‏إظهار الرسائل ذات التسميات الديمقراطية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الديمقراطية. إظهار كافة الرسائل

12/04/2017

مواطنون فقط. لا ذميون ولا مستأمنون


اثار الهجوم الارهابي على كنيستين مصريتين هذا الاسبوع موجة استنكار واسعة بين كافة المسلمين ، علماء وعامة وسياسيين. وأحمد الله انا ما عدنا نسمع أحدا يرحب بهذه الجرائم او يبررها. وهذا تطور طيب.
وسط بيانات الاستنكار ، لفت نظري الاستعمال المتكرر لمصطلحات مثل "مستأمنين" و "ذميين" و "اهل الكتاب" في وصف المواطنين الأقباط ، الذين وقعوا ضحية للهجوم الغادر. ومثل هذه المصطلحات ترد عادة في أحاديث رجال الدين ، تأكيدا على حرمة العدوان على غير المسلمين.
نتيجة بحث الصور عن الكنيسة القبطية
تلك التعابير ليست اطلاقات لغوية محايدة ، بل "حقائق شرعية" حسب عرف الاصوليين ، اي مصطلحات خاصة ذات محمول محدد. وتقال في سياق الكلام ، بقصد الاشارة الى جملة علائق وأحكام ، أو وحدة مفهومية ، تصف قيمة الاشخاص المعنيين وموقعهم بالنسبة للمتحدث.
هذه الاوصاف مستمدة من الفهم الفقهي للواقع. لكنها خاطئة في المنظور الواقعي المعاصر. هذا يشير إذن الى تباين بين الفهم الفقهي للواقع وبين الواقع نفسه. ومن حيث التصنيف فهي تنتمي الى مرحلة تاريخية سابقة ، الامر الذي يكشف عن سبب التباين.
ولدت تلك الأوصاف في مرحلة نهوض الدولة الاسلامية ، حين كانت جيوشها تغزو البلدان ، فتتوسع الدولة وتنمو معها علاقات المسلمين بغيرهم. كان ضروريا يومها تنظيم العلاقة بين القوة الكبرى المنتصرة ورجالها الاقوياء ، وبين الافراد والمجتمعات الضعيفة التي خضعت لها رغبة أو كرها. ضمن هذا الظرف الخاص ، كان مضمون هذه العبارات هو التأكيد على الولاية السياسية ومسؤولية الدولة عن كل رعاياها ، كقاعدة عمل موازية لولاية الايمان ، التي تشير الى تعاضد أهل الاسلام فيما بينهم.
مع مرور الزمن وهيمنة التفكير الفقهي على الثقافة العامة ، تحول الانتماء الديني الى مضمون وحيد للرابطة الاجتماعية. ومع ان فكرة الحماية والضمان ، بقيت مركزية في تحديد العلاقة مع غير المسلم ، الا انه لم يعتبر شريكا متساويا في كافة الحقوق ، او "مواطنا" بحسب المفهوم الحديث.
انتقلت هذه المقاربة الى الفقه الاسلامي المعاصر. وتكفي نظرة سريعة على اي مما كتبه الفقهاء والكتاب الاسلاميون المعاصرون حول الموضوع ، كي تكتشف المشكلة التي واجهوها ، حين ارادوا وضع تصور يتلاءم مع الموروث الديني من جهة ، ومع المباديء السياسية والقانونية وحقوق الانسان من جهة ثانية ، ومباديء العدالة من جهة ثالثة.
والحق انه لا مجال لتسوية الاشكال. الدولة الحديثة تنتمي لعالم مفهومي مختلف عن ذلك الذي كان قائما في عصر الدولة الاسلامية القديمة. اي انها موضوع مختلف ، لا يمكن فهمه وفق المنظور الفقهي القديم ، ولا التكييفات والاحكام التي استعملت فيه. علاقة الدولة الحديثة برعاياها قائمة على مبدأ المواطنة ، الذي يعني تساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات ، أيا كانت أديانهم وانتماءاتهم الاجتماعية. كل مواطن شريك في ملكية تراب وطنه. وهو يستمد حقوقه المدنية من هذه الملكية ، وليس من انتمائه الديني. ومن هنا فليس في عالم اليوم من يصح وصفه بالذمي والمستأمن. المواطن مواطن فقط وفقط.
بالنسبة لعامة الناس فان هذه النتيجة لا تحمل اي جديد. لكني اردتها مناسبة لتنبيه أهل الفقه وطلابه الى التباين القائم بين التفكير الموروث ، وبين واقع الحال في عالم اليوم. انها دعوة للتحرر من المفاهيم القديمة ، التي ما عادت مفيدة او واقعية. دعوة لتوجيه الذهن الى العالم الواقعي ، بدل حصره في عالم الاوراق والكتب القديمة.
الشرق الاوسط 12 ابريل 2017
http://aawsat.com/node/900261



22/06/2016

مجتمعات متحولة



حوادث العقد المنصرم اثمرت عن تغيير عميق في المجتمعات العربية ، شاهده الابرز هو تحول هذه المجتمعات الى فاعل سياسي نشط نسبيا ، بعد نصف قرن تقريبا من الخمول.
نتيجة بحث الصور عن civic culture almond and verba

يقول الاجتماعيون ان الثقافة السياسية السائدة ، تحولت من ثقافة انفعالية الى ثقافة تفاعلية ، حسب التقسيم الثلاثي الذي اقترحه غابريل الموند وسيدني فيربا في كتابهما المرجعي "الثقافةالمدينية".

تعرف الثقافة السياسية كحالة ذهنية ، تتشكل على ضوئها رؤية المجتمعات لنفسها وللدولة. في الحالة الانفعالية يشعر المجتمع بتأثير الدولة عليه ، لكنه لا يقابلها بأي نوع من ردود الفعل ، لا يساعدها ولا يعارضها ، فهو مجرد عامل منفعل. وهي سمة غالبة في المجتمعات الريفية.

اما في الحالة التفاعلية فالمجتمع مدرك لتأثير الدولة عليه ، ومدرك أيضا لقدرته على التاثير فيها قليلا أو كثيرا. ولذا فهو يميل الى علاقة تفاعلية ، تنطوي على تعاون حينا ومعارضة حينا آخر. وهذه هي الحالة التي تتجلي فيها قابلية المجتمع للمشاركة السياسية.

الباحثون الذين اختاروا "الثقافة السياسية" كمدخل للبحث في امكانية التحول الى الديمقراطية ، اهتموا بالمؤشرات الكمية والكيفية للتفاعل الاجتماعي مع قرارات الدولة وسياساتها ، باعتبارها دليلا على مدى قابلية المجتمع للتحول.

ما يهمنا في هذه المقالة هو ملاحظة السمات الرئيسية للمرحلة الانتقالية ، اي الظرف الذي تظهر فيه علامات واضحة تؤكد تخلي المجتمع عن حالة الانفعال والخمول السياسي ، وقيامه بالتعبير عن ذاته ومطالبه ، سواء وجه خطابه للدولة او للقوى الفاعلة في المجتمع.
اهم سمات المرحلة الانتقالية هو غياب الاجماع ، بسبب انحسار الاعراف والتقاليد التي كانت تلعب قبلئذ دور ضابط الحركة الاجتماعية ، وتمثل أرضية القيم ونظام العلاقة بين افراد المجتمع. 

لعل ابرز الامثلة على التحول المزعوم هو التمرد العلني على القيم والضوابط ومراكز النفوذ الاجتماعي القديمة ، وظهور شخصيات مرجعية ومراكز تأثير غير تقليدية ، أي تراجع أهمية بعض الادوار الاجتماعية السابقة لصالح أدوار وأفكار جديدة. المثال البارز هنا هو استيلاء نجوم مواقع التواصل الاجتماعي ومنتجي الفنون التلفزيونية والدرامية على دور المثقف التقليدي ورجل الدين في توجيه الرأي العام.

مجموع القيم والتقاليد والاعراف ونظم العلاقات والثقافة الموروثة ، كانت تشكل ما نسميه بالاجماع القديم. وهو الذي انتج ما وصفناه بالمجتمع المنفعل ، الذي يقبل بما يعرض عليه دون مناقشة. نعلم ان هذا الاجماع قد تراجع بالفعل وضعفت فاعليته.

ما ينشر هذه الأيام في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي من شكاوى حول التسيب الاداري ، وما ينشر حول النزاعات التافهة التي تتحول الى صراعات عنيفة ، ومثله المجادلات الساخنة – والتي لا تخلو من تجريح شخصي - بين رموز التيارات الثقافية والسياسية ، او بينهم وبين افراد من عامة الناس ، تشير كلها الى تفكك عناصر الاجماع القديم ، بما فيه من قيم وتقاليد واعراف.
اني ارى تحولا متسارعا للسلوك الجمعي من حالة الانفعال والتلقي الى حالة الفعل.

 لكن هذا الفعل لا يزال قصرا على  النقد والاحتجاج. ولم ينتقل بعد الى مرحلة المشاركة في بناء قيم واعراف جديدة ، تؤسس لاجماع جديد. بعبارة اخرى ، فقد تحولنا من حالة سكونية الى حالة تمرد ، ينبغي ان نستبدلها بحالة جديدة مختلفة ، سمتها الابرز التفاعل والمشاركة وفق منظومة قيم جديدة. عندها سوف نتخلص من ظرف التنازع الراهن ، المنطقي واللامنطقي ، حول المهمات والتوافه ، لننشغل بالمهم والمتفق على أساسه. 
الشرق الاوسط 22 يونيو 2016  http://aawsat.com/node/671531

مقالات ذات صلة

18/02/2015

عباءة السلطان

زبدة القول ان الاستقرار السياسي رهن بواحد من ثلاثة نماذج في ادارة المجتمع: أ) القمع العشوائي الذي يكسر نفوس الناس وأحلامهم. ب) توافق جمعي على تصور واحد عن المستقبل. ج) سعة الخيارات المتاحة في المجال العام ، كي يحقق الناس ذواتهم وتطلعاتهم بانفسهم.

علاقة المجتمع بالدولة قد تكون علاقة تغلب مطلق ، تعتمد استعمال مصادر القوة العامة في إخضاع الناس لمشيئة النخبة الحاكمة دون مساءلة او حساب. او تكون علاقة مغالبة بين المجتمع والدولة وهو ظرف اختلال توازن القوى بين الطرفين وانعدام التراضي بينهما. وهذا هو الحال الذي يغذي عوامل الاضطراب السياسي. او تكون علاقة مبنية على نموذج توافقي للحياة العامة وعمل الدولة.

لا توجد حكومة في العالم كله تتبنى علنا النموذج الاول. ولا يوجد مجتمع في العالم كله يرضى بهذا النموذج. لأنه ببساطة لا يليق بانسانية الانسان. لكنه قد يوجد كمضمون واقعي للعلاقة ، مغطى بعباءات مختلفة ، من أهمها ربما "وهم" الهدف المشترك الذي تدعي الدولة انها تحققه للناس.

تتضح حقيقة هذا الوهم من مقارنة النموذج السوفيتي قبل انهيار الاتحاد في 1991 بنموذج اقتصاد السوق الشائع في الدول الصناعية. معظم مواطني الاتحاد السوفيتي كانوا يشعرون بالامان المعيشي ، نظرا لالتزام الدولة بتوفير حاجاتهم الاساسية ، وابرزها التعليم والصحة والسكن والعمل.

لكن هؤلاء المواطنين انفسهم قرروا التخلي عن النموذج السوفيتي. وفي الانتخابات التالية ، لم يحقق الشيوعيون نجاحات تذكر رغم تركيزهم على الصعوبات الحياتية التي واجهها الروس بعد تخلي الدولة عن نظام التخطيط المركزي. فقد صوت غالبية الناخبين لصالح الاحزاب التي تعد بنموذج اكثر ليبرالية او تتبني تحرير الاقتصاد. ويبدو ان هذا هو الاتجاه العام في العالم كله هذه الايام.

السبب بساطة هو ايمان الناس بقدرتهم على صناعة حياتهم بأنفسهم ، ورغبتهم في ان تتركهم الدولة وشأنهم ، بدل ان تجعل نفسها رقيبا عليهم وأبا وأما لهم. لا يريد الناس العيش في ثياب آبائهم ولا يريدون البقاء في أحضان أمهاتهم ، بل يريدون تحقيق ذواتهم وتطلعاتهم بأنفسهم.

نحن إذن نتحدث عن نموذج للحكم يتيح خيارات واسعة ومتنوعة للناس ، مع تقليص التدخل الحكومي الى ادنى الحدود الممكنة.

ليس هذا سهلا في المجتمعات الشرقية ، التي تقدس العيش في عباءة السلطان او تحت ظلاله. لكنه يبدو الخيار الاسلم في مثل هذه الأوقات. لا يمكن لأي دولة ان تلبي حاجات الناس جميعا ، ولا يمكن لأي دولة ان تقمع الناس جميعا. ولدى العالم العربي ما يكفي من التجارب في هذين السياقين.

تجربتنا وتجربة العالم تؤكد انه كلما زاد تدخل الدولة في حياة الناس درجة ، انتج بالضرورة عامل احتكاك جديد بينهم وبينها. ومع تزايد هذه العوامل تتحول العلاقة الى مغالبة وتتحرك عوامل الانشقاق السياسي والاضطراب. والبديل عن هذا البؤس لا يستدعي زيادة في البيان.

الشرق الاوسط  18 فبراير 2015

http://aawsat.com/node/292156

18/06/2013

فرصة جديدة لإيران


عودة الإصلاحيين إلى الحكم فرصة جديدة يجب على إيران ألا تفوتها. التصويت الواسع لروحاني لا يعبر فقط عن ثقة بشخصيته المتوازنة، فهو - في المقام الأول – تعبير عن رغبة عامة في تغيير النهج السياسي الذي أرساه الرئيس المنصرف أحمدي نجاد، النهج الذي يتسم بالخشونة والتطرف في العلاقات الدولية.
أفصح بعض الكتاب عن تشاؤم من قدرة الرئيس الجديد على التغيير، وقالوا إن مرشد الجمهورية الإسلامية هو ''الصانع الوحيد'' للقرار في هذا البلد، ولا سيما ذلك المتعلق بالسياسة الخارجية. واقع الأمر أن هذا تقدير لا يخلو من مبالغة. نعرف مثلا أن سياسة إيران في السنوات الثماني الماضية كانت مختلفة كثيرا عن سياستها في عهد الرئيسين خاتمي ورفسنجاني، مع أن الثلاثة حكموا في ظل المرشد نفسه.
هناك بطبيعة الحال حدود للتغيير، لكنه تبسيط مبالغ فيه أن يقال إن التغيير سيكون ضئيلا أو سطحيا. المرشد وجميع أركان النظام الإيراني يستوعبون الرسالة التي وجهها الجمهور، حتى لو كانت بخلاف توجهاتهم الخاصة. في نهاية المطاف لن يأتي الرئيس بمفرده. ثمة مئات من كبار الموظفين الجدد، المتوافقين مع تطلعاته، سيأتون معه، وهؤلاء هم من سيدير البلد في السنوات الأربع المقبلة.
لعل التحول الأكثر أهمية هو الذي جرى تحت السطح ولم يلحظه إلا القليل، أعني انهيار تيار ''المحافظين الجدد'' الذي عمل الرئيس نجاد على إيجاده خلال السنوات السبع الماضية. تتألف القوة البشرية لهذا التيار من أعضاء الحرس الثوري والشباب المهمشين، وأغلبيتهم الساحقة ينتمون إلى عائلات هاجرت من الريف إلى المدن الكبرى، وهي تشعر أنها لا تحصل على الفرص التي تستحقها. كان فوز نجاد في 2005 ذروة بروز هذه الشريحة، لكن المستفيد الحقيقي من وصوله إلى السلطة كان الحرس الثوري الذي نجح في مد نفوذه بشكل لم يسبق له مثيل في الاقتصاد والحياة العامة.
بعد أقل من خمس سنوات شعر المحافظون التقليديون بأن توسع الحرس لم يعد محتملا، وأن توسع التيار الجديد كان على حسابهم وليس على حساب الإصلاحيين، كما ظنوا سابقا. لهذا شهدت السنتان الأخيرتان عزلة متفاقمة للرئيس نجاد بين حلفائه المحافظين. وقد عبر عن هذا بوضوح رئيس البرلمان لاريجاني، الذي تحول إلى واحد من أشد منتقدي الحكومة والرئيس.
لم يستطع المحافظون الجدد تقديم مرشح قوي في الانتخابات الرئاسية، كما أن أكثرية المحافظين لم تعبأ برأي الحرس الثوري الذي ''نصح'' بالتصويت لقاليباف. واضح للجميع أن المزاج الشعبي لم يعد متعاطفا مع السياسات المتشددة، ولا راغبا في دفع ثمنها. هذا لا يقتصر على عامة الناس، فهو واضح أيضا بين النخبة السياسية والأشخاص المؤثرين في صناعة القرار.
هذه فرصة ينبغي لإيران أن تستثمرها. استثمارها يتطلب قرارات شجاعة وجذرية، عنوانها الملاينة والتلاؤم مع المحيط والعالم، بعد حقبة طويلة نسبيا من الانقطاع والتناقض.
الاقتصادية 18 يونيو 2013

مقالات ذات علاقة

26/03/2013

حول جاهزية المجتمع للمشاركة السياسية




كتاب "الثقافة المدينية =  The Civic Culture " كان ثمرة لابحاث ميدانية في خمسة مجتمعات متباينة ، استهدفت الاجابة على سؤال: هل ثمة علاقة بين الثقافة العامة للمجتمع وبين وضعه السياسي؟
انجز هذا البحث عالمان امريكيان هما غابرييل الموند وسيدني فيربا ، واصبح منذ نشره في 1963 مفتاحا رئيسيا في فهم العوامل البنيوية/غير السياسية المؤثرة في التنمية السياسية. قبل ذلك كانت بحوث التنمية تميل  الى التركيز على دور التحولات الاقتصادية ، وتبعا لها التطور القانوني والاداري لمؤسسة الدولة ، باعتبارها حجر الرحى في النمو الاجتماعي/السياسي.
Sydney Verba
تعبير "الثقافة" الذي نتداوله يشير عادة الى المعرفة المؤطرة في وسائل منظمة مثل الكتب والمحاضرات والنقاشات العلمية ، ويطلق على هذا المستوى احيانا اسم الثقافة العالمة. اما مفهوم "الثقافة" المتداول بين علماء الاجتماع فيركز على الخلفية الذهنية للافراد. تتشكل ذهنية الفرد كمحصلة للتجارب الشخصية، الذاكرة التاريخية، العوامل البيئية ، والتصويرات الرمزية لمجموع هذه العوامل. الذهنية - او العقل الباطن كما تسمى احيانا – تحدد ما لا يقل عن 90 بالمائة من افعال الفرد وردود فعله العفوية.
الثقافة السياسية لاعضاء مجتمع ما هي التي تحدد فهمهم للدولة ودورها: (تؤثر في حياتهم ام لا تؤثر ، تمثلهم ام تسيطر عليهم). كما تحدد مشاعرهم تجاهها (حب او كره ، تعاطف او ارتياب). اضافة الى تقييمهم لادائها (دون المتوقع او مطابق له او افضل منه ، مساعد لمصالح الجماعة او معيق).
توصل الباحثان الى تقسيم ثلاثي للمجتمعات بحسب ثقافتها السياسية:
Gabriel Almond
 أ) مجتمعات تجهل تماما دور الدولة في حياتها ، وربما لا تعي اصلا بالفارق بين وجود الحكومة وعدمه. اطلق على هذا الصنف اسم الثقافة الانعزالية.
 ب) مجتمعات تدرك وجود الدولة والقوى السياسية الاخرى وتتلقى تاثيراتها. لكن رد فعلها فاتر ، او ربما معدوم. فهي لا ترى نفسها قادرة على الفعل والتأثير ، او انها لا تعتبر الدولة قابلة للتاثر بنشاط الجماعة. واطلق على هذا الصنف اسم الثقافة المنفعلة.
ج) مجتمعات تتفاعل مع الدولة والقوى السياسية الموازية: تستقبل تاثيراتها وتسعى ايضا للتاثير عليها. لانها تنظر الى نفسها كجزء من العملية السياسية القائمة ، كفاعل قادرعلى المشاركة والتاثير. واطلق على هذا الصنف اسم ثقافة المشاركة.
تجربة البحث الميداني قادت الاستاذين الموند وفيربا الى الاعتقاد بان تبلور ثقافة سياسية من المستوى الثالث (المشاركة) هي ابرز عوامل التحول الديمقراطي. حين يدرك المجتمع اهمية الدولة ويتفاعل معها ويؤمن بقدرته على التاثير في قراراتها ، تتحول المشاركة الشعبية في الحياة السياسية الى ضرورة للدولة والمجتمع معا. السؤال التقليدي: "هل نعتبر هذا المجتمع جاهزا للمشاركة السياسية او غير جاهز" اجاب عليه الاستاذان الموند وفيربا بسؤال معاكس: "هل يدرك المجتمع فائدة التفاعل مع الدولة ، وقدرته على التاثير في قراراتها؟".
الاقتصادية 26 مارس 2013
http://www.aleqt.com/2013/03/26/article_742335.html



01/07/2012

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية



صعود الاسلاميين الى سدة الحكم في تونس والمغرب ومصر اثار اسئلة كثيرة ، بعضها مكرر وبعضها جديد. اسئلة تعبر عن قلق يساور السائلين ، واخرى تعبر عن تطلع الى مستقبل مختلف.

احد هذه الاسئلة يفترض مقدمة مضمرة فحواها ان ذلك التطور يشير الى بعث جديد للايديولوجيا بعد عقد تقريبا من تراجعها عن ساحة السياسة.
الفرضية المضمرة قبل هذا السؤال هي ان نهاية الحرب الباردة مع تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991 قد اثمر عن تهميش الايديولوجيا وتاثيرها في المجال السياسي. المعنى المادي المقصود هنا هو الماركسية التي كانت ايديولوجيا رسمية لدول المعسكر الشرقي وحلفائه منذ الحرب العالمية الثانية. اما المعنى الرمزي فهو الايديولوجيا بما هي رؤية للعالم مسبقة الصنع ، تنطوي على مسلمات ومقدمات ومعايير للصحيح والفاسد وادوات قياس واختبار. بهذا المعنى فان الايديولوجيا لا تخضع لمعايير البحث العلمي المعروفة في علاقتها مع الموضوعات والتطبيقات  ، بل تطبق معاييرها الخاصة ، التي قد تنسجم مع المعطيات العلمية او لا تنسجم.
كانت حنا ارندت بين ابرز المفكرين الذين حذروا من هيمنة الايديولوجيا على السياسة. وركزت خصوصا على مخاطر الشمولية. حين يحكم البلاد حزب ايديولوجي او مجموعة تتبنى ايديولوجيا خاصة ، فانها ستحول مؤسسة الدولة الى اداة لفرض هذه الايديولوجيا على المجتمع ، والزام الجميع بتبني الخطاب الرسمي ، سواء اتفقوا معه او خالفوه. بهذا المعنى فان وظيفة الدولة قد تحولت من تمثيل المجتمع وادارة مصالحه الى ما يشبه منظمة سرية غرضها الرئيس هو اخضاع المجتمع للنخبة القائدة. الاتحاد السوفيتي السابق والمانيا النازية هما ابرز الامثلة التي ينطبق عليها هذا الوصف.
الاحزاب الدينية في العالم الاسلامي تتبنى ايديولوجيا شمولية ، يلخصها شعار الاخوان المسلمين "الاسلام هو الحل" وتسندها رؤية اسطورية كثيرة التداول فحواها ان تعاليم الدين الحنيف شاملة لكل نواحي الحياة ، من ادناها الى اعلاها.
نفهم طبعا ان كل حزب او جماعة دينية لديها قراءة خاصة للنص الديني والتشريع ، لا تتوافق غالبا مع قراءة الاخرين ، مجتمعات او جماعات. فاذا اعتبر الحزب الديني الحاكم قراءته ايديولوجيا رسمية ، فانه سيفرضها على الاخرين جميعا ، الراضين والرافضين. بمعنى انها سيقيم نظاما شموليا يقصي جميع الاراء والخطابات الاخرى ، ويلغي التنوع الضروري لاغناء الحياة العامة والتقدم.
هذا تلخيص لسؤال الايديولوجيا وخلفيته ومغزاه. ويتضح ان هذا المعنى لو طبق فعلا ، فان صعود الاسلاميين الى السياسة هو مجرد تمهيد للكارثة.
السؤال اذن ليس عن مشروعية القلق الكامن وراء السؤال. فهو بالتاكيد مشروع ولا غبار عليه. السؤال عن مصداقية القلق ، اي احتماليته: هل هو احتمال ضعيف ام قوي ام مرجح؟
لا اريد عرض اجابات ، فكل جواب هو احتمال مبني على قراءات سياسية ، يختلف الناس في تقييم عناصرها بحسب ميولهم وما يتوفر لديهم من معلومات. لكني سأذهب الى اصل المسألة وهي النظر الى الايديولوجيا بهذا المنظار المخيف.
اعتقادي الشخصي ان الايديولوجيا ضرورة للحياة والحكم ، مثلما العلم والاخلاق ضرورة. الايديولوجيا هي الوسيلة التي نبني بها علاقتنا مع العالم المحيط بنا، ونعطي للأشياء معاني، ونربطها مع بعضها حتى تتحول من عناصر منفردة هائمة في الفضاء إلى أجزاء في مركب، هو رؤيتنا للعالم. وما لم يكن لدينا منظومة مفاهيم ومسلمات أولية فلن نحب شيئا ولن نقيم علاقة مع شيء مما يحيط بنا، لا إنسانا ولا فكرة ولا شجرة ولا ساعة. كل مجموعة حاكمة ، ماركسية كانت او اسلامية او قومية او ليبرالية ، تتبنى ايديولوجيا من نوع ما ، ايديولوجيا بمعنى منظومة قيم ومسلمات مسبقة تعتبرها صحيحة دائما او غالبا ، وترجع اليها في الحكم على الاشياء وتقدير قيمتها. الانسان الذي لا ايديولوجيا له هو التكنوقراطي او البيروقراطي الذي يتبع فقط وفقط التعليمات الموجهة اليه من فوق. انه اذن لا يتخذ قرارا ولا يحدد قيمة لشيء ، بل يطبق على موضوعات عمله مسطرة صممها اخرون.
لا يحتاج الإنسان إلى انكار الايديولوجيا، بل يحتاج إلى:
أ-الوعي بأنه يحمل ايديولوجيا تؤثر على أرائه وأحكامه. ونتيجة لذلك فان آراءه ليست معيارية او موضوعية في كل الأحوال
ب- الوعي بان الايديولوجيا - حتى لو اعتقد بصحتها – تلعب أحيانا دور حجاب الحقيقة، أي أنها تظهر الأشياء للعين والعقل بخلاف ما هي عليه في الواقع الخارجي
ج- الوعي بالفارق بين وظيفتي الايديولوجيا والعلم. وظيفة العلم هي وصف الأشياء وتفسير أحوالها، أما وظيفة الايديولوجيا فهي الحكم على تلك الأشياء والأحوال وتحديد قيمتها، أي إيجاد علاقة بينها وبين الشخص.
د- بالنسبة للسياسيين خصوصا في الحكومات الجديدة، فانهم يحتاجون للوعي بانهم موظفون عند الشعب ، وليسوا حملة رسالة. وظيفتهم هي ادارة المصالح العامة والتعارضات وتمثيل المجتمع. ومن هذه الزاوية فان القيم والمفاهيم التي يطبقونها يجب ان تكون مرضية ومقبولة من قبل رب عملهم ، اي المجتمع . دورهم هو خدمة رب العمل وليس التحكم في حياته او الزامه بما لا يريد.


1 يوليو 2012

مقالات ذات علاقة

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...