استمع لأمر المرشد الناصح قبل الاقدام على أي فعل ، لما انزلق في الأخطاء. فأيهما خير للانسان: أن يستمع دائما الى قول مرشده قبل الاقدام على أي فعل ، ام يتجاهل المرشد ، ويتصرف حسب إملاءات عقله القاصر ، المتأثر بالغرائز والشهوات وتزيين الشيطان؟.
واضح ان مستمعي هذه المجادلة ، سيميل أغلبهم الى الخيار الأول ، اي كبح عقله والاتكال على عقل المرشد.
-         فماذا لو قلت ان الخيار الثاني هو الصحيح ، رغم انه يؤدي أحيانا الى ارتكاب الأخطاء؟
 ثمة عشرت الادلة على هذا القول. لكن ابسطها هو مشكلة الدور. اذا كان النقص وارتكاب الخطأ جزء من طبيعة البشر ، فماذا عن المرشد.. اليس انسانا يحمل هذه الصفة؟. بديهي ان النقص يصيب العمل كما يصيب التفكير والتصور ، فما الذي يقيه من ارتكاب الخطأ في التفكير والارشاد.
لكن دعنا من الجدل الفلسفي ، ولننظر في التجربة الواقعية للبشر. هذا التقدم الهائل في العلوم والفنون ، الم يصنعه البشر الخطاؤون؟. فما هي انجازات المرشدين والمسترشدين في المقابل؟.
هل لانجازات الخطائين تلك ، قيمة معنوية واخلاقية ، ام انها بلا قيمة. هل يمكن للانسان ان يتعلم ويتقدم من دون تجربة الخطأ والصواب. هل يصح قصر التفكير والتجربة على شريحة محددة من المجتمع ، ام هو دور يقوم به جميع الناس؟.
زبدة القول اذن ان الحق في حرية التفكير يعادل في جوهره الحق في ارتكاب الاخطاء وتحمل المسؤولية عنها.
 حياة الانسان ليست سوى تجربة مستمرة من الافكار الصحيحة والخاطئة ، والافعال الصحيحة والخاطئة. وان ايقاف هذه التجربة يعادل ايقاف العقل ، وتحويل الانسان الى مجرد آلة مبرمجة خالية من الروح وعاجزة عن الحياة المستقلة. فهل يود أحد ان يعيش حياة كهذه؟.
 الشرق الاوسط 3 مايو 2017   http://aawsat.com/node/917211


18/05/2016

الطريق الى 2030

اكثر ما أثار اهتمامي في (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) هو تأكيدها على أننا نستطيع التغيير ، وأننا قادرون على صنع مستقبل أفضل من حاضرنا.

ركزت وثيقة الرؤية على الجانب الاقتصادي. وهناك بالطبع قضايا عديدة تشكل اجزاء ضرورية لبرنامج  التحول في معناه الشامل ، أهمها في ظني اربعة:
أ)  ترسيخ سيادة القانون وجعله سقفا فوق الجميع وحاكما على الجميع دون تمييز. هذا يعني بشكل محدد التقليص المنتظم للسلطات الشخصية للاداريين ، وتمكين عامة الناس من الرجوع دوما الى نصوص قانونية واضحة وثابتة. سيادة القانون وثباته عامل حيوي لتحفيز الاستثمار وتعزيز الأمل في المستقبل. تتطلع وثيقة الرؤية الى زيادة الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى 5.7% واستثمارات القطاع الخاص الى 65% من الناتج القومي الاجمالي. ونعلم ان هذا غير قابل للتحقق من دون تخفيض معدلات المخاطرة التي يتسبب فيها عدم استقرار القانون ، او عدم حاكميته على الميول الشخصية للاداريين.
الشفافية التي تم التأكيد عليها في وثيقة الرؤية ستجد معناه الكامل اذا ترسخت سيادة القانون. العلنية والشفافية تمكن الناس من الحصول على المعلومات الضرورية للمنافسة العادلة ، وهي بالتاكيد تساعدهم على كشف خيوط الفساد واستغلال السلطة. لكن مجرد توفر المعلومات لا يكفي لقيام منافسة عادلة. القانون القوي والمهيمن على الجميع ، هو الذي يحمي حقوق جميع الاطراف ، أيا كانت مراكزهم او سلطاتهم.
ب)  مبدأ سيادة القانون يبدو أكثر ضرورة في المجتمعات التي تهيمن التقاليد على ثقافتها العامة ونظامها الاجتماعي. وقد رأينا هذا بوضوح فيما يخص حقوق النساء. اني اتفهم ميل السياسيين الى تأجيل الاستحقاقات المكلفة سياسيا. لكني أخشى ان نتغافل عن مواجهة الحقيقة الكبرى ، حقيقة ان اي مستقبل مختلف رهن بالتحرر من التقاليد المعطلة. اني واثق من ان قادة البلاد وصناع القرار يدركون الثمن الذي يدفعه المجتمع والاقتصاد بسبب التردد في حسم قضايا مثل "قيادة المرأة للسيارة". وهم بالتأكيد يعرفون ان اقتصاد المملكة يخسر ما لا يقل عن 30 مليار ريال سنويا على شكل تحويلات خارجية وتعطيل وفقد جانب من قوة العمل وكلف أضافية مرتبطة جميعا بعدم تمكين النساء من قيادة السيارات. اني واثق انهم يتطلعون الى يوم ننتهي من هذا كله ، ويعود النصف المعطل من المجتمع الى المساهمة الكاملة في الحياة العامة والاقتصاد الوطني. ولهذا ادعو بكل احترام الى تحديد موعد للافراج عن هذا الحق ، كجزء من رؤية موسعة للتحرر من التقاليد المعيقة ، وجعل القانون الواحد والعادل مرجعا وسقفا للجميع ، رجالا ونساء ، حكاما ومحكومين.
ج ) المفهوم الحديث للدولة ينظر اليها كجهة تخطيط وإدارة ، هدفها مساعدة المجتمع على تحسين حياته. المجتمع هو العنصر الرئيس والمستهدف في كل السياسات والقوانين. لكن فكرة "التحكم" هي المهيمنة على ذهنية الاكثرية الساحقة من الاداريين ، وفحواها ان كل شيء ممنوع مالم يوافق عليه جهاز حكومي ما. هذا المفهوم العتيق أشد عوامل التعطيل أثرا وأكثرها اساءة لعلاقة المواطنين مع الاجهزة الرسمية.
إني اخشى جديا من تعطيل المبادرات الخلاقة التي اعلنتها رؤية المملكة 2030 او تفريغها من محتواها ، اذا لم نعالج تلك الذهنية العتيقة ، اذا لم نرسخ مفهوم ان الاصل في كل شيء انه مباح ومسموح ما لم يكن ثمة قانون ينظمه او يمنعه. لهذا ادعو قادة البلاد الى التأكيد المكرر على هذا المبدأ ، كي لا تتعطل مشروعات التطوير ، لأن مديرا قصير النظر هنا او ضيق الأفق هناك لم يجد في أوراقه لائحة تقول ان تلك المبادرة مسموحة او مباحة.
د ) أكدت وثيقة الرؤية على تدعيم قنوات التواصل بين الاجهزة الحكومية والمواطنين ، ومشاركة المجتمع في المسؤولية عن نفسه ومستقبله. دعونا نتقدم خطوة اخرى الى المشاركة الشعبية المنظمة في الشأن العام ككل ، في القرار السياسي والاقتصادي وكل شأن آخر يتعلق بمجموع الناس ، حاضرهم ومستقبلهم. المشاركة الشعبية المنظمة من خلال المجالس المنتخبة  ، والمشاركة الشعبية من خلال منظمات المجتمع المدني وحرية التعبير المصونة بالقانون هي القناة الاوسع لتحمل الشعب المسؤولية الكاملة عن وطنه ، وهي الاداة الفعالة لتعزيز قوة الدولة وتحسين كفاءة الخدمات العامة.
بلادنا قادرة بعون الله على مواجهة تحديات حاضرها وصناعة مستقبلها عبر التعاون الفعال بين المجتمع والدولة. وكل ما نحتاجه هو فتح قنوات المشاركة والتواصل. رؤية المملكة 2030 التي أعلنت يوم الاثنين المنصرم خطوة أولى كبيرة ، نأمل ان تليها خطوات تعزز الأمل وتفتح أبواب المستقبل.
الشرق الاوسط 18 مايو 2016 http://aawsat.com/node/643041

27/01/2016

حول برنامج التحول الوطني

بحوث التنمية الحديثة ، تجمع على استحالة تحقيق نمو متوازن ومستدام ، دون الانخراط الفعال للمجتمع في سياسات التنمية وبرامجها.

كان برنامج التحول الاقتصادي الوطني موضوعا لمناقشات عديدة ، في الصحافة السعودية خلال الأيام الماضية ، رغم انه لم يعلن رسميا.  تناقش هذه المقالة فكرة التحول في عمومها. وتؤكد على أهمية المشاركة الأهلية في استراتيجيات العمل التي يتضمنها اي برنامج من هذا النوع.


ينبغي الاشارة اولا الى انطباع عام ، فحواه ان البرنامج العتيد يمثل نوعا من الاستدراك او التعديل ، على خطط التنمية الخمسية التي تبنتها المملكة منذ العام 1971. واذا صح هذا التقدير فانه من الضروري ايضاح الاسباب التي أوجبت ذلك الاستدراك او التعديل. تنطوي الاسباب بطبيعة الحال على قراءة نقدية للنتائج التي أثمرت عنها خطط التنمية طوال الاربعين عاما الماضية. ليس من أجل جلد الذات ولا توجيه الاتهام الى احد بعينه ، بل من أجل فهم المسار والاهداف على نحو أوضح.

أشير أيضا الى عامل التوقيت. فالفهم العام يميل الى اعتبار البرنامج واحدا من المعالجات التي أملتها ظروف الانكماش الاقتصادي الراهن. ينصرف هذا الفهم – اذا صح – الى الظن بأن البرنامج يستهدف توفير مصادر دخل بديلة عن تصدير البترول الخام ، او تقليص النفقات الحكومية الحالية. ان توضيح هذا الجانب ضروري لتقييم السياسات التي يفترض ان يحتويها البرنامج المذكور ، اي اختبار ما اذا كانت تؤدي حقيقة الى هذه الغاية ام لا.

نحن بحاجة الى توضيح هاتين المسألتين ، من أجل اقناع المجتمع بالمشاركة الفاعلة في عملية التحول. ويحسن القول في هذا المقام ان خطط التنمية الخمسية التسع السابقة  لم تلحظ هذا الجانب. فكأن واضعي تلك الخطط افترضوا تحميل الدولة أعباء التنمية بكاملها. ونعلم ان بحوث التنمية الحديثة ، سيما في العقدين الماضيين ، تتفق جميعا على استحالة تحقيق نمو متوازن ومستدام ، من دون الانخراط الفعال للمجتمع في سياسات التنمية وبرامجها.

التنمية في مفهومها الحديث تتجاوز تمويل المشروعات وانشاء البنى التحتية ، الى خلق مصادر جديدة ، مادية وتقنية ، تتعدد وتتنوع على نحو يستحيل على جهة واحدة تحديدها سلفا واستيعاب ابعادها. المجتمع ككل ، هو البيئة الطبيعية لظهور وتبلور هذه المصادر. الامر الذي يوجب على مؤسسات التخطيط استنهاض هذه الطاقة الكامنة وتفعيلها ورعاية تطورها وربطها بدائرة الاقتصاد الكلي.

المثال الذي يضرب في هذا السياق هو اقتصاد المعرفة ، الذي ظهر في السنوات الاخيرة ، وتحول سريعا الى مولد رئيس للصادرات وفرص العمل ، ومحركا للنمو التقني. مشروعات مثل الهواتف الذكية من شركة ابل  ، والمتاجر الالكترونية مثل امازون ، والبوابات الالكترونية مثل غوغل الامريكي وعلي بابا الصيني ، أضافت عشرات المليارات من الدولارات الى الدخل القومي لبلدانها ، لكنها – فوق ذلك - ساهمت في تسريع التطور التقني الذي خلق ملايين من الوظائف الجديدة. لم يكن اي من هذه المشروعات حكوميا ، ولا بدأ بدعم حكومي ، بل كان ثمرة لابداع الناس وتوفر الحاضن الاجتماعي المناسب لهذا الابداع ، مع الدعم والاحتضان الرسمي في وقت لاحق. مثل هذه المشروعات وفرت للدولة ما لم تستطع توفيره اجهزتها ، رغم انها لم تنفق عليه اي شيء تقريبا.

استنهاض الطاقات الكامنة في المجتمع سيريح الدولة من نفقات كثيرة ، لكنه ايضا سيحول المجتمع من عبء على نفسه وعلى الدولة ، الى شريك في حل مشكلاته. وهذا من أبرز أغراض التنمية البشرية التي يتحدث عنها عالم اليوم.

الشرق الاوسط 27 يناير 2016

http://aawsat.com/node/553681/

  مقالات ذات علاقة

ظرف الرفاهية واختصار الكلفة السياسية للاصلاح

العدالة الاجتماعية كهدف للتنمية

 العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص

العلاقة الاشكالية بين السوق والسياسة

قرش الخليج الابيض

كي نتحول الى دولة صناعية

كي نتخلص من البطالة

متى تملك بيتك؟

المجتمع السري

معالجة الفقر على الطريقة الصينية

من دولة الغلبة الىمجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

نحو نماذج محلية للتنمية

النموذج الصيني في التنمية

هل نحتاج حقا إلى طريق ثالث ؟

13/01/2016

واتس اب (1/2) أغراض القانون


|| غرض القانون هو تمكين عامة الجمهور من التمتع بحياتها وتحقيق حاجاتها في إطار القانون، وليس محاصرة الأقلية الفاسدة، ولو أدى الى محاصرة الأكثرية الصالحة معها||


ربما ترغب ايضا في قراءة واتس اب – 1 عتبة البيت


نشرت صحيفة مكة (6 يناير 2016) حديثا للمحامي عمر الجهني ، فصل فيه الحمولة القانونية لما يتداوله الناس على اجهزة الهواتف الذكية ، سيما عبر برنامج التواصل الشهير "واتس اب". وقد انشغل الناس كثيرا بالعقوبات التي ذكرها المحامي. وهي في المجمل غير واقعية ولا معقولة. تلك العقوبات ليست موضوع هذه المقالة. بل الارضية التي يبنى عليها القانون: هل هي ردع الفاسدين عن العدوان ام صون حرية الصالحين.

أما الداعي لهذا الحديث فهو قلقي من انزلاق – غير مقصود في الغالب – من التنظيم الى التضييق. دعنا اذن نبدأ من أول المسألة اي سبق الحرية للقانون وكونها أصلا سابقا عليه في القيمة والترتيب. وزبدة القول هنا ان المشرعين وواضعي القانون ينقسمون الى صنفين بحسب الخلفية الذهنية التي يبنون عليها رؤيتهم للحياة والناس. الصنف الأول يرى البشر خيرين بفطرتهم وطبعهم الأولي. فالاغلبية الساحقة من الناس يريدون العيش بسلام. وثمة أقلية صغيرة انحرفت عن هذا الطريق بالفكر او السلوك . اما الصنف الثاني فيؤمن ان البشر في طبعهم الأولي أميل للشر والعدوان. ولو تركوا دون رقيب او رادع ، لأحيوا  اسطورة "حرب الجميع على الجميع" التي جادل دونها الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز.
واجه الصنف الأول إشكالية تعارض المصالح بين اعضاء المجتمع ، الذين يتمتعون جميعا بنفس القدر من الحرية ، فركز على تنظيم الطرق التي يسلكونها ، كي يحصلوا على قدر متساو من الحقوق. وهذا هو مفهوم القانون عند من يؤمن بخيرية البشر. اي ان غرض القانون هنا هو تنظيم المجال العام على نحو يوصل جميع الناس الى حقوقهم ، ويصون حرياتهم ، ويمنع بغي بعضهم على بعض.
واجه الصنف الثاني نفس الاشكالية ، فركز على الثغرات التي تسمح للأقلية الفاسدة بالعبث والعدوان على الناس. ولهذا وضع القانون على شكل جدار ضخم فيه بعض الأبواب. اي ان الغرض الأول للقانون هنا ، ليس تمكين عامة الناس من التوصل الى حقوقهم ، بل منع الفاسدين من الفساد.
يتلخص خطاب الصنف الاول في العبارة التالية: من أراد الوصول الى حقه فالقانون هو أسهل الطرق. الجميع احرار في إطار القانون. بينما يتلخص خطاب الصنف الثاني في العبارة التالية: "امشي جنب الحيط" كما يقول اشقاؤنا المصريون. فالقانون بالمرصاد لمن يجرؤ على تجاوز الطريق المرسوم.
بعض الناس لا يرى فرقا جوهريا بين الخطاب الأول والثاني. أما فلاسفة القانون والسياسة ، فوجدوا في الأول أرضية فلسفية للتنظيم السياسي العادل ، كما وجدوا الثاني ارضية لمعظم الانظمة السياسية المستبدة.
بالعودة الى قصة عقوبات الواتس اب التي يتداولها الناس ، يحسن القول ان الاكثرية الساحقة من المواطنين الذين يستعملون هذا النظام لا يخطر في بالهم ، بل ولا يتخيلون مجرد تخيل ، ان يستعملوه ضد مصالح البلد او لخرق قانونها او تهديد أمنها. رغم ان هناك بالتأكيد بضع عشرات من الناس يفعلون هذا. فهل يصح وضع قانون يحجب حق الاكثرية الساحقة في التواصل ، لا لسبب غير سد الطريق امام أقلية صغيرة ، أي معاقبة الاكثرية بجرم الأقلية؟.
ان الجواب على هذا السؤال يكمن في التوصيف السابق. فهل الغاية من القوانين التي نضعها هو تمكين العامة ، أي الاكثرية الساحقة ، من التمتع بحياتها وتحقيق حاجاتها في إطار القانون ، أم غاية القوانين محصورة في محاصرة الأقلية الفاسدة ، ولو أدى الى محاصرة الأكثرية الصالحة معها؟.
ولنا عودة الى الموضوع من زاوية اخرى.
الشرق الاوسط 13 يناير 2016

http://aawsat.com/node/542821



30/12/2015

انا المسؤول

 "القدر الأكبر من المساءلة حول حريق مستشفى جازان ، يقع  على المسؤول الأول عن قطاع الصحة. ولذا فالمساءلة تقع علي شخصيا قبل أي احد".

هذا تصريح لوزير الصحة السعودي المهندس خالد الفالح ، وأظنه أهم تصريح لوزير عربي خلال سنة 2015. هناك طبعا تصريحات كثيرة مهمة لسياسيين ووزراء حول مختلف قضايا الشأن العام. لكنا نادرا ما سمعنا قياديا في قطاعات الخدمة العامة يخرج الى العلن بعد حدث كارثي كالذي جرى في جازان ويعلن انه يتحمل المسؤولية عن التقصير الذي قاد الى الكارثة.

مثل هذا السلوك كان قصرا على المجتمعات المتقدمة. سمعنا مثلا رئيس فنزويلا يقول قبل ثلاثة اشهر انه سيحلق شاربه ، ان لم تنته الحكومة من بناء ربع مليون وحدة سكنية ، وعدت بها خلال هذا العام. وسمعنا عن وزير بريطاني استقال بعدما كشفت الصحافة انه قبل ضيافة على حساب احد السماسرة. وعن وزير ياباني انتحر بعدما انكشفت علاقاته العاطفية خارج اطار الزواج .. الخ.

اما في العالم العربي فيقضي العرف بان يعلق الوزير مسؤولية الكوارث على مشجب القضاء والقدر ، او تقصير المقاولين أو كسل الموظفين أو حتى جهل الشعب. هذا اذا لم يكن مؤدلجا فيحولها على احدى المؤامرات الدولية الكثيرة.

تحمل الوزير المسؤولية عن أخطاء وزارته تقليد راسخ في المجتمعات المتقدمة. وهو يكافأ عادة على انجازاتها ، فعليه بالمقابل تحمل المسؤولية عن عيوبها. والغرض من هذا التقليد هو مقاومة الفساد والتسيب في رأس الهرم الأداري. ان معرفة قادة الجهاز بانهم سيكونون الملومين على أي تقصير ، هو الذي يجعلهم حريصين على مقاومة الفساد والتسيب في المستويات الأدنى.

نعرف أيضا ان المسؤولية المقصودة هنا هي مسؤولية أخلاقية وسياسية وليست جنائية. وهي تعني قبول الوزير بمبدأ التحقيق المحايد (اي غير الخاضع لتاثيره أو تأثير العاملين تحت إدارته) في اسباب الخطأ ثم الاستعداد للاستقالة وتحمل اللوم ، اذا تبين انه كان قادرا على منع الخطأ لكنه تهاون او قصر في أداء الواجب. ومن ذلك مثلا وضع لائحة عمل خاصة بالسلامة المدنية في المباني والمشروعات التي تديرها وزارته ، ووضع برنامج للتفتيش الدوري للتأكد من التزام الادارات الفرعية بالمعايير واللوائح ، وتوفير الأموال اللازمة لضمان تطبيق هذه المعايير.

لقد اعتدنا على سماع "كليشيه" ان المنصب تكليف لا تشريف ، من معظم الذين تقلدوا مناصب رفيعة. لكنا وجدناهم لاحقا ، احرص على التمسك بالكرسي ، من حرص الطفل على حليب أمه. معنى التكليف ان تتخلى عنه اذا تبين فشلك فيه او عجزك عن القيام به.

لو تقبل كافة القياديين في الاجهزة الرسمية مبدأ المسؤولية السياسية والاخلاقية ، واعلنوا استعدادهم لترك مناصبهم في حال الاخفاق ، لتحولت الادارة الحكومية الى مصنع للقادة وخبراء الادارة ، ولأصبحت الخدمات العامة مضرب المثل في الكفاءة والانجاز.

بالعودة الى تصريح الوزير الفالح ، فاني ادعو جميع وزرائنا ومديري قطاعات الخدمة العامة في بلدنا ، الى الاعتبار بما فعله هذا الوزير الشجاع ، وتكرار مبادرته حتى تتحول الى تقليد ثابت في اجهزة الدولة وقطاع الأعمال. يجب ان يؤمنوا جميعا بان رأس الجهاز يتحمل كامل المسؤولية ، عن كل عيب في الادارات التابعة له ، مثلما يتقبل المديح حين يحقق انجازات ونجاحات. هذا طريق مجرب لترسيخ الانضباط وتعزيز قيمة الكفاءة.

الشرق الاوسط 30 ديسمبر 2015

http://aawsat.com/node/531686/

05/12/2015

في الطريق الى المجتمع المدني



اصدار مجلس الوزراء السعودي لنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية هو بالتاكيد أهم أخبار الشهر المنصرم. يشكل النظام  الاطار القانوني الضروري لقيام منظمات المجتمع المدني وتنظيم عملها ، سيما علاقتها مع الاجهزة الرسمية المحلية. انه خبر جدير بأن يبعث فينا التفاؤل بين سيل من الاخبار الموجعة حولنا.
من السابق لأوانه الحكم على تفاصيل النظام الجديد. لكن ما يثير اهتمامي هو المبدأ الذي صدر على ضوئه ، اي المشاركة الشعبية في إدارة المجتمع وتطويره ، التي قال د. ماجد القصبي وزير الشؤون الاجتماعية انها جزء من رؤية رسمية ترمي للتحول من الرعوية إلى التنموية.
شكل هذا النظام موضع اجماع في المجتمع السعودي. خلال العقد الماضي تحدث عشرات من المثقفين والشخصيات العامة وكبار المسؤولين الحكوميين في الدعوة اليه وبيان ضرورته. على أي حال فقد أمسى كل ذلك خلفنا. إقرار النظام يستدعي الحديث عن المرحلة التالية. ويهمني هنا توضيح نقطة محددة تخص العلاقة بين الجمعيات الأهلية التي ستقوم في ظله ، وبين الادارة  الحكومية. تكمن أهمية المسألة في حقيقة ان النظام الجديد يقيم منظومة تختلف فلسفيا ووظيفيا عن الاجهزة الرسمية ، لكنها تشاركها العمل في الفضاء العام.
نتيجة بحث الصور عن ‪civil society‬‏
تستمد المنظمة الحكومية قوتها ومبررات وجودها من ارتباطها بالطبقات العليا في الهرم الاداري. بينما يعتمد عمل المنظمات الأهلية وقوتها وخياراتها على ارادة اعضائها ودعم الجمهور ، أي قاعدة الهرم الاجتماعي. هناك بالتأكيد اختلاف بين الطرفين في طريقة التفكير والاولويات والامكانات ، الأمر الذي يقود بشكل طبيعي الى تزاحم في الارادات. ورأينا هذا التزاحم في تجربة المجالس البلدية والصحافة ، فضلا عن المنظمات الأهلية شبه التقليدية ، مثل الجمعيات الخيرية والنوادي الرياضية ، وفي تجربة المنظمات المختلطة (الرسمية/الأهلية) مثل النوادي الأدبية والجمعية الوطنية لحقوق الانسان.
يرجع التزاحم المدعى الى عاملين ، عامل ثقافي يشترك فيه الجميع ، الجمهور وموظفي الدولة ، وعامل يخص التشريعات القانونية التي تنظم عمل الادارات  الرسمية.
اشارة وزير الشؤون الاجتماعية الى "التحول من الرعوية الى التنموية" ترتبط بالعامل الأول. تشكل "الرعوية" محور الثقافة السياسية السائدة في المجتمعات العربية كافة. وفحواها ان الدولة مكلفة بحياة الناس كلها. هذه الرؤية تستدعي  – في الجانب المقابل – تدخلا غير محدود لأجهزة الدولة في حياة الناس وخياراتهم.
وعلى العكس ، فان فلسفة المجتمع المدني تعتبر المجتمع الأهلي ، كافراد وكمجموع ، مسؤولين تماما عن حياتهم وخياراتهم. وهي رؤية تستدعي في المقابل انصراف الدولة الى واجباتها الرئيسية ، أي ادارة البلد ككل ، وتقليص تدخلها في حياة الافراد الى أدنى حد ممكن. وبحسب تعبير أحد الفلاسفة فان قيام الدولة الحديثة كان ايذانا بتحول وظيفتها الجوهرية من مفهوم السلطة على اشخاص الناس ، الى مفهوم ادارة المصالح العامة وما يشترك فيه الناس.
تحقيق هذه الرؤية يستدعي مراجعة القوانين واللوائح التنفيذية التي تنطوي على مضمون تدخلي ، بما يؤدي الى تقليص هذا المضمون الى أدنى الحدود الممكنة. كما نحتاج الى "اعادة تثقيف" الموظفين المعنيين بتطبيق تلك اللوائح والقوانين ، أي تنويرهم بالتحول الذي نسعى اليه ، وصولا الى التطبييق الكامل لفحوى  الحديث الشريف "من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
تصنف الفلسفة السياسية  المجتمع المدني كواحد من ابرز أركان الدولة الحديثة. ونحمد الله ان بلادنا قد انتهت من الخطوة الأولى ، أي وضع الاطار القانوني ، ويحدونا أمل بأن تأتي الخطوات التالية بما يلبي هذا الأمل ويعززه.
الشرق الاوسط aawsat.com/node/510371
 2 ديسمبر 2015

02/09/2015

"مؤشر كورونا"

لعل الزميل عبد اللطيف الضويحي هو أول من استعمل تعبير "مؤشر كورونا" في مقال نشرته الاسبوع الماضي جريدة "عكاظ". وهو واحد من بضع مئات من المقالات نشرتها الصحافة المحلية حول الموضوع. لكن الضويحي خصص مقالته لمساءلة الجامعات السعودية عن جهودها في مجال البحث العلمي ، بعدما وجدها – كما قال – مشغولة برفع موقعها في التصنيفات العالمية للجامعات ، بدل انشغالها في انتاج العلم الذي يستحق العناء.

جامعة الاميرة نورة - الرياض

عبر الضويحي بوضوح عن جوهر المشكلة التي تؤرق المهتمين بتطور العلم في المملكة. ولهذا اضم صوتي الى صوته ، واتساءل معه "هل كنا بحاجة لأربع سنوات من عمر فيروس كورونا ، دون أن تتقدم جامعة سعودية واحدة لدراسة هذا الفيروس أو إجراء تجارب عليه؟" ... "هل كنا بحاجة لثلاثين سنة منذ اكتشاف سوسة النخل لأول مرة ، حتى انتشرت إلى معظم مناطق المملكة ومزارع النخيل ، دون أن تتقدم جامعة سعودية واحدة -حسب علمي- بدراسة أو علاج لهذه السوسة؟".

هذه المقالة الساخرة في جانب ، والمؤلمة في جانب آخر ، نموذج عن شعور عام بالارتياب في التكافؤ المتوقع بين الميزانيات الضخمة المخصصة للتعليم الجامعي ، وبين مخرجاته ، على الصعيد العلمي خصوصا. في منتصف 2010 اطلقت جامعة الملك سعود موجة عظيمة من التفاؤل ، يوم اعلنت عن نجاح النموذج الاول من سيارة "غزال" التي دشنت في احتفال باهظ الكلفة. لكنها ما لبثت ان تنصلت من الموضوع ، حين وصفته بانه "مشروع بحثي" ، رغم انها يوم الاعلان الاول استضافت عددا من رجال الاعمال ، وحدد مسؤولوها قيمة الاستثمار المتوفر ، وكلفة المنتج النهائي وتاريخ البدء في التصنيع ، وما اشبه ذلك من معلومات تنفي كونه مجرد "مشروع بحثي".

نعلم طبعا ان "غزال" تحولت لاحقا الى نكتة في أفواه الناس ، ومثالا على سلسلة طويلة من الاخفاقات في القطاع الاكاديمي. لكننا لم نعلم ما اذا كانت هذه وأمثالها قد خضعت للمراجعة والمحاسبة من جانب أي جهة ، سيما مجلس الشورى ، الذي يفترض أنه مسؤول عن التفريط في المال العام وآمال العامة.

المسألة على اي حال ليست "كورونا" ولا "غزال". المسألة اننا نملك – على الورق على الاقل – عددا غير قليل من المنظومات الادارية ، التي تستهلك قدرا غير قليل من المال العام ، ازاء ما يفترض انه بحث علمي او اشراف على الابحاث العلمية او توطين التقنية. المفترض ايضا ان جامعاتنا لم تعد "فتية" او "حديثة التأسيس" كما يقال عادة في سياق الاعتذار. جامعة الملك سعود ، جامعة المؤسس ، وجامعة البترول تجاوزت الاربعين من العمر الان. وتخرج منها مئات الالاف من الطلبة في شتى التخصصات. لكننا مازلنا نستنجد بشركات اجنبية حين نحتاج الى تصميم مصنع او جسر على طريق ، او بناية كبيرة او مدينة جديدة. وسمعت قريبا ان المؤسسة العامة للتعليم المهني منحت شركة بريطانية مليار ريال مقابل تصميم برنامج لتطوير المعاهد المهنية والكليات التقنية. وأعلم ان شركات اجنبية هي التي تبني المصانع ومصافي البترول.

·       ترى اين الخلل؟.

المسألة ليست فقط في قدرة الجامعات على تقديم حلول لحاجات البلد ومشكلاته. بل في موقع القطاع الاكاديمي ككل ضمن النظام الاقتصادي والثقافي للبلد. ترى هل دور الجامعات منحصر في توفير موظفين للدوائر الحكومية ام الارتقاء بالمستوى العلمي للبلد ام بحث مشكلاته وحلولها؟. اذا كنا نؤمن حقا بالطريق العلمي لفهم وحل مشكلاتنا ، فأين هو المكان الطبيعي لهذا العلم ... اليس الاكاديميا الوطنية.

بعبارة اخرى: الم يحن الوقت لوضع جردة حساب ، توضح اسباب فشل الاكاديميا الوطنية في تحقيق اغراضها. الم يحن الوقت كي نضع النقاط على الحروف فنعيد هيكلة التعليم الجامعي ، على نحو يجعله قناة واقعية لانتقال العلم وتوطين التقنية في بلدنا؟.

مقالات ذات صلة

 

الشرق الاوسط 2-9-2015

http://aawsat.com/node/443326

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...