‏إظهار الرسائل ذات التسميات ارسطو. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ارسطو. إظهار كافة الرسائل

24/04/2007

العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص


ضمان العدالة هو الموضوع الجوهري في العلاقة بين الحكومة والمجتمع في اي دولة. ويبدو مبدأ العدالة - على المستوى النظري المجرد - واضحا الى درجة يستحيل معها تعريفه او وصفه. وهو من المفاهيم القاعدية في الفكر الانساني، ولهذا اعتبره الفلاسفة اول المستقلات العقلية، اي المفاهيم الثابتة بذاتها والتي لا تحتاج الى دليل خارجي.


 والمستقلات العقلية معايير موضوعية مقدمة على كل فكرة أخرى بما فيها الدين والعرف والعلم والايديولوجيا والسياسة. فنحن نتخذ العدالة مقياسا لاثبات سلامة كل من هذه الافكار، لكننا لا نحتاج الى اي منها لاثبات الحاجة الى العدالة او سلامتها كمبدأ.
لا زال معظم الابحاث المتعلقة بالعدالة تتبع منهج ارسطو، الفيلسوف اليوناني، الذي قسم العدالة الى ثلاثة سياقات: 
العدالة الجزائية «اي معاقبة المعتدي» والعدالة التصحيحية «اي تعويض المجني عليه عما لحق به بسبب العدوان» والعدالة التوزيعية «اي توزيع المنافع والاعباء بين افراد المجتمع على نحو منصف». وقد اجتذب القسم الاخير الجانب الاكبر من النقاشات في الفلسفة السياسية في العصور الحديثة. وتبعا لهذا تحول مفهوم التوزيع العادل للموارد الى موضوع مستقل بذاته، يحمل عنوان "العدالة الاجتماعية".

طريقة تأمين العدالة الاجتماعية هي الفارق الرئيسي بين الايديولوجيات وانظمة الحكم الرئيسية في العالم المعاصر. نظرية السوق الحرة التي تدعو اليها الليبرالية، مثل نظرية التخطيط المركزي التي تدعو اليها الاشتراكية، هي وسائل مختلفة يراها اصحابها اقدر على تحقيق العدالة الاجتماعية.

يميل كثير من الفلاسفة المعاصرين الى نظرية ديفيد ميلر الذي ادعى ان مفهوم العدالة مستقل على المستوى التجريدي، لكنه نسبي على مستوى التطبيق. وهو يرى ان في العالم ثلاثة انواع من الانظمة الاجتماعية، لكل منها مفهوم خاص للعدالة: المجتمع البدائي، والمجتمع الطبقي، ومجتمع السوق الحرة. وتبعا لايمانه بالنظام الاخير، فهو يعتقد ان آليات التبادل الحر للسلع والخدمات هي الوسيلة الامثل لتوزيع الثروة والنفوذ وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية.

واجتذبت هذه النظرية اهتمام الباحثين لانها تربط بين العدالة وتساوي الفرص. وفي الوقت الحاضر ثمة فلاسفة يدعون ان دور الحكومة يتمحور في ضمان تساوي الفرص لجميع الناس. وانعكس هذا الاتجاه بشكل عميق على الفكر السياسي والدراسات المتعلقة بالدولة والتنمية والديمقراطية. ولعل كثيرا من القراء يعلمون ان التعريف الاكثر رواجا للتنمية هو ذلك الذي تبناه برنامج الامم المتحدة للتنمية البشرية، والذي ينص على ان الحكومات مسؤولة عن توفير البيئة المناسبة لضمان المساواة في الفرص لجميع المواطنين من خلال زيادة الخيارات المتاحة لهم.

 وطبقا للشروحات التي اعتمدها البرنامج في ادبياته، فان تساوي الفرص يقتضي جملة من التمهيدات الضرورية من بينها اخضاع جميع المواطنين لقانون عام واحد، من دون تمييز لاشخاص او مجموعات. ومن بينها تمكين المواطنين جميعا من الاعتراض والشكوى لمحكمة مستقلة اذا تعرضوا لتمييز على اي مستوى. ويدعو البرنامج الى معالجة العوائق التي تحول دون تحقق المساواة في الفرص، مثل عدم قدرتهم على الوصول الى مصادر المعلومات ومصادر التمويل الضرورية للمنافسة المتكافئة.

ومن بين الموضوعات الاكثر اثارة للجدل اليوم هو الثمن المعادل للفرصة. ففي كل مجتمع ثمة اشخاص يحصلون على فرص اكثر من غيرهم، ربما بسبب كفاءتهم الشخصية او بسبب علاقاتهم او مواقعهم الاجتماعية. التجار المقربون من الحكومة مثلا يحصلون على فرص اكثر من غيرهم، ورجال الدولة انفسهم اكثر معرفة بالفرص والموارد المتاحة للتوزيع واكثر قدرة على اختيار الافضل من بينها. على صعيد آخر فان الاثرياء اكثر استهلاكا للموارد المشتركة كمثل على هذا فان الذين يملكون السيارات يستهلكون الطرق المبنية باموال عامة يشترك فيها من يملك ومن لا يملك، والمقاولون يستهلكون الموارد البيئية «في الحقيقة يدمرون البيئة» التي يشترك في ملكيتها جميع الناس.. الخ.

فهل يتوجب على هؤلاء ان يدفعوا ثمن المنافع الاضافية التي يختصون بها دون غيرهم؟. بعبارة اخرى فان جميع الناس شركاء في المال العام الذي بني به الشارع مثلا، لكن بعض هؤلاء لا يملك سيارة ولا يستعمل هذا الطريق، وبعضهم الاخر يملك عشرات السيارات التي تستهلك الطريق اكثر من غيرها، فهل يتحمل هؤلاء نفس العبء المالي المقابل لاستهلاكهم؟. هل من العدل ان نبني باموال الفقير شارعا يستمتع به الغني؟.

مثل هذا السؤال كان مبررا لاتجاه دول كثيرة الى فرض ضرائب على الدخل، غرضها اعادة توزيع الموارد المالية بين جميع المواطنين، فالذي يملك اكثر يستهلك اكثر، والذي يستهلك اكثر يدفع ضرائب اكثر. ويبدو هذا المبدأ جذابا للوهلة الاولى، رغم انه لا يخلو من اشكالات. لكن المسالة الاكثر حيوية هي توفر الفرص المتساوية على جميع الاصعدة لجميع المواطنين. يجب القول مبدئيا ان اي بلد في العالم لا يوفر – حاليا على الاقل – فرصا متساوية تماما لجميع مواطنيه.

 لكن الحكومات تتفاوت من حيث عزمها على السير في هذا الاتجاه. ان اي حكومة لا تعتبر عادلة ما لم يكن لديها استراتيجية واضحة وعملية لزيادة الفرص المتاحة للجميع. استراتيجية تحدد اسباب التمايز والتمييز والطرق المناسبة والممكنة للقضاء عليه.

29/11/2003

حتي لا يأخذ الناس القانون بايديهم


؛؛ اذا اخذ افراد الجمهور القانون بايديهم فسوف ينتهي السلم الاهلي ونعود الى قانون البحر: السمك الكبير ياكل السمك الصغير؛؛

كل قرار تتخذه جهة حكومية يفيد شريحة من الجمهور ويضر اخرى ، والفرضية الثابتة ان تكون الشريحة المستفيدة هي الاغلبية العظمى . ويندر – بل ربما يستحيل – ان لا يكون ثمة متضرر من اي قرار . كما يفترض ان يلحظ صاحب القرار الوسائل التي تعوض الاقلية المتضررة او تخفف الاضرار التي لحقت بها.  ترى ما هو الاساس في تحديد الفائدة المفترضة وحجم الشريحة المستفيدة؟.

اهمية هذه السؤال تنبع من الحاجة الى اقناع الجمهور بان القرارات التي تتخذها الدوائر الحكومية تستهدف – فعليا – ضمان مصالحه . ثمة قرارات تراها النخبة الرسمية ضرورية ، لكن الجمهور ينظر اليها بارتياب ، او ربما يرى فيها اضرارا بمصالحه . وربما تفيد شريحة واسعة وتضر اخرى . في كلا الحالتين ، فان تكرار هذه الممارسة ، دون الاخذ بعين الاعتبار وسائل التعويض عن اضرار القرار ، قد تؤدي الى تبلور فكرة " ما حك جلدك مثل ظفرك " . هذه الفكرة العميقة الجذور في الثقافة الشعبية ، هي الاساس لما يوصف اليوم باخذ القانون باليد . وهي تتبلور اذا شعرت شريحة من الجمهور بان صاحب القرار لا يسمع صوتها ، او ليس مهتما بمصالحها ، او عاجز عن حمايتها . عندئذ يتنادى البعض الى فرض قانونهم الخاص ، اي اخذ ما يعتبرونه حقا بيمينهم ولا يلقون بالا الى القانون العام او هيبة الدولة .

كل مواطن ، سواء كان في السلطة او خارجها ، معني بتوفير الوسائل التي تضمن النظام العام ، وفي ظني ان ابرز تلك الوسائل هي رضى الجمهور.

في مثل بلادنا فان ما يفيد الجمهور وما يضره يتقرر في اجتماعات تضم عددا محدودا ممن يوصفون بالنخبة ، وهم اما موظفون تنفيذيون او مستشارون. في كل هذه الحالات فان صوت الاغلبية العظمى من الشعب ، اي الشريحة المستهدفة بالقرار ، غائب تماما . وهذا يثير امامنا السؤال الذي طالما أرق علماء السياسة : هل تستطيع النخبة الاحساس بحاجات الجمهور العام كي تقرر ما يصلح له وما لا يصلح ؟ . بديهي ان بعض قومنا سيجيب بسؤال آخر : وهل يستطيع عامة الناس تقرير ما يفيدهم وما يضرهم ؟ . او – بكلمة اخرى – : هل بلغوا سن الرشد ؟.

- منذ زمن طويل افترض الفلاسفة اليونانيون (ارسطو وافلاطون مثلا) ان العيب الاكبر للديمقراطية هو مساواتها راي رجل الشارع براي العالم حين يتعلق الامر باتخاذ قرار او وضع قانون. وتأسيا بدعوة افلاطون الى حكومة النخبة ، فقد مال معظم قراء التراث من قومنا الى هذا المنحى ، ذلك ان افضل ما في الفكر السياسي الذي ورثناه ، لا يعدو ان يكون اعادة انتاج لما ترجم عن الفلسفة اليونانية.

 بين تلك الازمان وهذا الزمن ، حدث تغيير في غاية الاهمية ، ربما لم يلحظه كثير من قراء التراث ، الا وهو تحول قاعدة الحق او ما يسمى اليوم بمصدر السلطة . قاعدة الحق هي جواب على سؤال فحواه : باي مسوغ يجوز لزيد من الناس ان يأمر وينهى ويتصرف في حياة الغير واموالهم ، اي يمارس السلطة ؟ . وفي الماضي كان الجواب على هذا السؤال يقول ان الكفاءة هي التي تعطي هذا الحق . وبالتالي فان النخبة ، لا سيما تلك التي جرى استيعابها في اطارات الدولة المختلفة ، هي الموصوفة بالكفاءة ، والتي تملك – بالتالي – الحق في تقرير واجبات الناس وحقوقهم . في العصور الحديثة تغيرت هذه القاعدة كليا ، فتحولت من مصدر للحق الى شرط لممارسته . اما مصدر الحق فاصبح رضى الجمهور. بكلمة اخرى ، فان حق زيد في ممارسة السلطة قائم على رضى الجمهور بزيد وقبولهم بممارسته لهذا الحق ، اما الكفاءة فـتأتي كشرط فرعي او متأخر.
- سيقول سائل : ان هذا التحول ليس تطورا الى الافضل ، بل ربما هو اقرب الى التراجع ..

وقد اجيب عليه بان التحول المذكور نتج عن تطور سابق ، الا وهو تحول مفهوم الشعب من وصف "الرعية" الذي اشتهر في الازمان القديمة الى وصف "المواطن" الذي اصبح من اركان علم السياسة المعاصر. مفهوم الرعية يوحي بالتبعية المطلقة ، وهي تنطبق تماما على جمهور غافل القى ازمة امره الى سيد ذكي ينوب عنه في التفكير والتخطيط وتحديد ما هو صحيح وما هو باطل .

في الازمان الحديثة ، فان كل فرد من الشعب هو مواطن ، يتساوى مع غيره من المواطنين على قاعدة المشاركة في التراب ، اي المنطقة الجغرافية المحددة باعتبارها دولة قومية. بناء على المساواة المذكورة ، فانه لم يعد لشخص محدد الحق في ان يقرر بمفرده انه متفوق على الغير . لا بد ان يوافق الاخرون على هذا التصور فيمنحونه الحق في امرهم ونهيهم . هذا المفهوم هو ما يسمى اليوم بالشرعية السياسية . ان شرعية القرار تنبع من قبول عامة المواطنين بالاساس الذي يقوم عليه.

 لا بد ان تكون المصالح المنظورة في اي قرار مقبولة من جانب اغلبية الشعب ، ولا بد من تعويض الاقلية عما سيترتب عليها من اضرار من جراء تطبيق القرار . وهذا هو السبيل الوحيد – ضمن الظروف الحالية – لتلافي ميل الجمهور ، او بعض فئاته ، الى اخذ القانون بيدها بدلا من الخضوع للقانون العام الذي يفترض ان يتساوى تحته الوزير والغفير. ان الشرعية السياسية مثل الكائن الحي ، تقوى وتضعف وتتأثر بعوامل البيئة المختلفة ، ولا بد اذن من الاهتمام بصيانتها ، لانها الاساس في تثبيت استقرار البلاد ونظامها العام.

عكاظ 29 -11- 2003

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...