28/09/2016

مصير المقاتلين الامميين

تحولات الميدان العراقي تثير سؤالا جديا عن مصير الالاف من المقاتلين الذين التحقوا بالجماعات المسلحة في السنوات العشر الماضية. ويكتسب هذا السؤال اهمية اضافية عند الاخذ بعين الاعتبار التحولات الميدانية في سوريا أيضا.
ثمة من يظن ان معظم المقاتلين ، المحليين والاجانب ، سوف يعودون الى بيوتهم. لكن تجربة افغانستان ثم البوسنة واخيرا العراق وسوريا ، تشير الى ان عددا معتبرا من هؤلاء كرس نفسه للحرب ، او فقد صلاته القانونية والاجتماعية بوطنه ، ولم يعد لديه "وطن" سوى مكان الحرب. نعلم ان كثيرا من العرب الذين قاتلوا في البوسنة حتى 1995  جاؤوا من افغانستان ، وان عددا من هؤلاء ذهب الى الصومال واليمن بعد اتفاق دايتون للسلام. ومنهم من هاجر الى سوريا والعراق لاحقا.
نستفيد من دروس التجربة العراقية ان معظم جنود "داعش" سيعودون الى حياتهم العادية اذا انكسر التنظيم. في 2011  كان ينشط في هذا البلد 18 فصيلا مسلحا ، تضم 20 ألف مقاتل. وبعد احتلال داعش للموصل التحق به نحو 12 ألف مقاتل ، ثلثهم على الأقل من الاجانب. لكن المعلومات المتوفرة تشير الى ان هذا التنظيم هو الوحيد الباقي بين الفصائل العراقية المسلحة. وقد تراجعت قوته الى اقل من سبعة الاف مقاتل حاليا.

نجاح الجيش في تطهير المحافظات الواقعة شمال بغداد ، اقنع معظم مقاتلي الفصائل بالتخلي عن الحرب. والذين حاربوا من أجل لقمة العيش ، التحقوا بالقوات الحكومية. ومن المتوقع ان يتكرر الامر نفسه اذا تم تطهير الموصل.
لكن يبقى مصير المقاتلين "الامميين" مؤرقا لدول المنطقة. فهؤلاء الذين احترفوا الحرب ، واولئك الذين لا وطن لهم ، سيبحثون بالتأكيد عن نقطة ساخنة أو حلقة ضعيفة اخرى ، يواصلون فيها حياة الحرب. وهو الأمر الذي يطرح تحديا على دول الاقليم ككل. فأي خيار من هذا النوع ، يعني انفجار بؤرة نزاع جديدة.
كانت ليبيا التي تعاني من فراغ سياسي وامني ، احدى ا لوجهات المحتملة لتلك البنادق. لكن تسارع الحراك الهادف الى استعادة الدولة والنظام العام فيها ، يخرجها من دائرة الاحتمالات. اليمن والصومال تمثل احتمالا قائما أيضا. لكن لو أخذنا بسيناريو اكثر تشاؤما ، فقد نضم الى قائمة الاحتمالات دولا مستقرة نسبيا مثل تونس وشبه جزيرة سيناء.
ليس مفيدا المبالغة في تصوير حجم المشكلة. وأظن انها في التحليل النهائي تتعلق بما لا يزيد عن الفي مقاتل. وهو رقم متحفظ قريب مما ورد في تقارير صحفية واستخبارية خلال العقد الاخير. هذا على أي حال ليس عددا صغيرا. لكنه - مع ذلك - قابل للاستيعاب اذا وضعت خطة مناسبة على المستوى العربي. يجب ان نلحظ أيضا ان هزيمة داعش المحتملة في العراق ، وتخلي تنظيم القاعدة في سوريا عن صورته الأممية ، سوف تثبط الكثير من المقاتلين وتجعلهم أميل الى الخروج من دائرة الحرب. ونضيف اليها ملاحظة مستقاة من تجربة الأفغان العرب الذين تخلوا فعليا عن الحرب بسبب التقدم في العمر.
زبدة القول ان دول المنطقة – سيما تلك التي ينتمي اليها مقاتلون كثيرون في سوريا والعراق – بحاجة للتفكير الجاد في طريقة مناسبة لاعادة استيعاب هؤلاء ، وتعزيز الميل للمسالمة في نفوسهم. ان اهمالهم أو الاقتصار على التعامل الأمني معهم ، ربما يحولهم الى قنبلة متنقلة ، لا نعلم متى وأين تنفجر ، أو ربما يوفر فرصة لقوى تبحث عن فرصة لاشعال الحرب في هذا البلد أو ذاك.
الشرق الاوسط 28 سبتمبر 2016  http://aawsat.com/node/748036


21/09/2016

مشغولون باسم العدو وصفاته



أبدأ بما انتهى اليه زميلي ياسر الغسلان (الوطن 19-9-2016) وخلاصته اننا "نحب سماع ما يروق لنا" ونضيق الامر حتى نجعل كل راي مختلف عما توهمناه ، اعلان معارضة. وأزيد ان البساطة قد بلغت ببعضنا حد الظن ان كل مختلف عنا عدو لنا ، وكل مخالف لنا متآمر علينا. نقل الزميل الغسلان ذلك الانطباع عن جون الترمان ، هو باحث امريكي متخصص في شؤون الشرق الاوسط ، ووافقه فيه.

أعلم ان مفهوم "الاختلاف" ليس ناضجا في ثقافتنا العامة بما يكفي. وهذا هو السبب الذي يجعل نقاشاتنا ساخنة متوترة ، حتى تلك التي تدور حول كرة القدم أو الفتاوى الفقهية ، بل وحتى اسماء الازقة ، فضلا عن الصراعات السياسية الدائرة هنا وهناك.
وقد جرت عادتنا على اغفال عناصر القضية المثارة والتركيز على اشخاصها. ثم الهروب من التحليل ومحاولة الفهم ، الى استيراد اقاصيص ذات ظلال دينية او تاريخية ، لاصدار حكم يلخص رأينا في الموضوع المطروح. بعبارة اخرى فاننا لا نجتهد في فهم الواقع ولا نهتم بتفكيك اجزائه قدر اهتمامنا بالحكم عليه. انظر الى القضايا المثارة في الساحة اليوم ، من الحرب الأهلية في سوريا الى "قانون العدالة ضد الارهاب" الذي صوت عليه الكونغرس الامريكي قبل أيام ، الى الانتخابات الامريكية والروسية الخ.. في كل هذه المسائل نتحدث عن "الاشخاص" الذين لهم علاقة بها ولا نتحدث عنها الا نادرا. وحديثنا عن الاشخاص يكون في الغالب (او ربما دائما) انطباعيا وليس تحليليا. وخلاصة ما نتوصل اليه هو ابتكار صفات اضافية لمن نصنفه كعدو او صديق.
دعنا نأخذ مثالا عن الانتخابات الامريكية التي نعلم انها ستأتي برئيس جديد بعد خمسة أشهر. فنحن لم نناقش حتى الآن سؤال "كيف ستكون سياسة واشنطن في العالم ومعنا خصوصا اذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب" و "كيف ستكون تلك السياسة لو فازت المرشحة الديمقراطية كلينتون". في كلا الحالتين ، ما الذي نربحه وما الذي نخسره ، وكيف نعالج الوضع الجديد على نحو يقلل خسائرنا أو يزيد مكاسبنا ، اي ما هي الادوات المتوفرة لدينا او التي يجب توفيرها لمعالجة الوضع الجديد. ومثل ذلك قانون جستا المشار اليه. فقد قررنا سلفا انه يستهدف العرب دون غيرهم ، وان الكارثة تطرق أبوابنا. حسنا.. هل الخطر داهم الى هذه الدرجة؟. واذا كان كذلك فما هي الخسائر المتوقعة ، وما الذي يتوجب علينا فعله ، على المستوى القانوني والسياسي والاقتصادي.
الازمة السورية مثال آخر اشد ضغطا على مشاعرنا. تحولات الميدان وانعكاسها على التداول السياسي لم تكن كافية فيما يبدو لتدفع نقاشاتنا الى الحلول الممكنة والمناسبة لمصالحنا. نعلم ان الولايات المتحدة وروسيا قد استحوذتا على المبادرة السياسية ، فهل لدينا تصور عن السيناريوهات المحتملة في حال التوصل الى اتفاق سياسي ، او في حال انهيار الاوضاع وتفاقم الحرب من جديد؟. هل لدينا تصور عن حلول ممكنة يمكن طرحها بموازاة الحلول التي يناقشها الامريكان والروس؟.
زبدة القول ان الانشغال الكثيف بالبحث عن اعداء ، او المبالغة في وصف الاعداء وافعالهم (وهي لا تخلو غالبا من الانطباعات والعواطف والاوهام) لا تفيدنا كثيرا ، بل تشغلنا عما هو ضروري ، وهو البحث في تلك القضايا بذاتها ، تفكيكها من اجل فهمها ، ثم دراسة ما نربحه او نخسره من ورائها ، وما ينبغي علينا فعله لتعزيز موقفنا ازاءها.
الشرق الاوسط 21 سبتمبر 2016 http://aawsat.com/node/742561


حكاية سعودية.. تحولات اياد مدني

  عدت في الايام الماضية الى كتاب الاستاذ اياد مدني "حكاية سعودية" الذي نشر العام الماضي باللغة الانكليزية. وهو من نوع الكتب التي ...