09/11/2016

بين الهند والموصل: اسرار الوحدة والخصام

للوهلة الأولى تبدو فكرة تقسيم محافظة نينوى (الموصل) حلا سحريا للتنازعات السياسية بين سكانها ، الذين ينتمون الى جماعات مذهبية واثنية مختلفة. كنت قد أشرت في الاسبوع الماضي الى هذا الاقتراح ، الذي تتبناه شريحة من الموصليين. ومبرر هؤلاء ان تمكين كل مجموعة عرقية او دينية من ادارة مدينتها ، سوف ينهي حالة الارتياب التي سممت العلاقة بين السكان. ولفت نظري ان قراء كثيرين وجدوا هذا الاقتراح حلا معقولا. تمثل "نينوى" نموذجا مصغرا للعراق المتنوع دينيا ومذهبيا واثنيا. هذا التنوع جعلها بؤرة للتجاذب السياسي بين قوى الداخل والخارج.

فكرة الفصل الاداري مطبقة في بلدان كثيرة. وقد تحولت في السنوات الخمس الماضية ، الى مطلب شعبي في العديد من المجتمعات العربية. لكن الاعتقاد بانها حلال المشكلات ، فيه تبسيط شديد لا يخفى على اللبيب.
من نافل القول انه لا يوجد مجتمع سياسي في العالم كله ، يتألف من نسيج احادي. بمعنى ان جميع سكانه ينتمون الى قومية واحدة ودين/مذهب واحد. وحتى لو حصل هذا يوما ما ، فان ابناء عائلة واحدة – فضلا عن بلد بأكمله - قد تختلف مصالحهم وتوجهاتهم الفكرية او السياسية ، فيذهب كل منهم في طريق. وفي حال كهذه فان وحدة الدم والانتماء ستكون مجرد رابطة ثانوية ، ضئيلة التأثير على الخيارات الحياتية للافراد. وهذا أمر مشهود في عالم اليوم.
من هنا فانه من غير المنطقي ، الاعتقاد بان مشكل الاختلاف والتنازع سينتهي ، اذا اعدنا تشكيل الجغرافيا السياسية على اساس وحدات عرقية او دينية متمايزة. ان وحدة الدين او المذهب او القبيلة او العرق او الجنس ، ليست اساسا كافيا لتوحيد المصالح السياسية والحياتية ، فضلا عن صيانتها على مدى زمني طويل.
لعل المقارنة بين البلدين الجارين ، الهند وباكستان ، تكشف هذه المفارقة في أجلى صورها. يعترف الدستور الهندي ب 21 لغة ، اضافة الى الانكليزية. وهناك عشرات اخرى من اللغات واللهجات المحلية. ويرجع الشعب الهندي الى اعراق عديدة. وثمة خمسة اديان رئيسية ، الا ان عدد الديانات والطوائف القائمة فعلا ، يزيد عن 300 دين ومذهب. لكن الوحدة الوطنية لجمهورية الهند لم تتعرض لتحد خطير منذ تاسيسها في 1947.
اما الباكستان التي تاسست في العام نفسه ، فهي تواجه منذئذ نزاعات داخلية متلاحقة. وقد انفصل نصفها الشرقي في 1971. يشكل المسلمون اغلبية ساحقة في باكستان ، والنظام فيها فيدرالي مقسم الى اربع ولايات ، تضم كل منها اغلبية من قومية واحدة.
قارن الان بين البلدين من حيث الاستقرار السياسي والاقتصادي والحراك العلمي والتقني. واسأل نفسك: ما الذي يجعل الهند ، المتعددة الاديان والاعراق واللغات ، مستقرة وناهضة ، بينما تغوص جارتها الاحادية الدين واللغة ، في مشاكل ونزاعات داخلية لا تنتهي؟.
الاختلاف الديني او المذهبي او العرقي ، يمكن ان يتسبب في تنازع داخلي. لكنا نعلم ان هذا ليس سبب انعدام الاستقرار في باكستان ، ولا هو سبب الحرب الاهلية في ليبيا. فضلا عن انه لم يتسبب في انهيار وحدة الهند ولا ماليزيا ولا سنغافورة ، ولا الولايات المتحدة الامريكية.
 سر الوحدة الوطنية لا يكمن في التماثل ، بل في طبيعة النظام السياسي: هل هو قائم على استفراد جماعة قومية او دينية بمقدرات البلد ، ام هو قائم على شراكة الجميع في جميع المكاسب والكلف. طبيعة النظام السياسي وفلسفته هو جوهر المسألة.
الشرق الاوسط 9 نوفمبر 2016  http://aawsat.com/node/780471


02/11/2016

مستقبل الموصل بعد داعش

تطهير الموصل من داعش قد يستغرق أياما او اسابيع. لكنها ستعود في نهاية المطاف الى أهلها. السؤال الذي يتداوله العراقيون اليوم يتناول مستقبل الموصل ، بعدهزيمة داعش المتوقعة.
كان رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني أول من أطلق صفارة الجدل ، حين قال ان حدود الاقليم هي النقطة التي ستصلها قوات البيشمركة المشاركة في عمليات الموصل. وهذا يعني تقريبا اطراف محافظة نينوى الشمالية والشرقية. لكن يبدو ان ما يسكت عنه أهل السياسة هو مرادهم وليس ما يقولونه. يريد البرزاني على الارجح المساومة بورقة الموصل على ضم ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها الى اقليم كردستان ، وهذه المناطق تضم المدن التي يسكنها خليط من الاكراد وغيرهم ، وأبرزها كركوك ، المدينة النفطية الرئيسية في الشمال ، فضلا عن اجزاء من محافظة ديالى الشرقية ، التي تعتبر هي الأخرى نصف كردية.

عدد من وجهاء الموصل ، ابرزهم محافظها السابق اثيل النجيفي اراد استباق الاحداث ، فحاول تشكيل ميليشيا محلية ، واستعان بتركيا التي ارسلت بالفعل 2000 جندي لتدريب ما قيل انه الاف من الضباط الذين سبق ان خدموا في الجيش العراقي. لكن النجيفي افلح في استقطاب 1200 عنصرا فحسب ، اطلق عليهم اسم حرس الموصل.

برر الرئيس التركي دخول قواته الى الاراضي العراقية بالحيلولة دون تغيير ديمغرافي للموصل بعد تحريرها. ونعرف انه يشير الى العراقيين التركمان الذين تريد تركيا وضعهم تحت حمايتها. لكن مشكلة التركمان ليست في الموصل ، فمعظم هؤلاء يقطنون في تلعفر وهي أقرب الى الحدود التركية من الموصل ، ومحافظة كركوك ، التي يطالب بها الاكراد.
كثير من ابناء النخبة الموصلية يدركون التعقيدات التي تحيط بمحافظتهم. يعلمون ان تحريرها من سيطرة داعش قد يكون بداية لجولة جديدة من الصراع بين القوى التي تتنازعها وتلك التي تتخذها ورقة في نزاعات أخرى. مجموعة من هؤلاء من أبرزهم المؤرخ المعروف سيار الجميل بادروا لطرح مشروع اعتبروه طريقا للافلات من التقاطعات الخطرة للقوى المحلية والاقليمية التي تتنازع المحافظة.
يقترح هذا المشروع تحويل محافظة نينوى الى اقليم فيدرالي ، يتألف مبدئيا من ست محافظات. وقد جرى اختيار حدود المحافظات بحسب اكثريتها السكانية. فسهل نينوى سيكون محافظة واحدة او اثنتين للمسيحيين والاقليات الدينية الاخرى ، وستكون كل من مدينة الموصل وجنوبها محافظتين للعرب ، وسنجار لليزيديين ، ومخمور للاكراد ، وتلعفر للتركمان ، مع امكانية فصل جزء من تلعفر ليكون محافظة او اثنتين واحدة لعشائر ربيعة العربية واخرى لعشائر زمار الكردية.
يعتقد الدكتور الجميل ان محافظة نينوى تتمتع بهوية خاصة متمايزة عن محيطها كله ، وان هذا يبرر فكرة الأقليم الذي لن ينفصل عن العراق ، لكنه سيشكل تجربة ثانية بعد اقليم كردستان ، سيما وان الدستور العراقي يتسع لتحول محافظة او اكثر الى اقليم ذي صلاحيات واسعة.
لكني اميل الى الظن ان القلق من التصارع  الاقليمي والمحلي على الموصل ، هو الدافع الرئيس لهذا المشروع. فهو يقول ببساطة لكل المتنازعين: بدل ان تتقاتلوا ، دعونا نتفق على التفارق من دون حرب. التطليق باحسان يعطي كل طرف ما يريده بالتوافق مع الاطراف الأخرى.
أظن ان معظم العراقيين العرب سيعارض الفكرة لانها تشير الى التقسيم البغيض في الثقافة العربية. لكن ثمة من يقول ان الامريكان يودون تطبيقها. وهي على اي حال احد الحلول المحتملة ، مع ان اقرارها يحتاج للكثير من النقاش.
الشرق الاوسط 2 نوفمبر 2016 http://aawsat.com/node/775026


الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...