31/05/2016

ماذا جرى في 1984

الذي جرى ببساطة هو ان اسعار البترول بدأت تهبط بشكل حاد ، من 37 دولارا للبرميل في 1981 الى 28 دولارا في 1984 قبل ان تهوي الى 12 دولارا في 1986. كانت المملكة قد انتهت للتو من ثلاث خطط للتنمية ، غيرت تماما بنية البلد الاقتصادية ، فتضاعفت اعداد طلاب المدارس والجامعات ، واكتشف ملايين السعوديين متعة السفر الى البلدان الاخرى ، سائحين او دارسين. كما تعرف بعضهم – للمرة الأولى ربما – على مواطنين من بلاد لم يسمعوا باسمها سابقا ، جاؤوا عاملين في اجهزة الدولة والقطاع الخاص الذي اتسع بشكل لا سابق له.
بدأ الحراك الاقتصادي الجديد في 1971. وبعد عقد ونصف ، اصبحنا قادرين على ملاحظة ما يعرف اليوم بالطبقة الوسطى الحديثة ، اي مئات الالاف من المواطنين الذين تحسنت مداخيلهم ، فباتوا قادرين على ارسال ابنائهم وبناتهم الى المدارس ، والتمتع بعطلة نهاية الاسبوع ، والسفر لبضعة ايام او بضعة اسابيع خلال الصيف ، وتخصيص ساعة او ساعتين لقراءة صحيفة ومشاهدة التلفزيون كل يوم.
 وضعت برامج التنمية الاقتصادية وفق رؤية اقترحها معهد ستانفورد للابحاث ، تركز على محورية الحراك الاقتصادي في التنمية الشاملة. وهي رؤية مرجعها نظرية التنمية الكلاسيكية ، السائدة يومئذ في الاكاديميا الامريكية.
لعل المخططين تغاضوا عن المخرجات الثقافية والاجتماعية للنمو الاقتصادي. أو لعلهم فضلوا تأجيل بحثها حتى ظهور النتائج الاولية للحراك الاقتصادي. وهذا توجه كررته معظم المجتمعات النامية. لكن الواضح ان ذلك التأجيل قد تحول الى إغفال مزمن. في 1984 وجدت المملكة نفسها غير قادرة على مواصلة الانفاق بالمعدلات التي عرفتها خلال الخمسة عشر عاما الماضية. بل وصل الامر الى حدود اكثر حرجا. ففي العام 1986 قررت وزارة المالية تمديد العمل بميزانية العام السابق وعدم الاعلان عن ميزانية جديدة.
كل تحول اقتصادي يؤدي بطبيعته الى تحول ثقافي واجتماعي. من المستحيل ان تطلق تحولا اقتصاديا واسع النطاق وتحصر نتائجه وانعكاساته في اطار الاقتصاد. في ذلك العام انتبهنا الى حقيقة ان البلاد تفتقر الى نظام مؤسسي يستوعب التحولات الاجتماعية والثقافية العميقة التي جرت خلال عقد ونصف ، وابرز تجلياتها تبلور الطبقة الوسطى الحديثة. لو كان لدينا فائض مال ، فلربما امكن تسكين تلك التحولات او توجيهها نحو المزيد من الاثراء والرفاهية. لكن ايرادات البلاد تكفي بالكاد لتسيير الحاجات الاشد الحاحا.
في النصف الثاني من الثمانينات تعرف المجتمع على ما يعرف اليوم بتحول الهوية الفردية. وهو باكورة التحول الاجتماعي المغفل. وتجسد يومها في بروز نزعات قبلية ودينية تنطوي على ميول تخارجية عن المسار الاجتماعي العام. هذه النزعات ليست شيئا يمكن الحيولة دون ظهوره. غاية ما نستطيع فعله هو عقلنتها ، اي تطوير نظام قانوني/مؤسسي يتكفل باستيعابها وتوجيهها.
لا يمكن للدولة منع الناس من التعبير عن تطلعاتهم. ولا يمكن توفير ما يكفي من المال لتحقيقها. يميل العالم المعاصر الى تبني فلسفة مختلفة ، تتلخص في تمكين الافراد من السيطرة على اقدارهم ، وادارة حياتهم على النحو الذي يوصلهم الى السعادة ، بدل انشغال الدولة فيما ليس من مهماتها.
كي نحقق هذه النقلة ، يجب ان تتخلى الدولة عن دور الام/المربية ، الى دورالمخطط/المشرف ، فتكتفي بوضع القانون وتوسيع الاطارات المؤسسية التي تسمح للجمهور بأن يمسك باقداره ويتحكم في مجاري حياته ويدبر متطلباتها. عندئذ سيكون كل فرد حرا في خياراته ومسؤولا منفردا عن نتائجها.

الشرق الاوسط 31 مايو 2016 http://aawsat.com/node/654371

25/05/2016

حزب النهضة الجديد

"النهضة حزب سياسي ديمقراطي مدني مرجعيته قيم حضارية اسلامية وحداثية...نحن مسلمون ديمقراطيون ولم نعد جزء من الإسلام السياسي".
بهذه الجملة المحددة أعلن راشد الغنوشي ، زعيم حزب النهضة التونسي ، نهاية لتاريخ طويل من الالتباس الثقافي والسياسي ، نعتقد انه سبب رئيس للفوضى العارمة في السياسة العربية المعاصرة.
كشفت تجربة العقد الماضي عن فشل ذريع للتيار الديني في التعامل مع التحولات العميقة في عالم اليوم. يرجع هذا الفشل الى ثلاثة عوامل رئيسية ، هي أ) عجز التيار عن التحرر من جلباب التاريخ. ب) انزلاقه في الصراع الهوياتي. وتبعا لهذا توهم امتلاك الدين وتمثيله الحصري. ج) اخفاقه في تحديد الشريحة الاجتماعية التي يخاطبها ، الامر الذي شتت خطابه بين الهموم والانشغالات المتباينة للطبقات الاجتماعية.
يتلخص العامل الأول في سؤال: ماهي المرجعية الفكرية والقيمية التي نستمد منها الحلول الضرورية لمشكلات المجتمع والدولة المعاصرة ، هل هي تراث الفقهاء السابقين ام اجتهادات البشر المعاصرين. ويتلخص العامل الثاني في سؤال: ماهي العلة الجوهرية لتخلف المسلمين عن ركب الحضارة ، هل هي تآمر الغرب ، ام الانقسامات الداخلية ، ام فشلنا في الاجابة الصحيحة عن السؤال الاول. اما العامل الثالث فيلخصه سؤال: ما هي الطبقة الاجتماعية التي يريد الاسلاميون تمثيل مصالحها كي تحمل – في المقابل – مشروعهم السياسي. نعلم ان لكل شريحة هموم وانشغالات وتطلعات مختلفة ، تشكل كل منها أرضية لثقافة ومتبنيات خاصة ، بل – في معظم الاحيان – متعارضة مع نظيرتها في الطبقات الاخرى. فمن من هذه الطبقات هو المستهدف الرئيس بالخطاب السياسي للتيار الديني.
كانت تلك الاسئلة هي محاور الجدل التي قادت لانقسام حزب الرفاه التركي ، وقيام حزب العدالة والتنمية. لحظة قيام هذا الحزب قرر قادته تبني ايديولوجيا الدولة الحديثة بمرجعيتها القيمية والثقافية. قرر ان الشراكة مع الغرب هي الحل التاريخي لمشكلات التخلف ، وليس مصارعته ، وان الطبقة الوسطى المدينية هي حامل المشروع السياسي للحزب ، رغم انها – بالمعايير التقليدية – اقل تدينا من الطبقات الدنيا ، سيما الريفية.
حقق حزب العدالة نجاحات متوالية على مستوى الاقتصاد وتعزيز الهوية الوطنية والسياسة الخارجية ، وقدم للاتراك نموذجا لم يعرفوه منذ قيام جمهورية اتاتورك. يستند حزب العدالة الى فلسفة بسيطة: ان الحزب السياسي هيئة متخصصة في السياسة العامة ، يلتزم بالقيم الاساسية في الدين ، لكنه لا يستعمل الدين في السياسة ، ولا يستعمل السياسة في الدعوة.
قبل عشرين عاما تحدث راشد الغنوشي عن مسار مماثل. لكنه أراد الوصول اليه عبر المسار التقليدي ، أي إعادة تفسير التراث القديم. يبدو الآن انه مقتنع باستحالة إحياء الموتى. وان تجديد الفكرة الدينية مستحيل دون التحرر من جلباب التاريخ. هذا يعني التحرر من قلق الهوية ، الاتجاه للشراكة مع العالم وليس مصارعته.
المؤكد ان هذا التحول لن يمر دون خسائر. الشريحة التي تطمئن عادة للتقاليد الموروثة ستخرج من دائرة تاثير حزب النهضة ، وستفرز قادتها وتيارها الخاص. لكن من المرجح ان يزداد نفوذ الحزب بين الطبقة الوسطى المدينية. الأهم من هذا وذاك ان مجموعات كثيرة في العالم العربي سوف تجد في نفسها الشجاعة للسير في ذات الطريق. تحول حزب النهضة لن تنحصر انعكاساته في تونس. التيارات الدينية ، سيما الاخوان المسلمون ستشهد جدالات شديدة وانقسامات ، وسنرى نسخا من حزب النهضة الجديد في اكثر من قطر عربي.

الشرق الاوسط 25 مايو 2016 http://aawsat.com/node/648346

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...