07/10/2015

سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة


 رغم موقف روسيا الواضح من الأزمة السورية، فإن دخولها الميداني الثقيل كان مفاجئًا لأكثر المراقبين. ربما لهذا السبب يتحدث المحللون الآن عن عودة محتملة للنظام الدولي ثنائي القطبية، الذي رسم صورة العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى تفكك الاتحاد السوفياتي في 1991.
وليس خفيًا أن استرجاع موسكو لدورها القديم يمثل واحدًا من محركات التأزم في العقيدة الاستراتيجية/ السياسية الروسية، سيما بعد حصول واشنطن على تسهيلات عسكرية في جورجيا، وقرغيزيا، وأوزبكستان، فضلاً عن انضمام جمهوريات البلطيق إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يضعها تحت حماية حلف الناتو. وكانت هذه الدول جميعًا جزءًا من الاتحاد السوفياتي قبل انهياره، وتعتبرها موسكو حزامًا حرجًا لأمنها القومي.
خلال العقدين الماضيين، كانت روسيا مضطرة للاعتماد على الأسواق ومؤسسات التمويل والاستثمارات الأميركية والأوروبية لدعم اقتصادها الضعيف. ولذا، فقد ترددت في القيام بأي مبادرة تكبح التمدد الأميركي على حدودها. كما أن أبرز حلفائها المحتملين؛ أي الهند والصين، لم يثقوا كثيرًا بسياساتها على المدى المتوسط والبعيد، ولم يرغبوا في مصارعة الولايات المتحدة من أجلها.
جاءت لحظة التغيير في 2013 حين انتفض الأوكرانيون ضد الحكومة الموالية لموسكو، وأقاموا حكومة جديدة أوروبية الهوى، فردت روسيا بضم إقليم القرم ذي الغالبية الروسية في العام التالي. وهو موقف أدى إلى فرض عقوبات أميركية وأوروبية قاسية ضد روسيا.
أعتقد أن سلسلة العقوبات التي فرضها الغرب على شركات وشخصيات وقادة في الجيش الروسي، كانت اللحظة الفاصلة التي جعلت روسيا في قلب أزمة، طالما كان التخوف منها سببًا لترددها. ولهذا كان الرد الطبيعي عليها هو انبعاث النقاشات في روسيا، حول تراجع دورها العالمي وضرورة استعادته بأي طريقة.
الصحافيون الذين شاركوا في معرض ماكس للطيران في أغسطس «آب» الماضي، لاحظوا أن الحكومة الروسية قد تعاملت معه كحدث استثنائي، فقد افتتحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيًا، ودعي إليه عشرات من الشخصيات السياسية الأجنبية، وأعلن خلاله عن إطلاق معدات جوية وفضائية جديدة، بينها الميغ 41 المتعددة المهام، التي تنتمي إلى الجيل السادس، وهو الأحدث في مجال الطيران الحربي. تساءل المراقبون إن كان هذا الحشد الرسمي مجرد حملة تسويق دولية، أم تأكيدًا لعودة موسكو إلى منافسة واشنطن على الساحة الدولية.
الأسلوب الذي تبعته روسيا في عملياتها في سوريا يثير الفضول هو الآخر. فهي احتاجت بضعة أيام فقط بعد إعلان وصول قواتها إلى اللاذقية كي تبدأ عملياتها الجوية. وهي اختارت أن تبدأ منفردة، ولم تقم بأي جهد لتشكيل تحالف دولي على غرار ما فعله الأميركيون. كما أن الحجم الأولي للعمليات كان واسعًا، بحيث ترددت أصداؤه في جميع الدول المهتمة بالأزمة السورية. بعبارة أخرى، فقد كان الدخول الروسي إلى الميدان احتفاليًا، يؤشر على المعاني السياسية المقصودة بأجلى الصور.
ما هو الغرض المباشر إذن؛ أي كيف تستثمر موسكو الأزمة السورية لتحقيق استراتيجيتها الدولية الجديدة؟
أميل إلى الاعتقاد بأن غرض روسيا الفعلي هو فرض أجندتها الخاصة لمؤتمر جنيف - 3. ويبدو أنها تستثمر التردد الأميركي، وأزمة اللاجئين في أوروبا. إنها، بكلمة أخرى، تستثمر الفراغ الذي خلفه إخفاق مشروع واشنطن لخلق معارضة على قياسها، وتستثمر انشغال العرب وأوروبا في قضاياهم الخاصة.
انعقاد مؤتمر جنيف - 3، وفق الأجندة الروسية سيكون فاتحة إنجازاتها الكبرى في منطقة نفوذها التقليدية، وهو بوابة عودتها إلى المجال الدولي كصانع تغيير، لا مجرد مستشار لواشنطن كما كان الحال حتى وقت قريب.
يمكن القول إذن إن سوريا قد تكون بوابة لعودة نظام الاستقطاب الثنائي في العلاقات الدولية. وهو تحول - إن حدث فعلاً - فسوف نرى عالمًا مختلفًا عما عهدناه خلال ربع قرن مضى.

الشرق الاوسط 7-اكتوبر 2015

http://aawsat.com/node/468536

01/10/2015

وجه آخر لأزمة اللاجئين السوريين



الزحف الواسع للاجئين العرب نحو الدول الاوروبية سوف يتحول على الارجح الى موضوع اهتمام رئيسي في مراكز الابحاث الأوربية. لعلها المرة الاولى بعد الحرب العالمية الثانية، التي تشهد اوربا زحفا بشريا بهذا الحجم عبر حدود دولية عديدة، من دون اتفاقات أو ترتيبات اقليمية. لم يسبق - بحسب علمي - ان انتقل نحو ألف شخص، خلال اسابيع قليلة، بشكل مفاجيء الى دول بعيدة نسبيا وغير معنية مباشرة بالازمة التي أخرجتهم من بلدانهم.
شكل هذا الاختراق تحديا جديا للمفاهيم الكلاسيكية حول الحدود والسيادة واللجوء الانساني. وهي من المفاهيم الاساسية في النظام الدولي. واذا تمت مراجعة أساسية لهذه المفاهيم فسيكون لأولئك الضعفاء الهاربين من جحيم الحرب، الفضل الأكبر في تطوير النظام الدولي على نحو يجعله أكثر مرونة وانفتاحا وأكثر انسانية.
ثمة مؤشرات طيبة عن استعداد اوربي لمراجعة تلك المفاهيم التي يرجع أحدثها الى الربع الثاني من القرن العشرين. من بينها مثلا النقد الواسع نسبيا لموقف دول اوربا الشرقية التي أغلقت حدودها بوجه المهاجرين، رغم انه - من الناحية القانونية البحتة - منسجم مع المفاهيم الراسخة حول الحدود والأمن الوطني والسيادة. ونظرا لهذا النقد فقد بررت تلك الدول تشددها بعوامل اقتصادية بحتة مثل العجز عن اعاشة اللاجئين. بينما جرت العادة على التوسل في حالات كهذه بمبررات الأمن والسيادة. ومن بين المؤشرات أيضا حديث انجيلا ميركل رئيسة الحكومة الالمانية عن «تغير ألمانيا» بعد اعلانها استقبال نصف مليون لاجيء خلال هذا العام، ومثل هذا العدد في الاعوام التالية. والمرجح ان حديث ميركل يشير الى التحول المتوقع في تركيب قوة العمل والتنوع الثقافي، فضلا عن العلاقات الاقتصادية المستقبلية مع الدول المصدرة للاجئين.
الموقف الالماني له أهمية خاصة، بالنظر الى ابتعاد المانيا عن الازمات الدولية بالقياس الى ابرز نظيراتها في أوربا، اي ايطاليا وفرنسا وبريطانيا، فضلا عن تصاعد التيار المعادي للمهاجرين في السنوات الأخيرة.
السويد التي عرفت أيضا بقلة المشاركة في القضايا الدولية خارج القارة الأوروبية انضمت الى المانيا في دعوة الاوربيين الى «إظهار مستوى لائق» من المسؤولية تجاه أزمة اللاجئين، والبحث عن حل للأزمة في الاطار الاوروبي. ولاحظ وزير الخارجية السويدي ان على الحكومات التحلي بحساسية أكبر تجاه المآسي الانسانية، لأن اللجوء لاسباب انسانية حق لكل شخص.
على المستوى السياسي يتوقع ان تتخلى أوربا عن موقفها تجاه الازمة السورية، الذي اتسم خلال السنوات الثلاث الماضية بقلة الاكتراث. الامر الذي يعزز الاتجاه نحو حل تفاوضي. من المؤكد ان قادة أوربا سيقولون ان الحل الصحيح لمشكلة اللاجئين يبدأ في مصدر الازمة، فهو أقل كلفة - على المستوى الاقتصادي والسياسي الداخلي - من استضافة مئات آلاف اللاجئين كل عام. ابرز علامات التحول جاءت من بريطانيا التي قال رئيس حكومتها انه يتقبل فكرة التفاوض مع بشار الاسد على حل ينهي الحرب، وهو موقف شبيه لما عبرت عنه مستشارة المانيا في وقت سابق. كما يمثل تحولا هاما عن موقف اوربي سابق ينادي برحيل الاسد أولا.
من المفهوم ان الجدل حول دور بشار الاسد لا يتمحور حول شخصه، فالجميع، بمن فيهم حلفاؤه، يدركون ان دوره سيكون محدودا ومؤقتا. يتعلق الامر بمشاركة الجناح الموالي للحكومة الحالية في اي حل، بما يعني ان تسمية اطراف الحل ومساراته لن يكون بيد المعارضة المعروفة اليوم، بل في عهدة اطراف دولية، بينها بالتأكيد الاتحاد الاوروبي.
اذا صح هذا التحليل فهو يعني أيضا ان ذلك الزحف البشري الذي استهدف الفرار من جحيم الازمة، قد ساهم، ولو من دون قصد، في تغيير مسارها، ولا سيما باتجاه انتزاع القرار من ايدي حملة السلاح واعادته الى يد السياسيين. هذا تطور غير مقصود، لكنه يظهر ان الحراك الواسع للجمهور قد يغير معادلات ثقيلة الوزن.
الشرق الاوسط 1-10-2015
http://aawsat.com/node/463746

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...