08/02/2017

وراء تصريحات ترمب وتهديداته



العالم ، شرقا وغربا ، مشغول بالرئيس الامريكي الجديد ، نظرا لغرابة طروحاته والتباين الواضح بين مارآه الناس في شخصه ، وبين الصورة الذهنية المعتادة عن سادة البيت الأبيض. فوز باراك اوباما بالرئاسة في 2008 كان هو الآخر استثنائيا ومفارقا للمألوف ، رغم التباين بين الرجلين وطبيعة ردودالفعل على فوز كل منهما. وأذكر للمناسبة مارواه صديق حضر الاحتفال بإعلان نتائج الانتخابات في السفارة الامريكية. يقول الصديق ان السفير ، وهو جمهوري ذو ميول محافظة ، كان لايخفي قلقه من فوز اوباما. لكنه صعد المنصة فور اعلان النتيجة ، والقى خطبة عصماء ، بكى في أولها ، ثم قال ما مضمونه ان فوز اوباما يمثل في محتواه الرمزي انتصارا للذات الانسانية العميقة التي تحن للإنصاف والفضيلة ، وتعبر عن الصورة التي يريدها الأمريكيون لأنفسهم ، حتى وان اخفقوا في تجسيدها في غالب الأحيان.
اوباما يخطب في برلين
واظن ان الترحيب الواسع الذي حظي به فوز اوباما على امتداد العالم ، لا تختلف دواعيه عن تلك التي أبكت السفير. يتوقع العالم ان يرى الدولة الأقوى – بل أي دولة - ملتزمة بفضائل السياسة واخلاقياتها ، وعلى رأسها الانصاف والمساواة.
اهتمام العالم بفوز ترمب مختلف تماما عما حظي به اوباما. فهو يعبر عن القلق مما ينتظره في العهدالجديد. بينما ولد انتخاب أوباما قدرا من اليقين والكثير من الأمل ، في ان الدولة العظمى الوحيدة ، تعود للاعتدال في التعامل مع ذاتها ومع العالم.
زبدة القول ان الترقب وعدم اليقين هو المحرك العميق لانشغال العالم بالرئيس الجديد. ومحوره هو تصريحات ترمب حول العلاقات الدولية ، مثل حديثه عن الغاء اتفاقية باريس للمناخ ، والزام أوربا بتحمل نفقات الحلف الاطلسي ، وحديثه عن جدار المكسيك ، وخطة القضاء الفوري على داعش ، وتهديده بالغاء الاتفاق النووي مع ايران. هذه جميعا تكشف عن نمط متشدد في العلاقات الدولية.
لكن التدقيق في مجموع وعود ترمب (وتهديداته) قد يعزز فرضية ان "العامل الداخلي" هو موضع اهتمامه الوحيد. جميع احاديث الرئيس خلال الحملة الانتخابية وبعد فوزه بالمكتب البيضاوي ، تدور حول مسلمة رئيسية هي ان الولايات المتحدة قوية بما يكفي كي تستغني عن الدول الاخرى ، اقتصاديا وأمنيا. وان على الحكومة ان تلعب دور صانع المشهد ، وان تجسد تلك القوة في سياساتها الداخلية والخارجية. تنصرف هذه المسلمة الى معنيين على وجه التحديد:
الاول:  ان الولايات المتحدة لا تتحمل كلفة اصلاح العالم أو حمايته. واذا شاركت ، فان حصتها من الكلف لن تزيد عن حصة الآخرين. وان مساعدة الولايات المتحدة للاخرين يجب ان تحسب على اساس تجاري وليس على اساس اخلاقي او سياسي بحت.
الثاني: مهمة الحكومة هي المحافظة على ازدهار بلادها. وهذا ينصرف تحديدا الى المعنى الاقتصادي دون غيره. ويشمل معالجة البطالة ، خفض الضرائب ، زيادة الصادرات ، وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية.
اذا صح هذا التحليل ، فعلينا الانتظار بضعة أسابيع ، ريثما تبدأ الادارة الجديدة في مواجهة استحقاقات السياسة العادية. عندها سيتحدد مدى التحول الذي يمكن للبيت الأبيض فرضه في المشهد المحلي والدولي. وأحتمل ان ابعد تقدير لزمن الاختبار هو قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها في المانيا مطلع يونيو. الشهور الاربعة التي تفصلنا عن موعد القمة ستكون مختبرا لمعرفة ماذا سيفعل ترمب في السنوات الاربع القادمة. واحتمل ان معظم انعكاساتها سيكون باتجاه الداخل الامريكي وليس العالم.
الشرق الاوسط 8 فبراير 2017
http://aawsat.com/node/849256

01/02/2017

ترمب على خطى يلتسن



أحتمل ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسرور جدا بسياسات نظيره الامريكي دونالد ترمب. ليس فقط لأن ترمب يحاول ردم الفجوة التي اتسعت بين البلدين منذ استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم أوائل 2014. بل أيضا ، وربما بدرجة أكبر ، لأن تلك السياسات ستؤدي - موضوعيا - الى تراجع الحضور الأمريكي في السياسات الدولية ، مما يوسع الطريق امام بوتين ، الساعي لاحياء مكانة روسيا كقطب ثان في النظام العالمي.
الرئيس الروسي بوريس يلتسن (يسار) مع الرئيس الامريكي كلينتون (يمين)

المقارنة بين التوجهات الحالية للرئيسين تذكر بمقارنة عكسية بين الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن ونظيره الامريكي جورج بوش ثم بيل كلينتون خلال الفترة من 1991 حتى 1999. تولى يلتسن الحكم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وتبنى في ولايته الاولى سياسة انكماشية محورها الاهتمام بالداخل الروسي ، واغفال دورها التقليدي في الساحة الدولية. لكنه سرعان ما اكتشف الثمن الفادح للانكماش. فقد أمست روسيا دولة ثانوية مثقلة بالديون ، تلهث وراء السياسات الامريكية ، بعدما كانت منافسها الرئيس في العالم.
في المقابل تبنى الرئيس بوش الأب ومن بعده كلينتون ، سياسة دولية نشطة ، حولت واشنطن الى موجه شبه وحيد لسياسات العالم. وأثمرت عن تصفية النفوذ الروسي في اوربا وافريقيا ، واضعافه بشكل ملموس في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
حين انتبه يلتسن الى هذه الحقيقة في ولايته الثانية ، وجد الوقت قد فات ، ولم يعد بالمستطاع بعث الموتى. والحقيقة انه بذل جهدا خارقا لاقناع الصين بالتعاون معه لاعادة احياء القطبية الثنائية. لكن الصينيين لم يثقوا في جديته. في ديسمبر 1999 ، قبل اسبوع واحد من انتهاء ولايته ، كان يلتسن قد خرج للتو من المستشفى ، حين تحامل على أوجاعه وقام بزيارته الاخيرة للعاصمة الصينية ، في محاولة أخيرة لاقناع زعمائها بجدوى التحالف مع موسكو.  لكن الصينيين المولعين بالتخطيط الاستراتيجي ، لم يروا في الرجل سوى مغامر شعبوي ، تثيره المشكلات الآنية ، ولا يلقي بالا للاستراتيجيات طويلة الامد.
يبدو ان بوتين تعلم الدرس جيدا اثناء عمله مع يلتسن. منذ توليه السلطة في مايو 2000 ، ركز بوتين على استعادة موقع روسيا في الساحة الدولية عبر تخطيط صبور وطويل الأمد. ولعل مبادراتها الاخيرة في سوريا تعكس احد الوجوه البارزة لهذا الدور الجديد.
تذكرت المقارنة بين شخصية ترمب ويلتسن خلال قراءتي لمقال يدعي ان سيد البيت الأبيض يتفاعل مع أخبار التلفزيون ، أكثر من تقارير الاجهزة المتخصصة كالاستخبارات ووزارة الخارجية وغيرهما. انه رجل مؤمن بشخصه أكثر من ثقته بالمؤسسة التي يديرها. ولهذا يعول على انطباعاته الآنية في تكوين الاراء والمواقف. ولعله يبادر لكتابة تغريدة على حسابه في تويتر ردا على ما سمعه في التلفزيون ، بدلا من تحويل المسألة الى وزارة الخارجية او مكتب الناطق الرسمي للبيت الأبيض ، الأكثر احترافا في هذا الشأن. وقيل ان هذا بالضبط ما حصل في الجدل المعروف حول لقائه مع الرئيس المكسيكي ، الذي الغي بتغريدة على تويتر.
من المحتمل ان يعيد ترامب مراجعة سياساته ، سيما مع ما يبديه الحلفاء الاوروبيون من رفض صريح او ضمني ، فضلا عن تململ النخبة في امريكا نفسها. من المحتمل ايضا ان يصر على منهجه. وفي هذه الحالة فهو يوفر الفرصة الذهبية التي تمناها نظيره الروسي الطامح لتقليم أظافر واشنطن في العالم ، مثلما فعلت هي بموسكو في عهد سلفه. 
الشرق الاوسط 1 فبراير 2017 
http://aawsat.com/node/843781

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...