13/01/2016

واتس اب (1/2) أغراض القانون


|| غرض القانون هو تمكين عامة الجمهور من التمتع بحياتها وتحقيق حاجاتها في إطار القانون، وليس محاصرة الأقلية الفاسدة، ولو أدى الى محاصرة الأكثرية الصالحة معها||


ربما ترغب ايضا في قراءة واتس اب – 1 عتبة البيت


نشرت صحيفة مكة (6 يناير 2016) حديثا للمحامي عمر الجهني ، فصل فيه الحمولة القانونية لما يتداوله الناس على اجهزة الهواتف الذكية ، سيما عبر برنامج التواصل الشهير "واتس اب". وقد انشغل الناس كثيرا بالعقوبات التي ذكرها المحامي. وهي في المجمل غير واقعية ولا معقولة. تلك العقوبات ليست موضوع هذه المقالة. بل الارضية التي يبنى عليها القانون: هل هي ردع الفاسدين عن العدوان ام صون حرية الصالحين.

أما الداعي لهذا الحديث فهو قلقي من انزلاق – غير مقصود في الغالب – من التنظيم الى التضييق. دعنا اذن نبدأ من أول المسألة اي سبق الحرية للقانون وكونها أصلا سابقا عليه في القيمة والترتيب. وزبدة القول هنا ان المشرعين وواضعي القانون ينقسمون الى صنفين بحسب الخلفية الذهنية التي يبنون عليها رؤيتهم للحياة والناس. الصنف الأول يرى البشر خيرين بفطرتهم وطبعهم الأولي. فالاغلبية الساحقة من الناس يريدون العيش بسلام. وثمة أقلية صغيرة انحرفت عن هذا الطريق بالفكر او السلوك . اما الصنف الثاني فيؤمن ان البشر في طبعهم الأولي أميل للشر والعدوان. ولو تركوا دون رقيب او رادع ، لأحيوا  اسطورة "حرب الجميع على الجميع" التي جادل دونها الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز.
واجه الصنف الأول إشكالية تعارض المصالح بين اعضاء المجتمع ، الذين يتمتعون جميعا بنفس القدر من الحرية ، فركز على تنظيم الطرق التي يسلكونها ، كي يحصلوا على قدر متساو من الحقوق. وهذا هو مفهوم القانون عند من يؤمن بخيرية البشر. اي ان غرض القانون هنا هو تنظيم المجال العام على نحو يوصل جميع الناس الى حقوقهم ، ويصون حرياتهم ، ويمنع بغي بعضهم على بعض.
واجه الصنف الثاني نفس الاشكالية ، فركز على الثغرات التي تسمح للأقلية الفاسدة بالعبث والعدوان على الناس. ولهذا وضع القانون على شكل جدار ضخم فيه بعض الأبواب. اي ان الغرض الأول للقانون هنا ، ليس تمكين عامة الناس من التوصل الى حقوقهم ، بل منع الفاسدين من الفساد.
يتلخص خطاب الصنف الاول في العبارة التالية: من أراد الوصول الى حقه فالقانون هو أسهل الطرق. الجميع احرار في إطار القانون. بينما يتلخص خطاب الصنف الثاني في العبارة التالية: "امشي جنب الحيط" كما يقول اشقاؤنا المصريون. فالقانون بالمرصاد لمن يجرؤ على تجاوز الطريق المرسوم.
بعض الناس لا يرى فرقا جوهريا بين الخطاب الأول والثاني. أما فلاسفة القانون والسياسة ، فوجدوا في الأول أرضية فلسفية للتنظيم السياسي العادل ، كما وجدوا الثاني ارضية لمعظم الانظمة السياسية المستبدة.
بالعودة الى قصة عقوبات الواتس اب التي يتداولها الناس ، يحسن القول ان الاكثرية الساحقة من المواطنين الذين يستعملون هذا النظام لا يخطر في بالهم ، بل ولا يتخيلون مجرد تخيل ، ان يستعملوه ضد مصالح البلد او لخرق قانونها او تهديد أمنها. رغم ان هناك بالتأكيد بضع عشرات من الناس يفعلون هذا. فهل يصح وضع قانون يحجب حق الاكثرية الساحقة في التواصل ، لا لسبب غير سد الطريق امام أقلية صغيرة ، أي معاقبة الاكثرية بجرم الأقلية؟.
ان الجواب على هذا السؤال يكمن في التوصيف السابق. فهل الغاية من القوانين التي نضعها هو تمكين العامة ، أي الاكثرية الساحقة ، من التمتع بحياتها وتحقيق حاجاتها في إطار القانون ، أم غاية القوانين محصورة في محاصرة الأقلية الفاسدة ، ولو أدى الى محاصرة الأكثرية الصالحة معها؟.
ولنا عودة الى الموضوع من زاوية اخرى.
الشرق الاوسط 13 يناير 2016

http://aawsat.com/node/542821



06/01/2016

تأملات في حدود الفردانية

يبدو ان الفهم العام في مجتمعنا  ومعظم المجتمعات الشرقية ، يميل الى نبذ الفردانية كقيمة ، وإعلاء شأن الجماعة ، على نحو قد يلغي أي قيمة لوجود الفرد واستقلاله. في مجادلة هذه الرؤية ، ينبغي التمييز بين مقاربتين مختلفتين لمسألة الفردانية:

أ‌)        المقاربة الاخلاقية/القيمية ، التي تستهدف الحكم على المبدأ. نعرف ان عامة الناس ترى ان قيمة الفرد وهويته مستمدان من تمثله للتيار الاجتماعي العام واندماجه فيه. بينما يميل الفردانيون الى اعتبار الفرد كونا مستقلا ، وأن علاقته بالمجتمع عرضية. وبناء عليه فكلا من الاتجاهين يؤسس منظومته الاخلاقية والقانونية تبعا لاحدى القناعتين.

ب‌)   المقاربة العلمية التي تستهدف كشف العوامل المؤثرة في علاقة الفرد بالجماعة. حيث يتفق الباحثون على ان جانبا معتبرا من ذهنية الفرد وسلوكه اليومي هو انعكاس لتأثير علاقته بالمجتمع. لكنهم يختلفون في حدود هذا التأثير ، هل هو كلي ام جزئي ، وهل هو معروف للفرد وبالتالي طوعي ، أم انه غيرمدرك وينطوي بالتالي على نوع من الجبر.

تستهدف المقاربة العلمية كشف طبيعة الواقعة الاجتماعية ، وتحديد ما اذا كانت مجموعة افعال متشابهة لمجموعة افراد يمكن تفكيكها ، أو انها فعل واحد لكتلة اسمها المجتمع ، بغض النظر عن افعال الافراد وتمايزاتهم.

نعرف ان معظم الجدل الاجتماعي يتناول المقاربة الأولى. فالذين عارضوا الفردانية على اساس اخلاقي ، ركزوا على كونها غطاء او مبررا للانانية. وهم على حق في القول بأن الفرد لا ينمو وملكاته لا تتطور في معزل عن الجماعة. ولهذا فليس من الاخلاقي التنكر لها بعدما شب عن الطوق وبات قادرا على المساهمة في حياة الجماعة وارتقائها.

أما دعاة الفردانية ، فرأوا ان استقلال الفرد ذهنيا وروحيا عن الجماعة ضروري ، لجعل مساهمته في حياة الجماعة اكثر جذرية وتأثيرا. وهم يقولون ان اهم التطورات في حياة البشرية ، حققها أفراد تمردوا على الافكار والمسلمات السائدة. ولولا انهم تجاوزوا بخيالهم وطموحهم حدود المشهود والمتعارف ، لما ابدعوا جديدا. جميع المبتكرين والمفكرين وقادة الامم ، كانوا من هذا النوع من الافراد الذين تجرأوا على مخالفة السائد ، وذهبوا وراء ما اعتبره غيرهم تخيلات وأحلاما او ربما اوهاما سخيفة.

يرى هؤلاء ان مساهمة الفرد الذائب في الجماعة ، ليست سوى تكرار لما يفعله آلاف الناس وما فعلوه في الماضي. بينما يوفر استقلال الفرد بفكره وتطلعاته وقيمه ، فرصة لخيارات جديدة واحتمالات غير مألوفة ، وهذا ما ينتج التقدم على مستوى الجماعة ، وأحيانا على المستوى الكوني.

جوهر الاشكالية إذن هي كينونة الفرد القائمة بذاتها والمستقلة عن اي رابطة اجتماعية. هذا ليس انكارا لقيمة الجماعة ومساهمة الفرد في حياتها ، بل هو مجرد تأكيد على أهليته وحقه في إنكار ارادة الجماعة ، اذا قررت شيئا يتنافى مع قناعاته تنافيا حديا ، وحقه في اختيار ما يحقق تطلعاته من نموذج حياة او معتقد او منهج تفكير ، ولو كان غير متعارف.

نحن إذن نتحدث عن الحاجة لوضع خط واضح يميز بين ما نعتبره رابطة عقلانية تشد الفرد الى الجماعة ، وبين الانصهار الكلي الذي قد يقود لتبعية عمياء تذيب ذاتية الفرد وتلغيها. جوهر المسالة اذن هي القولبة والتنميط القسري الذي يلغي ذاتية الفرد ، ويحوله من رقم قابل لان يكبر وينتج ، الى صفر يضاف الى ارقام اخرى هي الدولة او الجماعة او الطائفة او السوق.

مقالات ذات علاقة

«21» الفردانية في التراث الديني

«22» الهوية الفردانية

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الاقليات والهوية : كيف تتحول عوامل التنوع الى خطوط انقسام في المجتمع الوطني

أن نفهم الآخرين كما هم لا كما نتصورهم

الانسان الذئب

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

تلاميذ ارسطو

حزب الطائفة وحزب القبيلة

الحق أولا

حول الانقسام الاجتماعي

عدالة ارسطو التي ربما نستحقها

عن العالم المحبوب

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

كيف تولد الجماعة

المسألة القومية واستقلال الفرد

مكانة "العامة" في التفكير الديني

 

 الشرق الاوسط 6 يناير 2016

http://aawsat.com/node/537421/

حكاية سعودية.. تحولات اياد مدني

  عدت في الايام الماضية الى كتاب الاستاذ اياد مدني "حكاية سعودية" الذي نشر العام الماضي باللغة الانكليزية. وهو من نوع الكتب التي ...