09/08/2017

العلمانية على الطريق


||الجدل الحالي حول العلمانية في العالم العربي ، لا سيما منطقة الخليج، يشير إلى تحول ملموس نحو القبول بالتعددية على المستوى الفكري والاعتقادي، وسيادة القانون على المستوى السياسي والاجتماعي||
عاد الجدل حول العلمانية إلى منتديات الخليج بعد الحديث المشهور لسفير دولة الإمارات في واشنطن. كانت الصحافة السعودية قد شهدت جدلاً أوسع في مطلع العقد الجاري، محوره المفاضلة بين الدولة الدينية والمدنية. وانقسم الناس يومذاك – كما اليوم – بين داعٍ للعلمانية وبين رافض لها من الأصل، وبين من يناقش في التفاصيل.
المقارنة بين جدل اليوم وجدل الأمس، تكشف أن بعض رافضي العلمانية في 2012 يميلون اليوم إلى التعامل معها كاحتمال ممكن، مع بعض التعديلات. ونشير إلى أن الجدل حول المسافة بين الدين والعلمانية، شأنه شأن كل القضايا المرافقة للتحول الاجتماعي، يتصاعد أو يتراخى بتأثير الصراعات السياسية، التي لا يخلو منها بلد عربي. ولذا فإنك لا تطمع في نقاش ثقافي متراكم، قدر ما تراقب التحولات الإجمالية على الخط الممتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
أظن أن النقاشات الأولى قد لفتت أنظار الإسلاميين إلى أعمال المرحوم د. عبد الوهاب المسيري، سيما كتابه «العلمانيةالجزئية والعلمانية الشاملة». وأرى أن كتاب المسيري يصلح للقارئ الأوروبي أكثر مما يصلح للقارئ العربي؛ فهو ينطلق من فرضية مكتومة إلى حد ما، فحواها أن العلمانية متحققة فعلاً، وأنها تفرز مفاعيلها الفلسفية والثقافية والمادية، وتؤثر في البنية العميقة للمجتمع. وهذه فرضية قد تكون صحيحة في المجتمعات الصناعية. لكنني أظنها غير واقعية في المجتمعات العربية.
د. عبد الوهاب المسيري

ركز الكتاب على مخاطر المادية المفرطة وتغوّل رأس المال. وتبنى مقاربة طورها فلاسفة أخلاقيون غربيون، تحذر من تسليع الإنسان. وقد بسط النقاش في موضوع العلمانية وفصله، على نحو يقود القارئ – المتشدد خصوصاً – إلى رؤية تفارق الثنائية التقليدية التي تقرن العلمانية بالكفر، وتضع الدين والعلمانية على طرفي نقيض. وهي ثنائية تنطوي على محمول رمزي وعاطفي لا يسمح بتفكير واقعي.
احتمل أيضاً أن تأملات الإسلاميين في التجربة الناجحة لحزب «العدالة والتنمية» التركي، قد أسهمت في تعزيز مفهوم الدولة المدنية، التي تسمح بنوع من التعايش بين المشاعر الدينية والحكم المدني، في ظل قانون يحمي التنوع الثقافي والتعددية السياسية. وأذكر أن الرئيس رجب طيب إردوغان أثار جدلاً واسعاً في سبتمبر (أيلول) 2011 حين دعا المصريين إلى وضع دستور يحترم مبادئ الدولة المدنية. وصرح في حديث لقناة مصرية بأن «العلمانية ليست معادلة رياضية تطبق في كل مكان على نحو واحد. العلمانية تحترم كل الأديان ولا تنفي الدين أو تدعو إلى اللادينية. الحكومة التركية تطبق العلمانية، لكن الشعب حر في التدين وفق ما يعتقد».
زبدة القول إن الجدل الحالي حول العلمانية في العالم العربي، ولا سيما منطقة الخليج، يشير إلى تحول ملموس نحو القبول بالتعددية على المستوى الفكري والاعتقادي، وسيادة القانون على المستوى السياسي والاجتماعي. يجب القول إن هذا التحول لم يصل بعد إلى مراحل متقدمة، وإن مسافة طويلة تفصلنا عن مرحلة النضج، حين يتعامل المجتمع والقوى الناشطة فيه خصوصاً، مع حرية التفكير والاعتقاد وحاكمية القانون، كمسلمات وضرورات للحياة المدنية السليمة.
هناك بطبيعة الحال متشائمون يشيرون دائماً إلى تصريحات هذا الزعيم أو ذاك، كدلالات على أننا لا نزال في المربع الأول. لكن ما أظنه مهماً هو الحراك الاجتماعي الواسع، الذي يكشف عن تحول تدريجي في البنية وأنماط التفكير، قد لا نرى نتائجها سريعاً، لكننا نستطيع لمس بواكيرها.
الشرق الاوسط 9 اغسطس 2017 http://aawsat.com/node/994501
 مقالات ذات علاقة

02/08/2017

حول التفسخ السياسي

||يؤدي اهتمام الجيل الجديد بالشأن العام الى تصاعد تطلعاته ، بالتوازي مع اعتقاد ميتافيزيقي فحواه ان الحكومة تستطيع فعل كل شيء اذا ارادت||
رغم سمعته السيئة بين العرب ، فان صمويل هنتينجتون يعتبر واحدا من أهم علماء السياسة الامريكان. وله مساهمات مؤثرة في بحوث التنمية. وأشير مثلا الى دراسته الهامة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي" التي تعد الآن نظرية قائمة بذاتها. نشرت هذه المقالة في 1965 ، وأثارت اهتماما كبيرا يومئذ. ثم تجدد الاهتمام بها في السنوات الاخيرة ، بعدما ناقشها بالتفصيل المفكر المعروف فرانسيس فوكوياما ، في كتابه المسمى "النظام السياسي والتفسخ السياسي". وفوكوياما تلميذ سابق لهنتينجتون.
نتيجة بحث الصور عن ‪SAMUEL hUNTINGTON‬‏
تنطلق نظرية هنتينجتون من فرضية محورية ، فحواها ان التحديث والتنمية ، سواء ركزت على المجال السياسي او الاقتصادي ، تولد بالضرورة تسارعا في الحراك الاجتماعي ، وزيادة مفرطة في اهتمام الاجيال الجديدة بالمجال العام ، وما يدور فيه من اسئلة ومشكلات. بعبارة أخرى فان قضايا الدين والسياسة والاقتصاد ، التي كانت حكرا على نخبة المجتمع ، تتحول الان الى موضوع اهتمام لعامة الناس ، سيما الشباب المتعلم الذي يشكل اكثرية نشطة في المجتمعات النامية.
يؤدي اهتمام الجيل الجديد بالشأن العام الى تصاعد تطلعاته ، بالتوازي مع اعتقاد ميتافيزيقي فحواه ان الحكومة تستطيع فعل كل شيء اذا ارادت. وأن كل مطالبه قابلة للتنفيذ لو استمعوا اليه. لكن هذا تصور غير واقعي. حين تجمع ما يريده الناس وما يتوقعونه ، فسوف ترى مجموعة مستحيلة الانجاز في أي ظرف. لكن كل فرد ينظر من زاويته الخاصة ، فيرى تطلعاته سهلة التنفيذ.
انفجار التطلعات والتوقعات المتفائلة ، يولد ضغطا منهكا على الادارة الحكومية ، التي – تبعا لقانون الندرة - لا تستطيع سوى تلبية القليل. وهذا بدوره يولد الاحباط بين الشباب ، ويوسع الهوة بينهم وبين الدولة ، ويفتح الباب امام انكسارات أمنية واجتماعية.
ان تأخر الدولة في استيعاب الحراك الاجتماعي الجديد ، سيقود الى ما أسماه هنتينجتون بالتفسخ السياسي ، اي تراخي الشعور بالمسؤولية ، وطغيان الاحاسيس السلبية والاحباط وعدم الفعالية على المجتمع الوطني ككل.
يعتقد هنتينجتون ان جميع المجتمعات النامية ستمر بهذا السيناريو في وقت ما. ولذا فهو يدعو الى علاج من ثلاثة أجزاء:
 أولها الاهتمام بتعزيز قوة الدولة وكفاءتها. انفجار التطلعات في ظل حكومات ضعيفة ، يولد بالضرورة فراغا سياسيا أو أمنيا ، ربما يطيح بالسلم الاجتماعي. مفهوم الدولة القوية الذي نتحدث عنه هنا ، يعني بالتحديد الفعالية والكفاءة والالتزام بفرض القانون ، وليس القهر والتسلط. الدولة القوية تدير عملها باتزان ، وهي في الوقت نفسه فعالة وسريعة الاستجابة للجمهور.
 الجزء الثاني هو تعزيز النظام المؤسسي ، وتطوير القانون والادارات التي تتعامل مباشرة مع الجمهور ، أو تلك التي يؤثر عملها على حياة الجمهور ، على نحو يجعلها أكثر مرونة واستجابة للمطالب والحاجات المتغيرة.
اما الجزء الثالث فهو تشجيع الاجيال الجديدة على "عقلنة" مطالبها وتطلعاتها ، من خلال إدماج المطالب الفردية المتعددة في مطلب عام ، والنضال لتحقيقها من خلال مجهوداتهم التعاونية ، أو من خلال المنظومات القانونية القائمة. ومفتاح هذا الجزء هو منظمات المجتمع المدني التي تستوعب المطالب الفردية وتدمجها ، كما تساعد على اكتشاف المسارات التي تمكن من تحقيقها في إطار القانون العام والموارد المتاحة ، أو تذهب بها الى المرحلة التالية ، اي اتخاذها مبررا لاستحداث موارد جديدة ، او مسارات قانونية جديدة ، تستوعب الحاجات التي لم تلحظ من قبل.
الشرق الاوسط 2 اغسطس 2017 http://aawsat.com/node/988616
مقالات ذات علاقة



رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...