23/03/1997

مباديء اهل السياسة ومصالحهم


لم يبخل احد من الحركيين الاسلاميين في عرض الادلة ، على ان موقفه خلال الاجتياح العراقي للكويت في اغسطس 1990 ، كان تعبيرا عن مصلحة مؤكدة للاسلام كدين وللمسلمين كأمة ، لكن ولسوء الحظ ، فإن هذه المواقف تباينت الى حد التناقض ، وترتب عليها اتهامات متبادلة من جانب المتعارضين ، في الادلة والاسباب التي حملتهم على اتخاذ مواقفهم ، واعتبر كل من الطرفين ان الآخر لم يَرْعَ متطلبات معينة في الشريعة ، يعتقد أنها أولى بأن تقدم في الاعتبار  .

ستجد ان هذا الاختلاف في الموقف ، كان هو السائد ايضا وسط التيارات الاخرى غير الاسلامية ، بل يمكن القول ان الجماعات السياسية في كل بلد قد تبنت الموقف الذي ساد في بلدها ، بغض النظر عن متبنياتها الفكرية الخاصة ، وفي هذا اشارة الى ان الاساس الذي بني عليه الموقف لم يكن تنظيرا ايديولوجيا مجردا ، بل ادلجة للتوجهات الاجتماعية التي هي نتاج خالص لشروط البيئة الاجتماعية وانعكاساتها ، والفرق كبير بين العودة الى مجردات الايديولوجيا ، وبين وضع التوجهات المجتمعية في اطار ايديولوجي ، ففي هذه الحالة ستكون الايديولوجيا مجرد مصدر لتبرير الارادات الخاصة او العامة ، وليست اساسا للحكم ، فهي محكومة بالمجتمع وليست دليلا له  .

تناقض المواقف

رأى الاسلاميون في الخليج ان الغزو بما هو عدوان ، وتضييع للحقوق وانتهاك للحرمات ، هو اولى بان يكون الأساس في التقدير ، وان ما تبعه من تطورات ، ولاسيما الإستعانة بغير المسلمين في رد المسلم المعتدي ، انما هو تسلسل للضرورة الاولى المتمثلة في الاعتداء ، وليس حدثا منفصلا يتطلب موقفا منفصلا عن الأول ، خاصة مع عدم التمكن من رد العدوان بأي وسيلة أخرى .

 اما الاسلاميون من الدول الاخرى فاختلفوا أولاً في تقييم الحدث الاول وهو الغزو ، فرأى معظمهم انه غير مقبول ، بالنظر الى ما يرتبه من آثار عامة ، حتى مع التحفظ في التفاصيل ، لكن معظمهم عاد ـ من ثم  ـ الى اعتبار موضوع الغزو ثانويا ، بعد ان تدخلت القوات الاجنبية في المعركة ، بناء على ان الحرب بين الكافر والمسلم ، توجب نصرة المسلم مهما كانت طبيعة القضية .

وقد حدث تلاوم كثير بين اصحاب هذا الاتجاه واصحاب الاتجاه الآخر ، أدى من الناحية الفعلية الى انشقاق في التيار الاسلامي ، شبيه للانشقاق الذي احدثته الازمة على مستوى الحكومات العربية ، ووصف الخليجيون الاخرين بأنهم مكيافيليون ، تنبع مواقفهم من الرغبة في الاستثمار السياسي السريع المردود ، بينما وصف هؤلاء اولئك بالسطحية في تقدير الامور ، والنظر اليها من زاوية المصالح الشخصية ، والخوف على نعيم الحياة الذي يمثل مجتمع الخليج البترولي رمزه الابرز .

ومع ان هذه الاوصاف هي نتاج للانفعال الفوري بانعكاسات الازمة ، ويصعب التدليل على صحتها او سقمها ، الا انها من ناحية اخرى ، تكشف عن قبول الطرفين باعتماد (المصلحة) اساسا في تقييم الموضوعات واتخاذ المواقف .

وربما بدا هذا الاستنتاج بديهيا لكثير من القراء ، فليس ثمة عاقل الا وهو يلاحظ مصالحه حين يقدم على اي عمل ، لكن الامر ليس بنفس العفوية في الحياة السياسية ، فعلى الرغم من ان الاكثرية الساحقة من السياسيين والنشطين في المجال الاجتماعي ـ اذا لم نقل جميعهم ـ يؤسسون مواقفهم المكتومة  والمعلنة على (المصلحة) التي يرونها لانفسهم او للوسط الاجتماعي الذي يعتمدون على دعمه ، المصلحة الفورية عادة ، والبعيدة الامد في بعض الاحيان ، الا ان الجميع يتنصل من هذه الحقيقة ، وربما اعتبر مثل هذا القول ( تهمة ) تستوجب النفي والتكذيب ، وهو يجاهد بكل ما استطاع للتدليل على ان مواقفه وأراءه ، هي التجسيد الكامل والدقيق لمرادات الايديولوجيا التي يتبناها (الشريعة او غيرها) .

وبالنظر الى غموض العلاقة بين فكرتي المصلحة والمبدأ ، فقد اصبح من الاعتيادي ان ينظر الى فريق من السياسيين ، باعتبارهم مبدئيين ، والى غيرهم باعتبارهم مصلحيين (او براغماتيين حسب التعبير المتداول حاليا) ويشار الى الفريق الاول باعتباره اكثر تمسكا بالعقيدة ، والى الثاني باعتباره متحررا ، والحقيقة ـ كما هي في الحياة السياسية على اقل التقادير ـ ان الفريق الاول لا يختلف عن الثاني ، في اعتبار المصلحة العاجلة او البعيدة الامد منطلقا واساسا لمواقفه العملية ، وغاية ما يميزه عن منافسه هو قدرته اللغوية او المعلوماتية ، التي تتيح له عرض موقفه في اطار يبدو لصيقا بالايديولوجيا ، بينما يفتقر الثاني الى البراعة اللفظية والاعلامية التي يتمتع بها الاول .

من الواضح ان فكرة ( المصلحة ) والتاسيس عليها والدفاع العلني عنها ، غير موجودة ، او لنقل ـ على سبيل التحفظ ـ انها غائبة في الثقافة الاسلامية المتداولة ، ولا سيما الشعبية ، ولذلك نجد ان الخطاب الرسمي كالخطاب الشعبي تماما ، يتحدث عن علاقة الدولة بالمجتمع ، وعلاقة الدولة بالدول الاخرى ، وعلاقة الاطراف الاجتماعية ببعضها باعتبارها تجسيدا لقيم او متبنيات ذات ظلال معنوية بحتة ، بينما هي في الواقع ، وينبغي ان تكون ، تعبيرا عن مصالح تتقارب او تتباعد ، ان اقرب الاصدقاء في السياسة قد تبعده مصالحه عنك ، كما قد تقربك مصالحك الى البعيد القصي ، وبالنسبة للزعيم او الجماعة السياسية ، فان صدقيتها في تبني مصالح المجتمع الذي تدعي تمثيله ، ستكون رهينة  بمدى حرصها على تحقيق مصالحه المباشرة والمحددة ، وليس في انسجامها مع متبنياتها الايديولوجية التي تخصها وحدها ، حينئذ فان المبدئية الحقة ستكون في حجم الانجازات المحققة للجمهور ، أي في قدرتها على تحقيق المصلحة العامة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...