18/05/2016

الطريق الى 2030

اكثر ما أثار اهتمامي في (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) هو تأكيدها على أننا نستطيع التغيير ، وأننا قادرون على صنع مستقبل أفضل من حاضرنا.

ركزت وثيقة الرؤية على الجانب الاقتصادي. وهناك بالطبع قضايا عديدة تشكل اجزاء ضرورية لبرنامج  التحول في معناه الشامل ، أهمها في ظني اربعة:
أ)  ترسيخ سيادة القانون وجعله سقفا فوق الجميع وحاكما على الجميع دون تمييز. هذا يعني بشكل محدد التقليص المنتظم للسلطات الشخصية للاداريين ، وتمكين عامة الناس من الرجوع دوما الى نصوص قانونية واضحة وثابتة. سيادة القانون وثباته عامل حيوي لتحفيز الاستثمار وتعزيز الأمل في المستقبل. تتطلع وثيقة الرؤية الى زيادة الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى 5.7% واستثمارات القطاع الخاص الى 65% من الناتج القومي الاجمالي. ونعلم ان هذا غير قابل للتحقق من دون تخفيض معدلات المخاطرة التي يتسبب فيها عدم استقرار القانون ، او عدم حاكميته على الميول الشخصية للاداريين.
الشفافية التي تم التأكيد عليها في وثيقة الرؤية ستجد معناه الكامل اذا ترسخت سيادة القانون. العلنية والشفافية تمكن الناس من الحصول على المعلومات الضرورية للمنافسة العادلة ، وهي بالتاكيد تساعدهم على كشف خيوط الفساد واستغلال السلطة. لكن مجرد توفر المعلومات لا يكفي لقيام منافسة عادلة. القانون القوي والمهيمن على الجميع ، هو الذي يحمي حقوق جميع الاطراف ، أيا كانت مراكزهم او سلطاتهم.
ب)  مبدأ سيادة القانون يبدو أكثر ضرورة في المجتمعات التي تهيمن التقاليد على ثقافتها العامة ونظامها الاجتماعي. وقد رأينا هذا بوضوح فيما يخص حقوق النساء. اني اتفهم ميل السياسيين الى تأجيل الاستحقاقات المكلفة سياسيا. لكني أخشى ان نتغافل عن مواجهة الحقيقة الكبرى ، حقيقة ان اي مستقبل مختلف رهن بالتحرر من التقاليد المعطلة. اني واثق من ان قادة البلاد وصناع القرار يدركون الثمن الذي يدفعه المجتمع والاقتصاد بسبب التردد في حسم قضايا مثل "قيادة المرأة للسيارة". وهم بالتأكيد يعرفون ان اقتصاد المملكة يخسر ما لا يقل عن 30 مليار ريال سنويا على شكل تحويلات خارجية وتعطيل وفقد جانب من قوة العمل وكلف أضافية مرتبطة جميعا بعدم تمكين النساء من قيادة السيارات. اني واثق انهم يتطلعون الى يوم ننتهي من هذا كله ، ويعود النصف المعطل من المجتمع الى المساهمة الكاملة في الحياة العامة والاقتصاد الوطني. ولهذا ادعو بكل احترام الى تحديد موعد للافراج عن هذا الحق ، كجزء من رؤية موسعة للتحرر من التقاليد المعيقة ، وجعل القانون الواحد والعادل مرجعا وسقفا للجميع ، رجالا ونساء ، حكاما ومحكومين.
ج ) المفهوم الحديث للدولة ينظر اليها كجهة تخطيط وإدارة ، هدفها مساعدة المجتمع على تحسين حياته. المجتمع هو العنصر الرئيس والمستهدف في كل السياسات والقوانين. لكن فكرة "التحكم" هي المهيمنة على ذهنية الاكثرية الساحقة من الاداريين ، وفحواها ان كل شيء ممنوع مالم يوافق عليه جهاز حكومي ما. هذا المفهوم العتيق أشد عوامل التعطيل أثرا وأكثرها اساءة لعلاقة المواطنين مع الاجهزة الرسمية.
إني اخشى جديا من تعطيل المبادرات الخلاقة التي اعلنتها رؤية المملكة 2030 او تفريغها من محتواها ، اذا لم نعالج تلك الذهنية العتيقة ، اذا لم نرسخ مفهوم ان الاصل في كل شيء انه مباح ومسموح ما لم يكن ثمة قانون ينظمه او يمنعه. لهذا ادعو قادة البلاد الى التأكيد المكرر على هذا المبدأ ، كي لا تتعطل مشروعات التطوير ، لأن مديرا قصير النظر هنا او ضيق الأفق هناك لم يجد في أوراقه لائحة تقول ان تلك المبادرة مسموحة او مباحة.
د ) أكدت وثيقة الرؤية على تدعيم قنوات التواصل بين الاجهزة الحكومية والمواطنين ، ومشاركة المجتمع في المسؤولية عن نفسه ومستقبله. دعونا نتقدم خطوة اخرى الى المشاركة الشعبية المنظمة في الشأن العام ككل ، في القرار السياسي والاقتصادي وكل شأن آخر يتعلق بمجموع الناس ، حاضرهم ومستقبلهم. المشاركة الشعبية المنظمة من خلال المجالس المنتخبة  ، والمشاركة الشعبية من خلال منظمات المجتمع المدني وحرية التعبير المصونة بالقانون هي القناة الاوسع لتحمل الشعب المسؤولية الكاملة عن وطنه ، وهي الاداة الفعالة لتعزيز قوة الدولة وتحسين كفاءة الخدمات العامة.
بلادنا قادرة بعون الله على مواجهة تحديات حاضرها وصناعة مستقبلها عبر التعاون الفعال بين المجتمع والدولة. وكل ما نحتاجه هو فتح قنوات المشاركة والتواصل. رؤية المملكة 2030 التي أعلنت يوم الاثنين المنصرم خطوة أولى كبيرة ، نأمل ان تليها خطوات تعزز الأمل وتفتح أبواب المستقبل.
الشرق الاوسط 18 مايو 2016 http://aawsat.com/node/643041

04/05/2016

تمكين المجتمع ضرورة لنجاح التحول



الترحيب الواسع الذي حظيت به رؤية المملكة 2030 كان تعبيرا عن شوق عارم للتغيير. شوق يملأ نفوس السعوديين جميعا ، سيما الجيل الجديد الذي يريد مستقبلا مختلفا. هذا الجيل الناهض يعرف ان بلدنا تستحق اكثر مما حصل حتى الان ، وانها قادرة على اكثر مما فعلته حتى الآن.
لسنوات طويلة ابتلينا بفريق من العاجزين ، الذين لا يجيدون سوى التشكيك في قدرات المجتمع وأهليته لادارة نفسه وصناعة مستقبله. هذا الفريق ليس اشخاصا بعينهم ، بل مسلك اخلاقي وثقافي ، ينظر الى مجتمعنا كحشد من دراويش السلطان ، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. تجد هؤلاء المثبطين في التعليم والاعلام والمجالس العامة والمنابر والبنوك وقطاع الأعمال ، وفي كل مكان.
لا زال الوقت مبكرا لوضع تحليل شامل عن رؤية المملكة 2030. علينا انتظار الاعلان عن "برنامج التحول الوطني" الذي سيخبرنا عن خطط العمل التي ستضع الرؤية قيد التنفيذ ، حتى بلوغ أهدافها المعلنة. لكني قلق من فريق التثبيط المذكور آنفا. أخشى ان ينهض مرة أخرى فيقنع المجتمع وأصحاب القرار بالطرق العتيقة ، التي ربما تقلب مفهوم التحول الشامل الى خطة انفاق واستهلاك كبرى ، تنتهي بشراء بعض المصانع ، وبناء بعض المطارات ، واعادة طلاء المباني وتجديد طباعة الكتب القديمة ، ثم اقامة احتفالات عظيمة بانتقال المملكة الى صف الدول الصناعية.
لقد فعلنا هذا سابقا. ويقلقني احتمال تكراره. منذ العام 1971 تبنت المملكة عشر خطط تنموية قصيرة الأمد. جرى التأكيد فيها جميعا على التنمية البشرية ، تنويع الاقتصاد ، وتوسيع قاعدة الانتاج. لكن جدالاتنا اليوم تبرهن على ان المنجز من هذه الاهداف كان أقل كثيرا من المستهدف والمأمول. ذلك ان فريق التثبيط المذكور لا يؤمن بخيرية البشر وأهليتهم لادارة انفسهم وحياتهم ، فهو ينظر اليهم كحشد في معسكر او حظيرة دجاج. كل فتاة وكل شاب في نظرهم هو "أبكم لا يقدر على شيء وهو كَل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير". ولهذا فعلوا كل شيء سوى تمكين المجتمع واشراكه والاعتماد عليه.
يعرف دارسو علم الاجتماع ان النهوض الاقتصادي يؤدي بالضرورة الى تحولات ثقافية واجتماعية ، وانكسار لمنظومات القيم وما يلحقها من تقاليد واعراف. ويؤثر هذا بعمق على الرؤية السياسية لافراد المجتمع سيما الشباب. ولهذا ميز الباحثون بين تنمية أحادية محورها تحسين حركية الاقتصاد ، وتنمية شاملة مستدامة تهتم ايضا بتمكين المجتمع من المشاركة في ادارة حياته وتقرير مساراتها.
تطمح رؤية المملكة 2030 الى تحديث شامل للاقتصاد الوطني. ونعلم من تجارب بلدان مثل الصين وكوريا وغيرها ، ومن تجربتنا الخاصة ، ان حراكا ضخما كهذا لن يحقق غايته دون مشاركة كاملة من جانب المجتمع. مشاركة المجتمع في القرار وفي التنفيذ هو الذي يجعل "التحول" الاقتصادي عملا يوميا في حياة الناس.
نحتاج اذن الى تطوير الاطارات الضرورية للمشاركة الشعبية. ونحتاج الى تطوير القانون كي يستوعب ويحمي التفكير الجديد والمبادرات الجديدة. يجب ان يشعر الناس جميعا بأن مشاركتهم قيمة ومؤثرة ، كي يعطوا من انفسهم وكي يتحملوا الصعوبات التي لا بد ان تظهر في مسار التحول.
يجب ان نغلق الطريق على فريق المثبطين ، الذين يريدون المجتمع كله متفرجا يصفق لهذا اللاعب او ذاك في مباريات الاقتصاد والسياسة. كي نبني أمة قوية فاعلة ، يجب ان يكون عامة الناس جزء من المباراة ، شركاء في صناعة الحدث ، لا متفرجين على اخباره.
الشرق الاوسط 4 مايو 2016  http://aawsat.com/node/631506

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...