06/11/2012

قبل ان نفقد الامل


مؤتمر الحوار الوطني الثاني في ديسمبر 2003 كان علامة فارقة في تاريخ المملكة الحديث. واذكر شخصيا ان مشاعر الناس ونقاشاتهم ، قد تغيرت في لغتها ونوعية الهموم والمشاغل التي تدور حولها، وصراحتها في التعبير عن قضايا الشأن العام.
كان هذا الحوار فرصة للاقرار بالتحولات الجارية فينا وحوالينا. نحن - مثل بقية خلق الله – نتغير ، وتتغير معنا انظمة المصالح التي نحن جزء منها ، ومنظومات القيم التي نبرر بها اراداتنا ، والعلائق التي تتشكل على ضوء تلك الارادات والمصالح.
الرعاية الرسمية للحوار الوطني كانت استجابة جزئية لمطالب وردت في وثيقة "رؤية لحاضرالوطن ومستقبله" التي لخصت ابرز هموم النخبة الاهلية السعودية. تلح على ذهني هذه المناسبات الوطنية الجليلة كلما قرات الصحافة المحلية هذه الايام. اشعر اننا بحاجة ماسة الى حوار وطني بمستوى جديد ، يتناسب مع التحولات التي شهدتها بلادنا ومحيطنا الاقليمي والعالم من حولنا خلال عقد من الزمن.
المثقفون والنخبة والطبقات الجديدة ، وبينهم من شارك في الحوار الوطني، يتحدثون عن قضايا تستدعي مناقشات صريحة يشارك فيها المواطنون ورجال الدولة.
-          هل يلد الحوار الذي ندعو اليه حلولا لمشكلاتنا؟
اعتقد ان الحوار يمهد ارضية الحلول. فهو يوضح حدود المشكلات ويساعد في ترتيب اولوياتها. المتابعون للشان العام يعلمون ان المشكلات التي تعرضها الصحافة ليست سوى راس جبل الثلج. ونفهم ان النوايا الحسنة والارادات الطيبة لدى بعض رجال الدولة، لا تكفي لحلها. ونفهم ايضا ان بعض ما نعانيه معقد ومتشابك على نحو يجعل التبشير بحلول سريعة مثيرا للارتياب اكثر مما يعزز الامل.
المؤكد اننا لا نستطيع حل مشاكلنا دفعة واحدة. لكن الانتظار الطويل يضعنا امام تحد اشد خطورة ، الا وهو تحول تلك المشكلات الى ناقض للنظام الاجتماعي. انظر الى تعبيرات كتاب الراي في الصحافة المحلية ، وانظر الى تعبيرات مختلف الناس في مواقع التواصل الاجتماعي. من يقرأ منطقها الضمني سيجد انها تشيرالى اقترابنا من ذلك التحدي الخطير. المنطق الضمني في كثير من هذه الكتابات يقول : "لا احد يهتم ، لا احد يريد ، لا احد يستطيع".
حل مشكلاتنا يبدأ بالاتفاق على حدودها وابعادها. ولاننا لا نستطيع حلها جميعا ، فلا بد من سلم اولويات مقبول. وازعم ان لدى النخبة الاهلية الكثير من الافكار القيمة الضرورية لتوضيح المشكلات وحلولها. في هذا الزمن لم يعد المجتمع مستعدا كي يخبره الاداريون بمشكلاته ، ثم يفرضوا عليه تصوراتهم عن حلولها. هذا زمن يريد الناس ان يكونوا شركاء في تحديد مشكلاتهم واختيار حلولها.
اعتقد ان الحاجة ماسة هذا اليوم كي تبادر الحكومة بعقد دورة حوار وطني اكثر تقدما من سابقاتها ، حوار يركز على تحديد اولويات القضايا التي تشغل بال السعوديين ، ومناهج العلاج التي يرونها. اتمنى ان نرى مبادرة رسمية تعيد الامل الى الناس بان هناك من يهتم وان هناك من يريد وان هناك من يستطيع.
الاقتصادية 6 نوفمبر 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...